ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    المغرب يدعو إلى هامش أكبر من الاستقلالية المادية لمجلس حقوق الإنسان    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كفايات المدرس«ة» في سياق تحولات مهنة التدريس
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 16 - 02 - 2011

لاشك أن التحولات الكبرى التي يشهدها عالم اليوم في زمن العولمة والثورات المعرفية والإعلامية تؤثر بشكل عميق على كافة مناحي الحياة ومظاهرها، ومن ذلك تأثر المنظومة التربوية بتلك التحولات تأثرا عميقا في رؤاها وآليات اشتغالها ووظائفها. وبديهي أن هذا التأثير يمتد بشكل قوي وعميق إلى خصوصيات مهنة التدريس وطبيعتها والكفايات الواجب توفرها في المدرسين المواكبين للمستجدات، والذين تنهض على عاتقهم مهام التطوير والإصلاح.
أضحت ممارسة مهام التدريس على الوجه الأمثل تستلزم، أكثر من أي وقت مضى، كفايات متعددة ومتشابكة ومعقدة، ولذلك فهي تتطلب المزاوجة الدائمة بين الاطلاع النظري والممارسة الميدانية بين التجربة والأهداف المسطرة للمنظومة التربوية.
ففي عالم يشهد تطورات معرفية وتكنولوجية متسارعة، تعرف مهنة التدريس تطورا مطردا وتغييرا مستمرا، خاصة خلال ال 50 سنة الأخيرة. ولا تشذ حالة المغرب عن هذا الإطار، بل إن رغبة المغرب في التطور وتأكيده على أن التربية قاطرة للتنمية الشاملة يجعل التركيز على مهنة التدريس أمرا هاما وملحا في اللحظة الحالية.
وإذا كنا قد اتفقنا جميعا على أن التربية أولوية وطنية وقاطرة للتنمية، فإن المجتمع ينتظر منها أن تكون جسره إلى مواكبة التطورات التي يعرفها العالم في زمن العولمة الكاسحة، كما ينتظر من المربين والمدرسين تكوين المواطنين المؤمنين بالقيم الوطنية والقيم الإنسانية والكونية.
إلا أن مدرستنا لا تقوم بهذه الوظائف على الوجه الأمثل، سواء في الربط ما بين المعرفة والواقع، والتوفيق ما بين الروحي والمادي، وما بين التقليدي والحديث، وما بين العالمي والإقليمي، وما بين التنافسية وتكافؤ الفرص، وما بين المعارف وقدرات التمثل. وذلك لأسباب متعددة ومتشابكة ليس الأستاذ ووضعه وشروط عمله إلا جزءا منها، ولكن تركيزنا هنا يتجه إلى العناية به. ولذلك يلزم الالتفات إليه باعتباره حلقة أساسية في المنظومة لتمكينه من أدوات الاشتغال والتكوين والمواكبة بعد ضبطه لخصوصيات منظومته التربوية.
إن مهنة التدريس تتطلب حركية قصوى لتواكب التطور ولتواجه مشاكلها العينية، خاصة وأنه لا توجد طرق جاهزة وموحدة وشاملة في التربية، لذا يلزم تزويد المدرس بكل الإمكانيات وتمكينه من كافة القدرات والكفايات التي تساعده على الاضطلاع بمهامه على أكمل وجه.
الكفايات المطلوبة في المدرسين
حين نتساءل عن الكفايات الواجب توفرها والقدرات التي يتمكن منها أحسن وأنجب الخريجين نجدها بعيدة عن الكفايات الضرورية لمواكبة المستجدات، تواجهنا أسئلة عنيدة يفرضها منطق الملاءمة والمواكبة. ولذلك وجب العمل بجد ومسؤولية على هذه الواجهة الأساسية حتى يتمكن مدرسونا، خاصة منهم خريجو المعاهد من امتلاك الكفايات الأساسية والتي في مقدمتها :
- كفايات مرتبطة بطبيعة المنظومة حيث يمتلك المدرس معرفة دقيقة بالنظام التربوي وغاياته وأهدافه ومكوناته الأساسية، والأنظمة التي يتأسس عليها.
- كفايات معرفية مرتبطة بمجال التخصص بحيث يجب أن يتوفر المدرس على معرفة دقيقة ومحترمة بالمعارف العلمية الضرورية المرتبطة بمادة تخصصه. وتعتبر هذه الكفاية أساسية وحاسمة في التكوين الأساس والتكوين المستمر للمدرس، ويدخل ضمن هذه الكفاية تملك المدرس لقدرات النقل الديداكتيكي للمعارف النظرية إلى مواد ومقررات ومناهج تعليمية.
- كفايات منهجية بحيث يمتلك المدرس القدرات اللازمة للممارسة البيداغوجية، منفتحا على المستجدات البيداغوجية ومتمكنا من آليات التدريس، ومنها قدرته على استثمار المعارف والعلوم البيداغوجية والنفسية في تطوير مهاراته المهنية.
- كفايات ذات علاقة بالقيم بحيث يكون المدرس ملما بمنظومة القيم المجتمعية وبالقيم الكونية التي يتطلبها البعد الكوني والإنساني، كمبادئ حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية لحماية الطفولة وآليات ترسيخ قيم التسامح والتفتح وقبول الاختلاف. ويصرف كل ذلك عبر كفايات التدريس والتنشيط داخل أندية الحياة المدرسية وآلياتها التي تكون إحدى همومه المركزية .
- كفايات البحث والتكوين الذاتي بحيث يمتلك المدرس الأدوات الأساسية لإنجاز وممارسة البحث التربوي العلمي. وامتلاك القدرة على توظيف نتائج البحث، وكذا امتلاك قدرات متنوعة لضمان التكوين الذاتي المواكب للمستجدات، ومن ذلك تحيين المعلومات ومواكبة المستجدات التربوية والبيداغوجية والانفتاح على الإعلاميات وتقنيات الاتصال.
- كفايات الانفتاح على المحيط وهي كفايات عملية في بناء المشاريع وإتاحة الفرصة لمجالس المؤسسة ولفضاءاتها للاستفادة مما تتيحه الشراكات المتنوعة من إمكانيات للمؤسسة التعليمية والجامعية. وتقتضي تملك قدرات بناء المشاريع وقدرات الانفتاح على المحيط والتفاعل الإيجابي معه.
- كفايات التنظيم بحيث يتملك المدرس كافة القدرات الضرورية لتنظيم نفسه وعمله ودروسه وفضاء اشتغاله وأندية مؤسسته، وكذا القدرة على تنظيم العلاقات المختلفة التي يدخل في شبكاتها.
- كفايات التنشيط وتستلزم هذه الكفايات تملك المدرس للقدرات المتعددة والمتنوعة للتنشيط داخل الفصل والمدرج وخارجهما، خاصة في تنشيط الندوات واللقاءات والأنشطة المندمجة في الحياتين الجامعية والمدرسية. كما تقتضي هذه الكفاية امتلاك قدرات الاستقطاب الفني والإبداعي لدى التلاميذ والطلبة وتشجيعها.
- كفايات التقويم وتقتضي هذه الكفاية معرفة دقيقة ومستمرة ومواكبة للتطورات التي يعرفها مفهوم التقويم وأصنافه ووظائفه وتقنياته وكذا القدرة على استثمار وتوظيف شبكات التقييم واستثمار نتائجها بالشكل الذي يخدم تطوير المشوار الدراسي للطلبة والتلاميذ.
كفايات الدعم والتوجيه ويقتضي امتلاك هذه الكفايات معرفة علمية بأدوات الدعم وآلياته وبأدوات التوجيه وطرقه وآلياته، وذلك حتى يكون المدرس قادرا على بناء مخططات الدعم والتقوية لسد ثغرات التكوين والتعلم، وتوجيه التلاميذ والطلبة إلى أنجع السبل في البحث والاستدراك والاختيارات العملية في الدراسة والحياة.وإذا كانت هذه الكفايات أساسية وضرورية لتحقيق الجودة المرجوة، فإنها ستبقى أهدافا غير بعيدة المنال إذا ما تضافرت الجهود، وانخرطت كافة الأطراف في الوصول إليها باعتبارها معبرا من معابر جودة تعليمنا.
أسئلة التكوين المستمر للمدرسين
إذا كانت كفايات المدرسين محتاجة باستمرار إلى التحيين والتطعيم والإغناء لجعلها مستجيبة لمتطلبات الجودة، ومواكبة المستجدات التي يحبل بها الواقع التعليمي بالتطورات المتسارعة التي تعرفها مهنة التدريس، فإن تلك المواكبة وذلك التحين لا يستقيمان إلا بسياسة دقيقة وواضحة في مجال التكوين المستمر، وهي السياسة التي يلزم أن تكون منسجمة ومكملة لسياسة التكوين الأساس. وهو ما يجعل مناهج التكوين بمختلف أصنافه تندرج في منطق منسجم يخدم أهداف الإصلاح، منطق متناسق ومتراص. وقد أشار الميثاق في هذا الصدد إلى:
تنظيم دورات التكوين المستمر التي يلزم أن: «تستفيد (منها) أطر التربية والتكوين على اختلاف مهامها أو المستوى الذي تزاول فيه (انظر الميثاق ص 62). فكيف يمكن لحلقات التكوين المستمر أن تخدم وتمتن كفايات المدرسين .
تكوين المدرس«ة» من أجل تطوير الممارسة التربوية
إن تطوير المدرسة المغربية و تحسين آليات و أدوات اشتغالها و تفعيل أدوارها و وظائفها بالكيفية التي تجعلها في خدمة التنمية الشاملة ببلادنا ، رهين بتنمية كفايات المدرسين المهنية و الدفع بهم إلى مواكبة المستجدات البيداغوجية و الديداكتيكية و تمكنهم من الإمكانيات المادية و المعنوية التي تساعدهم على مواجهة مختلف التحديات المطروحة عليهم ، وانجاز المهام المعقدة المنتظرة منهم بفعالية و حماس ، من أجل سعيهم الدءوب نحو توفير الظروف الملائمة و خلق المناخ المناسب لحث التلاميذ و إعانتهم على اكتساب الكفايات و التعلمات الأساسية التي تقودهم صوب الترقي التعليمي و الاندماج الاجتماعي الايجابي .
لقد أكدت مختلف الدراسات و الأبحاث التي تعنى بالشأن التربوي و التكويني المغربي على أن الاهتمام بالتكوين العميق و المستمر للمدرسين و الالتفات إلى أوضاعهم المادية و الاجتماعية و مدهم بكل الوسائل الضرورية لممارسة المهام المنوطة بهم من شأنه أن يحفزهم على الرفعه من جودة المنتوج التعليمي و التكويني ، كما أن الميثاق الوطني للتربية و التكوين ركز في دعامته الثالثة عشرة على أن « تجديد المدرسة رهين بجودة عمل المدرسين و إخلاصهم و التزامهم .... عبر التكوين الأساس الرفيع و التكوين المستمر الفعال و المستديم و الوسائل البيداغوجية الملائمة و التقويم الدقيق للأداء البيداغوجي « وقد ألح تقرير المجلس الأعلى للتعليم الأول على ضرورة ايلاء عناية كبرى للموارد البشرية و إعداد برامج و أنشطة تكوينية مكثفة و مستمرة ، تركز على تنمية كفايات المدرسين المهنية و تطوير ممارستهم التدريسية بالشكل الذي يجعلهم قادرين على تأدية مهامهم و أدوارهم بفعالية و نجاعة ، كما خصص أيضا البرنامج الاستعجالي 2009-2012 المشروع الخامس عشر لتاهيل الموارد البشرية و إعادة تكوينها و الإحاطة بكل ما من شأنه أن يدفع بها إلى انجاز المطلوب منها بحماس و جدية .
مهما كانت درجة الإتقان في إعداد خطط إصلاح التعليم ، فان نجاحها لن يتأتى إذا لم يعتمد على تكوين علمي يستهدف الفاعلين التربويين المعنيين قبل غيرهم بتنفيذ الإصلاح و تحقيق أهدافه و بلوغ غاياته و تجسيد توجهاته على مستوى الممارسة التعليمية اليومية المرتكزة على محاولة تغيير و تعديل مواقف و قناعات هؤلاء حتى يتمكنوا من اكتساب و امتلاك مواقف جديدة تنسجم و تتجاوب مع فلسفة الإصلاح و تتماشى مع روحه لأن التجارب الإصلاحية السابقة كانت في مجملها تعتمد التكوين الذي لا يتعدى الجانب الإخباري و التحسيسي في فترات زمنية جد محدودة ، و من المعلوم أن التكوين الأولي لأطر التربية و التعليم لم يعد كافيا للرفع من جودة التعليم و للإقبال على الجديد التربوي بمواقف ايجابية ، ومن هنا طرحت مسألة التكوين المستمر ، ليس فقط في ميدان التعليم بل في كل الميادين و القطاعات الحيوية ، حتى أضحت لفظة التكوين المستمر « مفتاحا سحريا « للعديد من القضايا و المشاكل المعاصرة التي ترتبط بكل الممارسات المهنية .
صحيح أن المغرب دخل في تجربة التكوين المستمر خاصة في القطاعات الحيوية الاقتصادية و عرف قطاع التعليم بدوره هذا النوع من التكوين و لكن لم تكن هذه التجارب تتسم بالفعالية و النجاعة و الاستمرارية بل غالبا ما رافقت دخول بعض الإصلاحات الجزئية أو التعديلات التي مست هذا المنهاج أو ذاك ، هذا فضلا عن الملاحظات السالفة الذكر التي أبديناها في هذا الشأن ، و صحيح أيضا أن التكوين المستمر الخاص بالفاعلين التربويين قد اتخذ أشكالا أخرى على المستوى الميدان ، فتجسد في مختلف اللقاءات و الحلقات التكوينية و الدروس التجريبية التي عادة ما يعقدها رجال و نساء التأطير و المراقبة مع المدرسين غير أن هذا المشكل من التكوين لم يتمكن في نظرنا من بلوغ الأهداف المنشودة من وراء التكوين المستمر وذلك لأنه مرتبط بالمشكلات الجزئية التي تطرحها الممارسة التعليمية في الأقسام الدراسية و من ثمة فانه يلعب بالدرجة الأولى دور التصحيح و التعديل لجزئيات هذه الممارسة في اتجاه توافقها مع التوجيهات الرسمية .
إن التكوين المستمر لكل الفئات العاملة في مجال التربية و التكوين فرصة ضرورية للإنتاج الديداكتيكي الذي يشرك الجميع و يقنعهم بأهمية و جدية هذه المشاركة سواء على المستوى الشخصي أو المهني و بذلك يمكن تجاوز المواقف المقاومة للتغيير و التجديد التي غالبا ما يبدلها الممارسون بالفعل التعليمي ، إن تقلص دوره فقط في دور المتلقي المتتلمذ الأمر الذي يدعو إلى التساؤل حول كيفية تجاوز ذلك ... فالمنهجية البديلة المقترحة تتطلب أن يتم الاتصال بالممارسين بواسطة مختلف الوسائل و ذلك من أجل جمع كل البيانات و المعلومات و المعطيات العملية الميدانية التي تتعلق بموضوع اللقاء التكويني تؤخذ بكل المعطيات و ينكب عليها المكونون لبناء منتوج ديداكتيكي أولي وفقا لمعايير علمية و معرفية معينة ، و أثناء اللقاء يطرح المنتوج على أنظار المشاركين ليس فقط لمناقشته و لكن أيضا لتحديد صلاحيته أو مصداقيته ، وبعد هذا اللقاء يعاد النظر في المنتوج ليأخذ الصبغة النهائية و يقدم لاحقا إلى المشاركين .
إن ضبط المنهجية المتبعة في عملية إعداد و تنفيذ مختلف الأنشطة و الممارسات المتعلقة بتكوين المدرسين المستمر و العمل على تنمية كفاياتهم المهنية الأساسية من شأنه أن يساهم بشكل فعال في تطوير المنتوج التعليمي و التكويني و تجويده و يحقق الأهداف المتوخاة منه لذلك ينبغي أن تصب البرامج و الخطط و الأنشطة التكوينية بكيفية عميقة في تنمية كفايات هؤلاء المدرسين و تطوير ممارساتهم المهنية و التدريسية حتى يتمكنوا من انجاز مهامهم المعقدة المطروحة عليهم و يدفع بالمدرسة التعليمية إلى تجاوز الحواجز و العراقيل التي تحول دون جعلها تقوم بالأدوار و الوظائف المنوطة بها على أحسن وجه و بجودة عالية و من بين هذه الكفايات الأساسية التي يجب أن تنمى لدى المدرسين تتجلى في معرفة المدرس لمضامين مادة تكوينية معينة و كيفية ترجمتها إلى أهداف تعليمية و الانطلاق في ممارسة الأعمال و الأنشطة ... من تمثلات التلاميذ و كذا العمل و الاشتغال اعتمادا على أخطاء التعلم و عوائقه بالإضافة إلى تخطيط و بناء الأدوات و الحلقات الديداكتيكية مع حمل التلاميذ على الانخراط في أنشطة البحث و في مشاريع المعرفة وقدرته على تطوير عدة فارقية و التدبير المتدرج و حمل التلاميذ على الانخراط في انجازاتهم و تعلماتهم و ذلك بإثارة الرغبة في التعلم والتصريح و الكشف عن معنى العمل المدرسي و العلاقة بالمعرفة و تنمية قدرة التلاميذ على التقييم الذاتي ... فالتكوين المستمر من شأنه كذلك أن يكسب المدرس القدرة على العمل داخل المجموعة و المشاركة في تسيير المؤسسة بما يجعله قادرا على إعداد مشروع المؤسسة و التفاوض حوله و كذا تدبير موارد المؤسسة... القدرة على إخبار و إشراك الآباء و الأولياء عن طريق تنشيط اجتماعات ، وتسيير لقاءات ، إشراك الآباء في قضايا تهم المؤسسة ... القدرة على استخدام التكنولوجيا الجديدة باستعمال العدة و العتاد المعلوماتي ، القدرة على القيام بالواجب و احترام أخلاقيات المهنة بواسطة الوقاية من العنف داخل المؤسسة أو في محيطها ، محاربة الأحكام المسبقة و أشكال الميز الجنسي أو العنصري أو الاجتماعي ، المشاركة في وضع قواعد الحياة العامة التي تحدد الانضباط و السلوك داخل المؤسسة و صيغ جزاء و زجر السلوكات ... قدرته على تدبير تكوينه الذاتي بوضع جرد شخصي لكفاياته و برنامج تكوينه المستمر ، التفاوض مع زملائه حول مشروع التكوين المشترك ، فاعلا في برامج التكوين المستمر ...
إن جميع الأنشطة و الممارسات الخاصة بالتكوين المستمر الموجهة للمدرس يجب أن تهتم بتنميتها لديهم ( الأنشطة و الممارسات ) من أجل تأهيلهم للمساهمة الفعالة في الرفع من جودة الممارسة التعليمية و التكوينية و تحسين أداء المدرسة المغربية و تجديد وظائفها و أدوارها بالكيفية التي تمكنها من إعداد الموارد البشرية الكفأة ، القادرة على مواكبة تحديات العولمة و مواجهة التقلبات الحياتية و كسب الرهانات الداخلية و الخارجية فالمرحلة التي نعيشها وتجتازها منظومتنا التربوية و التكوينية تحتم على كل مواطن و مواطنة التحلي بروح المسؤولية و العمل على الانخراط الايجابي في التنمية الشاملة و المستدامة التي ينتظرها مجتمعنا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.