ذ. الحبيب استاتي، باحث بكلية الحقوق(سلك الدكتوراه) ، مراكش. رئيس مركز الدراسات و الأبحاث في التنمية البشرية. يعتبر التقويم أداة لتحليل و تفسير و قياس أثر النشاط الإداري على الفئات المستهدفة حتى نجيب ، كما تشير Sylvie Trosa ، عن سؤال : كيف سنفسر استعمال المال العام؟ والإجابة عنه تقتضي معرفة نتائج نشاط إدارة معينة وأثره على المواطن ، و الأسباب التي أدت إلى هذه النتائج. للأسف، اليوم في المغرب، العلاقة بين المقو ِّم و المقو َّم كانت و لازالت متوترة، ونتائج التقويم غير مستثمرة : تنظر الإدارات موضوع التقويم إلى أجهزة الرقابة كسكين موضوع على رقبتها، وهذا التشبيه يجعل من عملية التقويم، ليس كمحاولة لتثمين نقاط القوة و تجاوز نقاط الضعف و الاختلال، بقدر ما يعتقد أنها محاولة لكشف عورة الإدارة وفضحها أمام الرأي العام. في المقابل، الأجهزة الرقابية، لا زال يطبع عملها التعالي و التفتيش بمعناه الضيق، الأمر الذي يستعصي معه خلق علاقة تواصل بين موضوع المراقبة و الأهداف و النتائج المنشودة من التقويم .وطبيعي أمام هذه العلاقة المتوترة أن تتحول نتائج التقويم إلى حرب كلامية وإعلامية، من تجلياتها إعادة إنتاج نفس الأخطاء و تحصيل نفس الخلاصات والملاحظات كما نتبين مثلا من التقارير السنوية للمجلس الأعلى للحسابات، وهو أمر أخر تحصيل تراكمات في مجال التقويم، وعطل ميلاد "ثقافة" التقويم كدعامة تدبيرية للتحليل و الكشف و المصاحبة و التطوير. في غياب دراسات علمية تقييمية للتجربة الحالية للأكاديميات الجهوية للتربية و التكوين ، اللهم ما أنجز على المستوى الرسمي من قبل مديرية الشؤون القانونية و المنازعات التابعة لوزارة التربية الوطنية، والدراسة التي قام بها المجلس الأعلى للتعليم سنة 2007 حول اللامركزية و اللاتركيز في قطاع التربية الوطنية من خلال تجربة الأكاديميات الجهوية ، وتقارير المجالس الجهوية للحسابات، سنحاول إجراء مقاربة تشخيصية تستمد عناصرها الرئيسية من الملاحظة الميدانية والواقع المعاش لإعداد الجواب عن أسباب إخفاق وتعثر تجربة الأكاديميات الجهوية، لاسيما أن مرور أكثر من سبعة عشرة سنة على إحداثها كمصالح خارجية، و ما يناهز إحدى عشر سنة على منحها الشخصية المعنوية بموجب الظهير الشريف رقم 1.00.203 الصادر في 15 من صفر 1421 (19 ماي 2000) بتنفيذ القانون رقم 07.00 القاضي بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، هي مدة تحتم علينا البحث في الجواب عن مجموعة من التساؤلات، من قبيل: هل نجحت تجربة الأكاديميات الجهوية في التقعيد للجهوية التربوية؟ وهل أسهمت في استيعاب قضية التنوع المجالي والثقافي الذي يطرح إشكالية الخصوصيات، وما ينجم عنها على مستوى تكييف البرامج الدراسية والزمن المدرسي والإيقاعات المدرسية عموما؟ أم أننا لازلنا بعيدين عن التمييز بين الأكاديميات الستة عشر المحدثة باستثناء أرقام ميزانياتها وأعداد متمدرسيها وشغيلتها؟ و هل تعتبر المجالس الإدارية للأكاديميات مناسبة للتجديد على مستوى الجهة و نافذة للنقاش الجاد لما تحقق وما لم يتحقق و ما الذي ينبغي تحقيقه مستقبلا أم فقط مناسبة لتقديم مخططات سنوية للعمل توحدها الأهداف الوطنية ولاتمايز بينها إلا على مستوى الأرقام؟ إن الحاجة لتقييم تجربة الأكاديميات الجهوية تتقاطع في الكثير من جوانبها بين إرث الماضي و إكراهات الحاضر وانتظارات المستقبل و تطلعات الفاعلين السياسيين و التربويين لجهوية متقدمة ناضجة تزاوج بين الاجتهاد القانوني وخصوصيات المجال ، و ما يقتضيه ذلك من وعي بالاختلاف و التنوع دونما مساس بوحدة الوطن وثوابته ، وهو ما يعني ضرورة الوقوف على اختلالات هذه التجربة في أفق تجويدها والدفع بها إلى أقصى مدى ممكن. أولا : صعوبات تجربة الأكاديميات ترتبط هذه الصعوبات في الأصل بتمثل الدولة و الحكومة للجهة، هل باعتبارها انعكاس للمنطق الانتخابي والسياسي الذي لا زال يتحكم في التقسيم الترابي، أم فضاء سوسيو-ثقافي و اقتصادي قادر على استيعاب الفوارق و خلق التوازنات وفق ثوابت وطنية واضحة؟ فمن شأن الإجابة عن هذا التساؤل أن تقلل من حجم الإكراهات التي تؤثر في استكمال مسلسل اللامركزية واللاتمركز سواء على المستوى المركزي أو الجهوي أو المحلي (أولا ) وأيضا في تدبير المجال المدرسي (ثانيا). أولا- مسلسل اللامركزية و اللاتمركز : أ- على المستوى المركزي، أظهرت التجربة أن غياب التجانس بين المديريات المركزية بوزارة التربية الوطنية فرض خلق وحدات إدارية مستقلة عن الهيكلة الجديدة للوزارة في إشارة لحجم التداخل الموجود بينها. ب- على المستوى الجهوي، برزت عدة ثغرات، من قبيل : - غياب الاستقلال الإداري : فخصوص الاستقلال الإداري للأكاديميات، لا يمكن الحديث عن استقلال مطلق عن السلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية، إذ تبقى الرقابة، في إطار الوصاية الإدارية المركزية، شرطا مسطريا لتسيير هذا المرفق العام. لذلك، مازالت الأكاديميات لم ترق بعد إلى المؤسسة العمومية الحقيقية رغم ما تم إنجازه من مشاريع وما تم تحقيقه من إنجازات. لهذا السبب انتظرنا إلى غاية يناير و فبراير 2013 قراري وزير التربية الوطنية ، بتفويض بعض الاختصاصات للأكاديميات الجهوية للتربية و التكوين : التعيين و حركة الموظفين- الرخص- التعويضات العائلية- الاقتطاع من الراتب- تسليم وثائق إدارية. لكن، رغم هذين القرارين، وبساطة الاختصاصات التي فوضها للأكاديميات، ظلت الرقابة المركزية حاضرة و متحكمة في حركية الموظفين و تدبير الموارد البشرية. - ضعف التواصل : هذا الحضور الطاغي للرقابة ضاعف أزمة التواصل الموجود بين الأكاديمية والموارد البشرية الموضوعة رهن إشارتها، و ظل المركز هو صاحب القرار و المستحوذ على المعلومة الإدارية. ويكفي أن نقرأ أن فضاء الاستقبال والاتصال بمديرية الموارد البشرية وتكوين الأطر بالوزارة، خلال الفترة الممتدة من 8 إلى 19 أبريل من هذه السنة، استقبل ما يناهز 11000 موظف تراوحت استفساراتهم بين التعرف على آخر وضعية إدارية و طلب الحصول على قرارات التوظيف و الترسيم و الترقية في الدرجة ، وبين الاستفسار عن الوضعيات المرتبطة بتعويضات المنطقة والتعويضات العائلية، و الاقتطاعات و عن التقاعد حد السن والتقاعد النسبي وطلب احتساب الخدمات و سحب شواهد الأجرة. و لاشك أن هذا الرقم يطرح أسئلة عديدة، مثل : لماذا يجد رجال و نساء التعليم أجوبة عن استفساراتهم بمديرية الموارد البشرية و تغيب عند الأكاديميات ؟ و هل يتمثل دور المصالح المكلفة بالإعلام و التواصل داخل الأكاديميات فقط في تسجيل المذكرات و المراسلات ؟ ثم ما دور البوابات الإلكترونية للأكاديميات؟ لماذا لا لا تعمل معظم الأكاديميات على تحيينها لتقوية التواصل بينها وبين الفرقاء و الشركاء الاجتماعيين؟ وكيف يمكن تنزيل التواصل الإلكتروني على مستوى المؤسسات التعليمية في غياب التكوين وما يتطلبه ذلك من اعتمادات مالية و طاقات بشرية في الوقت الذي نجد فيه أكاديميات نسيت بواباتها الإلكترونية دون تحيين منذ سنوات؟ - تعدد تركيبة المجالس الإدارية للأكاديميات : أثرت تركيبة المجالس الإدارية للأكاديميات على التجانس المفترض داخل هذه الأجهزة التقريرية، لا سيما مع محدودية انخراط بعض الأعضاء، ونخص بالذكر الجماعات المحلية التي تعد طرفا رئيسيا، فضلا عن ضعف الانخراط الفعلي لأعضاء اللجان التقنية الدائمة المنبثقة عن المجلس الإداري ، مما أثر على مردوديتها و كيفية اشتغالها، لا سيما وأن النظام الداخلي المؤطر لسير هذه اللجان لم ير النور بعد. كما نسجل كثرة الأعضاء المعينين مقابل قلة الأعضاء المنتخبين. ولابد أن نشير على أن أي حديث عن توسيع الأعضاء المنتخبين ينبغي أن يرتبط بما يسميه "فيليب بروتون" ب"الكفاءة الديمقراطية"، حيث ترتبط بالاقتدار الذي تستوجبه المسؤولية، من تفكير وتخطيط، وتأطير، ومحادثة وتواصل، وتفاوض واستشراف. - ضعف استثمار القانون : يشير الواقع المعاش للأكاديميات إلى أن الكثير من المواد القانونية ظلت حبرا على ورق ولم تفعل، والأمثلة على ذلك كثير، نذكر منها : - غياب إنجاز دراسات و أبحاث حول حاجيات الجهة و مؤهلاتها و إمكانياتها والتغيرات التي تتعرض لها أو يمكن أن تتعرض لها لتوسيع العرض التربوي وتجويده. - ظلت الاستعانة بالخبراء في مجالي التدبير التربوي و المالي و الإداري حلقة مفقودة في أشغال المجالس الإدارية للأكاديميات، وربما غيابهم أو تغييبهم يعزى إلى وجود خبراء محتملين من بين الأعضاء المعينين و الممثلين لرجال ونساء التعليم و جمعيات آباء و أولياء التلاميذ ! - غياب تعاقدات و شراكات : من الضروري الإشارة إلى أن فكرة الشراكة حديثة حتى في المجتمعات الحديثة، لكن الملاحظ أنه في السنوات الأخيرة أصبحت الشراكة أساس التدبير الإداري في ظل ثقل الإكراهات و قلة الموارد. غير أنه في الدول النامية لا زالت الشراكة تختزل في الاستجداء و العجز المالي، حيث لازال ينظر إليها كاستجداء و طلب للدعم بعيدا عن مبدأ التعاون والمساندة و التضامن، الأمر الذي أدى إلى جانب، غياب التواصل و الجرأة في اتخاذ القرار، إلى اقتصار ميزانيات الأكاديميات على إعانات الدولة، وطبيعي أن يظل المانح هو المتحكم، واختزال مهام الأكاديميات في التدبير اليومي و تصريف القرارات بدل المشاركة في التخطيط و اتخاذ القرار. ج- على المستوى المحلي : تلقي وضعية الأكاديميات جهويا على النيابات محليا، وبذلك لم تشكل النيابات التعليمية استثناء، بل امتدادا لحالة التركيز الإداري في صورته التقليدية، فكان من الطبيعي تسجيل : - وجود الازدواجية : فيما يخص طبيعة علاقة الأكاديميات بالنيابات الإقليمية، فقد أحدثت نوعا من الازدواجية في التعامل باعتبار أن هذه الأخيرة مصالح لا ممركزة للوزارة تم إدماجها بهذه الصفة كمصالح خارجية للأكاديميات. هذه الوضعية أفرغت النيابات من محتواها، والدليل أن معظم هذه الوحدات الإدارية التابعة لا تتوفر على مشروع عمل كما هو مطلوب منها قانونا ، وأفرزت بالمقابل عدة علاقات سلبية : - هذه الازدواجية، نقولها صراحة، جعلت من النيابات صناديق بريد أو مجرد مكاتب للضبط تسجل الوافد و الصادر من المراسلات؛ - النائب مجرد آمر مساعد بالصرف؛ - الاعتمادات تفوض من قبل الأكاديميات، ومسطرة التفويض المالي لا تخضع لمأسسة تدبيرية واضحة، بل تدخل فيها العلاقات وكاريزما النائب و امتداداته داخل الأكاديمية ( الاستجداء المالي). - وضع المؤسسات : هذه الوضعية أثرت على واقع المؤسسة التعليمية بالنظر لكيفية اشتغال الإدارة التربوية و المجالس الإدارية المحدثة بالمؤسسات التعليمية، التي لم تتخلص من شرنقة الشكل أمام جهل بالاختصاصات و الخوف من المبادرة و الاجتهاد مادام أن النجاح ينسب للجميع، و الفشل ينسب لصاحبه . - ثقافة المشروع : الغريب في الأمر أن كل من مديري الأكاديميات و النواب و رؤساء المؤسسات التعليمية يقدمون مشروعا أثناء مباراة الانتقاء، لكن لا نعتقد أن هذا المشروع يتجاوز قاعة لجنة الانتقاء في معظم الحالات، باستثناء بعض الحالات المعزولة. وبالتالي، ليس هناك مشروع متعاقد عليه يمكن تتبعه و محاسبة المعني بالأمر عند فشله أو سوء تنزيله. إن من أهم الخلاصات التي يمكن تسجيلها فيما يخص مسلسل استكمال مسلسل اللامركزية واللاتمركز على المستوى المركزي أو الجهوي أو المحلي، نذكر : - انعدام الثقة؛ - الوفاء للهاجس الأمني وتكريس طابع الخضوع و الإخضاع للإدارة بدل التعاون و المبادرة ( الخوف من الاجتهاد)؛ - غياب الجرأة في اتخاذ القرار وفق ما هو مسموح به لتنزيل مفهوم المؤسسة العمومية حتى لا تبقى اختصاصاتها موقوفة التنفيذ. ثانيا- تدبير المجال المدرسي : لقد تتبعنا كيف أقدم الخطاب الملكي في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى الستين لثورة الملك والشعب على تشخيص واقع التربية والتكوين ببلادنا بنبرة حادة و واقعية، بتأكيده أن قطاع التعليم يواجه عدة صعوبات ومشاكل، خاصة بسبب اعتماد بعض البرامج والمناهج التعليمية، التي لا تتلاءم مع متطلبات سوق الشغل، فضلا عن الاختلالات الناجمة عن تغيير لغة التدريس في المواد العلمية، من العربية في المستوى الابتدائي والثانوي، إلى بعض اللغات الأجنبية، في التخصصات التقنية والتعليم العالي. وهو ما يقتضي تأهيل التلميذ أو الطالب، على المستوى اللغوي، لتسهيل متابعته للتكوين الذي يتلقاه. و هذا الوضع الراهن لقطاع التربية والتكوين يقتضي، بكل صدق، إجراء وقفة موضوعية مع الذات، لتقييم المنجزات، وتحديد مكامن الضعف و الاختلالات، والتي نسجل بعضها المتعلق بتدبير المجال المدرسي كما يلي : أ- تعميم التمدرس في التعليم الابتدائي و توسيع قاعدته في التعليم الثانوي شابته عدت ثغرات : - رغم التوجه الوطني بتعميم التعليم الأولي لفائدة الفئة العمرية 4-5 سنوات، فإن عدد المسجلين سنويا لا يعرف التزايد الكفيل بتحقيق الأهداف المرتبطة بهذا التوجه. وهو تأخر يؤثر لا محالة على مسار المتعلمين المدرسي لا سيما في العالم القروي الذي يفتقر لدور التربية الأولية، ناهيك عن مشاكل غياب أبسط ضروريات الحياة ببعض المناطق القروية النائية. فإذا كان تلاميذ المؤسسات التعلمية المتواجدة في المدار الحضري تشكو من ضعف التكوين الأولي للمتمدرسين، فكيف سيكون الوضع عليه بالنسبة لمتمدرسي العالم القروي؟ - ظل ربط التعميم بالإلزامية موقوف التنفيذ ، لأن المساعدة المادية أو الإعانة المباشرة ليست هي الحل، بل لابد من تضافر الجهود حتى لا نترك الإدارة التربوية و الأساتذة في قفص الاتهام. فمن المسؤول عن مغادرة التلميذ للفصول الدراسية بعد بضعة سنوات من التحاقه بالمدرسة؟ و ما السبيل إلى إرجاعه إليها؟ هل الإدارة التربوية هي المسؤولة أم الأسرة أم السلطة المحلية بما تمتلكه من وسائل الإخضاع و الإجبار؟ و في انتظار الحسم النهائي في الجواب، ينبغي تحقيق إجماع و طني حول مفهوم " الإلزامية". - ما زالت نسبة التكرار و الانقطاع عن الدراسة في ارتفاع مستمر، وهنا لابد أن أشير إلى آثار الخريطة التربوية التي تدفع في الكثير من الأحيان إلى تخفيض عتبة النجاح لملء المقاعد رغم ما يترتب عن ذلك من مشاكل تربوية تعمق الفروق الفردية بين المتعلمين و المتعلمات. - تراجع نسبة الاكتظاظ بالتعليم الابتدائي مقابل تسجيل تفاقمها بالتعليم الثانوي الإعدادي و التأهيلي. الأسباب متعددة : ( داخلية) قلة الحجرات- الخصاص- خلل في البنية البيداغوجية للمؤسسة- كيفية توظيف الفائض من الأساتذة- سوء توزيع التلاميذ على المؤسسات المستقبلة- (خارجية) تنامي البناء بوتيرة سريعة في المدرات الحضرية – ظهور أحياء من البناء العشوائي ( الدراسات التوقعية – التخطيط الذي عهد به إلى الأكاديميات). - نسب الأقسام متعددة المستويات في العالم القروي بدأت تأخذ حجما متزايدا في السنوات الأخيرة، وانتقلت من تجميع مستويين إلى ثلاثة أو أربعة، ومن أسباب ذلك : تعميم التمدرس في أبعد نقطة وإن كان على حساب هيبة المدرسة والمدرس. ب- التكوين في علاقته بمراجعة المناهج و البرامج التربوية و الكتب المدرسية و تأهيل الموارد البشرية : يؤكد خريجو المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين هذه السنة أن برامج التكوين الأساسي لا زالت على حالها مع بعض الإكسسوارات البسيطة التي قد تحدثها اجتهادات بعض الأساتذة المكونين، في حين ظلت هذه البرامج تخضع للمواصفات التي حددها الكتاب الأبيض منذ سنوات. كما بقي التكوين المستمر والتأطير التربوي على حاله رغم التغيير الذي شمل المناهج. وهنا يطرح مشكل المواءمة بين مستلزمات تطبيق البرامج و المناهج الجديدة و استعمال الكتب المدرسية مع المؤهلات المهنية للأطر التربوية. ومشكل التكوين يطرح في بالأساس في علاقته بالمراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين، ومدى قدرتها على أن تسهم في مهننة التدريس مع مراعاة الخصوصيات الجهوية من حيث الإمكانات و فرص العمل ومشاتل التكوين : فالتدريس مهنة و تدبير قطاعه أيضا مهنة، لذلك وجب الانتصار لقيمة للتكوين بدل الانتصار "لمنطق الفئوية و المؤامرة ومنطق الضحية و الجلاد". ثانيا – خلاصات و توصيات : ما سجلناه من إكراهات على مستوى مسلسل اللامركزية و اللاتمركز و المجال المدرسي ، يسمح بصياغة بعض التوصيات، من ضمنها ضرورة : - ضبط العلاقة بين النيابة و الأكاديمية بشكل يسمح بالمبادرة و الجرأة و التعاون بدل الإملاءات؛ - تبادل التجارب الناجحة بين الأكاديميات؛ الرقي بوضع المؤسسات التعليمية؛ - تبني ثقافة المشروع و التعاقد حوله بشكل واضح و قابل للأجرأة و التتبع و التقويم؛ - ربط التعميم بالإلزامية الحقيقية و تضافر الجهود مع باقي الشركاء ؛ - تفعيل دور مجالس المؤسسة؛ - احترام الخصوصيات المحلية و الجهوية على مستوى التدبير الزمني و الكتب المدرسية؛ - إعادة النظر في آلية التأطير و المراقبة، ونأمل أن يكون الجيل الجديد من المفتشين أو بالأحرى المشرفين التربويين في المستوى المطلوب، للمواكبة و التطوير و التجديد و الدعم النفسي و الجرأة؛ - التحكم في الموارد و إعداد إطار مرجعي لتدبير الموارد البشرية و الحرص على تتبعه؛ - ربط التكوين بالمراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين. اليوم نحن في حاجة إلى استيعاب الإكراهات التي تتخبط فيها تجربة الأكاديميات و الاستفادة من التراكمات التي حققتها، وإلا ستظل الجهة بمفهومها الموسع من خلال مشروع الجهوية المتقدمة عبئا ثقيلا، لأن جهات في التجربة الحالية بساكنة أقل و جغرافية محدودة لاقت مشاكل تدبيرية أكبر. وفي هذا السياق، نجدد التساؤل عن خارطة الطريق الجهوية، التي سيعتمدها صناع القرار التربوي بعد التنزيل الإجرائي لمشروع الجهوية المتقدمة، وكيف يمكن تحويل النيابات والأكاديميات إلى وحدات إدارية متميزة من حيث مشروعها التربوي و تدبيرها الإداري و المالي للمجال المدرسي و مواردها البشرية وقادرة على تفعيل التواصل مع مواردها و محيطها؟ الإجابة عن هذه الأسئلة لا يتطلب بالضرورة موارد مالية و وسائل لوجتسيكية ضخمة، أو مساعدات خارجية ، بل بالأساس إلى عقول تعرف وتطبق جيدا معنى كلمة القيادة" و "الجرأة" و " المبادرة" و "الغيرة" للرقي بالمهام الموكولة إلى المنظومة في تناغم مع ما يستحقه المغرب و المغاربة. وهنا أشاطر الأستاذ إدريس لكريني الذي أشار في مقاله المتميز "التعليم ورهان التغيير الديمقراطي" أن التقصير في تطوير هذا القطاع الحيوي كان حتى وقت قريب مقصودا؛ أملته حسابات سياسية تحكمية ضيقة تأكد إفلاسها وخطورتها على الدولة والمجتمع. ولعل هذا ما يفرض تكثيف الجهود من أجل بلورة سياسة تعليمية عقلانية ومنتجة وخلاقة؛ تنبني على رؤية استراتيجية متفاعلة مع الواقع المحلي ومع تحديات المحيط؛ وقادرة على إعداد جيل قادر على الابتكار والمبادرة. و يكفي أن نذكر في آخر هذه السطور بإحدى فقرات الخطاب الملكي الأخير التي نبهت إلى أنه : " لا ينبغي إقحام القطاع التربوي في الإطار السياسي المحض، ولا أن يخضع تدبيره للمزايدات أو الصراعات السياسوية. بل يجب وضعه في إطاره الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، غايته تكوين وتأهيل الموارد البشرية، للاندماج في دينامية التنمية، وذلك من خلال اعتماد نظام تربوي ناجع".