وأنا أتفرج على شريط فيديو شرطيي طانطان والسائح الإسباني، شعرت كمواطن مغربي بالخجل والخزي والعار، وطفحت سخطا وغضبا، وتملكني إذلال وشعور بالمهانة لا يطاق، نتيجة السلوك والتعامل المخزي لشرطيي الحاجز الأمني المروري مع السائح الإسباني، الذي كان يمتطي دراجة نارية، ويحمل كاميرا صغيرة مزروعة في الخوذة الواقية التي يضعها على رأسه، وهو في طريقه إلى مدينة العيون. وأيضا بسبب حجم الإستهتار بشرف المهنة، وإنزلاق الشرطيين في التعامل معه، إلى مستوى يبعث على التقزز. مُقدمان بذلك عن وطنهما وعن الجهاز الأمني الذي ينتميان إليه، صورة غاية في البشاعة والقبح، على عدة مستويات: ابتزاز السائح الإسباني، بل و"تزطيطه" بشكل أقرب إلى التسول و"السعاية" ومد اليد، وبطريقة يندى لها الجبين. فقد ظهر أحد الشرطيين بمباركة من زميله، فاقدا للمسؤولية المهنية تماما، في صورة مقززة، وهو يحاول بكل السبل والطرق، الحصول من السائح على رشوة، مستعملا كل اللغات، والألفاظ، وحتى الحركات (cadeau – regalo – euro – the money) بينما كان هذا الأخير يوثق العملية بالصورة والصوت، حيث سيوظف الفيديو لاحقا توظيفا سلبيا، يضر بسمعة البلاد، ويوجه ضربة قاصمة لصورتها، وصورة أجهزتها الأمنية. وكم كانت الطامة عظيمة بعدما قام الشرطي باستلام رشوة من السائح، عبارة عن ورقة نقدية من فئة مائة درهما، بشكل سافر، ومن دون أدنى تأنيب للضمير، وقام الثاني بإرجاع "الصرف"، بورقة نقدية من فئة خمسين درهما، وكأن الأمر يتعلق بعملية بيع وشراء "بالعلالي". !! وهو ما قد يوحي بأن هذا الحاجز الأمني، الذي تستغل فيه هيبة الدولة وجهازها الأمني، وقوة قوانينها، إنما هو حاجز "لتزطيط" العابرين للمكان، مواطنين كانوا أم أجانب. !! غياب الصرامة التي تقتضيها المسؤولية الأمنية، والإنضباط المهني اللازم في التعامل مع السائح. بحيث خرج الشرطيان عن قواعد التعامل المهني المسؤول، والإحترام اللازم، الذي تقتضيه أبجديات تواصل رجل الأمن مع مستعملي الطريق، في إطار إعمال وإنفاذ القوانين الجاري بها العمل. وراحا يناقشان معه كرة القدم الإسبانية، والفريق المفضل لديه ومدربه.. هزال مستوى التواصل اللغوي، الذي ينم عن تكوين هش وضعيف للغاية. حيث استعمل الشرطيان في تواصلهما مع السائح المذكور، "جخلطة" لغوية ركيكة تبعث على الشفقة، لا هي بالفرنسية ولا هي بالإنجليزية ولا هي بالإسبانية، ولا هي بالسليمة المفهومة أصلا، ولا هي حتى بلغة الصم البكم، من كثرة الحركات والإيحاءات والإيماءات اليدوية المستعملة، التي كانت تهدف في مجملها، إلى الوصول إلى هدف واحد محدد، وغاية معلومة، وهي الحصول على رشوة!! التراخي الأمني الفادح الذي أبان عنه الشرطيان، من خلال اللامبالاة في التدقيق في هوية الرجل، ومعرفة حمولته، وهو الذي كان يزرع في خوذته كاميرا فيديو، التقط من خلالها ما شاء من صور، هي الآن تستعمل للإساءة إلى الوطن وإلى أجهزته الأمنية. وقد تمظهر ذلك بشكل صارخ، بعدما تحاورا مع السائح حول كرة القدم، بعيدا عن الإجراءات والتدقيق الأمني اللازم، واستلما منه في النهاية رشوة، وتركاه بتساهل كبير يذهب إلى حال سبيله، كي يسرح ويمرح في ربوع البلاد. والحال أن استعمال المسؤولية المهنية والتدقيق الأمني، كان يستوجب منها، على الأقل، التوصل إلى وجود كاميرا مزروعة مُشغلة، في الخوذة التي يحملها، والتأكد من دواعي استعمالها. إن فضيحة شرطيي طانطان، تعيد مرة أخرى إلى الواجهة، طرح مسألة الشرف المهني في جهاز الشرطة، وما يقتضيه من انضباط، ومسؤولية، وتفان في أداء الواجب، واحترام للمواطنين، وحرص على سلامة وأمن وصورة البلاد، وكذا صورة أجهزتها الأمنية. خاصة بعد تنامي فضائح هذا الجهاز، المصورة والمنشورة على الأنترنت، سواء المتعلقة منها باستلام الرشوة، أو الشطط في استعمال السلطة وإهانة المواطنين. فأن يتحول الشرطي إلى "زطاط" على المحاور الطرقية، وعند الحواجز المرورية، يقوم بابتزاز المواطنين من سائقي عربات النقل المختلفة، ودفعهم إلى منحه رشوة، أمر يسيء إلى هيبة هذا الجهاز، ويضر بمصلحة الوطن العليا، وبأمن وسلامة وطمأنينة المواطنين. ويكرس ثقافة تقوم على أساس خرق القوانين وعدم الإنضباط لها، وبالتالي يبطل الأهداف النبيلة التي يسهر هذا الجهاز على تحقيقها والحرص عليها. ولا يخفى أنه لا يستقيم أي شيء في البلاد، من دون استتباب للأمن، وبالتالي طمأنينة للمواطنين. إن مثل هذه الفضائح برغم كونها حالات معزولة محدودة، لكنها للأسف تعرف تناميا وتفاقما مستمرا، على الأقل بالنسبة للحالات التي توثقها الصورة والصوت، وربما ما خفي كان أعظم. وتبرز خطورة مثل هذه الأفعال التي أقدم عليها شرطيا طانطان، في أنه بإمكانها أن توفر ثغرات أمنية لأعداء البلاد، خاصة على حدودها المترامية الأطراف وفي المطارات والموانئ، ومختلف المواقع الإستراتيجية، حيث يرابط رجال الأمن، للسهر على أمن وسلامة البلاد والمواطنين. ولا يخفى أن أي تغاض أو تراخ مقابل رشوة أو إغراء، قد يكلف البلاد والمواطنين غاليا، في ظل الخطر الإرهابي متعدد الأوجه الذي يتربص ببلادنا. إن المسؤولية الجليلة التي يضطلع بأدائها جهاز الشرطة ورجال الأمن، هي في غاية الأهمية والنبل، وأيضا على قدر كبير من الخطورة. وهي في الواقع أكبر وأشمخ من أي إغراء أو استدراج أو رشوة، مهما ارتفعت قيمتها، والتي لا يمكن أن تقدم للمستفيد منها، سوى الإذلال والخزي والتبخيس، وربما أزمة ضمير مستديمة. وإن أداء هذه المسؤولية بنوع من اللامبالاة والإستهتار والتراخي، كما حصل في نازلة طانطان، قد يضع أمن البلاد وسلامتها، وطمأنينة مواطنيها على كف عفريت. لا يمكن سوى لجاحد أن ينكر التضحيات الجسام، التي يقدمها رجال الأمن في مختلف الجبهات ومختلف الظروف، من أجل أن ينعم الوطن والمواطن بالطمأنينة والسكينة والتقدم. ولكن للأسف، يمكن لبعض السلوكات المشينة، الصادرة عن بعض أفراد هذا الجهاز، أن تلطخ هذه الصورة، وتشوه الوجه الجميل لهذه الرسالة، وتفقد المواطن الثقة في رجال الأمن. من قبيل ظاهرة الرشوة التي تجرد رجل الأمن من هيبته، وتبطل مفعول الرسالة النبيلة التي يضطلع بها، وتحرم وطنه من مستحقات يقرها القانون، وتلقن المواطنين ثقافة الإفلات من العقاب، والإستهتار بالمسؤولية والواجب. وكذا الشطط في استعمال السلطة ضد المواطنين، ما يجعل صورة الشرطي في المخيال الإجتماعي، مرادفة للخوف والنفور والرفض. والحال أن الرسالة النبيلة لرجل الأمن، تقتضي أن تكون صورة رجل الأمن مرادفة للطمأنينة والسكينة والأمن والأمان. عندما يسيء بعض أفراد رجال الأمن ، إلى شرف المهنة وإلى سمعة الوطن.. !!