إن المخاض السياسي و الاقتصادي الذي تتخبط فيه العديد من دول العالم في ظل التحولات السلبية خاصة من الناحية الاقتصادية، جعل لزاما و بكل إلحاح على الدول النامية والسائرة في طريق النمو أن تتلمس مسلكا اقتصاديا يؤدي إلى مخرج من متاهات الضياع السياسي و التو تر الاقتصادي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه سيما في الجانب الاجتماعي للشعوب. و إذا كان المغرب قد بذل و يبذل قصارى جهده من الناحية السياسية لبلوغ الأهداف الاقتصادية، حفاظا على التوازنات المالية التي من شأنها تجنيب البلاد كل ما من شأنه التأثير على الوضع الاجتماعي الراهن، بشكل تفاؤلي من خلال العمل على تفعيل برامج اجتماعية تلوح في الأفق لصالح الفئات الاجتماعية مادام أن المسألة الاجتماعية تتضمن عدة قضايا و أحداث بشرية لا يمكن تفسيرها التفسير الكافي بإرجاعها إلى المنطق السياسي المحض أو المنطق الاقتصادي بمعناه الواسع أيضا. و إذا كان المغرب يعتبر نفسه قد حقق قفزة نوعية في مجال الحريات وحقوق الإنسان، محققا بذلك انتقالا ديموقراطيا واسعا ليبوئه أفضل التجارب في شمال افريقيا و الشرق الأوسط إلى حد الآن، وهو أمر واقع بالتأكيد، هذا الانتقال الذي لم يكن وليد صدفة أو نتيجة حسنة لمؤسسة أو منظمة دولية، بل نتيجة التوافق الكامل الذي كان ثمرة التزام قوي لجلالة الملك محمد السادس نصره الله من جهة، وانخراط قوي لفئات المجتمع التي آمنت على مدى عقود بتحقيق الديموقراطية و الانتقال إلى مصاف الدول المجاورة شمالا لا شرقا في سبيل تحقيق الرفاه و العيش الكريم لمواطن كان دائما متشبثا بمقدسات البلد قلبا وقالبا. و المعروف هو أن ظهور أي أزمة يكون بأسباب و مسببات، و أن موقف الحكومات بصورة عامة يتأرجح بين الاستخفاف بالمشكل الناتجة عنه الأزمة و تأجيل البث فيه، وبالتالي يتم تقاذف المشكل و التملص من المسؤولية تاركة الحكومة التي تليها تقدر كيفية تدبير الأزمة. و موضوع مستجدات المشهد السياسي المغربي الراهن لا يخرج عن هذه القاعدة اليوم من خلال المواقف الباهتة للحكومة من خلال تصرفات تعكس عدم الرغبة في الانخراط في أي عمل عنوانه " المشروع المجتمعي الديموقراطي "، بل تؤمن فقط بمبدإ " نحن وبعدنا الطوفان"؛ هو بطبيعة الحال منطق من طلق لهم العنان في مرحلة دقيقة جدا تبقى محكومة بما هو إقليمي و ما هو دولي ، للتصرف نيابة عمن عبروا عن روح مفعمة بالآمال كلها رغبة في الأحسن؛ غير أن سوء تقدير استخدام سلطة الدستور بتبني منطق المشاركة السياسية افتراضيا و نظرية من معي و من ضدي واقعيا لتكون الوسيلة المثلى لخنق الفكر التحرري و الانفتاحي وخنق كل نفس راغب وطامح في الحرية و استكمال الاصلاح، فمن استراتيجية تجاهل الأخر إلى معاكسته و التضييق عليه، فمن أحزاب معارضة تشتكي رئيس الحكومة إلى المواطنين بأنه لا يرغب في لقائها منذ تشكيل الحكومة، إلى نقابات تشتكي السلطة التنفيذية إلى الشارع الذين جعل من حزب معارض حزبا حاكما، إلى أنه لا يؤمن بالجلوس إلى طاولة التفاوض و الحوار من أجل ايجاد سبل العلاج للأزمة الخانقة و التي منطق التدبير فيها يجر إلى تفاقم حدة اليأس و الاحباط و من خلالها الرفع من درجة الاحتقان الاجتماعي؛ و هو منطق يحيل على الفهم أن المعادلة الرقمية و إن كانت قوية فإنها تعاني ارتباكا و عجزا على مستوى إنتاج سياسات عمومية قادرة على ضبط التوازنات المجتمعية ، بل إنها اليوم بتصرفات تدبيرية غير محسوبة تساهم في الاساءة إلى الصورة الجميلة التي اشتغل عليها المغرب و حسنها في سبيل إرساء موقع على الساحة الدولية يليق بتاريخه و سمعته و ذلك في وقت اجتمعت فيه جميع الأجسام وأصبحت لحمة واحدة داخل مجتمع واحد يحاول استنهاض قواه واستعراض تجاربه في الخارج تحصينا للاختيارات الديمقراطية و تدعيمها بالإصلاحات المؤسساتية و الدستورية الضرورية، و بما يلزم من المقومات لإحقاق العدالة الاجتماعية و الإنصاف بين الأفراد و الجماعات و الجهات، و تدعيم ركائز دولة القانون ولعل كل ذلك يحتم على الحكومة خلق الشروط الضرورية لاسترجاع ثقة المواطنين في نبل العمل السياسي و أهمية الانخراط الملتزم في المجهود الجماعي من أجل رفع تحديات التنمية. فخارج أي تصور هادف إلى ترسيخ المكتسبات الحداثية و إغنائها بمزيد من التطور و الانفتاح مع التشبث بمقومات الشخصية الوطنية الأصيلة بتعدد و تنوع روافدها و بانفتاحها على القيم الإنسانية الكونية واعتماد المقاربة التشاركية للمواطنين في عمليات تصميم و إنجاز و تتبع و تقييم برامج و مشاريع التنمية المرتبطة بحاجياتهم و انتظاراتهم الفعلية، فالحكومة مفروض أنها حكومة الجميع و من أجل الجميع دستوريا. إن عقلنة منظومة اتخاذ القرار لا يمكن أن تتم إلا من خلال الانفتاح على تعدد وجهات النظر و اعتماد أسلوب التخطيط العلمي و إشاعة ثقافة المحاسبة باعتبارها مدخلا لا غنى عنه للقضاء على ظواهر الرشوة و سوء تسيير أو نهب الموارد العمومية و الإفلات من العقاب، لعل الأزمة المالية خانقة و تتطلب تظافر جهود كل المكونات غير أن الحكومة لا زالت ماضية في أناها و لا تنظر إلا إلى المرآة التي تعكس وجهها.