ترتدي فستانها الأزرق وحذاءها الأنثوي البسيط بجوارب بيضاء مزينة بقطعة الدونتيل، ثم تمشط أمها شعرها و تركب مشبك الوردة عليه، تحمل حقيبتها الوردية اللون وتقصد المؤسسة التعليمية حيث القيم و الأخلاق و المعارف.. معانقة الحلم الصغير الذي يزهر كل عام دراسي، يرويه حزمها و تطلعها للمستقبل بتأطير من المدرس للمبجل و بدعم منزلي مكثف و إن كان نفسيا وحسب؛ في نفس الحي، وبعد عقدين و نصف من الزمن، تخرج تلميذة أخرى من الباب في اتجاه المدرسة، بعد أن اشتد التلاسن بينها و بين والدتها، بسروال جينز ممزق وحذاء رياضي يتماشى والموضة، شعر مصبوغ و أقراط تكاد تخفي أذنيها الصغيرتين، تخرج و قد احتلت ألوان الطيف محياها لتلج المؤسسة لا هدف و لا حلم و لا رغبة... هو روتين يومي مضطرة للممارسته و لملاقاة أساتذة لا يفقهون شيئا بالنسبة لها.. ثم فرار من البيت و رتابته... ؛ هي أزمة الإنحلال الخلقي التي تكونت نتيجة عوامل متضاربة أدت إلى اختلال المنظومة التعليمية، الشيء الذي ساهم في انزلاقها نحو الهاوية... فأصبحت الفتاة الطائشة أما و سمي الشاب المتهاون أبا و صار الطالب الفاشل أستاذا و مديرا ورئيس مصلحة .. حتى تزعزت الأرض من تحت أقدامنا و أعلنا استسلامنا للجهل، كيف لا؟!! و التعليم أساس الأسس كلها يعلو قدر الأمة إن كان متينا و تدوس على قمتها الأمم إن بات هشا..!! ولا نزال نأسف لحال المدرسة والتعليم بالمغرب و نتساءل عن الأسباب التي دفعت بهما إلى التراجع حتى فوجئنا ونحن نقبل على الموسم الدراسي الجديد بمناهج يندى لها الجبين لا تزيد الطين إلا بلة ولا ترمي إلا إلى احتقار المواطن أبا كان، تلميذا أو فردا من الأسرة التعليمية... مناهج لن تنجح الا في هدم ما تبقى من ركام عالق موضع الأساس المدمر... مقررات تنهج سياسة التدريج، أي إقحام اللهجة المغربية العامية (الدارجة) في النظام التعليمي الجديد، تقرب التلميذ من ثقافته و تنمي فيه قيما جديدة حداثية تواكب العصر .. (على حد قولهم)، الأمر الذي سيتوقف بالتعليم حيث العار بعدما كان يستوطن رقعة النور...! هي قضية تهم كل مغربي غيور على هذا الوطن، تهدد أجيالا بأكملها و تقف سدا منيعا أمام التقدم العلمي و الأخلاقيات... فتدوال نشطاء مواقع التواصل نبأ التدريج وإندلاع الموجة الاستنكارية الاحتجاجية اتجاه المهزلة التربوية لأمر جيد إلا أن الاستمرار في الاستهزاء و إختلاق النكت خلف الشاشات الالكترونية لن يفضي بنا إلى حل مناسب، فمادام المعني بالأمر يضحك ببلاهة على احتمال إصابته بفيروس قاتل لن تتوقف عملية الاحتقار هذه و الاستهتار و الاستخفاف بعقول رجال الغد و نساءه.. فالقضية أخطر من الخطورة، كارثة بكل المقاييس و أزمة عميقة تجعلنا نتوقع شكل التلميذة التي تقطن ذات الحي و ترتاد ذات المدرسة بعد مرور عقدين آخرين من الزمن.