الصديق الصادقي العماري باحث في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا مهتم بقضايا التربية والتكوين والتنمية .توطئة إن أزمة القيم تعد من السمات الواضحة في العصر الحاضر، نتيجة لطغيان المادة على ما حولها من قيم ومبادئ، فالتقدم الباهر الذي وصل إليه الإنسان لم يحقق له التوازن النفسي الذي يبتغيه، بل إنه ساعد على اهتزاز القيم وضحالتها بداخله فأصبح كل ما يهمه المادة فحسب٬ فهو لايرى إلا ذاته، ولا يسمع إلا صوته٬ ونتيجة لهذا ضعفت القيم التي تحافظ على الترابط الاجتماعي. مما أدى إلى تفشي مشاكل اجتماعية كثيرة مثل الانحراف وتعاطي للمخدرات بكل أنواعها٬ وتفكك الأسر نتيجة الطلاق و الأمية و البطالة وطغيان أسلوب العنف٬ ومشاكل أخرى كالتشرد والتسول والعدوانية والفردانية لأن الأفراد أصبحوا لا يهتمون إلا بما يخدم مصالحهم الشخصية٬ وكذا الغش و الرشوة و المحسوبية. وبالتالي أصبحت الحاجة ماسة إلى التربية على القيم و المبادئ الأساسية التي تنظم العلاقات الانسانية بين الأفراد. وتعد المدرسة أحد الأجزاء الأساسية للمجتمع٬ والتي تقوم بفعل التربية و التكوين٬ من أجل تأهيل المتعلم لكي يكون قادرا على الاندماج في هذا المجتمع عبر مجموعة من الوظائف الايجابية والسلوكات المدنية الفعالة. وهذا الهدف الأسمى لن يتحقق٬ في نظرنا٬ إلا باعتماد فلسفة تربوية تقوم على برامج ومناهج حية تستهدف ترسيخ قيم المواطنة و السلوك المدني وقيم حقوق الانسان٬ يكون لها آثار إيجابة على الفرد والمجتمع. فماهي علاقة التربية بمنظومة القيم؟ وكيف تساهم التربية على قيم المواطنة وقيم حقوق الانسان في تكوين متعلم اليوم٬ وتأهيله ليصبح مواطن الغد؟ وهل يكفي اعتماد هذه التربية القيمية في البرامج و المناهج التعليمية للحكم على سلوك المتعلم بالاستقامة و الصلاح بما يجعله مستقبلا مواطنا صالحا؟ أم أن هناك إجراءات أخرى أساسية إضافة إلى الفلسفة التربوية المعتمدة؟ 2.التربية و منظومة القيم : أية علاقة؟ إن القيم ضرورية لتحقيق السعادة للفرد والمجتمع، وتنظيم سلوك الناس، مما ييسر العيش الهادئ الكريم ويحفظ الحقوق، ويمنع الطغيان والاعتداء، فهي تعمل على تحقيق المجتمع المتعاون على الخير، وتجعل المسؤولية بين الفرد والمجتمع تبادلية وتضامنية ومتوازية، تحفظ للجماعة مصلحتها، وقوة تماسكها، وللفرد حريته، وبدون القيم تنحط الجماعة البشرية إلى مرتبة الحيوانية ويكفي ٬للتدليل على ذلك٬ أن نتصور مجتمعا خاليا من الصدق والأمانة، والإخلاص، والعطف على العاجز والفقير، وحب الخير، لاشك أن هذا المجتمع لا يمكن أن يستقيم له أمر من دون وجود تربية على قيم و أخلاق نبيلة. فالقيم ترتبط بواقع الحياة اليومية ارتباطا وثيقا، لأنها ينبغي أن تكون في الحقل، والمصنع، والمدرسة، والأسرة، بحيث يظهر الإخلاص في العمل والصدق في القول والفعل، والثقة والوفاء ومحاربة التواكل، والتهاون٬ كما ينبغي أن تجسد هذه القيم لتكون سلوكا إيجابيا في المجتمع، تحقق الخير له وللإنسانية جمعاء ولن يتحقق ذلك إلا عبر قاطرة مبنية على أسس وركائز متينة قوامها البرامج و المناهج الحية و الأطر و المؤسسات التي تقوم بوظيفة التربية و التكوين و الترشيد لا التدريس فقط. ومما يدل على ارتباط القيم بواقع الحياة اليومية، و الذي تسعى المدرسة إلى تمتينه و تعزيزه٬ أننا لا يمكن أن نتصور الصدق إلا في إنسان صادق، والوفاء إلا من إنسان وفي. وبالتالي فإن التربية على القيم و الأخلاق تعد غاية كبرى من غايات المدرسة المغربية الراهنة. لذلك أكد الميثاق الوطني للتربية والتكوين على جعل المتعلم في قلب الاهتمام و التفكير و الفعل أثناء العملية التعليمية التعلمية٬ والأخذ بعين الاعتبار خصوصياته الفردية داخل جماعة الفصل غير المتجانسة٬ من أجل العمل على إنجاحه في الحياة٬ وتأهيله للتوافق مع محيطه في كل فترات ومراحل تربيته وتكوينه، وذلك بفضل ما يكتسبه من كفايات ضرورية لإحقاق النجاح والتوافق٬ ضمن منظومة من القيم الوطنية والعقدية والكونية. كالتالي : " يهتدى نظام التربية والتكوين للمملكة المغربية بمبادئ العقيدة الإسلامية وقيمها الرامية لتكوين المواطن المتصف بالاستقامة والصلاح، المتسم بالاعتدال والتسامح، الشغوف بطلب العلم والمعرفة، في أرحب آفاقها، والمتوقد للاطلاع والإبداع المطبوع بروح المبادرة الإيجابية والإنتاج النافع ".[1] كما يضيف:" يلتحم النطام التربوي للمملكة المغربية بكيانها العريق القائم على ثوابت ومقدسات يجليها الايمان بالله وحب الوطن والتمسك بالملكية الدستورية٬ عليها يربى المواطنون مشبعين بالرغبة في المشاركة الايجابية في الشأن العام و الخاص وهم واعون أتم الوعي بواجباتهم وحقوقهم٬ متمكنون من التواصل باللغة العربية٬ لغة البلاد الرسمية٬ تعبيرا وكتابة٬ متفتحون على اللغات الأكثر انتشارا في العالم٬ متشبعون بروح الحوار٬ وقبول الاختلاف٬ وتبني الممارسة الديمقراطية٬ في ظل دولة الحق و القانون."[2] كذلك "ينطلق إصلاح نظام التربية و التكوين من جعل المتعلم بوجع عام٬ و الطفل على الأخص في قلب الاهتمام و التفكير و الفعل خلال العملية التربوية التكوينية. وذلك بتوفير الشروط وفتح السبل أمام أطفال المغرب ليصلقوا ملكاتهم٬ ويكونون متفتحين مؤهلين وقادرين على التعلم مدى الحياة ".[3] إلا أننا في هذه الورقة سنقتصر على التطرق إلى قيم المواطنة و السلوك المدني و قيم حقوق الانسان ودورها في تربية وتكوين متعلم اليوم ليكون مواطن الغد بما تحمله الكلمة من معنى٬ قادرا على تحمل المسؤولية ومواجهة الصعاب الحياتية بكل قوة وعزم و إرادة من أجل خدمة نفسه و أهله و وطنه. وهذا الاقتصار لا يعني أن القيم الأخرى ليست لها أهمية أو أن دورها في تأهل المتعلم أقل من القيم الأولى و لكن لكون المجال لا يتسع. 3. التربية على قيم حقوق الإنسان إن تعزيز مبادئ وقيم حقوق الإنسان من داخل العملية التعليمية التعلمية، وفي إطار الممارسة التربوية، هو ما ينعت اليوم ب"التربية على حقوق الإنسان"، وهو اتجاه لا يقصد تعليم معارف وتصورات حول حقوق الإنسان للأطفال والمتعلمين فقط، بقدر ما يرمي إلى تأسيس القيم التي ترتبط بتلك الحقوق. والتربية على حقوق الإنسان هي كل نوع من التعلم يساعد على بناء المعارف والمهارات والمواقف والسلوكات المتعلقة بحقوق الإنسان. وهذا النوع من التربية يساعد المتعلمين على إدماج قيم حقوق الإنسان، من قبيل الاحترام والمساواة وغيرها، في حياتهم اليومية على نحو أفضل. ويشجع هذا النوع من التربية كذلك على استخدام حقوق الإنسان كإطار مرجعي في علاقاتنا مع الآخرين. كما أنها تشجعنا على فحص مواقفنا وسلوكاتنا الخاصة بشكل نقدي، وبالتالي على تحويلها من أجل تعزيز السلم والوئام الاجتماعي واحترام حقوق الجميع. ليست التربية على حقوق الإنسان تربية معرفية، بل هي تربية قيمية بالدرجة الأولى؛ فاهتمام هذه التربية بالجانب المعرفي لا يعد قصدا نهائيا من هذه التربية، فهي تتوجه بالأساس إلى سلوك المتعلمين. وإذا ما تبين أحيانا أن هناك اهتماما بالمحتوى المعرفي، فإن مثل هذا الاهتمام لا يتجاوز كونه مدخلا أساسيا للمرور إلى قناعات المتعلم وسلوكاته. لا تكتفي هذه التربية الحقوقية بحشد الذهن بمعلومات حول الكرامة والحرية والمساواة والاختلاف، وغير ذلك من الحقوق؛ بل إنها تقوم أيضا على تمكين المتعلم من ممارسة تلك الحقوق، وأن يؤمن بها وجدانيا، وأن يعترف بها كحقوق للآخرين، وأن يحترمها كمبادئ ذات قيمة عليا. إنها ليست تربية معارف للتعلم فقط، وإنما هي تربية قيم للحياة والمعيشة. يتعلق الأمر إذن، بتكوين شخصية الطفل المتعلم٬ على أساس نظرته إلى الحياة٬ ووجدانه٬ ومشاعره٬ وفق ما تقتضيه ثقافة حقوق الإنسان من ممارسات وعلاقات بين الأفراد، ثم بين الفرد والمجتمع. فالتربية على حقوق الإنسان تهدف في السنوات الأولى من المرحلة الابتدائية إلى بناء مشاعر الثقة والتسامح والتضامن الاجتماعيين. فهذه المشاعر هي أساس كل الثقة المرتبطة بحقوق الإنسان. وهكذا جاز اعتبار حقوق الإنسان تربية عمل أكثر مما هي تربية نظر، وذلك من حيث إن الغرض المتوخى منها هو مساعدة المتعلمين على تعرف وفهم الحقوق والواجبات٬ بغية تطبيق مبادئ حقوق الإنسان على أكمل نظام في وجودنا البشري. مما يتطلب من المدرسين أن يفعلوا ما هو أكثر من مجرد ترديد درس محفوظ لكي تدب الحياة في هذه الأفكار٬ عندئذ يمكن للمدرسين وللتلاميذ ممارسة هذه المبادئ بدلا من تدريسها بمجرد الفم أو محاكاتها. يتضح إذن، أن تعليم مبادئ و أخلاق حقوق الإنسان المتعليمين يعني تأسيس هذه الحقوق كقيم على مستوى الوعي والوجدان والمشاعر، وكسلوكات عملية على مستوى الممارسة. وينطلق هذا التعليم القيمي السلوكي من أقرب مجال له، وهو حجرة الدرس، والبيئة المدرسية، ومن ثمة يؤسس تعزيز حقوق الإنسان، في الفضاء المجتمعي العام خارج المدرسة، في البيت، في الشارع، في مختلف المرافق، ومع مختلف الفئات الاجتماعية. ولعل ذلك ما يسمح باستنتاج أن التربية على حقوق الإنسان ترمي إلى تكوين المواطن المتشبع بالقيم الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان، القادر على ممارستها في سلوكه اليومي من خلال تمسكه بحقوقه واحترامه لحقوق غيره، والحريص على حقوق ومصالح المجتمع بقدر حرصه على حقوقه ودفاعه عنها٬ عبر أدائه لواجبه بكل أمانة و إتقان. بهذا المعنى، إذن، نجد أنفسنا أمام مشروع ليس بيداغوجيا خالصا، ولا تربويا صرفا، وإنما هو مشروع سوسيوثقافي. إنه مشروع تحديث العقل ثقافيا، وتنمية وضع الإنسان اجتماعيا، وتنوير القيم في أفق عقلاني إنساني تحرري يقر الحق ويحترم الواجب، وإقامة ذلك على نظام سياسي ديمقراطي ينسجم وهذا الثقافي التنويري الإنساني، ويكون مع حقوق الإنسان لا ضدها. 4.التربية على المواطنة والسلوك المدني يمكن تعريف المواطنة لغة بأنها تشتق من كلمة الوطن، وهو المنزل الذي يقيم فيه الإنسان والجمع أوطان، ويقال وطن بالمكان وأوطن به أي أقام أوطنه اتخذه وطنا وأوطن فلان أرض كذا، أي اتخذها محلا ومسكنا بقيم فيه.[4] ومن منظور علم الاجتماع تعد المواطنة مكانة أو علاقة اجتماعية تقوم بين شخص طبيعي وبين مجتمع سياسي أو ما يعرف بالدولة، ومن خلال هذه العلاقة يقدم الطرف الأول الولاء ويتولى الطرف الثاني مهمة الحماية، وتتحدد هذه العلاقة بين الشخص والدولة عن طريق القانون. كما حددها علماء العقد الاجتماعي هوبز وجون لوك و جون جاك روسو. وبهذا المعنى تعتبر انتماء الإنسان إلى الدولة التي ولد بها أو هاجر إليها وخضوعه للقوانين الصادرة عنها وتمتعه بشكل متساو مع بقية المواطنين بالحقوق والتزامه بأداء الواجبات٬ وهي بذلك تمثل العلاقة بين الفرد والدولة كما يحددها قانون تلك الدولة. إن التربية على المواطنة والسلوك المدني ليس هدفا تربويا فحسب بل هو خيار وطني استراتيجي يندرج في صيرورة بناء المجتمع الديمقراطي الحداثي، المرتكز على ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة والضامن للحقوق والواجبات من خلال الحث على المشاركة والمساهمة في تدبير الشأن العام. وتعتبر المدرسة المؤسسة الاجتماعية الأساسية لتحقيق أهداف التربية على المواطنة والسلوك المدني من خلال غرس الثوابت الدينية والوطنية للبلاد ورموزها وقيمها الحضارية لدى المتعلمات والمتعلمين والوعي بالحقوق والمسؤوليات والتدرب على ممارستها وتمكين التلميذات والتلاميذ من اكتساب قيم التسامح والتضامن والتعايش. وقد نص الدستور المغربي الجديد على مايلي : " إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة ".[5] وتتجلى أهمية تربية المتعلمين على المواطنة، بالنسبة إلينا نحن المغاربة، في كونها ترسخ الهوية المغربية الإسلامية والحضارية بمختلف روافدها، كما ترسخ حب الوطن والتمسك بمقدساته مع تعزيز الرغبة في خدمته. وتتجلى هذه الأهمية أيضا في تقوية قيم التسامح والتطوع والتعاون والتكافل الاجتماعي التي تشكل الدعامة الأساسية للنهوض بالمشروع التنموي للمجتمع المغربي. وبفضل ما تثمره التربية على المواطنة من روح الأمل والتعبئة٬ فإنها تعتبر حصنا متينا ضد ثقافة اليأس والتشاؤم والانهزامية. وتفتح آفاقا ملؤها الثقة في استشراف مستقبل أفضل. كما أن من مزايا التربية على المواطنة أنها تعيد التوازن بين ما هو محلي وما هو كوني للتخفيف من سيطرة قيم العولمة وما ترتب عنها من انهيار للحدود بين الثقافات المحلية والعالمية؛ وما صاحب ذلك من آثار سلبية أحيانا؛ وذلك للمحافظة على الهوية الوطنية والخصوصية الثقافية بشكل يضمن الانتماء الذاتي والحضاري للمواطن دون تصادم مع الأفكار الرائجة في محيطه. ازداد اهتمام المجتمعات المتطورة بالتربية على المواطنة بهدف مواجهة تنامي العنف وتفكك العلاقات الاجتماعية وصراع المصالح وتدعيم منظومة القيم وقواعد السلوك الرشيد في المجتمع عموما ولدى الأسرة باعتبارها اللبنة الأولى للمجتمع خصوصا، حيث تبدأ عملية التنشئة الاجتماعية، بما فيها نقل الموروث الثقافي والقيمي لأفرادها بغية تنمية المواطنة وإعداد المواطن الصالح القادر على مواجهة متطلبات الحياة المستقبلية والتعايش معها. وبالرغم من أن مفهوم المواطنة يتضمن تفسيرات مختلفة تتعلق بالمواقع الاجتماعية والسياسية، وقضايا فلسفية أساسية تتعلق بالمحاولات الهادفة إلى التعليم من اجل المواطنة٬ فان مفهوم المواطنة المعاصر تطور ليصبح تلك العلاقة بين الفرد والدولة وفق القانون الذي يحكم تلك الدولة وبما يحتويه من حقوق وواجبات، فممارسة المواطنة تتطلب توفير حد أدنى من هذه الحقوق. وبذلك فان المواطنة تهدف إلى تحقيق انتماء المواطن وولائه لموطنه وتفاعله ايجابيا مع مواطنيه بفعل القدرة على المشاركة العملية والشعور بالإنصاف وارتفاع الروح الوطنية لديه عند دفاعه عن وطنه كواجب وطني. لذلك فان كلمة المواطنة تشتمل على دلالات متعددة تمتد بين الإحساس والشعور، وممارسة السلوكات المنطلقة من وجدان الفرد، وحيث أن الفرد نفسه هو المواطن فان المواطنة تمثل حلقة وصل أو رابط بين المواطن الذي يمارس الفعل والوطن الذي اشتق منه الفعل ويتفاعل معه. وبالنظر إلى العوامل المؤثرة في المواطنة، وتأثيرها في البناء الاجتماعي والثقافي والتربوي، وتعزيز منظومة القيم الاجتماعية، بغية الوصول إلى بناء اجتماعي متماسك يقوم على الاعتزاز بالمجتمع وقيمه وتاريخه، والتجديد والتطلع إلى مواكبة التغيير العالمي من حوله، خاصة في ظل الانفجار المعرفي وثورة الاتصالات،. فان دراسة الاتجاهات المعاصرة في تربية المواطنة تشكل ضرورة ملحة، لما لها من أثر تحديد أولويات المجتمع نحو تربية معاصرة للمواطن بما يكفل تربية ومواطنة سليمة ويوظف التقنيات المتاحة للارتقاء بها. مما يضع المدرسة المغربية أمام ضرورة تجديد أدوارها ووظائفها بشكل مستمر٬ حسب التغير الذي يعرفه العالم بأسره بشكل سريع٬ من أجل السير على نهج الدول المتقدمة. وقد تطور مفهوم المواطنة في الدولة الحديثة، نتيجة للتطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في معظم دول العالم، إضافة إلى تأثير العولمة وثورة الاتصالات والانترنت، لتصبح الديمقراطية وإشراك الشعب في الحكم وتحقيق مبادئ المساواة والتعددية السياسية وحقوق الإنسان ركائز المواطنة المعاصرة والدولة الحديثة. وبالتالي يمثل مفهوم المواطنة المحرك الرئيس لتكريس وتفعيل حقوق الإنسان وتحويلها من مجرد نصوص قانونية إلى منظومة قيمية هو سلوكات إيجابية يمارسها المواطن مستندا بذلك إلى حبه وإيمانه بالوطن ومصلحته والتضحية والتفاني دفاعا عنه، بحيث يمارس الأفراد هذه السلوكات بشكل طبيعي ومحسوس في ظل دينامية المواطنة باعتبارها آلية فاعلة لتكريس عالمية الحقوق الإنسانية وترجمة قيم ومبادئ المجتمع وتحويلها إلى واقع ملموس يعيشه المجتمع أفرادا وجماعات . تتصل تربية المتعلمين بالمواطنة٬ بقيم الحرية والكرامة وترسيخ سلوكيات المساواة والديمقراطية واحترام الاختلاف في مراحل نمو الفرد وتطوره العقلي والوجداني والجسمي من خلال مختلف المؤسسات التربوية. 5.معالم التربية على المواطنة وحقوق الإنسان من خلال ما سبق يمكن تحديد معالم التربية على المواطنة وحقوق الإنسان والتي تتمثل في أن يكون للأفراد الثقة في هويتهم وأن يعملوا من أجل تحقيق السلام وحقوق الإنسان والديمقراطية في مجتمعهم، وذلك من خلال: 6.أهداف التربية على المواطنة وحقوق الانسان يمكن الإشارة إلى أن الهدف العام لتربية المتعلمين على المواطنة يتمثل في إعداد المواطن الصالح٬ الذي يعرف حقوقه ويؤدي واجباته تجاه مجتمعه وقادر على مواكبة متطلبات الحياة المستقبلية، ويمكن تلخيص مجمل أهدافها في: 8.توصيات : أ. للمؤسسة التربوية دور مهم في نشر قيم المواطنة والسلوك المدني وترسيخه في وجدان المتعلمين، إلا أنها غير قادرة وحدها على إنجاز هذه المهمة٬ فلابد من توافر سياق اجتماعي مساعد، ذلك أنه كلما ازدادت قوة العوائق الكابحة لثقافة المواطنة في المجتمع كلما كانت المدرسة عاجزة عن تحقيق الأهداف المنوطة بها وإنجاز الوظائف المنتظرة منها٬ و بالتالي هدر الحقوق و الواجبات. ومن هنا أهمية وسائل الإعلام في هذا المشروع. لقد آن الأوان لتجاوز المنتج الإعلامي الذي مايزال ينتج ثقافة التسلط والخنوع والاستلاب، بحيث يشعر الفرد بأنه إعلام لا يخاطب فيه الوجدان الحقيقي. ب.إن تنمية السلوك المدني تعني أن هناك عمليات متداخلة يتم عبرها اكتساب سلوكات جديدة ضمن مجال يتسم بتبادل التأثير والتأثر، وهذا يعني أن السلوك المدني لا يقاس ولا يحدد إلا في سياق. ج. التأكيد على التفاعل بين الفرد ومحيطه الاجتماعي، كما أن القول بالتنمية يعني أنه ليس عملية يمكن إنجازها بصورة نهائية وجاهزة في وقت ومكان محددين، بل إنه سيرورة وتراكم، ذلك أن مجال هذا السلوك لا يجب أن يبقى حبيس وسجين المؤسسة التعليمية بل يتجاوزه إلى ماهو اجتماعي. د.إن الرهان على تنمية السلوك المدني بالمؤسسات التعليمية عبر التربية على قيم المواطنة وحقوق الانسان٬ هو رهان على الارتقاء بأدوار هذه المؤسسات في الحياة الاجتماعية عامة، وتأهيلها لتكون أداة للنهوض الشامل بالمجتمع، وفي سبيل ذلك ينبغي أن تكون المدرسة قادرة على مواكبة مجموع التحولات المعرفية التي يعرفها عالم اليوم من منظور تحرير الأفراد والجماعات من سيطرة القيم التقليدية الجاهزة وإشاعة قيم العمل والعقل والإرادة الحرة. 9.خاتمة إن إدماج ثقافة المواطنة و حقوق الإنسان بيداغوجيا في الحقل التعليمي، و ترسيخ تلك الثقافة عبر التربية الشاملة، مع تأطير ذلك كله داخل فضاء ثقافي مجتمعي عقلاني تنويري...، ورغم أهميته التي عملنا على إبرازها، فإن ذلك يتطلب إرادة سياسية كمبدأ أول بدون شروط٬ التي تضفي على الجانب التربوي نوعا من المشروعية. إن هذا المقتضى السياسي، والذي يتأسس على ديمقراطية حقيقية وفق مخطط استراتيجي متين، هو ما سيضمن انسجام البيداغوجيا والتربية والثقافة مع واقع الإنسان، من حيث مدى الاعتراف له بحقوقه، نظريا وتشريعيا، ومن حيث مدى احترام هذه الحقوق عمليا. وأما أن يظل الكائن البشري موضوع استغلال وضرب وعنف٬ أو يظل الدمج البيداغوجي والتنشئة التربوية والتثقيف التنويري عمليات فوقية تعوزها القاعدة التي تضمن لها المشروعية العملية. بيبليوغرافيا 1) الميثاق الوطني للتربية و التكوين٬ يناير 2000. 2) الدليل البيداغوجي للتعليم الابتدائي2009. 3) المذكرة الوزارية رقم 87،مشروع تفعيل أدوار الحياة المدرسية10 ٬يوليوز 2003. 4) المذكرات الخاصة بالتربية على حقوق الانسان وتخليد الأيام الوطنية و الدولية. 5) دليل الحياة المدرسية 2008. 6) تقرير المجلس الأعلى للتعليم 2008. 7) التربية المدرسية على حقوق الإنسان٬ مصوغة صادرة عن مديرية المناهج – وزارة التربية الوطنية – ابريل 2003. 8) دليل بيداغوجي للحقوق والمسؤوليات بالفضاء المدرسي٬ مديرية المناهج وزارة التربية الوطنية– أبريل 2003. 9) الدستور المغربي الجديد 2011. – *الصادقي العماري الصديق باحث في علم الاجتماع و الأنثروبولوجيا مهتم بقضايا التربية والتكوين والتنمية مدير مجلة كراسات تربوية مدير موقع كراسات تربوية مدير ملتقيات تربوية فاعل جمعوي مهتم بقضايا التربية والتكوين والتنمية