كلفت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية نهاية الأسبوع الماضي رئيسها عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة الحالية، بإجراء مباحثات مع الأحزاب السياسية لسد الفراغ الذي تركه انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة، بعد شد وجذب بين أمينه العام حميد شباط ورئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، شغلت الأوساط السياسية على مدى حوالي سنة، وكانت قاب قوسين أو أدنى، أن تتحول إلى صراع مؤسسات وليس صراع اشخاص، لما حاول حميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال أن يقحم المؤسسة التشريعية في شخصنة الصراع التاريخي الذي أرخت له فاس في العديد من المحطات الانتخابية الماضية بين شباط وبين بعض قيادات حزب المصباح، حينما حاول يائسا شحذ لسان عبد الكريم غلاب رئيس مجلس النواب لإسقاط اتهامات على رئيس الحكومة أمام الملأ وهو يلقي كلمة له في إحدى الندوات، مما حرك الماء الراكد بينهما وبدأت عملية تفعيل الاتهامات التي كانت على ما يبدو جاهزة، وهو ما كان سيدفع بهذه القفشات إلى ان تتحول إلى صراع مؤسساتي بين المؤسسة التشريعية والتنفيذية، الأمر الذي كان يراهن عليه الأمين العام لحزب الميزان، وهو يصوغ شكايته إلى الملك بعنوان"جهاد الكرامة" التي طاف بها المغرب شارحا لمناضليه سبب إقدامه على الانسحاب من الحكومة ، ولم يهدأ له بال حتى وضعها بين يدي جلالة الملك في استقبال خصه به بمدينة وجدة، وهي الوثيقة التي حولتها الحكمة الملكية إلى أرشيف القصر، ولم يكن أمام حميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال، إلا أن يطلب من وزرائه تقديم استقالتهم من حكومة عبد الاله بنكيران، بعد انتظار جواب جلالة الملك الذي لن ياتي، فكان انسحاب الوزراء الاستقلاليين، انسحابا قسريا غير مسبوق، أكده رفض محمد الوفا وزير التربية الوطنية في حكومة عبد الاله بنكيران تقديم استقالته في تحد لقرار الحزب، مصرا على البقاء ضمن تشكيلة الحكومة الحالية إلى أن يعفيه الملك، وهو ما دفع ببرلمان حزب الاستقلال إلى اتخاذ قرار بتوقيف محمد الوفا، تمهيدا لطرده من هياكل الحزب. وفي ذات السياق تستعد "حركة بلا هوادة" من قلب حزب الاستقلال لسحب البساط من تحت أقدام الأمين العام حميد شباط، بعدما عبأت أكثر من 60 برلمانيا ، قد يقلبون عليه الطاولة في أقرب وقت، كما أن استئناف الحكم في قضية تزوير انتخاب الأمين العام حميد شباط ، قد يقلب الأوضاع الداخلية لحزب الاستقلال رأسا على عقب، نظرا لتشبث المجموعة الفاسية بأحقية عبد الواحد الفاسي في رئاسة حزب الاستقلال. وتؤكد مصادر من الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، أن المشاورات قد تتم في مستهل الأسبوع مع بعض الأحزاب التي ستمنحهم أغلبية مريحة بإضافة خمسة وسبعين مقعدا برلمانيا للحكومة في طبعتها الثانية، مما سييسر من مهام تنفيذها لبرنامجها الحكومي التي تعاقدت فيه مع الشعب المغربي من أجل الرفع من مستوى كرامة المواطن في ظل دولة الحق والقانون، بناء على أسس ديموقراطية تشاركية فعالة، وتنزيل للدستور الذي صوت عليه الشعب المغربي بأغلبية ساحقة. كل هذا من أجل بناء دولة قوية باقتصادها، محصنة بجبهتها الداخلية ،دولة فاعلة مبادرة وخلاقة تروم تشجيع الأفكار والخبرات في مختلف مجالات الحياة الوطنية، دولة تسع لكل المغاربة باختلاف أطيافهم السياسية والمجتمعية المدنية والحقوقية، ولكل الإثنيات والثقافات المغربية المتعددة والمتشعبة. إن التحلي بالحكمة والتعقل وتغليب مصلحة الوطن والمواطنين على كل المصالح الشخصية والحزبية الضيقة في تدبير الشأن العام للبلاد، كفيل بتحقيق طفرة اقتصادية نوعية ومهمة، تمكن البلاد من الخروج من هذه الأزمة الاقتصادية التي ترهن مستقبل البلاد والعباد في غياب تدبير محكم مبني على الحكامة الرشيدة والمنطق الواقعي الذي يمكن المغاربة من تحسين وضعهم الاجتماعي المتدهور، ويرفع من مستوى التراتبية للمغرب على المستويين الإقليمي والدولي. لذلك فالرهان على المناصب القطاعية في المشاورات بين رئيس الحكومة عبد الاله بنكيران وباقي الأحزاب المرشحة لدخول الحكومة في طبعتها الثانية، لا يجدي بالنظر للظرفية المتأزمة التي تعيشها البلاد والتي تفرض انتفاضة جدية من أجل إيجاد حلول ممكنة وواقعية، ما لم تعتمد على كفاءات وطنية من قلب المشهد السياسي المغربي لهذه الأحزاب المرشحة، في نكران للذات وللشخصنة في عملية الاستوزار، معبأة بخبرات وباقتراحات ملموسة وواقعية تروم التنفيذ الفوري لبرامجها في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والرياضية والفنية والثقافية والفلاحية وغيرها من المجالات الأخرى. خصوصا ، إذا ما اعتبرنا أن المرجعية الليبرالية التي تعد أرضية مشتركة بين أغلبية الأحزاب التي تشكل الائتلاف الحكومي الحالي باستثناء حزب التقدم والاشتراكية ذي المرجعية الاشتراكية، تبقى أحزاب العدالة والتنمية والحركة الشعبية والأحرار والاتحاد الدستوري، المؤسس للشبكة العربية لليبراليين، مؤهلة لأن تلعب دورا مهما في إخراج البلاد من هذه الأزمة انطلاقا من خبرتهم في تدبير الشأن العام ووفق المنطق الليبرالي المعمول به في الكثير من الدول التي حقق اقتصادها نموا مضطردا ، وتوسعت بفضله الشركات المتعددة الجنسيات، كما أن كل هده الأحزاب لم يحدث أن وصل الخلاف بينها إلى ما وصل إليه الصراع بين حميد شباط الأمين العام لحزب الميزان، وكذلك بعض قيادات حزب الأصالة والمعاصرة في نقاشهم الحاد الخارج عن المألوف مع عبد الاله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس حزب المصباح. كل هذه العوامل مجتمعة، إذا ما استثمرت في الاتجاه الصحيح، قد تساهم في بلورة تصور فعلي من أجل برنامج حكومي واقعي يخرج اقتصاد البلاد من عنق الزجاجة ، ويسمح بانفراج اجتماعي يرسخ السلم الاجتماعي المغربي ، ويطمئن المغاربة على مسار عيشهم اليومي، ويؤكد مرة أخرى على أن المغرب بلد استثنائي في كل شيء.فهل تتحقق هذه الرهانات في ظل الطبعة الثانية لحكومة عبد الاله بنكيران؟.