بلغة سياسية عادية يمكن القول إن الاستحقاقات الانتخابية المقبلة تشكل محطة كبرى في المسار السياسي والديمقراطي للمغرب، ولن يكون من المبالغة في شيء القول إن هذا الاستحقاق يشد الأنفاس ويستحوذ على اهتمامات وترقبات الرأي العام الوطني ومختلف أوساط المتتبعين والمهتمين بقياس حرارة المد الديمقراطي في التجربة المغربية بكل خصوصيتها. وعلى قدر ما لها من أهمية استثنائية ، فالمفروض أن تناط مهمة إنجاز هذه الاستحقاقات بكل ما يلزم من إرادة سياسية وتوفير كل الشروط والأجواء اللازمة لنجاحها ولجعلها منعطفا جديدا نحو تقوية البناء الديمقراطي ومكتسباته ومؤسساته. وإذا كان ذلك هو المفروض أو المفترض، فهناك، مع الأسف، ما يشير إلى وجود تخوفات وحالات قلق ترسم علامات استفهام كبيرة أمام عملية تحضير وتدبير وإنجاز مهمة المحطة الانتخابية الهامة. ولن تكون هناك حاجة للعودة إلى المواجهات والمجابهات التي جرت تحت قبة البرلمان بهذا الصدد، لأن الساحة السياسية ومنابر الفعاليات الحزبية والجمعوية تنبه، من الآن، إلى سلوكات وممارسات من شأنها الإضرار بمصداقية ونزاهة العمليات الانتخابية الجماعية والجهوية. فمن أوساط أحزاب المعارضة، وفي بلاغات رسمية لقياداتها الوطنية، تأتي البيانات المعبرة عن ( القلق الكبير من كيفية تدبير الحكومة لموضوع الانتخابات المقبلة والذي اتسم بالارتجال والتأخر والانفراد وعدم الوضوح) وتعبر ذات البيانات عن (الاستغراب من سياسة الأمر الواقع الذي لجأت إليه الحكومة في كل القضايا التي تحتاج إلى نقاش وطني عميق وهادئ). وما تم التعبير عنه على الصعيد الوطني سجل أيضا على المستويات المحلية. ونكتفي هنا، على سبيل المثال، بالبلاغ الصادر عن نفس الأطراف السياسية زائد التنطيمي المحلي لحزب من الأغلبية الحكومية، بإقليم الفقيه بنصالح، حيث يشير البلاغ إلى(الممارسات والسلوكات غير القانونية لمنسق إقليمي لحزب سياسي يشغل في نفس الوقت مهمة وزير ..) مع إضافة البلاغ لشجبه (للطرق المشبوهة التي يلجأ إليها الوزير في استقطاب مرشحين عن طريق الإغراءات والوعود الوهمية). و أي تأمل في أية احتجاجات بشأن هذا الموضوع لابد وأن يقود إلى التساؤل عن دور ومسؤولية رئيس الحكومة تجاه الاستحقاقات المقبلة. فرئيس الحكومة، في حواراته وندواته، يصرح بأنه سيعمل من أجل أن لا تكون هناك ذرة تشكيك في الانتخابات القادمة، وحين يسأل عن إمكانيات وضمانة النزاهة يجيب:( الضامن هو الله) ؟ . والحقيقة أن أي خطاب (متذبذب) من هذا النوع لا يمكن إلا أن يفتح الأبواب مشرعة أمام كل التقديرات والسلوكات المحتملة أو المرجحة والتي تجعل (شروط النزاهة مفتقدة إلى اليوم). في حين أن موضوع الاستحقاقات الانتخابية ، وكما أشرنا في المستهل، يقتضي التحلي بأقصى درجات السلوك المسؤول البعيد كل البعد عن الحسابات والاعتبارات الفئوية الضيقة التي لن تفضي إلا إلى الإضرار بالممارسة الديمقراطية. فلا مجال للتهرب من المسؤولية أو تمييعها. والمسؤولية السياسية والتدبيرية هنا واضحة كل الوضوح ، سواء بحكم الدستور أو بحكم واقع تولي الإشراف الفعلي على تدبير الشأن العام الحكومي والتحكم في مفاتيحه. ومن نافلة القول أن المسؤولية في زمن ربطها بالمحاسبة تعني جعل كلمة المواطن هي الفيصل، وهي الرقيب والأداة الكفيلة بمواجهة كل الانزلاقات وتصحيح أي اختلالات أو أي تعثرات في تحمل المسؤولية وما ينجم عن ذلك من عواقب. وإذا كان المسلسل الانتخابي الذي تنخرط فيه البلاد يعد، بكل حلقاته ، محطة فاصلة للتقويم ولتصحيح الأوضاع ، فذلك بالذات هو ما يجعل هذا الموعد لا يحتمل أن يكون هناك أي تجاوز أو تلاعب بالمسؤولية وبسمعة البلاد وبما كدسته من رصيد هام على طريق البناء الديمقراطي. لقد اختار المغرب المضي بكل جدية على هذا الطريق الذي جعله المغاربة اختيارا لا رجعة فيه، ومن ثمة لا يقبل من أي كان ، وبأي شكل من الأشكال، المساس بقواعد هذا الاختيار وبشروط النزاهة والتنافس الشريف بين البرامج والبدائل السياسية في تدبير الشأن العام.