قال العربي عماد، مدير المركز المغربي للتربية المدنية، إن المدرسة هي الفضاء الأمثل لترسيخ التربية على الديمقراطية لكونها تربية مستقبلية ولكون المدرسة تضطلع بوظيفة إعداد المواطن لمجابهة تحديات الحياة، وإن غاية المركز من خلال الورشات المختلفة على المواطنة وعلى أسس الديمقراطية، هي أن يكتسب المتعلم الكفاية المدنية من خلال آليات منهجية متنوعة، وأضاف أن هناك مجموعة من البرامج الهادفة أبرزها برنامج «مشروع المواطنة» الذي يستهدف تلاميذ الثانوي الإعدادي التأهيلي. - باعتباركم أحد الفاعلين المشهود لهم على الساحة الوطنية بالعمل على تفعيل مناهج وبرامج التربية على الديمقراطية، ماذا تعني لكم التربية على الديمقراطية؟ التربية على الديمقراطية تعني في أبسط تعاريفها تمكين المتعلمين من المشاركة في التنمية المحلية المستدامة عبر تقوية الروابط الاجتماعية المختلفة إعدادا لهم لاتخاذ القرارات الملائمة لمواجهة مختلف التحديات، والنهوض بواقعهم اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا... ويتم ذلك من خلال تدريبهم على آليات مختلفة، من قبيل المشاركة والتواصل واعتماد سياسة القرب القائمة على الوضوح والشفافية بهدف حملهم على الانخراط الإيجابي في الاستجابة لمتطلبات واقعهم التنموي بدءا بمحيطهم المدرسي. غير أن ما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن المدرسة المغربية لاتزال تفتقر لآليات ترسيخ السلوك الديمقراطي، وذلك لما يشوبها من سلوكات لا مدنية لعل أبرزها ما تعرفه من مظاهر عنف لا تزال تحد من إمكانية انفتاحها المعقلن على محيطها. وهذا أحد تحديات منظمات المجتمع المدني ومنها، بطبيعة الحال، المركز المغربي للتربية المدنية. - هل يمكن أن نفهم من ذلك أن التربية على الديمقراطية ضرورة؟ بالطبع، فالديمقراطية ضرورة كونية، والتحلي بقيمها المختلفة سلوكا وممارسة يمكن المتعلم، من جهة، من فهم ذاته واستيعاب محيطه، وبالتالي تحسين علاقته بهما، وتلك غاية مجتمعية كبرى يمكن تحقيقها من المساهمة في دعم ما تم تحقيقه من مكتسبات في هذا المجال ترسيخا لفعالية الديمقراطية محليا ووطنيا، ومن جهة ثانية، يساعده على فهم الآخر والاعتراف به على اختلافه، ومن شأن ذلك أن يحقق التكامل الحضاري القائم على الإخاء والمحبة والسلام، وذلك مطلب إنساني في كل زمان ومكان. وفي هذا الإطار يمكن القول إن المدرسة المغربية، اليوم، مدعوة وبإلحاح إلى تبني مقاربات حداثية تمكنها من أن تكون أداة تفعيل المسار الديمقراطي، وذلك لقوة حضورها الأفقي اجتماعيا. - لقد خبرتم هذه التربية على المواطنة من خلال برامج مختلفة، فما غاية هذه التربية؟ يمكن حصر غاية هذه التربية في ثلاثة مبادئ أساسية، وإجمالها في التحضر من حيث هو قدرة على استيعاب التعدد الثقافي استيعابا يمكن من التحكم في آليات التواصل المساعدة على التفاعل الإيجابي بين مختلف الثقافات الفرعية التي تصب في الثقافة الوطنية. وتلك قيمة أساسية في حياة المتعلم، إذ تساعده على بناء قناعاته على أساس سليم، قاعدته استعمال قدراته في تحصيل المعرفة والتمدن باعتباره قدرة على عقلنة علاقة الذات بمحيطها... استنادا إلى وعي مدني أساسه حسن التصرف في المواقف المختلفة. وهذه إحدى المهام الأساسية للمدرسة المغربية التي تفرض عليها أن تدمج الحياة في صميم عملها. وأخيرا المواطنة التي يعكسها تشبع الفرد بالثقافة المدنية المتمثلة في سيادة القانون المؤسس لقواعد مضبوطة تحكم العلاقة (ذات / محيط) انطلاقا من تحديده الحقوق والواجبات التي يبرهن الالتزام بها درجة مواطنة المواطن. - يمكن القول، تبعا لذلك، إنها تربية مستقبلية، فما هو الفضاء الأمثل لتفعيلها من وجهة نظركم؟ صحيح أنها تربية مستقبلية، ولذلك فالفضاء الأمثل لترسيخها هو المدرسة لكونها تضطلع بوظيفة إعداد المواطن لمجابهة تحديات الحياة، وهي وظيفة تفرض عليها، تيسيرا لإشاعة السلوك المدني، مهام الوقاية، من خلال تمكين المدرسة المتعلمين من معرفة المحيط الذي يعيشون فيه عبر دراسته حسب المسارات المعلنة، والتي يمكنها أن تجعلهم قادرين على استيعاب علاقتهم به، وإدراك سبل التواصل الواعية لمعالجة مشاكله صيانة له . وكذا الإخبار، حيث غالبا ما يجهل المتعلمون حقوقهم وواجباتهم مما يجعل أحكامهم تجاه محيطهم أحكام قيمة تبخس المكان وأهله قيمتهم . ولذلك فوظيفة المدرسة هي أن تخبر المتعلمين بحقوقهم وواجباتهم، وأن تمكنهم من احترامها تطبيقا للقوانين المعمول بها، والتربية بحيث إن المدرسة هي فضاء التعدد غير المتجانس، ومن ثمة فهمّها الأساسي هو التربية على التعايش من خلال جعلها المتعلمين قادرين على التواصل الثقافي عبر إتاحتها لهم إمكانية الحوار والتفاوض القيمي بهدف دمقرطة الحياة المدرسية، وبالتالي الحياة الاجتماعية. وأخيرا الإمتاع، من خلال تمكين المدرسة المتعلمين من فهم ذواتهم ومحيطهم الخاص والعام فإنها تجعلهم أسيادا يتمتعون بحرية مسؤولة يكشف عنها حسن التواجد وحسن الفعل لديهم، ومن ثمة تكون الفضاء الأمثل ليصبحوا أكفاء قادرين على تحقيق اندماجهم الاجتماعي والثقافي، عبر تبنيهم سلوكات ديمقراطية تعبر عن إرادة المتعلم الحرة الواعية التي أساسها حسن التواجد وحسن الفعل، القائمين على ضرورة التشبع بثقافة جديدة تتمثل مبادئها الأساسية في الإيمان ب(التعدد، الاختلاف، الاعتراف بالآخر، النسبية، أهمية التدبير الإيجابي للصراعات، ضرورة احتواء الصراع وعدم افتعاله، حتمية التغيير الإيجابي المعقلن وبأهمية القيم الإنسانية في التعامل اليومي). وفي هذا الإطار تربط بين المركز المغربي للتربية المدنية ووزارة التربية الوطنية علاقة شراكة تم، بموجبها، تفعيل منهاج التربية على المواطنة والتدريب على أسس الديمقراطية بالعديد من مؤسسات التربية التابعة لمعظم الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، على امتداد ما يزيد على ثمان سنوات خلت كان لها الأثر المحمود في تعديل السلوك التعلمي والتوازن الشخصي على المتعلمين الذين انخرطوا في المشروع. وهذا ما يفرض علينا، في المركز المغربي للتربية المدنية الاستمرار في نهج فعل التتبع والتقويم المستمرين من جهة، والانفتاح على المؤسسات التعليمية بشكل أكبر. - هل هناك آليات منهجية تمكن المتعلم من أن يعقلن وجوده بمحيطه ويعمل على تحقيق فاعليته المدنية؟ غايتنا في المركز المغربي للتربية المدنية، من خلال الورشات المختلفة على المواطنة وعلى أسس الديمقراطية، هي العمل على أن يكتسب المتعلم الكفاية المدنية من خلال آليات منهجية متنوعة، منها، على سبيل المثال لا الحصر، المزاوجة بين المستوى المعرفي المتمثل في معرفة القوانين المنظمة للعلاقة مع المحيط ، ومعرفة مسار السياسة العامة، ومعرفة كيفية التأثير في السياسة المحلية ومعرفة آليات المشاركة في المجتمع المدني، وبين المستوى التمهيري القائم على اعتماد التفكير النقدي في حل المشكلات، اتخاذ القرارات المناسبة اعتمادا على : جمع المعلومات، وتشخيص المشاكل، وطرح البدائل وتقويم النتائج، وتنمية الكفاية الاجتماعية عبرالتواصل المبني على الحوار المدني المتمثل في القدرة على المشاركة في النقاشات، والتدبير الودي للصراعات وتبني الرؤى المتعددة فيها، وبين مستوى المواقف الإيجابية من القانون، السلطة والعدالة، والإيمان بقيمة التسامح والحق والواجب، وبين المستوى السلوكي المتمثل في الإحساس بالمسؤولية، النقد الذاتي، التعاون، الالتزام، ضبط النفس والاختيار السليم. وتلك جميعها مهارات يجب على المدرسة المغربية أن تعمل جادة على تقوية إكسابها للمتعلمين مساهمة منها في خلق مواطنين فاعلين. - تَسعون، إذن، إلى ترسيخ السلوك، فما هي البرامج الأساسية التي تعتمدونها في ذلك؟ هناك مجموعة من البرامج الهادفة، أبرزها برنامج «مشروع المواطنة» الذي يستهدف تلاميذ المرحلتين: الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي، بحيث يشتغلون من خلاله على موضوعات من اختيارهم واهتمامهم، تطرح مشاكل في محيطهم. أما منهجية التعلم المعتمدة في معالجة المشاكل المطروحة، فهي استراتيجية تعليمية ترتكز على صيرورة من التعلمات المتجهة نحو حل المشكلات في أفق تحقيق الأهداف والكفايات المسطرة لهذا المشروع. كما أن هناك برنامج أسس الديمقراطية الموجه لتلاميذ المرحلة الابتدائية، ويرتبط بمبادئ وقيم حقوقية وإنسانية مهيكلة باعتبارها أداة ترسيخ الديمقراطية. ويتمحور هذا المنهاج حول أربعة مفاهيم أساسية : المسؤولية – العدالة – السلطة – الخصوصية. وبرامج أخرى لا تقل أهمية تعنى بتعليم اللغات والقيادة، من بينها على سبيل المثال برنامج ACCESS فضلا عن المخيمات الصيفية والجامعات الصيفية التي تنظم لفائدة التلاميذ والطلبة الأساتذة والطلبة الجامعيين وأطر الإدارة التربوية. - وما هي أهم المحطات في تاريخ المركز المغربي للتربية المدنية، ومن هم أبرز شركائه ؟ من أجل وعي مشترك أساسه تبادل الخبرات والتجارب في مجال التربية على السلوك المدني، نظم المركز المغربي للتربية المدنية، بشراكة مع مركز التربية المدنية بكاليفورنيا وبتعاون مع المجلس الأعلى للتعليم ووزارة التربية الوطنية وجامعة الأخوين، بالدارالبيضاء وإفران، المؤتمر العالمي الثاني عشر للتربية المدنية في موضوع «استدامة التربية المدنية: إنجازات وتحديات». كما نظم، بتعاون مع الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة الدارالبيضاء الكبرى، وجامعة ميري فيل بميسوري بالولايات المتحدةالأمريكية، المؤتمر العربي الأول للتربية المدنية، خلال شهر ماي 2011 بالدارالبيضاء. وشاركت في أشغال هذا المؤتمر فعاليات تربوية ومنظمات غير حكومية من شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بهدف تبادل الخبرات والتجارب الرامية إلى تقييم تجربة التربية المدنية في مختلف هذه البلدان، ووضع استراتيجيات جديدة للنهوض بالفعل التربوي بالمؤسسات التعليمية. وشكلت هذه الملتقيات الوطنية والدولية مناسبة لعرض التجربة المغربية في مجال التربية على المواطنة والديمقراطية، وكذا التفكير في استراتيجيات بيداغوجية تتماشى وما يفرضه التطور التربوي المطرد من تحديات أمام ترسيخ قيم المواطنة والسلوك المدني لدى المتعلمين. ويتم كل هذا في إطار شراكات وازنة مع منظمات ومؤسسات وطنية، أبرزها وزارة التربية الوطنية كما سبقت الإشارة إلى ذلك، ودولية من جملتها الشراكة مع مركز التربية المدنية بكاليفورنيا ومبادرة الشراكة للشرق الأوسط وجامعة أوطاوا بكندا.