قال عبد الكريم بنعتيق رئيس لجنة المقرر التوجيهي في أفق انعقاد المؤتمر الوطني العاشر لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المزمع تنظيمه في19، 20 و 21 ماي القادم ببوزنيقة أن اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني العاشر تبنت منهجية تشاركية في أفق الوصول إلى صياغة تركيبية لمضامين المقرر التوجيهي. وأوضح بنعتيق أن لجنة المقرر التوجيهي، الذي صادقت عليه عضوات وأعضاء اللجنة الإدارية بالإجماع السبت الماضي، عقدت منذ انطلاق أشغالها ستة اجتماعات وأنجزت 14 وثيقة وقدمت ثمانية عروض، كما تم تنظيم يومين دراسيين في مدينة بوزنيقة من أجل تجميع مضامينه. وأضاف رئيس لجنة المقرر التوجيهي أن العنوان الأبرز للصياغة التركيبية لمضامين المقرر التوجيهي هو إشراك جميع مناضلي ومناضلات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في مناقشة القضايا المطروحة حزبيا، وطنيا وقوميا. وبخصوص الوضع الوطني وتوجهات الحزب السياسي، تستحضر الوثيقة الأسئلة الكبرى التي كانت مطروحة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والإجابات التي قدمها من خلال المؤتمرات الوطنية السابقة، مع تحليل الوضع السياسي الراهن، واستشراف الآفاق المستقبلية، مشيرة إلى أن الخلاصات المتوصل اليها ينبغي أن تكون أساسا صلبا لتحديد معالم استراتيجية عملنا المستقبلي، وإيجاد التأطير السياسي الملائم لبرنامج الحزب. وتوقفت الوثيقة عند سياقات الماضي والحاضر وأسئلة المستقبل في ما يتعلق بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مستحضرة في هذا السياق المسار السياسي والوضع التنظيمي للحزب وأيضا في ارتباطه بالوضع الراهن، وكذا معالم استراتيجية الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المستقبلية من خلال الإجابة عن أسئلة من قبيل أي رهانات سياسية؟ أي استراتيجية انتخابية؟ أي شروط لتنافس انتخابي متكافئ؟ أي تحالفات حزبية؟ ثم أي إدارة ترابية بلادنا؟ كما استحضرت الوثيقة التأطير السياسي لبرامج الحزب الأساسية عبر البحث عن أجوبة أسئلة مثل أي أوراش كبرى يحتاجها المغرب، مؤسساتية وحقوقية وقانونية؟أي نموذج اقتصادي ناجع له؟ أي حماية اجتماعية لمواطنيه؟ أي مشروع مجتمعي يتبناه سواء في الدين والثقافة واللغة والتواصل؟ كما قاربت الوثيقة السياق الدولي مشيرة الى أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية،يعتبر أن طبيعة المجتمع الدولي، والتطورات المتسارعة التي حولته إلى عامل أساسي مُتحكم في التوجه العام للسياسات الوطنية، لا يُمكن تجاهل تأثيره على أوضاع المغرب، وتموقع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في المشهد السياسي. وأوضحت أن انتقال المجتمع الدولي من مجتمع تنافسي إلى غاية إرساء دعائم نظام العولمة أدى إلى تشابك وترابط التحديات العالمية التي على الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية واجب الوعي بها، قصد الاسترشاد بخلاصاتها في وضع استراتيجيتنا الحزبية، كما استحضرت هيمنة الرأسمالية المتوحشة، وتنامي الحركات المحافظة والمتطرفة، وتأقلم الأحزاب الاشتراكية الديمُقراطية مع هذه الأوضاع من خلال مراجعة استراتيجية عملها.
ثالثا: أية حماية اجتماعية؟ إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يعتبر أن البلاد تُواجه إشكالات مجتمعية متعددة تدعو إلى التأمل والتحليل من أجل إيجاد إجابات شافية حول كيفية معالجتها وبلورة البدائل والحلول الكفيلة للحسم في تداعياتها ومضاعفاتها المختلفة. وتطرح على مجتمع اليوم والغد تحديات كبرى سيكون التعامل معها حاسما ومصيريا في مستقبل البلاد على جميع المستويات: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وحده الفهم العميق المفرز لمشاريع الأجوبة المقنعة والناجعة يشكل المدخل الحقيقي لرفع التحديات الراهنة والمقبلة ومواجهة مختلف تجليات الأزمة المجتمعية واستشراف أفق مغاير تعمه الكرامة والمساواة والتنمية الشاملة. ولعل من أبرز التحديات المطروحة بإلحاح اليوم التحدي الاجتماعي الذي يستلزم مضاعفة الجهد لإقرار نموذج تنموي جديد ذي بعد اجتماعي قوي يستطيع ضمان التماسك المجتمعي وترسيخ مبادئ الاشتراكية الديُقراطية المتمثلة في العدالة والتضامن وتكافؤ الفرص. لقد تفاقمت الأخطار المحدقة بالمجتمع، على الرغم من المبادرات البارزة التي اتخذتها الدولة والمؤسسات الحكومية في العقدين الأخيرين، إذ تعمقت الفوارق الاجتماعية بين الفئات المجتمعية واتسعت مجالات العديد من المظاهر والتجليات السلبية، خاصة الإقصاء والهشاشة والفقر. ومن شأن هذه الأخطار أن تؤثر بشكل سلبي على النسيج الاجتماعي والنمو الاقتصادي، وبالتالي إفراغ التنمية البشرية من محتواها. والأخطر من ذلك أن الاختلالات الاجتماعية لن يتوقف تهديدها عند زعزعة الاستقرار الاجتماعي بتقويض علاقات التماسك والتضامن بين مكونات المجتمع، بل سيشمل إضعاف البناء السياسي والاقتصادي برمته. فقد انعكست موجات الاقتصادي العالمي، الناتجة عن المد الليبرالي الجديد والمتوحش، على الاقتصاد الوطني في الكثير من اللحظات نتيجة عدم التحكم في السياسة الاجتماعية، وما أفرزته مخططات التحرير وتفويت القطاعات العمومية والتخفيض من ميزانيات الدولة وحصر الإنفاق العمومي وتفكيك الخدمات الاجتماعية وغيرها. إن تفاقم الوضعية الاجتماعية لم يكن فقط نتيجة استمرار المظاهر المشار إليها وغض الطرف عنها وعن مضاعفاتها المزمنة، بل نتج أيضا عن عجز السياسات العمومية المتبعة إلى اليوم عن المعالجة الجذرية للمعضلات الحقيقة ومواجهة القضايا الاجتماعية ذات الأولوية بطريقة شاملة ومنهجية استباقية. وللأسف الشديد، ومنذ التجربة الرائدة التي خاضتها حكومة التناوب التوافقي، لم تستطع السياسات العمومية للحكومات المتعاقبة المحافظة على وتيرة الإنجاز الاجتماعي، وبدأت تتقهقر تدريجيا من منظور التنمية الاجتماعية نحو ممارسات ارتجالية تتراوح بين الدعم المحدود وبين المساعدة الاجتماعية. فمن جهة، سجلت مؤشرات التنمية البشرية على الصعيد الوطني تواضعا ملحوظا في عملية الإدماج الاجتماعي، إن لم نقل تراجعا بينا في محاصرة مساحات الفقر والإقصاء لدى أكثر الفئات المجتمعية هشاشة؛ ومن جهة أخرى، استسلمت السياسة الاجتماعية لمنطق المساعدة الذي يعتبر ترجمة فعلية لانعدام التخطيط والتدخل الارتجالي الذي لا يحصل أي أثر تنموي يذكر على المدى المتوسط والبعيد. وترسخت المساعدة الاجتماعية بشكل كبير، في العقدين الأخيرين، عبر المشاريع الحكومية الخاضعة للتدخلات الظرفية والمعالجة الجزئية التي توجه بطريقة متعسفة لفئات مجتمعية هشة دون غيرها، أو عبر مشاريع المجتمع المدني الذي هيمن عليه الطابع الخيري ذي البعد التعاوني أحيانا والطابع الإحساني ذي البعد الديني أحيانا أخرى. وبناء على ذلك، أدت منظومة المساعدة الاجتماعية، المرتجلة والترقيعية، إلى اختلال عميق في أكثر المجالات حيوية، وبشكل أخص في مجالات التربية والصحة والتشغيل والسكن، مما انعكس سلبا على التنمية المجتمعية والبشرية على حد سواء. فعلى المستوى التربوي، لم تتمكن السياسة العمومية المتبعة من إرجاع الثقة إلى المؤسسة المدرسية وتمكينها من مقومات ووظائف التنشئة الاجتماعية المرتكزة على العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والحق في المعلومات والمعرفة، وأصبح الفشل والهدر المدرسيين، والرسوب في السنوات الدراسية، مؤشرات تدل على أن المنظومة التربوية بدون أفق ما لم تتبلور الرؤية الاستراتيجية الفاعلة والعادلة. وعلى المستوى الصحي، لم تنجح السياسات العمومية المعتمدة في مواجهة الإكراهات الحقيقية المتمثلة في تدني الخدمات الصحية، وغياب التغطية الصحية الشاملة، واتساع حدة الفوارق الصحية المجالية، وصعوبة الولوج إلى العلاجات، وقلة العرض الصحي، والنقص في الموارد البشرية. وظل المغرب من أقل الدول إنفاقا على صحة مواطنيه ونصيبهم في الميزانيات العمومية. أما على مستوى التشغيل، فقد فشلت «الاستراتيجية الوطنية»، وعجزت الإجراءات المتخذة عن تحسين سياسة التشغيل وضمان فاعليتها، حيث لم تتمكن السياسات العمومية المتبعة من إحداث مناصب الشغل الكفيلة بامتصاص نسب معقولة من البطالة، بل إنها لم تتمكن من وقف النزيف المتواصل في فقدان مناصب الشغل وإغلاق المقاولات. أما على مستوى السكن، فلم تواكب السياسة العمومية المعتمدة التحولات المجتمعية والترابية، من أجل توفير عرض يستجيب للحاجيات الوطنية والجهوية فيما يتعلق بالسكن، وخاصة السكن الاجتماعي. كما أنها لم تنجح في تطوير برنامج سكني بديل يواجه العجز المتراكم، ويُكن من إبداع آليات جديدة لتطوير منظومة السكن، ويشجع الاستثمارات من أجل ضمان الاستقرار الاجتماعي، والمساهمة في التنمية البشرية والاقتصادية. استنادا إلى ذلك، وأمام الاختلالات الكبرى المسجلة، وهيمنة منطق المساعدة الاجتماعية، أي أمام اللامشروع الذي يفتح الباب على مصراعيه للارتجالية والظرفية، يحق التساؤل عن طبيعة وفحوى المشروع الاجتماعي الكفيل بوقف الاختلالات وتكريس التنمية المجتمعية المندمجة، أي المشروع الذي ينبغي أن يتبناه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كأداة لتغيير الوضعية الاجتماعية والنهوض بأوضاع الفئات المجتمعية، وفق تصوره الاشتراكي الديُقراطي للعلاقات الإنتاجية والترابطات الاجتماعية وتوزيع الثروات. أسئلة كثيرة تواجهنا، فما هي رؤيتنا للاقتصاد في ظرفية مالية متقلبة باستمرار؟ وأي تصور واضح لدور الدولة وتدخلاتها ووظائفها؟ وما المنهجية السليمة لتحقيق التكامل بين الفاعلين الاقتصاديين العموميين والخواص؟ وكيف السبيل إلى تعبئة الموارد الضرورية والكافية؟ وأية استراتيجية تمكن من إنتاج القيمة المضافة وتقوية الادخار وتطوير الأداء المالي؟ أسئلة لا يُُكن الإجابة عنها إلا بتصور متكامل لمنظومة اجتماعية تستطيع حماية التماسك المجتمعي وضمان التضامن بين مختلف فئات المجتمع. إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يعتبر أنه من بين المداخل الضرورية لمعالجة المسألة الاجتماعية وتحقيق الاستقرار والإنصاف الاجتماعي والقضاء على الهشاشة والفقر والتهميش، من خلال مشروع التنموي، يتأسس على مفهوم «الحماية الاجتماعية الموسعة» ضمن مفاهيم متشابكة تتجلى في العدالة والمساواة والتضامن والكرامة الإنسانية. إنه تصور يطمح إلى القطع مع الطابع الخيري والظرفي للمساعدة الاجتماعية وإقامة منظومة موسعة وعادلة للحماية الاجتماعية الموجهة إلى مختلف الفئات المجتمعية والمفرزة للآليات القادرة على توفير الخدمات التربوية والصحية وضمان الحق في السكن والشغل والعيش الكريم. وتتمحور المنظومة الموسعة حول اعتماد مجمل الآليات ذات الصلة بالرعاية الاجتماعية، بشكل مباشر أو غير مباشر، قصد تمكين المواطنات والمواطنين من مواجهة الهشاشة والآثار المالية المترتبة عن المخاطر الاجتماعية بفعل الانخفاض في الموارد أو الارتفاع في الإنفاق. وعلى الرغم من أن الحماية الاجتماعية التي نستهدفها نريدها أن تكون موسعة بما يفيد تدخل الدولة (ليس الراعية، وإنما الداعمة9 لضمان خدمات شاملة في المجال الاجتماعي، فإن ترتيب الأولويات ضروري لتيسير ولوج كافة شرائح المجتمع إلى مختلف الخدمات الاجتماعية من خلال التركيز على الفئات الهشة ذات الأسبقية التي تعاني من البطالة أو العجز أو المرض أو الانقطاع عن العمل أو الشيخوخة أو غيرها. والهدف الأساس من ذلك أن تتأسس منظومة الحماية الاجتماعية الموسعة على مبدأ العدالة بكافة تلاوينه (العدالة الاجتماعية، العدالة المجالية، العدالة النوعية، …) وخاصة العدالة القائمة على النوع التي تعترف للمرأة بإمكاناتها المتميزة في النسيجين الاقتصادي والاجتماعي ضدا على التراجعات الخطيرة التي سجلها المد المحافظ اتجاه قضايا النساء. ويرتبط منظور الحزب لمنظومة الحماية الاجتماعية الموسعة بنموذجه التنموي البديل القائم على تشجيع وتيرة التنافسية الاقتصادية وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين وتقوية البعد الجهوي من خلال تكريس التماسك المجتمعي، والعدالة الترابية، والجاذبية الاستثمارية. إنه نمو ذج تنموي مؤسس على تعاقد اقتصادي مبتكر بعمق اجتماعي بارز، يُترجمه جيل جديد من الإصلاحات على صعيد المجالات الاجتماعية الحيوية، وخاصة التربية والصحة والتشغيل والسكن. ويرتكز النموذج التعاقدي على إعطاء أهمية قصوى للرأسمال البشري، والرفع من الاستثمارات المعززة للنمو الاقتصادي، والاستفادة من التطور التكنولوجي على كافة المستويات. فكلما تمكنت المبادرات الاقتصادية الكبرى من تسريع وتيرة النمو وتقليص نسبة البطالة والرفع من مستوى التشغيل والزيادة في معدل الدخل الفردي، كلما تقوت الخدمات الاجتماعية الأساسية وازدادت مناعة النسيج الاجتماعي أخذا بعين الاعتبار الإشكالات الطارئة على المجتمع من قبيل الشيخوخة والهجرة والبيئة وغيرها. ذلكم هو التحدي الأكبر لبناء مغرب المستقبل حيث يتم القطع نهائيا مع سياسة التقاعس والاستغلال البشع للهشاشة بدل استئصالها، وحيث يسود التحفيز والحث على الإبداع والابتكار وعلى النشاط الاقتصادي المتيح لإمكانات الشغل وتكافؤ الفرص للجميع وحماية الفئات الهشة. رابعا: أي مشروع مجتمعي؟ إن المشروع المجتمعي الذي يتوخى حزبنا ترسيخه لن تتحقق أهدافه الكبرى إلا بتحقيق مجتمع ديُقراطي عادل يتسع لجميع الكفاءات والطاقات القادرة على مواجهة التحديات المتعلقة بالاستقرار والتنمية والتقدم بما يضمن المساواة والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. ولذلك، يعتبر الحزب أن المجتمع المتماسك يقتضي إشراك مختلف الفئات الاجتماعية، وخاصة النساء والشباب والأشخاص في وضعية إعاقة والأشخاص المسنون، في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ولن يتأتى ذلك إلا خلق المناخ الملائم للإدماج ومحاربة الإقصاء أو التهميش وتفعيل الآليات الديُقراطية وضمان كافة الحقوق السياسية والاجتماعية والبيئية الأساسية. وضمن هذا المشروع المجتمعي، تحتل المرأة موقعا فاعلا في معركة البناء الديُقراطي وتنمية المجتمع ورقيه إذ تستطيع، إذا ما توفرت لها الشروط الملائمة، أن تساهم بشكل مؤثر في الحياة السياسية والاقتصادية وفي التنشئة الاجتماعية والثقافية. ولذلك، يدعو الاتحاد الاشتراكي إلى الإشراك الفعلي للمرأة في الشأن المجتمعي باعتماد رؤية منفتحة تناهض مختلف تجليات الفكر التقليدي المحافظ والرجعي المناقض لمبدأ المناصفة ولقيم المساواة وتكافؤ الفرص. بالطبع، استطاع المغرب أن يجعل من قضايا النهوض بأوضاع النساء جزء لا يتجزأ من الإصلاحات المجتمعية الشاملة حيث تحققت جملة من المكتسبات لفائدة المرأة تم تتويجها باعتماد الوثيقة الدستورية ذات المقتضيات الأساسية، وخاصة الفصل 19 الذي ينص على ضرورة تحقيق المساواة بين الرجال والنساء في جميع المجالات. ورغم ذلك، ما زالت التحديات مطروحة مما يستوجب تعبئة جماعية، على الأقل لوقف التراجعات الخطيرة المتمثلة في عدم تفعيل الحكومة للمقتضيات الدستورية ومباشر الإصلاحات الجوهرية الضرورية. أضف إلى ذلك أن الوضعية العامة تكشف عن اختلالات أساسية من بينها استفحال ظاهرة الأمية في أوساط النساء حيث تصل نسبتها، حسب تقارير المندوبية السامية للتخطيط، إلى حوالي النصف (48 %) في حين لا تتجاوز الأمية نسبة 26 % في أوساط الرجال. كما أن نسبة النشاط الاقتصادي للنساء لاتتعدى 25 % ، مما يؤكد عدم استفادتهن العادلة من سوق الشغل وإرغامهن على الاشتغال في قطاعات غير مهيكلة خارج أية حماية قانونية واجتماعية وبأجور تقل عن أجور الرجال بحوالي 30 % . وقد نتجت هذه الوضعية عن السياسة المحافظة التي تسعى إلى تأزيم وضع المرأة والحيلولة دون ولوجها للخدمات الاجتماعية الأساسية مثل التعليم والصحة والسكن اللائق. إن الأمر يستلزم تدخل القوى الحداثية لإقرار الآليات التشاركية المنصفة للنساء ورد الاعتبار لهن وإنصافهن وتمكينهن من ممارسة حقوقهن باعتبارهن مواطنات كاملات المواطنة، وفاعلات وشريكات أساسيات في صناعة مغرب العدالة والمساواة والكرامة. فمن الضروري بناء عدالة سياسية واقتصادية واجتماعية لصالح النساء من خلال التفعيل الإيجابي للمقتضيات الدستورية وحظر كافة أشكال التمييز ودعم المشاركة النسائية في مختلف المجالات المجتمعية وفي مراكز القرار السياسي والاقتصادي. وبالإضافة إلى قضية النهوض بأوضاع النساء، يرتكز المشروع المجتمعي الذي يتبناه الحزب على ضرورة العناية بأوضاع الطفولة من خلال محاربة مظاهر الهشاشة باعتماد سياسات عمومية متوازنة قائمة على العدالة الاجتماعية والترابية. ففي العديد من المناطق، يحتاج أطفال المغرب إلى تحسين ظروف عيشهم وتهيئة بيئة سليمة لتنشئتهم وتعزيز حقوقهم لحمايتهم من المخاطر المحدقة بهم، وخاصة الإهمال والحرمان والعنف والاتجار والاستغلال. وللأسف الشديد، ما زالت مجموعة من الإشكالات الحقيقية مطروحة إلى اليوم من قبيل ظاهرة تشغيل الأطفال التي تهم 69 ألف طفل، وعدم تمدرسهم بما يُا يزيد على مليون طفل ومغادرة حوالي 400 ألف طفل لمقاعد الدراسة سنويا وعدم توفر ما يفوق 30.000 طفل على مأوى يلجؤون إليه. ولا يُكن التصدي لهذه المظاهر الخطيرة إذا استمرت السياسات العمومية في اعتماد رؤية قطاعية مشتتة تظل قاصرة عن بلورة توجه استراتيجي واضح وتخطيط مستقبلي لمعالجة الاختلالات لوضع حد نهائي للهشاشة والإقصاء. ولذلك، يعتبر الاتحاد الاشتراكي أن أوضاع الطفولة تتطلب بشكل مستعجل بلورة سياسة عمومية منسقة تمنح البعد الجهوي والمحلي أولوية خاصة من أجل ضمان تدخلات ناجعة ووقائية لحماية الطفل من كافة الاختلالات ومن كل أشكال العنف وسوء المعاملة والاستغلال. وعلاوة على ذلك، يعتبر الحزب أن إقامة مجتمع متوازن يتطلب جعل الشباب في قلب الرهانات التي يتعين ربحها نظرا لما يتوفر عليه من طاقة حيوية مؤثرة في مختلف المجالات: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية. والمدخل الرئيسي لذلك إشراك الشباب في المشر وع المجتمعي الديُقراطي الحداثي وتمكينه من المساهمة الفعلية في تحقيق التنمية الاقتصادية والبشرية عبر تحفيزه على المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية والمدنية. وبكل تأكيد، يبرز الواقع المغربي أن ثمة انتظارات كثيرة لدى الشباب لم يتم التمكن، إلى اليوم، الاستجابة لها في غياب الرؤية السياسية الواضحة وأمام بطء تفعيل المقتضيات الدستورية واستمرار المشاكل والمعضلات. فمن جهة، يعاني الشباب من مشكل البطالة وتردي أوضاعهم، خاصة في المناطق الحضرية الهامشية والأوساط القروية، ومن جهة ثانية، لا يتمكنون من الولوج إلى خدمات صحية واجتماعية وثقافية تلائم حاجياتهم ولا يستفيدون من فرص التشغيل وإطلاق مشاريع اقتصادية متوسطة أو صغرى. ولذلك، من الضروري إعادة النظر في بلورة السياسات العمومية الموجهة للشباب عبر تفعيل المقتضيات الدستورية، وخاصة المقتضى التشاركي الذي يُنحهم فرصة الإسهام في المخططات والبرامج التي تستهدفهم. كما يتعين العمل على الاستثمار في تكوين الشباب وإنعاش تشغيلهم لاسترجاع ثقتهم في المجتمع، مع تحفيزهم على الابتكار والإبداع واتخاذ المبادرة على كافة المستويات: السياسية والاقتصادية والثقافية. على صعيد آخر، يستدعي المشروع المجتمعي العادل إدماج الأشخاص في وضعية إعاقة وأخذ متطلباتهم بعين الاعتبار – إن لم نقل منحهم الأولوية – في وضع السياسات العمومية، وإشراكهم كلما أمكن في مختلف مناحي الحياة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. الأمر الذي يتطلب مواكبة المعايير والتوجهات الحديثة للمجتمع الدولي، وبالتالي الانتقال من المنظور التكافلي المحض إلى المعالجة التشاركية ذات البعد الحقوقي التي تمكن الفئات المعنية من الاندماج بشكل كلي في المجتمع وفي الحياة. فما نشهده اليوم من مؤشرات مقلقة لن يساعد على تحصين التماسك المجتمعي إذ وصلت نسبة انتشار الإعاقة وطنيا، حسب نتائج البحث الوطني الثاني حول الإعاقة بالمغرب الذي أنجزته وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية سنة 2014 ، إلى 6,8 % بما يفوق مليونين و 260 ألف شخص يصرحون بأن لديهم إعاقات تختلف أنواعها ودرجاتها. كما أن الاختلالات المتعددة التي تعتري السياسات العمومية الوطنية لا تتيح، بشكل شامل، تحقيق أي تقدم ملموس في النهوض بأوضاع الأشخاص في وضعية إعاقة ورفع كل أشكال التهميش والإقصاء عنهم. ولذلك، من الضروري بلورة رؤية مندمجة تستحضر مختلف الأبعاد التشريعية والاستثمارية والاجتماعية والحقوقية من أجل إقرار إجراءات ناجعة تتناغم مع التوجهات الدولية من جهة، والمقتضيات الدستورية من جهة ثانية. ويتعين أيضا وضع مخطط استعجالي ذي بعد جهوي ومحلي يقوم على تعبئة الموارد البشرية المالية اللازمة ومراجعة الإطار المؤسساتي والتنظيمي ووضع آليات ملائمة للإعاقات المختلفة. وبالإضافة إلى مختلف العناصر المذكورة أعلاه، ونظرا للتحولات المهمة في البنية السكانية المتجهة نحو الشيخوخة، لا بد من إقامة مجتمع منصف للأشخاص المسنين يقطع مع ما يعانونه من إقصاء وتهميش في الحياة السياسية والمجتمعية على الرغم مما راكموه من تجربة وخبرة في المهنة والحياة. فالأشخاص المسنون في المغرب يُثلون، حسب تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، حوالي 1 / 10 من مجموع الساكنة، ولا يستفيدون من حقوقهم استفادة كاملة، بل يعاني أغلبهم من الهشاشة وانعدام الاستفادة من التغطية الاجتماعية والصحية التي لا تتوفر إلا لشخص واحد من بين 5 أشخاص مسنين. ولذلك، حان الوقت للتصالح مع هذه الفئة الاجتماعية باعتماد سياسة متكاملة ناجعة راعية للمسنين ومستجيبة لانتظاراتهم وضامنة لكرامتهم. فالوضعية القائمة تستدعي اتخاذ إجراءات قوية، إن على مستوى المجالات التشريعي والمؤسساتية والاجتماعية، أو على تعزيز الرعاية الاجتماعية وتكريس مبدأ التضامن الجماعي. إننا مدعوون إلى الاعتراف بعطاءات الأشخاص المسنين بإقرار مقاربة تشاركية جهوية ومنصفة تضمن حقوقهم ترسخ آليات رعايتهم وحمايتهم. ويستلزم المشروع الذي ندافع عنه اعتبار الأمن المجتمعي هاجسا أساسيا وأولوية قصوى نتيجة تزايد ظواهر العنف والإرهاب وارتفاع أشكال الانحراف والجريُة مما يهدد استقرار المجتمع وسلامة المواطنات والمواطنين. وعلى الرغم من أن المغرب أصبح نموذجا في المنطقة المتوسطية في محاربة الإرهاب والتطرف ا ولهجرة غير النظامية وتهريب المخدرات، وعلى الرغم من جهوده في المجال الأمني وفي تقوية المؤسسات والأجهزة الأمنية، تظل الحاجة ماسة إلى تطوير المنظومة الأمنية لتساير التقنيات الحديثة للتخطيط الأمني والآليات المعاصرة للتدخل الناجع لمواجهة التهديدات والمخاطر المحتملة وإشاعة أجواء الطمأنينة والارتياح في أوساط المجتمع. فالحزب يعتبر أن المنظومة الأمنية يجب أن تظل محط تجديد وتطوير من أجل التمكن من تطويق الأشكال المتغيرة للجريُة والأفعال المنحرفة، وبالتالي ينبغي سن سياسة شمولية مندمجة في محاربة الانحراف والجريُة باعتماد مقاربة استباقية على مستوى التدخل الأمني المباشر، وأيضا على مستوى الاستثمار في المجالات التربوية والاقتصادية والمجتمعية المختلفة. والهدف من هذه السياسة تعزيز الحكامة الأمنية وتقوية الموارد البشرية والمالية والاستثمار في التكنولوجيات الحديثة بغية الردع الصارم والزجري للأفعال الإجرامية طبقا للقانون وفي احترام تام للحقوق والحريات. ومن بين الانشغالات الحقيقية للمجتمع الراهن حماية البيئة التي تعد مطلبا ملحا لما يتعرض له النظام الطبيعي من تهديدات خطيرة بفعل التغيرات المناخية واختلال التوازنات الطبيعية وارتفاع مظاهر التلوث والأضرار البيئية. وعلى المغرب أن ينخرط في المجهودات الدولية الرامية إلى حماية الموارد الطبيعية ورعاية الأنظمة البيئية بما يضمن التوازن بين تداعيات التطورات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة من جهة، ومتطلبات المنظومات البيئية من جهة أخرى. ولذلك، لا بد من اللجوء إلى إصلاحات حقيقية من أجل التأهيل البيئي وتقوية آليات الحماية البيئية والرفع من مستوى التدبير المستدام للموارد الطبيعية. ومن الضروري على بلدنا، بوصفه فاعلا تاريخيا صديقا للبيئة ومصالحها، أن يقوم بمراجعة للأطر التشريعية والمؤسساتية والتنظيمية وفق مقاربة موحدة ومنسجمة تمكن من ربح الرهانات الاقتصادية والاجتماعية، ورفع التحديات البيئية والتنموية. كما ينبغي وضع سياسة بيئية مندمجة متعددة الأبعاد تهم تفعيل التدابير الكفيلة بتحسين إدارة الموارد وتقوية النظام البيئي والمحافظة على المكون الطبيعي في إطار من التنوع والتوازن. وأخيرا، بحكم أن المجالات الترفيهية والرياضية تمثل أداة للتنشئة والتأطير الاجتماعيين لإشاعة قيم التسامح والتعايش والتضامن، فإن المشروع المجتمعي – في جانب من جوانبه – يتمحور حول ضرورة اعتماد سياسات عمومية متكاملة تجعل من الممارسة الرياضية رافعة أساسية لتعزيز الاستثمارات الاقتصادية وتقوية التنمية البشرية والتعبئة الجماعية للمختلف الطاقات المجتمعية. على أن تنفيذ السياسات العمومية ذات الصلة بالمحاور المتعلقة بالمشروع المجتمعي كما يراه حزب الاتحاد الاشتراكي والتي رصدناها أعلاه، تجعل من المجتمع المدني شريكا أساسيا في الصياغة، كما في التنفيذ، إذ يعد فاعلا حاسما في مبادرات تأطير المواطنين والمجتمع من أجل ترسيخ قيم المواطنة والتضامن، وفي تطوير الحياة السياسية والمجتمعية والفكرية. وبدون الالتزام بمبادئ الديُقراطية التشاركية وضمان التدخل الناجح لمكونات المجتمع المدني، لن يتحقق المشروع المجتمعي المنشود الذي يقتضي من الفاعل المدني أن يكون فاعلا مستقلا، مبادرا وشريكا استراتيجيا في تدبير الشأن العام بعيدا عن أي منظور مجحف لتكريس وصاية الدولة أو أطراف داخل المجتمع. ومن شأن إشراك المجتمع المدني خلق جبهة متراصة لمواجهة المعضلات الاجتماعية الكبرى بغية التأسيس لثقافة مجتمعية جديدة قوامها المواطنة والتضامن والفعل الجماعي. ولذلك، يشدد الحزب على ضرورة تقوية الانفتاح على المجتمع المدني لتوفير شروط الشراكة الحقيقية، يتعين تفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالمجتمع المدني وتعزيز دوره الرائد عبر ثلاث آليات رئيسية: – تفعيل المبادئ والمقتضيات الدستورية المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية لسنة 2011 ، وفق التوجه المنسجم مع تطوير البناء الديُقراطي ودعم الحريات والحقوق وبلوغ التنمية المجتمعية الشاملة؛ – المراجعة الشاملة لظهير 15 نونبر 1958 المؤطر للجمعيات من أجل الأخذ بعين الاعتبار التحولات المجتمعية العميقة ومواكبة المستجدات الدولية والوطنية المتعلقة بالعمل المدني ومتطلبات الممارسة الجمعوية؛ – وضع آليات مواكبة للسياسة العمومية المعتمدة في تطوير الحياة المدنية بمصاحبة مكونات المجتمع المدني، سواء عبر مساعدته في تأطير وإنجاز مشاريعه وبرامجه التنموية والمجتمعية، أو عبر تمكينه من الوسائل والتقنيات اللازمة للاشتغال الاحترافي. خامسا: في الدين والثقافة واللغة والتواصل لايمكن للمشروعين الديُقراطي والمجتمعي أن يتحققا على الوجه الأكمل بما يعزز التطور الفكري والتنمية البشرية إذا لم يستندا إلى منظومة ثقافية قادرة على تحصين الذات في انفتاح على الآخر وانسجام مع الثقافات والحضارات المغايرة.ولذلك، يعتبر الاتحاد الاشتراكي أن الرهان الأساس يكمن في إرساء قطب ثقافي جديد قادر على ترجمة مبادئ الديُقراطية والحداثة والحرية عبر تفعيل المقتضيات الدستورية واحترام التعددية والتنوع وترسيخ حس المواطنة والانتماء الكوني. فالمنظومة الثقافية، من زاوية الاشتراكية الديُقراطية، شرط ضروري للارتقاء بالإنسان عبر تفاعل الهوية والذات الوطنية من جهة، والحضارات الإنسانية المختلفة من جهة ثانية، وعبر إشاعة قيم الانفتاح والتعايش والإبداع الرافضة للتفكير المنغلق والعدمي. وعلى هذا الأساس، يعد العامل الثقافي حاسما في خلق دينامية مجتمعية منتصرة للفكر المبدع والنقدي الذي يسهم فعليا في ترسيخ التنشئة الاجتماعية المنفتحة ومواصلة إصلاح الشأن المعرفي وإشاعة المبادئ الحقوقية ذات البعد الكوني وتعميم قيم الحوار العقلاني. بمعنى أن الثقافة ليست شأنا ثقافيا صرفا فحسب، بل هي أيضا تدابير سياسية واقتصادية واجتماعية وإجراء تربوي عميق وشامل. إن عالم اليوم يعيش أزمات كثيرة واضطرابات متنوعة نتيجة الأفكار المتعصبة والمغالطة التي تسود مجموعة من الأوساط المجتمعية، وخاصة على مستوى المعتقدات المتطرفة أو سوء الفهم الكبير للنصوص الدينية. ويعاني العالم العربي والإسلامي من وجود تيارات متعصبة مستندة إلى التمثل الديني المتحجر ورافضة للرؤى المجددة والمنفتحة على الآخر مما أدى إلى القيام بممارسات إجرامية وارتكاب أفعال إرهابية أودت بحياة الأبرياء وأربكت الحياة المجتمعية برمتها. وقد تأثر المغرب بدوره من هذه المعضلة العالمية إذ سبق له أن اكتوى، على غرار دول أخرى، بضربات إرهابية طائشة مازالت آثارها عالقة بالأذهان خاصة أحداث 16 ماي 2003 بالدار البيضاء وحدث أركانة يوم 28 أبريل 2011 بمراكش. الأمر الذي جعل الدولة والمجتمع المغربي ينخرط كليا في التعبئة الجماعية والتلقائية ضد الإرهاب مما أفرز إجماعا وطنيا لشجب التطرف الديني ومقاومة كل تجليات الفكر المتعصب ومختلف أشكال العنف والإرهاب. ويبدو ضروريا، في هذا الصدد، الإقدام على إصلاح ثقافي شامل لا يقف عند كيفية التعاطي مع الفكر الديني، بل ينبغي أن يشمل ترسيخ الفلسفة التربوية المستمدة مع المقتضيات الدستورية والاعتدال والتسامح والتعايش مع الثقافات والحضارات الإنسانية. ويُكن لهذا الإصلاح الثقافي أن يدعم مجموعة من المداخل المؤثرة، لعل أهمها التربية والتنشئة الاجتماعية للمواطنين ومحاربة الفقر والهشاشة ودعم برامج التنمية ونشر ثقافة الحوار. على صعيد آخر، وبحكم الموقع الحيوي للثقافة في تقوية النسيج المجتمعي وإحداث التحولات السياسية والاجتماعية الرصينة، يؤكد حزبنا، بوصفه فاعلا تاريخيا في المسألة الثقافية الوطنية، على البعد الديُقراطي والحداثي للمسألة الثقافية من خلال تكريس مبادئ التعددية والتنوع والمواطنة. ولتحقيق هذا البعد، يتعين النظر إلى الثقافة المغربية من منظور متعدد ومندمج يستطيع بلورة سياسات عمومية واعية تستوعب مختلف التعبيرات والمكونات والتجليات المتصلة بالنسيج الثقافي الوطني. كما يتعين مأسسة الفعل الثقافي وتعبئة الطاقات المختلفة حول التوجهات الثقافية الأساسية والإسهام الجماعي لتحصين الهوية المغربية والتحفيز على الإبداع وتقوية التنوع الثقافي في مختلف المجالات والأشكال التعبيرية وتكريس العدالة المجالية في الممارسة الثقافية. ويجب أيضا احتضان المستجدات الأساسية من خلال تقوية الإعلام الثقافي واستثمار التقنيات والوسائط الجديدة للتواصل من أجل تعميم الثقافة المغربية ودمقرطة الولوج إلى الخدمات الثقافية والمساهمة في التنمية البشرية والتطور الرقمي. وعلاوة على ذلك، تستند المنظومة الثقافية إلى وظيفتين حاسمتين في نظر حزبنا: الوظيفة الإعلامية والوظيفة اللغوية. فالوظيفة الإعلامية تعد حاسمة في المجتمعات المعاصرة من حيث الإسهام الفاعل للإعلام في البناء السياسي والثقافي والتعبئة المجتمعية وتوجيه الرأي العام حول مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. والإعلام، إذا ما توفرت شروط الحرية والمهنية، يؤدي دورا مهما في تداول المعلومات والأفكار والمعارف وتقديم الخدمة الإخبارية للمواطنين في مختلف مناحي الحياة، ويشكل سلطة فعلية للتأثير في صناعة القرار السياسي وترسيخ القيم المجتمعية وخلق التحولات المجتمعية الكبرى. ولذلك، يرى حزبنا أن الإعلام اليوم يوجد في قلب التحديات التي يراهن عليها الصف الديُقراطي الحداثي لترسيخ حرية الرأي والتعبير والتعددية السياسية والثقافية. فلا منظومة ثقافية ديُقراطية بدون إعلام حر ومتطور يكرس فعليا الحق في الولوج إلى المعلومة وضمان الحق في الخبر والتعددية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص. أما الوظيفة اللغوية، فتمكن من إثراء التنوع الثقافي الذي يطبع الهوية الوطنية من حيث الاعتماد على نسيج لغوي مهم يجسد التعبير الحقيقي عن مختلف الأبعاد الحضارية والتاريخية والفكرية والبيئية للإنسان المغربي ويسهم في التنمية الثقافية العامة. غير أن الفضاء اللغوي المغربي، الذي يزخر بتعدد لغوي أساسي يتمثل في ما هو رسمي (العربية والأمازيغية) وما هو مجتمعي (الدوارج واللغات الأجنبية الوظيفية) لم يأخذ نصيبه من التعامل العقلاني والمعالجة الشاملة ضمن سياسات لغوية عمومية واضحة المعالم. ولذلك، يقر الحزب بضرورة تدبير مختلف الأشكال اللغوية استنادا إلى المعطيات التقنية والوظيفية والمجالية، بما يعزز الوضعية الثقافية والاعتبارية للغتين، العربية والأمازيغية، وفي نفس الوقت ترسيخ مختلف الأبعاد المؤسساتية والعلمية والاقتصادية والمجالية في التدبير اللغوي تدبيرا معقلنا وعادلا ومنصفا. (انتهى)