يتبين لنا أن التوسعات التي عرفتها مدينة تطوان كانت قد تمت خارج أسوارها الأصلية، ففي أواخر القرن السابع عشر ذكر المسافر "دوسانت أولون" بأن المدينة كانت بدون أسوار خارجية، وذكر مويط أن الأسوار ليست مبنية في حد ذاتها، إلا أن الصخور التي بنيت عليها تجعلها أكثر مناعة مما لو بنيت على غيرها، ولكن في أوائل 1701 كانت معظم أسوارها منهارة،. وسيمهد التطور التجاري والحرفي لقيام تنظيم إداري واقتصادي متين، وكذلك إلى استعمال جديد للمجال، فقد شهدت المدينة بروز حومات تجمع فيها حرفيون متخصصون، وهذه التوسعات الجديدة تمت في فضاء مفتوح بدون أسوار، وقد تجاوزت بشكل كبير تحصينات المنظري الأولية.
وهذا يعني التحصينات التي تعود إلى القرن السادس عشر وقع إهمالها ولم يبق منها شيء مهم. وفي سنة 1720 أنشأ الباشا أحمد بن علي دار المخزن و أحدث باب المشور.
وإلى حدود سنة 1721 كانت المدينة مسورة جزئيا لأن معظم أسوارها كانت قد انهارت كما مر بنا في السابق، وهذا ما سيدفع الأهالي غلى النهوض لتشييد الأسوار، وكانوا يقومون بذلك سنة 1727، وبأن السلطان المستضيء أمر الباشا بوشفرة بإيقاف هذه التحصينات، إلا أن الأهالي رفضوا ذلك. وستشهد المدينة تطورا ملموسا في عهد الباشا أحمد بن علي لما عاد لحكمها للمرة الثانية، فأرغم الأهالي على إعادة بناء قصره المخرب الذي جعله دار الإمارة ، ويظهر تاريخ بنائه في أحد النقوش التي كتب فيها : وبناء تاريخي المصون تراه في ** عز يشيد دائم الأزماني فالقيمة العددية لحروف عز يشيد دائم هي 1147 ه موافق 1734م. وشيد بعده المشور والجامع سنة 1150 ه/1737م، فسمي عندئذ بجامع الباشا، وهذه المنشأة الأخيرة تحيلنا دائما على الركيزة الأساسية عند تأسيس المدينة في كل مرة ، وهو ما لاحظناه سالفا في عمل كل من الشيخ عبد القادر التبين و القائد أبي الحسن علي المنظري ن وما سيقوم به فيما بعد القائد محمد بن عمر لوقش. وقد أخرج الباشا أحمد المدينة من حدودها القديمة ووسعها في اتجاه الغرب، ولهذا هدم سورها القديم و قصبتها سنة 1738 في محاولة إعادة تحصينها بعد التوسعة بجعل سور متين، إلا أن الظروف المستجدة لم تسعفه في ذلك. وكان أحمد بن علي قد بنى مسجد زاوية سيدي السعيدي ، وأحدث بجانبه مقبرة ضمت رفات الريفيين الذين قتلوا في المعركة ضد التطوانيين ، وكما جدد بناء سقاية بجانب المسجد المذكور و التي نقش في جزئها الأعلى : "الحمد لله أمر بتجديد هذه السقاية المباركة المجاهد القائد أحمد بن علي بن عبد الله وفقه الله عام أربعة وثلاثين ومائة و ألف ". إلا أن أكبر أثر عمراني خلده هذا الباشا كان هو قصره بالمشور. وخلف الباشا أحمد في حكم تطوان القائد محمد تميم سنة 1744، وكانت الأسوار والقصبة تحتاج إلى ترميم عند توليته، فقام بترميمها و إصلاحها و أنفق على ذلك من ماله الخاص نحو 45 ألف مثقال. وقد وجد نقش في محل نصب المدفع بالقصبة كتب فيه" أحمد الله و أصلي و أسلم على رسول الله و أسرته. أحصنني ساكني بعد نقضي ووهني أمير المؤمنين السلطان مولاي عبد الله نصره الله ابن السلطان مولاي إسماعيل رحمه الله على يد خديمه المجاهد القائد الحاج محمد تميم حرسه الله عام سبعة وخمسين ومائة و ألف ". وأكمل لقائد محمد بن عمر لوقش بنا الأسوار المحيطة بالمدينة و التي كان القائد تميم قد رممها وزاد من ارتفاعها. وكما أنه شيد قسما من القصبة حيث تدل بعض النقوش في البرج الواقع في شمالها الشرقي بين باب المقابر والقصبة ، و كان يعرف بالبرج الجديد و برج طوبانة، وهي أبيات شعرية من البحر الخفيف على تاريخ هذا البناء: قد أشادت أيامه الغر حصني*** وعلائي مشيد البنيان وبدت بهجتي بتاريخ صنعي *** كمال المنى وحسن التهاني فالشطر الثاني (في كمال المنى وحسن التهاني ) يحتوي على تاريخ البناء، فإذا جمعنا القيمة العددية لحروفه تعطينا عام 1164(1751) وهي السنة التي تولى فيها محمد بن عمر لوقش حكم المدينة حسب الإخباريين. ويعود غلى هذا القائد كذلك بناء السقاية التي على يمين قوس باب التوت، وهي من أجمل السقايات و أكثرها بهاء إطلاقا في المدينة ، و تاريخ تشييدها ورد مذكورا في شطر بيت هو: يضمن بيت ناظم، فالقيمة العددية لحروفه إذا جمعناها تعطينا 1168/1755. أنشاني الفضل الرضا*** من فاق جود حاتم لكس وارث العلا *** و المجد و المكارم تاريخ نشأتي أتى *** بضمن بيت نظم
منشورات جمعية تطاون أسمير "تطوان في القرن الثامن عشر (السلطة – المجتمع – الدين )"