تتجه العصابة الحاكمة بالجزائر إلى ضرب عزلة تامة على بلادها بفعل تماديها الصادم في تصريحاتها وقراراتها وتحركاتها العدائية ضد سيادات الدول، حيث لم تترك دولة ولا هيئة أو منظمة أو مؤتمرات أو ملتقيات أو تجمعات في العالم إلا وأقحمت عربدتها فيها، بعد استنفادها كل الوسائل والسبل لجر المغرب إلى الركوب معها في سفينتها الغارقة في الشتائم والأحقاد والمؤامرات، ومبادلتها القصف والعربدة والمجازفة بمكانته الاعتبارية وسمعته الدولية وموثوقيته والتزاماته الأخلاقية والديبلوماسية. ومن ثمة، فإن اندفاع العصابة الحاكمة في الجزائر إلى تدويل فضائحها وتدوينها على رؤوس الأشهاد في المحافل الدولية، يجعلها في مواجهة المجتمع الدولي، الذي تعتقد أنها تُشهده على مظلمة تتعرض لها، بينما هي في الواقع تعرض، من حيث لا تحتسب، عاهاتها وعقدها عليه، وتجعل من لم يقتنع بعد بنشاز العصابة الحاكمة في الجزائر، وشرودها عن منطق التاريخ والواقع والحقيقة بل ومنطق الدولة نفسه، يتأكد بأنه بالفعل أمام شذوذ وانحراف فظيعين في مفهوم الدولة ومفهوم العلاقات الديبلوماسية بين الدول والشعوب والتي تؤطرها مفاهيم وقوانين، وترتبط فيما بينها باتفاقات ومعاهدات ومصالح مشتركة، وأخلاق والتزامات مرعية حتى في أشد الأزمات الخانقة والحروب الضارية والخلافات المعقدة. لقد أحسن المغرب صنعا حينما التزم الصمت وسياسة ضبط النفس في مواجهة الاتهامات الجزائرية الوهمية والمتلاحقة، التي لم يعرها المجتمع الدولي أي انتباه، ولا شغل نفسه بالتحقيق فيها أو مناقشتها، تاركا الجزائر تتسمم بها، لعلمه المسبق أن هذه الاتهامات تدخل في سلسلة ما استنتجه المحللون والخبراء الدوليون من أن العصابة الحاكمة في الجزائر ترفع أمام شعبها، في ظل أزمة خانقة داخلية، شعار العدو الخارجي والمؤامرة الدولية، لصرفه عن مطالبه السياسية بدولة مدنية وبالديمقراطية والحرية والعدالة، وعن مطالبه الاجتماعية والاقتصادية بالأمن الغذائي ومحاربة المضاربة في أرزاقه وأقواته، والاستفادة من الثروة الوطنية الهائلة المنهوب قسم منها من قبل جنيرالات الحرب، والمهدور قسم آخر منها على مرتزقة تيندوف. وبينما العالم في زمن العولمة التكنولوجية والثورة المعلوماتية، لم يعد فحسب قرية صغيرة مكشوفة للجميع، بل غرفة أنترنيت ترصد فيها كل دردشة وكل صغيرة وكبيرة، تواصل العصابة الحاكمة في الجزائر اعتقادها أن لا أحد يرى جرائمها المفضوحة، ولا أحد يشهد مسرحياتها الهزلية ومونولوغاتها الداخلية، وأن زمن وسائل الاتصال القديمة القائمة على البريد الورقي وأمواج الإذاعة يتواطأ معها في إخفاء الحقائق وحجب الواقع والتستر على الجرائم، والحال أن العالم في هذه الغرفة الصغيرة، التي لا تكاد تسقط فيها إبرة إلا ويعلم حالها ومآلها، صار أقدر اليوم من أي وقت مضى، على ضبط العصابة الحاكمة في الجزائر في كل تلبساتها، وفي كامل عريها واستعرائها. فمن خلال ما تم رصده من مواقف دولية باردة لم تحرك ساكنا بصدد اتهامات العصابة الحاكمة في الجزائر للمغرب ولدول الجوار، بل لدول بعيدة عنها جغرافيا ولمنظمات وهيئات وتجمعات عالمية، مع خطورة الاتهامات واقتضائها تحركا للتحقيق فيها أو الإجابة عن الانتهاكات التي تشير إليها، نعلم أن المجتمع الدولي أدرك بما لا يدع مجالا للشك، أن هذه الاتهامات الخطيرة وغير المسؤولة، ظاهرها السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، وباطنها الحقيقي تدبير شأن داخلي جزائري لا علاقة للمغرب ولا لأي دولة به، وأي تدخل فيه من شأنه أن يزيد العصابة التي تدبره توغلا في حشد الشعب الجزائري وتعبئته وراءها باسم مواجهة خطر خارجي داهم ومؤامرة على مصالح الشعب الجزائري، وبالتالي تعطيل مفعول الحراك الشعبي ضد العصابة، بعد أن بلغ مستوى من النضج والقوة وإدراك حقيقة العصابة الحاكمة ومخططاتها للبقاء بأي ثمن في هرم الدولة الجزائرية المستنزَفة والنازفة. لا مؤامرة على الجزائر إلا من العصابة التي تحكمها وتتحكم من جهة في الأرزاق والأقوات، وتشغل الناس بفتنة طوابير التمويل بالزيت والحليب والدقيق والبطاطس، وكل مقومات المعيشة البسيطة والضامنة للحد الأدنى من الكرامة، وتتحكم من جهة ثانية في توجيه الأحقاد والكراهيات والنزعات العدوانية الناتجة عن فشل وإخفاق النموذج التنموي الجزائري وسوء تدبير الثروات، لتوجه وتصب كلها في ميادين الرياضة والثقافة والاجتماع والسياسة الخارجية، تأمينا للعصابة من المحاسبة، وإطالة لأمد بقائها في السلطة، واستكمال حلقات مشروع نهب الثروة وتوزيعها على المقربين والأزلام، وتهريبها إلى الخارج والاستئثار بها دون بقية الشعب المشغول بالدعاية الحماسية القومية الكاذبة وبالقوت اليومي المفقود والمتلاعب به في الأسواق. إن ضرب العصابة الحاكمة في الجزائر الخناق على الجزائريين بما تفتعله من صراعات وبطولات وهمية مع المغرب، وما تختلقه من عداوات وكراهيات، وما تمارسه من جنون وترفعه من سعار وتثيره من غبار، في المحافل الدولية، تعلم قطعا أنه في هذا الزمان والأوان المطبوع بتداعيات ومراجعات ما بعد "كورونا" وحرب أوكرانيا، وظهور متغيرات في التحالفات الدولية، لم يعد يجدي نفعا في تضليل الشعوب والوصاية على الدول وتخويف مراكز القرار الدولي والضغط عليها. فالعالم في اتجاه كتابة تاريخ جديد للعلاقات الدولية وللتعاون الأممي على نزع فتائل الفتن والحروب ومخلفات الحرب الباردة، وردم بقايا بؤر التوتر، والتصدي للإرهاب ورديفه الانفصالي، فيما تتجه العصابة الحاكمة في الجزائر إلى مزيد تورط في إنتاج العدوان والإرهاب والانفصال، وتحسب أنها تمس به المغرب عدوها الكلاسيكي والأبدي، كما تزعم، فيما هي كلما وجهت تهمة، أو أصدرت تقريرا، أو صدر عنها تصريح مناوئ وموتور، أو اتخذت موقفا غير محسوب العواقب ومغيب عن سياق التحولات الدولية الراهنة، إلا ومست بكل هذه الخرجات دولا وشعوبا أخرى ومصالح متشابكة، بما فيها مصالح الشعب الجزائري نفسه. فقد أحسن المغرب طيلة نصف قرن من إدارته وتدبيره الحكيمين لعدوان العصابة المتغولة في الجزائر، أن يربط قضيته الوطنية العادلة بالالتزامات الدولية، وبمشاريع الحل السياسي وبمبادرات السلام، وأن يربط مصالحه مع مبادئ التعاون الدولي، ومع مقتضيات الشراكات الاستراتيجية الناجحة، ومع سياسة "رابح رابح"، التي يستفيد منها الجميع ويعم نفعها القريب والبعيد، فكان بهذا الصنيع الديبلوماسي والتنموي سدا منيعا في المنطقة ضد كل مؤامرات زعزعة الاستقرار والأمن الإقليميين والقاريين والدوليين، مستشرفا للمستقبل الآمن والمشترك الذي يصنعه اليوم قطعة قطعة مع شركائه الدوليين. فلا غرو إذا، أن تتلاحق الاعترافات بمبادراته السلمية لحل النزاعات الإقليمية، بما فيها مبادرته باقتراح الحكم الذاتي لأقاليمه الجنوبية في إطار سيادته الكاملة على ترابه الوطني المحرر، وأن تكون أراضيه محجا دوليا لاحتضان الشراكات والمؤتمرات والملتقيات التي تصنع فيها القرارات المؤثرة والضاربة في جذور القيم التعاونية الإنسانية على الخير والبر والعدل والكرامة. ولا عزاء للعصابة الماضية في احتضان المؤامرات، وفي ضرب العزلة على الدولة الجزائرية، وفي مزيد حقن الشعب الجزائري وحراكه بمهدئات ومسكنات "المؤامرة"، وبمحاليل الغازات المسمومة والفاسدة، وقطع شرايين وأنابيب الحياة عنه، وهي في كل ذلك لا تزيد عن إطلاق الرصاص على أقدامها، قبل أن تخر في سقطة مدوية بأيديها، الأمر الذي يفسر صمت المجتمع الدولي المطبق عن مقابلة عربدتها وتخرصاتها التي تصيبها في مقتل، بما تستحقه من رد قاس، لأن الرد الكافي والشافي عليها هو هذا السقوط نفسه المنتظر منها والمرتقب، "وكفى الله المؤمنين القتال".