أي مستقبل لتمكين تنموي حقيقي؟ تشكل المرأة بؤرة وجوهر التغيير في المجتمعات ، فكما قدم الرجل دورا بارزا في أحداث الماضي والحاضر ،فإن المرأة قد قدمت أدوارا طلائعية توزعت وتنوعت واختلفت وتكاملت باختلاف الزمان والمكان والأحداث ؛ لكنها في النهاية ساهمت في التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لبلداننا،وناضلت من أجل بناء نهضة تنمية مجتمعاتها بتحمل أعباء التحولات السياسية الجريئة لاسيما متغيرات مرحلة حراك المجتمعات العربية. ولعل السؤال الأهم الذي يطرح نفسه بحدة ونحن أمام مقاربة تنمية مجتمعاتنا اليوم ، بعيدا عن مواسم أعياد مارسيات المرأة من كل سنة، حيث تزين فضاءاتها بأزهار مجاملات وتمجيد بمسار العطاءات، مع ازدواجية معايير معادلة الحاضر الغائب،حينما يتعلق الأمر بمناصب القيادة في الأحزاب ومواقع اتخاذ القرار ؟ !! وهو سؤال يحتاج إلى مبادرات جدية ، وتكاثف الجهود لمقاربة مستقبل مجتمعنا الذي لايمكن أن يحلق بجناح واحد نحو تنمية جادة وفاعلة ،تشترط إرادة النهوض الحقيقي بمشروع استنفار مجتمعي، لتمكين المرأة من لعب أدوارا ريادية تؤهلها لمراكز القرار على المستوى السياسي والاقتصادي والمعرفي، ضمن إرادة قوية تنخرط في مخطط تفعيل التشريعات عمليا وليس نظريا ! نعم تمكين المرأة يحتاج إلى إرادة قوية ورغبة مجتمعية تشاركية،تعمل على إنتاج ثقافة جديدة لجيل المستقبل ،ثقافة تقوم على الالتزام بالمقاصد الشرعية في قوله تعالى "المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " الأمر الذي يتعارض ووهم الزعم الثقافي الشعبوي ،المتوارث الحكم بأن المرأة عنصر ضعيف غير قادر ومؤهل لصياغة رؤية نهضوية وحضارية لمجتمعاتها. فكيف يمكن لبناتنا اللواتي نؤهلهن اليوم في الجامعات والمؤسسات العلمية ، أن ينتجن خطاباً مجتمعيا سياسيا حواريا فاعلاً، ويبدين بمعارفهن وتميزهن، رأيا في صناعة القرار بعيدا عن الصورة النمطية المتكلسة في ذهنية العقل الجمعي لمجتمعاتنا ؟ أظن أن المثقفات والمفكرات والعالمات والقيادات النسائية في المجتمع المدني ، مطالبات اليوم وأكثر من أي وقت مضى،بالنزول إلى ساحة الفعل بالعمل بالإنتاج المعرفي ،بالعطاء الإعلامي والسياسي،بالحراك الثقافي التنموي والاقتصادي،بالمطالبة الدستورية بتفعيل حق المناصفة، المرأة كانت شريكة في التغيير منذ عهود الاستعمار بنضالاتها الوطنية التي لم تسجل لها تاريخيا، ،وبفاعليتها في مسار التنمية الاقتصادية والمعرفية لمجتمعنا المغربي،وعليها اليوم أن تبقى شريكة في اتخاذ القرار داخل دوائر الإرادة السياسية والحزبية، ومن العيب جدا أن نكرمها "بوردة ودرع كل سنة مرة حرام"، لننساها وينتهي دورها كرقم في لوائح حصد الأصوات الانتخابية.و في صمت مهيب تكون الحاضرة الغائبة في سجل لوائح المناصب الريادية والقيادية الحزبية، ولوائح الترشيحات للمنظمات الدولية والمناصب الديبلوماسية والوزارية.ودوائر اتخاذ القرار في المنازعات الدولية التي تكون هي ضحيتها الأولى بالتقتيل والترمل والتهجير والاغتصاب ؟ !! هذه معطيات تحتاج إلى تكاثف الجهود لحماية السلم الاجتماعي المبني على حقوق المواطنة، وتمكين نصف المجتمع المعطل عن توازن قوى البرامج التنموية القروية والحضرية والمشاركة في هندسة وصناعة مستقبل مجتمعنا ،مع أهمية استشراف خطورة مستقبل لا يمكننا من دخول المنافسات العالمية الحضارية بنصف قوة،ونصف عطاء،ونصف عقل،ونصف كتلة مجتمعية . إن منهج الاستفراد بالقرار في دوائر صناعته الحزبية والسياسية ، لا يجدي في المرحلة الراهنة ،إن كان مهمشا لدور المرأة ، كمحضن رئيسي ونواة صلبة لتأهيل أفراد المجتمع للحوار الذاتي والأسري ،،والديني، والثقافي ،والسياسي، والسلمي المجتمعي والدولي . فعملية التنمية تحتاج إلى تسخير كل الطاقات المادية والبشرية، ولعل أهم عملية استثمارية تستفيد منها مجتمعنا في تنفيذ برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية،هي دعم المرأة وتمكينها لخوض منافسات الريادة الوطنية والعالمية بعيدا عن كسر جناح أطرنا نساءا ورجالا،وتعطيل وظائف عقول وسواعد وطنية من شباب وشابات أنفقت عليهم ميزانيات الوطن . إن عملية التنمية عملية متكاملة تهدف للارتقاء بالعنصر البشري دون تمييز بين فئاته، ولذلك ينبغي أن تستوعب في خططها كل فئات المجتمع ونخبه وكوادره وطاقاته النسائية في البوادي والأرياف المستبعدة من مشروع التنمية ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، الأمر الذي يتطلب إعادة نسق قيمي تربوي في المناهج التربوية والأسرية يركز على إستبعاد نسق المخيال الشعبي،من ذاكرة الأجيال المقبلة ، ويعدها بأدوات وطرق تربوية جديدة ، تمحو صورة" المرأة السلبية "كما رسمت لها منذ أزمنة مضت، وتحل محلها صورة المرأة المثقفة الذكية، الايجابية في المدينة والقرية ، المرأة المشاركة بمواطنتها ووطنيتها في تحريك هرمية المحطات التنموية المختلفة، فبمزيد من الوعي المجتمعي يتضح الإطار العملي والإنتاجي، لتنمية بلدنا،بعيدا عن "ثنائية الصراع المفتعل بين المرأة والرجل" ، تارة باسم الدين وتارة باسم الموروث الثقافي ،وتارة اخرى باسم "الصراع المفتعل" من أجل "الاقصاء الغير مبرر"، مجتمعنا المغربي اليوم واكثر من أي وقت مضى ،يحتاج لبناء نهضته الرجل والمرأة معا ويدا بيد بمشروع تكاملي تتكاثف فيه الجهود وتكتمل فيه الطاقات الحاملة لمواطنتها والمحبة لوطنها بإرادة عزم وطنية . اليوم 8 مارس عيد تقدم فيه باقات ورود "ووعود" للمرأة ، بينما تحتاج المرأة المغربية بكفاءتها وتميزها وطنيا ودوليا لورود الانصاف ودروع المناصفة .... هذه المرأة التي قدمت للمغرب أعيادا من حصاد مواسم الابداع والانجاز والتميز في شتى الميادين.وبمستويات مختلفة تنطلق من حقول القرى بصيانة المنتوج الفلاحي ،الى المصنع ،والمعمل ،والاقتصاد ،والمعرفة والهندسة ،والطيران ،والطب، والتكنولوجيا والآداب ،والثقافة، والمجتمع المدني "والسياسة الحاضرة في أحزابها الغائبة في لوائح ترشيحاتها"..المرأة المغربية تعلمت بمنهج تربوي موحد مع الرجل،وحملت شهادات موحدة مع زملائها في التخرج من تخصصات مختلفة،وعلمت بناتنا وأبناءنا في الجامعات لتمكنهم من آليات دخول المنافسة المعرفية ، فإما أن نكون مجتمعا متكاملا بعدالة ميزان تكافؤ الفرص،قادرا على رسم أولوياته التنموية واستشراف أفق مستقبله ،مستعدا لرفع رايته، وتاريخ مجد حضارته ،مسوقا لمنتوج ثقافته المغربية ،في فضاء المنافسات العالمية ،وإما أن "لا نكون" فنعتزل ركوب قطار جيل مجتمع المعرفة،ونحكم على جيل مستقبل بلد بكامله ،بالتقوقع في جيتو الصراع المفتعل بين "الأنا والأنا " الرجل والمرأة .وكلهم أنا مجتمعي واحد.ومصير مستقبلي واحد لتراب مغربي عزيز نحبه ونعشقه . *رئيسة مركز إنماء للأبحاث والدراسات المستقبلية أستاذة التعليم العالي بجامعة ابن طفيل القنيطرة