نظم المركز المغربي للتربية المدنية، ونيابة وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي بابن سليمان، مؤتمرا جهويا، أخيرا، استفاد من أشغاله ثمانون مدرسا ينتمون لمختلف مراحل التعليم بالنيابة.جانب من مؤطري أشغال المؤتمر الجهوي للتربية المدنية يتوسطهم العربي عماد ووقف المشاركون في المؤتمر على المستويين الديداكتيكي والبيداغوجي لمنهاج مادة التربية المدنية رابطين، بذلك بين النظرية والممارسة، انطلاقا من الاشتغال، وفق آليات منهجية متقدمة "دورة التعلم"، ووفق مصوغة "مبادرة الشراكة للتربية المدنية" الموجهة إلى المرحلة الثانوية بسلكيها الإعدادي والتأهيلي، وكذا على متن "أسس الديمقراطية"، الخاص بمرحلة التعليم الابتدائي . وفي كلمة له بالمناسبة، أبرز العربي عماد، رئيس المركز المغربي للتربية المدنية، أن رافعة التنمية الأساسية هي التربية المدنية، باعتبارها الاستثمار الأمثل للرأسمال البشري، إذ تتغيى تكوين الإنسان منتصرا للقيم الكونية المحققة إنسانيته. وقال عماد أثناء ترأسه أشغال المؤتمر الجهوي، المنظم بدعم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ومبادرة الشراكة للشرق الأوسط ومؤسسة التعليم العالي، إن "أهم قيمة في حياة الإنسان هي العمل، الذي لن يجدي نفعا ما لم يتأسس على القيم الديمقراطية، التي لن تتأتى إلا من خلال دعم ثقافة المشاركة المبنية على المساواة والتكامل والوعي بالحق والالتزام بالواجب في ظل سيادة القانون، وسموه على نحو يساهم في بناء علاقات اجتماعية متماسكة قاعدتها احترام الذات والآخر، أفرادا ومؤسسات ورموزا"، مبرزا في السياق ذاته أن "تقوية التضامن الاجتماعي المبني على تحلي أفراد المجتمع بالشفافية والوضوح والنزاهة والانفتاح، من شأنه أن يوقظ الإحساس بالمسؤولية، ويسهل الوعي بالالتزام ويحث على الانضباط". هذا ما أكده عبد القادر الطالبي، نائب وزارة التربية الوطنية بابن سليمان، وأضاف أن رهان تحقيق هذا المشروع الطموح، الذي يتبناه المركز المغربي للتربية المدنية، "متوقف أساسا على المدرسة، لأنها الفضاء الأنسب لفعل التغيير التاريخي المنشود القائم، بالضرورة، على مراعاة المبادئ الأساسية وصيانة الثوابت واحترام الرموز، خدمة لهوية منفتحة". وقال الطالبي، إن التمثل الحقيقي لقيم التربية على المواطنة، وتنمية روح التواصل والانفتاح على المحيط، فضلا عن تنمية القدرة على اتخاذ القرارات المسؤولة وتنمية الحس النقدي، وتشرب مبادئ حقوق الإنسان وقيم السلوك المدني في كافة المواقف والسلوكات، هي ذات المبادئ والقيم والأهداف، التي نسعى إلى استنباتها داخل فضاءاتنا المدرسية، باعتبارها مجالا للتنشئة الديمقراطية وعنصرا من العناصر المتفاعلة مع الأهداف، التي ما فتئت بلادنا ومجتمعنا يسعيان إلى ترسيخها على امتداد العقدين الأخيرين، وخلال المستقبل القريب والبعيد بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس". وجاءت كلمة "ألدن كرادوك"، رئيس الوفد الممثل لجامعة ميسوري الأميركية، لتبرز أن "التكامل الحضاري ضرورة تاريخية تفرض الانفتاح المعقلن للشعوب على بعضها البعض، من أجل المساهمة الجماعية في العمل على تحقيق الأهداف المشتركة، ومن أبرزها إشاعة السلام والإخاء بين كافة بني البشر"، مؤكدا أن السبيل الأوحد لذلك هو "التربية المدنية من حيث هي أداة عملية للقضاء على مختلف معيقات التقدم الاجتماعي، ما دامت تكسب المتعلم إمكانيات التحكم في ذاته وفي محيطه، ميسرة له الاستغلال الأمثل لقدراته، خدمة للإنسانية" . ذاك ما كشف عنه التفاعل التربوي داخل الورشات التكوينية وأثناء الجلسة الختامية، إذ أجمع المشاركون على أن عملية التغيير الاجتماعي استجابة للمبادئ الأساسية: الحداثة، العقلانية، الديمقراطية والانفتاح، مع الحفاظ على الهوية، تستوجب إعادة التفكير في وظائف المدرسة من زاوية ترسيخ السلوك المدني حتى تكون المؤسسة التربوية النواة الصلبة لعملية التغيير والأداة التي تسهم في إشاعة القيم التي تعلي من شأن كرامة الأفراد وتضمن حقوقهم وواجباتهم في ظل سيادة القانون، وهو الأمر الذي يستدعي هيكلة جديدة لمجال المدرسة المشترك وإعادة توزيع الأدوار فيه، وتدبير فضاءاته بما يحقق حاجات المتعلمين المنتمين له. وأن إجراء من هذا القبيل ليعد المدخل الأساس لترسيخ التوجه الحداثي المنشود، إذ أن الرهان هو تغيير الذهنية، استنادا إلى تعاقد أساسه المعرفة المعقلنة المؤدية إلى وعي سليم يقود المواطن إلى تبني الاختيارات البناءة، التي تشكل إضافات نوعية تحقق فرادة المجتمع وتميزه . إنها القناعة المشتركة التي توجت المؤتمر الجهوي، الذي أقامه المركز المغربي للتربية المدنية بشراكة مع نيابة ابن سليمان، والتي دفعت المشاركين إلى المطالبة بعقد لقاءات مماثلة بالمؤسسات التعليمية التابعة لنيابة وزارة التربية ذاتها . تجدر الإشارة إلى أن "مبادرة الشراكة لتربية المدنية"، هي صيغة منفتحة على ما تحقق في مجال التربية المدنية من تراكمات واجتهادات وطنيا ودوليا، تسعى في سياقها المغربي إلى تحقيق الإسهام في تطوير قدرات المؤسسات والمنظمات المغربية من خلال تنمية المهارات القيادية في مجال التربية المدنية، وتنسيق العمل مع مختلف الشركاء، قصد تقوية فرص حضور التربية المدنية، عبر مكونات النظام التربوي الرسمي، من خلال التركيز على تلاميذ التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي، وخلق الروابط الضرورية بين المؤسسات التربوية ومحيطها الاجتماعي، ودعم المدرسين المغاربة ومدهم بالمعطيات والمعلومات الكافية في مجال التربية المدنية والمساهمة في تزويدهم بالعدة والموارد البيداغوجية الملائمة.