- ما المقصود بالتربية المدنية، وما الأهداف التي يروم المركز تحقيقها؟ ينبغي التأكيد هنا على أن المواطنة صيرورة، وبحث مستمر عن فاعلية الذات في الزمان والمكان، الأمر الذي يفرض تمكين الفرد من بناء رأي وموقف وحكم.. عقلاني، وجعله قادرا على المشاركة الوازنة في الحياة المدنية في مختلف نواحيها. فالتربية المدنية سبيل لانسجام الذات الفردية في محيطها الخاص والعام عبر المعرفة الواعية بالأبعاد الاجتماعية والقيمية والسياسية والقانونية التي تمكنه من التعايش الإيجابي القائم على إيثار المصلحة العامة. وتبعا لذلك، فإن الأهداف التي يتوخاها المركز المغربي للتربية المدنية متعددة نذكر منها الارتقاء بكفايات المدرسين البيداغوجية أملا في جعلهم قادرين على تمكين الأجيال من تنمية الإحساس بالانتماء، ومن التسلح بفكر نقدي يساعدهم على الوعي بالأدوار المنوطة بهم في حياتهم المدنية. وتمكين المتعلمين، عبر معارف خاصة، وآليات اكتساب متطورة، من التحلي بقيم التسامح والحوار والتعايش الإيجابي، والانتصار لمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. والحث على الاستقلالية، المبادرة، الحرية، وإعمال الفكر النقدي والدفاع عن الرأي. وفهم قواعد الحياة المجتمعية، وإدراك الحق والواجب. والالتزام بالمعايير والقوانين.. والوعي بالحرية في التفكير والتعبير وفي ممارسة الحياة العامة والخاصة مع احترام حرية الآخرين، وخلق الروابط الضرورية بين المؤسسات التربوية ومحيطها الاجتماعي. - هل من مشروع يحظى بالأولوية في استراتيجيتكم التربوية في الوقت الراهن؟ من بين المشاريع التي نعتز بمردوديتها التربوية «مشروع المواطنة»، وهو مشروع موجه لتلاميذ التعليم الثانوي الإعدادي، ويتلخص هذا العمل في أن يختار المتعلمون إحدى القضايا ذات الصلة بمحيطهم المدرسي أو الاجتماعي، وأن يعمقوا البحث في تلك القضية، من خلال وضع اليد على أسبابها والفاعلين فيها والمسؤولين عن وجودها، ثم يقترحون الحلول المناسبة لتجاوزها، وبعد ذلك يقترحون خطة عمل من شأنها أن تعيد الأمور إلى نصابها. ويتم كل ذلك تحت إشراف الأساتذة الذين سبق لهم أن استفادوا من تكوينات في الموضوع. وفي نهاية الموسم الدراسي يعرض المتعلمون أنشطتهم خلال تظاهرات محلية وإقليمية وجهوية تبرز من خلالها علامات التفوق والتميز بين الأفراد والجماعات. والمشروع الثاني هو «أسس الديمقراطية»، وهو مشروع يقوم على أربعة أسس هي العدالة والسلطة والخصوصية والمسؤولية. وهذا المشروع موجه لتلاميذ التعليم الابتدائي. ويتمثل في أربع قصص هادفة تتخذ موضوعا لها الأسس الأربع المذكورة آنفا. ويشرف على هذا المشروع الأساتذة أنفسهم بعد استفادتهم من تكوين أساس وتكوينات مواكبة. وقد أثمر هذا المشروع مجموعة من النتائج الهامة، حيث تمكن الأساتذة والمتعلمون من تحويل تلك القصص إلى مسرحيات وأوبيريتات وأغان كان لها الوقع الجميل على كل من تابعها من آباء وأمهات ومسؤولين. - أجرى المركز مؤخرا بحثا ميدانيا حول السلوك المدني في المؤسسات التعليمية، ما تقييمكم لهذا البحث؟ بالفعل أجرى المركز شهر دجنبر من سنة 2008 بحثا خص به التعليم الثانوي الإعدادي كنموذج حيث أعددنا 14 سؤالا خاصا بالأساتذة و20 سؤالا خاصا بالتلاميذ. وحصل المركز على484 مستجوبا من طرف الأساتذة و3909 مستجوبين من طرف التلاميذ داخل تراب ست أكاديميات جهوية للتربية والتكوين. وكان الهدف من البحث رصد واقع السلوك المدني داخل المؤسسات التعليمية والكشف عن الاختلالات التي تعيق العملية التعليمية التعلمية. وقد سجل البحث أرقاما بارزة، نذكر منها من جانب التلاميذ المستجوبين أن 53 في المائة منهم لم يسبق لهم أن اطلعوا على القانون الداخلي المنظم لمؤسساتهم التعليمية، و56 في المائة منهم لا علم لهم بوجود مجلس التدبير، و25 في المائة يعتبرون أن علاقتهم بالأساتذة يسودها العنف (الجسدي واللفظي)، و65 في المائة يعتبرون مرافق مؤسساتهم ضعيفة ومهملة. و47 في المائة صرحوا بأنهم مارسوا الغش في الامتحان أو أثناء الفروض المحروسة. ومن جانب الأساتذة المستجوبين 69 في المائة منهم يرون أن علاقتهم بالآباء منعدمة، و50 في المائة منهم لم يسبق لهم أن شاركوا في مجلس التدبير أو( المجلس الداخلي سابقا)، و73 في المائة يعتبرون أن ظاهرة الغش جد متفشية بين التلاميذ، و92 في المائة منهم يعتبرون أن علاقتهم بالإدارة هي علاقة تعاون وتواصل، و71 في المائة منهم يعتبرون نفس العلاقة سائدة بينهم وبين التلاميذ. و83 في المائة منهم فقط يحاسبون من طرف أسرهم علي التأخر أو التغيب عن الدروس، ومن جانب الآباء ثبت أن 31 في المائة منهم لا يحضرون بتاتا إلى المؤسسات التعليمية التي تحتضن أبناءهم وبناتهم، و34 في المائة يحضرون مرة واحدة في السنة على الأقل. وسجل المركز من خلال البحث بروز نسب العنف، وضعف الحماس لعمل المجالس والعزوف عن المشاركة فيها وضعف الحوار والتواصل عند حدوث مشاكل وضعف المشاركة في الأنشطة الداخلية. كما سجلنا تفاقم ظاهرة الغش والتراخي في مواجهتها، وضعف المعرفة بالقانون والأجهزة والمجالس داخل المؤسسات التعليمية. - أشرتم في ما سبق إلى أن لديكم شركاء في الميدان، فمن هم هؤلاء الشركاء؟ تنبع مصداقية العمل الذي نباشره من حرصنا، في انفتاحنا، على خصوصيتنا المغربية، وذلك ما مكننا من عقد شراكات وازنة على المستوى الوطني مع وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي...، والأكاديميات الجهوية والنيابات التابعة لها، وجامعة الحسن الثاني بالمحمدية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وعلى المستوى الدولي لدينا شراكات مع جامعة ماري ڤيل ميزوري ومركز التربية المدنية بكاليفورنيا بالولايات المتحدةالأمريكية، وهيئة الأممالمتحدة، وهناك كذلك اتفاقية شراكة وتعاون مع جامعة أوطاوا بكندا هدفها التكوين المهني لنساء ورجال التربية والتكوين في المجالين التربوي والتسيير الإداري. - ذكرتم في ما سبق أن المركز حقق تراكما يجعلكم راضين عما أنجزتموه. فما هي أبرز عناصر هذا التراكم؟ تجدر الإشارة هنا إلى أن القيم التي نسعى إلى ترسيخها هي قيم أصيلة في الثقافة المغربية، ونعمل سويا على قراءتها قراءة مغايرة، ومن منظور مخالف ينبش في الذاكرة بهدف تحيين المعرفة، قصد تجاوزها، استجابة لشروط الحاضر وانتظارات المستقبل، آملين أن يعيش المتلقي واقعه عبر مقارنته بغيره. لنمكن ناشئتنا من فهم واقعهم وسعيهم إلى تصحيح مساراته. ورغبة في الوصول إلى نتائج من هذا القبيل نحرص على تكثيف الأنشطة، وتحذونا الرغبة في دعم ثقافة المشاركة المبنية على المساواة والتكامل والوعي بالحق والالتزام بالواجب في ظل سيادة القانون وسموه على نحو يساهم في بناء علاقات اجتماعية متماسكة قاعدتها احترام الذات واحترام الآخر، أفرادا ومؤسسات ورموزا، وتقوية للتضامن الاجتماعي الناسج خيوطه من تحلي أفراد المجتمع بالشفافية والوضوح والنزاهة والانفتاح، وهي قيم من شأنها أن توقظ الإحساس بالمسؤولية وتسهل الوعي بالالتزام وتحث على الانضباط.. ..، ومن صور تلك الأنشطة تم على سبيل المثال لا الحصر عقد مؤتمرات كان الهدف منها تبادل الخبرات والتجارب من جهة، وإتاحة فرص الوعي بمبادئ بناء المجتمع الحداثي وأسسه، وبسبل ترسيخ ثقافة المواطنة من جهة أخرى. ومن بين تلك المؤتمرات:المنتدى الوطني للتربية المدنية بمدينة مراكش شهر يناير سنة 2008، والمؤتمر العالمي للتربية المدنية بمدينة إفران شهر ماي سنة 2007 الذي نظم بتعاون مع المجلس الأعلى للتعليم ووزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر تحت الرعاية الملكية والذي حضره ممثلون عن 70 دولة عربية وأجنبية، ومؤتمر تفعيل الشراكة للتربية المدنية بمدينة الدارالبيضاء سنة 2009 الذي ترتب عنه بناء منهاجين للتربية المدنية، أحدهما يتوجه لتلامذة الجذع المشترك والثاني سيتم اعتماده لفائدة طلبة المراكز الجهوية للتكوين، علما بأن هذين المنهاجين يتضمنان، مصوغة تكوينية ودليلا لفائدة المدرسين. وتنظيم ملتقيات، من بينها ملتقى حول الحق في التنظيم، وملتقى حول المشاركة السياسية للشباب وآخر يتعلق ب«أسس الديمقراطية والتربية على المواطنة»، معتبرين ألا بديل عن خيار الديمقراطية مسارا لتحقيق طفرة نوعية تتلازم فيها المعرفة الديمقراطية والوعي الديمقراطي، تحقيقا لعقلانية متزنة ترعى الثوابت وتعالج - بروح وطنية - المتغيرات الطارئة خالقة، بذلك، بدائل ممكنة تشيع النفع وتوثر المصلحة العامة. - ما هي انتظارات المركز المغربي للتربية المدنية؟ إن التربية على المواطنة والسلوك المدني مشروع مجتمعي يفترض أن يشكل النهوض به هما وطنيا مشتركا تمكن العناية الجماعية به من بناء أجيال قادرة على صيانة الذات الثقافية والحضارية لوطننا.. ، وقادرة كذلك على الانخراط في بناء المجتمع الحداثي الديمقراطي الذي أصبح خيارا لا رجعة فيه، بالإضافة إلى قدرتها على الاستمرار في التفاعل الإيجابي بفعل تمسكها بالقيم الإنسانية الخالدة. ومن ثمة، فإن الأمر يستدعي الانخراط الواعي لكافة القوى الحية في المجتمع في مسيرة الإصلاح هذه، وخاصة منها المجالس المنتخبة، لا سيما وأنها هي المطروح عليها النهوض بالبنية البشرية إلى جانب البنيات التحتية التي تلزمها بها مقتضيات الميثاق الجماعي. وهذا يعني أنه لا يمكننا أن نراهن على تحقيق مشاريعنا، على جودتها وجدتها، كما لا يمكن لوزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي أن تحقق ما ترمي إليه من البرنامج الاستعجالي، على أهميته، ما لم تنخرط الجماعات والمجالس المحلية، بل ومختلف القطاعات الحكومية، جنبا إلى جنب، وحسب اختصاصات كل طرف، في رفع تحدي التنمية المستدامة التي يعتبر المركز المغربي للتربية المدنية نفسه طرفا فيها.