تفاجأ الوسط المهني بقرار جد خطير قادم من مدينة خريبكة مضمونه أن مجلس هيئة المحامين بنفس المدينة قد اصدر قراره في ملف الزميل محمد فدني و ذلك بتوقيفه عن العمل لمدة ثلاث سنوات مع النفاذ المعجل . هذا القرار اعتبر بإجماع الزملاء قرارا تعسفيا مخالفا للقانون و متعارضا مع الضمانات الحقوقية الموضوعية و المسطرية التي يجب أن تتوفر أثناء البت في هذه المساطر الخاصة بتأديب بالمحامين . خاصة أن الزميل الموقوف كان فقط متابعا بناء على إدلائه برأيه من خلال تدوينة عبر وسائل التواصل الاجتماعي يدعو من خلالها إلى التضامن مع زميل آخر، و لم يكن متابعا بأي مخالفة مهنية مشينة.
أكيد أن التعبير عن الرأي من لدن أي إنسان عادي فما بالك بمحام، هو حق من الحقوق المضمونة له دستوريا و قانونيا، ولا يحد منها إلا ما هو متعلق بالنظام العام . و المشرع المغربي نص صراحة في دستوره على حرية الرأي و التعبير و اعتبرها مكفولة لجميع المواطنين، كما انه صادق على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية و السياسية اللذان ينصان في الفصل 19 منهما على ضرورة احترام الدول الأعضاء الموقعة و المصادقة على الاتفاقيتين لهذا الحق و العمل على ترسيخه و حمايته من كل ما ينقص منه آو يؤثر عليه . و بالتالي فمتابعة الزميل محمد فدني منذ البداية و بغض النظر عن العقوبة المغلظة التي صدرت في حقه يعتبر إجراء باطل و مخالف للقانون.
نعم قد يقول قائل أن هذا القرار له سوابق مشابهة يمكن أن تبرره و تعززه، و لعل أبرزه القرار الذي أصدرته وزارة العدل في مواجهة القاضي المعزول الذي عبر أيضا عن أرائه في قوانين و أمور تهم الجانب القضائي، و تم عزله بناء على ذلك بناء على إخلاله بواجب التحفظ المفروض على القضاة .
و رغم الاتفاق أو الاختلاف مع موقف الوزارة التي كانت الجهاز المشرف على الشأن القضائي آنذاك قبل أن تترسخ الاستقلالية المؤسساتية للقضاء عبر المجلس الأعلى للسلطة القضائية و أيضا رئاسة النيابة العامة، فانه يمكن القول على أن اختلافا واسعا بين قضية القاضي المعزول الهيني و قضية الزميل الموقوف فدني، ذلك أن الأول إذا كان قاضيا مفروض عليه واجب التحفظ، فان الثاني محامي له حرية مطلقة في التعبير و الكلام و الكتابة و الرأي باعتباره محاميا يمارس مهنة حرة و غير خاضع لأي جهة أو مؤسسة رسمية سوى القانون و المبادئ الحقوقية العالمية .
ثم إن الجهة التي أصدرت قرار العزل في مواجهة الهيني هي وزارة تنتمي إلى السلطة التنفيذية أو ما يسمى بالمخزن، و هذا الأخير لا يصدر قراراته بناء على اعتبارات حقوقية وقانونية فقط، و لكن أساسا على اعتبارات سياسية و مصلحية يرى أنها الأصلح لخدمة أمن و استقرار المخزن أولا و البلاد ثانيا بغض النظر عن صوابيتها و عدالتها الحقوقية . بينما على العكس من ذلك فان الجهة التي أصدرت قرار التوقيف في حق الزميل فدني هي جهة حقوقية صرفة و بامتياز، و بالتالي فان قراراتها يجب أن تكون محتكمة للمبادئ الحقوقية التي هي مؤتمنة عليها، لا أن تصدرها بناء على حسابات سياسية أو شخصية أو انتخابية ضيقة .
إن قرار مجلس هيئة المحامين بخريبكة ربما يعيد النقاش الذي أثير إبان صدور ميثاق إصلاح منظومة العدالة المتعلق بحضور ممثل النيابة العامة في المجالس التأديبية للقضاة إلى الواجهة ، ذلك أن الميثاق نص في هدفه الفرعي الثاني المتعلق بتعزيز مبادئ الشفافية و المراقبة و المسؤولية في المهن القضائية انه من الضروري حضور الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف آو من يمثله في المجلس التأديبي للمحامين ، و هذا الأمر من الواضح انه يضرب استقلال مهنة المحاماة التي تعتبر المهنة الوحيدة التي مازالت تتمتع باستقلاليتها بعدما تم تدجين باقي المهن القضائية الأخرى التي تخضع للسلطة المباشرة للوكيل العام للملك ، و من المفهوم أن وزارة العدل سنت هذا المقتضى التي تعول أن تدمجه في قانون مشروع قانون مهنة المحاماة لكي تراقب البيت الداخلي لمجالس الهيئات، و لتكسير المحاباة و التستر الذي تضفيه بعض الهيئات على بعض الزملاء رغم ارتكابهم لاخلالات مهنية جد خطيرة .
إلا انه مع ذلك فان الضرر الذي قد يحدث من تكريس هذا المقتضى أكثر من نفعه . و لكن مع ذلك يحق لنا التساؤل و بكل مرارة أليست هذه المجالس المختلطة ضمانة كبرى يجب أن تفرض في هيئات مهنية أشبه بمحاكم التفتيش كهيئة المحامين بخريبكة، ألا يمكن القول انه لو كان ممثل للنيابة العامة موجودا في المجلس التأديبي الذي اصدر القرار القاسي في حق الزميل فدني، لكان ضمانة لهذا الأخير من اجل تطبيق القانون بشكل سليم و القول بعدم المتابعة، أو على الأقل صدور عقوبة مخففة عليه لا تثير كل هذه الصدمة الحقوقية في الوسط المهني للدفاع .
و حتى بعيدا عن ملف الزميل فدني و بعيدا عن مجلس هيئة المحامين بخريبكة ، فإنني أتذكر تماما إحدى المجالس السابقة لهيئة المحامين بالرباط و نقيبها آنذاك الذي كان يستمتع باستدعاء زملائه إلى المجالس التأديبية على الساعة الرابعة زوالا و هناك من يصل دوره للمثول أمام المجلس التأديبي على الساعة الرابعة صباحا، و كيف كانت تصدر عقوبات قاسية بناء على شكايات كيدية، و كيف كان يتم توقيف حساب ودائع المحامي لمجرد خلاف على النيابة مع زميل له يمكن حله بمكالمة هاتفية واحدة , وكيف كانت تصفى العديد من الحسابات بناء على أسس شخصية و انتخابية و ليس قانونية أو مهنية . في مثل هذه الحالات يكمن القول على أن المحامي قد يطالب أو يناضل من اجل هيئات تأديبية مختلطة لان القضاء سيمثل ضمانة لعدم تصفية الحسابات كيفما كان نوعها و طبيعتها .
لكن رغم ذلك فانا أظن انه ينبغي النضال دائما وبشكل مستمر من أجل أن تبقى مهنة المحاماة مهنة مستقلة في تسييرها و تدبيرها و اتخاذ قراراتها، و أن لا يتم السماح بوجود أي طرف أجنبي في مجالسها العادية أو التأديبية، و لكن مع ذلك ينبغي على المجالس أن تكون في مستوى المسؤولية و أن تتعامل بايجابية مع تدبير الشان المهني، وان تلجا إلى معيار البناء و ليس الهدم الذي يعتبر من أنواعه استئصال زميل من المهنة لمجرد تعبيره عن رأيه .
و هنا يمكن تنبيه جميع الزملاء إلى أن هناك فرصة قريبة من اجل الإصلاح و التطور المهني عن طريق انتخاب الأشخاص المناسبين في الأماكن المناسبة سواء كانوا نقباء أو أعضاء مجلس . و رجوعا إلى قضية الزميل فدني فإنني أظن على أن غرفة المشورة إذا طبقت القانون بشكل سليم فإنها ستلغي قرار مجلس هيئة المحامين بخريبكة و ستقرر عدم المتابعة، و سيبقى هذا القرار وصمة عار في جبين المجلس الذي أصدره . د/ خالد الإدريسي