بمناسبة الحملة القائمة على التدخين سبق لي أن كتبت في هذا الموضوع مقالا أحب أن أقدمه إليكم بعد ما مر على كتابته أزيد من 20 سنة. والموضوع ما زال قائما. فإليكم ما كتب. على من تقرأ زابورك يا داود ؟ كنت جالسا عند السيد عبد الخالق الحلاق، انتظر دوري، فسلمني صحيفة رياضية اعتاد شرائها، وأشار علي بقراءة بعض المواضيع بالذات لتعرضها للفريق الذي يعتبر نفسه من المتحمسين له والمحبين لقميصه ... وبينما أنا منهمك في قراءة ما اختاره لي، وهو بدوره يحلق رأس من سبقني، كما أن مساعديه مشتغلان في حلاقة شخصين آخرين .. إذا بشاب طويل القامة أنيق الملبس اصفر الوجه يدخل قاعة الحلاقة وبيده سيجارة ...فلم يسلم علينا .. اخذ احد المقاعد وجلس بجانبي .. ثم استمر يشرب سيجارته بعنف وقوة ، غير عابىء بوجود أناس آخرين يقتسمون استنشاق ذرات الأكسجين داخل ذالك الحيز، فأحببت أن أوجه له ملاحظة بطريقة غير مباشرة ..فقلت لصاحب القاعة ألا توجد عندكم هنا لافتة تشير إلى أن التدخين ممنوع داخل المحل كما هو معمول به، ومتعارف عليه في بلدان الشمال ..؟ فنظر إلي ..ولم يجب فقلت إن دخان السجائر يضايقني لأني والحمد لله لست ممن يدخنون ..فأجابني صاحب الحلاقة نعم ما فعلت ، وأضاف : وأنا كذلك كنت من المدمنين على التدخين أدخن في اليوم علبتين أي أربعين سيجارة . واليوم والحمد لله تاب الله علي فانقطعت عن التدخين منذ خمس سنوات . كل هذا الحديث يمر ، والشاب الأصفر الوجه ينفث في سيجارته بشهوة ونهم غير مبال بحديثنا ، بل ازداد امتصاصا .. ونفثا وكأنه بذلك يتحدانا جميعا . ثم قلت: مرة كنت عائدا من البيضاء إلى الرباط في القطار السريع الذي أطلق عليه اسم "عويطة ".. وبالدرجة الأولى منه توجد نصف عربة مخصصة لغير المدخنين . فجلست مع الذين تجمعني وإياهم الحصانة من تلك الآفة، وبعدما تحرك القطار بمدة وجيزة دخل علينا شخص، وجلس قبالتي .. وفي رمشة عين أخرج من جيبه صندوق سيجارة ، وسحب منه سيجارة - ولم تكن من النوع الجيد – وبدأ ينفث فيها .. وقبل أن أتكلم كان أحد الركاب أسرع مني، فتقدم للشخص المدخن ..وأراد أن ينبهه فقال له بكل أدب واحترام من فضلك هذه العربة هي خاصة لغير المدخنين .. لهذا فيمكنك أن تجلس في العربة الأخرى المسموح فيها بالتدخين، وهناك دخن ما شئت ... نظر إليه الشخص المدخن وأجاب ..إيه..أي نعم .. ولكنه لم يتحرك من مكانه بل استمر في تدخينه . أنا أحكي هذه القصة الحقيقية ..والشاب الأصفر الوجه لا يعير حديثي أدنى اهتمام بل يزيد من نثر دخانه الخبيث في قاعة الحلاقة .. ثم قلت: وبعد برهة رحمنا الله بحضور مراقب بطائق المسافرين... فإذا بذلك المدخن العابث ليست له بطاقة السفر فقال له المراقب إن التدخين بهذه العربة ممنوع ، ومكتوب في كل مكان .. فلم يهتم المدخن بكلامه ، واكتفى بأداء ثمن التذكرة . وبعد برهة حضر المفتش بلباس مدني وقصد المدخن وقال له التدخين هنا ممنوع .. رفع المدخن عينه فيه، واستمر في نفث سيجارته، وكانت هي السيجارة الثالثة .. ولم ينفع السيد المفتش بقطار عويطة إلا أن يخرج من جيبه بطاقة الهوية ليعرف بنفسه لهذا الشخص المتمرد والمتحدي لكل الركاب واللافتات التي تمنع التدخين، ثم طلب منه أن يصحبه إلى حيث مكان التقاء العربتين .. فتبعه، و هناك كانت المناقشة وارتحنا نحن من مضايقة دخان السجائر. حكيت كل هذا والشاب الأصفر الوجه الأنيق الملبس ما زال يشرب سيجارته بقوة وعنف وكأن الكلام لا يعنيه. هنا أحسست أن صاحبنا لم يتعلم في بيته كيف يحترم الناس ومثله الذي كان بالقطار. وهنا نسأل: لماذا يحاول بعض الناس بتصرفاتهم تلك أن يتحدوا شعور الآخرين ؟ ما هو الإجراء الواجب اتخاذه مع أولئك ؟ وما هي الطريقة التي يمكن أن يعاقب بها هؤلاء المخالفين للتعليمات ؟. إننا جميعا مسؤولون، ومن حق كل منا أن ينبه العابثين بالتي هي أحسن ..عساهم أن يفهموا .. وإذا لم يفعلوا فما علينا إلا أن نتمسك بقول الشاعر: الذي يقول: إذا نزل الثقيل بأرض قوم * * * فما على الساكنين سوى الرحيل . هذا المقال نشر بكتاب وللحديث بقية... ونشر قبل ذلك بتاريخ يوم الخميس 11 فبراير 1993 وللحديث بقية...