يُعدُّ الأستاذ عبد اللطيف الخطيب من جهة أخرى، من أوائل الأقلام المغربية بعد الاستقلال التي خاضت في موضوع الكتابة عن المناطق الجنوبية لبلادنا، حيث نشر بجريدة العلم مقالات في عدة حلقات بعنوان: "معلومات جغرافية وتاريخية وسياسية عن أجزاء الوطن الجنوبية"، "وعشرون يوما في طرفاية"...
واهتم اهتماما كبيرا في هذه الفترة مباشرة بعد استقلال المغرب، بالزيارة التي قام بها الدكتور طه حسين لعدد من المدن المغربية بدعوة من وزارة الخارجية المغربية – ما بين 24 يونيو و6 يوليوز 1958 –.
وقد شَكَّلَتْ حدثا بارزا ليحتفي عبد اللطيف الخطيب مع سائر المثقفين المغاربة وملكهم – محمد الخامس رحمه الله – بهذه الشخصية المصرية اللامعة، حيث انبرى يكتب عن هذه الزيارة، ناشرا ثلاث مقالات بجريدة العلم تحت عناوين: - طه حسين ضيف المغرب – مرحبا بالأستاذ – حول كتاب الأيام لطه حسين. ومما دوَّنه في بداية مقاله الثاني: «مرحبا بالأستاذ الكريم بين أهله وعشيرته الأقربين، ومرحبا به في هذه البلاد التي تذكر مواقفه المشهورة والمشهودة في الدفاع عن حقها بغاية الإعجاب وعظيم الامتنان، ثم مرحبا به تقديرا لما له من الفضل الكبير، والقدح المعلى في بعث الأدب العربي الأصيل، وتلقينه بالأفكار الجديدة الخلاّقة التي تشرف ولله الحمد أن تبوئه المقام المحمود بين آداب الدنيا»[1]. تميز قلم الصحافي المخلص عبد اللطيف الخطيب في فجر استقلال المغرب بحماس أقوى، وبدت مبادئ وقيم وطنيته أكثر نضالا وأشد جرأة، فكتب في كل مناسبة كعيد الانبعاث، وعيد العرش، وعيد الاستقلال، وعن المطالبة بتحرير الشعوب من يد الاستعمار، وعن البلدان العربية والإفريقية وقضاياها المصيرية: العراق، فلسطين، مصر، تونس، دول إفريقيا الجنوبية. وتعرض لتحليل مضامين خطب جلالة المغفور له محمد الخامس، من ذلك ما كتبه بجريدة "الأمة" بتاريخ 20 نوفمبر 1956 تحت عنوان: "عيد العرش مناسبة لمحاسبة النفس" وعنوان آخر: "أحسن هدية... إلى جلالة الملك"، و"حول العهد الملكي"... ولم تغب عن ذهنه القضية الجزائرية التي جعلها قضية مشتركة بين شعوب المغرب العربي، فكتب في هذه الفترة مقالات مسهبة عن الثورة الجزائرية، ودافع بقلمه عن استقلال بلاد الجزائر، مطالبا بتسوية قضية شعبها، وتوحيده مع إخوانه. يقول في ذلك: «إن الجزائر الشقيقة تقيم اليوم الذكرى الثانية لاندلاع ثورتها المقدسة في جبال الأوراس من أجل استعادة الاستقلال.
ومن الحق علينا أن نكتب اليوم في هذا الموضوع، ونذكر بوحدة المصير التي تتطلب بل تستوجب وحدة الكفاح بين شعوب المغرب العربي.... إن قضية الشمال الإفريقي قضية واحدة، لا توجد إلا وسيلة واحدة لتسويتها، وهي مواصلة الكفاح المتماسك إلى أن يتحقق الاستقلال للقطر الجزائري العزيز». ووقف الأستاذ عبد اللطيف الخطيب بجانب المرأة المناضلة والمبدعة، في وقت كان حضورها ببلادنا ما زال محتشما. ولعل اشتغاله بالكتابة عن المتميزات الغربيات اللائي حققن لمجتمعاتهن مكانة محترمة ومكاسب إيجابية، هو في العمق رسالة إلى دفع المرأة المغربية إلى الانخراط في هذا العمل والتعبير عن وجودها، وإبراز صوتها في المحافل الثقافية والاجتماعية والوطنية كسائر أخواتها في الدول المتقدمة. ومن بين الشخصيات غير الأدبية والفكرية التي بهرت كاتبنا بنضالها السياسي، وحبها لوطنها، زوجة رئيس الجمهورية الأرجنتينية "إيفا دوارطي دي بيرون" "Eva Duarte de Perón" التي زارت شمال المغرب أواخر الأربعينيات. اختار عبد اللطيف هذه الشخصية لكونها كانت قبل زواجها تنتمي إلى بيئة اجتماعية وضيعة، بعيدة عن الأرستقراطية التي كانت تمثلها معظم نساء رؤساء دول أمريكا اللاتينية في تلك الفترة، إلا أنها وفي ظرف وجيز استطاعت أن ترتقي سلم المجد بفضل شجاعتها وطموحها وذكائها وكفاءتها، لتجعل الكل يقرّ ويشهد لها آنذاك بأنها أبرز نساء الحكم في القرن العشرين.
وقد شاءت الأقدار أن تتوقف عقارب ساعتها فجأة، إذ عصف المرض الفتاك بحياتها مبكرا، لكنها كانت قبل ذلك قد أفلحت في امتلاك قلوب شعبها وحبه الشديد لها، تعبيرا خالصا منه لما قدمته "إيفا" لمواطنيها من تضحيات وأعمال كريمة. يقول عبد اللطيف عن هذه المرأة المناضلة وهي في زهرة شبابها: «رأيتها منذ ستين شهرا في مدريد، لما قامت بزيارتها الرسمية لإسبانيا، نيابة عن زوجها رئيس الجمهورية، وهي إذاك في العام الثامن من عقدها الثالث، تطفح رشاقة وخفة وجمالا. كانت تحتل مكانها من السيارة العارية على يمين رئيس الدولة الإسبانية، وهي ترتدي حلة أنيقة بيضاء، وتحيي الشعب المستقبِل لها بابتسامتها الحلوة الأخاذة ووجهها النضر البشوش. وما كان أحد من شهود ذلك الاستقبال يتوقع أن تقلب الدنيا ظهر المجن، وتعبس لها بعد أن أفاءت عليها من الخيرات ومداعي المسرات...»[2]. وإذا كانت إيفا بيرون واحدة من أبرز نساء العالم في القرن العشرين استطاعت جذب قلم صاحبنا، فهناك أيضا نساء شهيرات في الفن المسرحي والسينمائي والغنائي أنجز عبد اللطيف استجوابات صحافية مهمة معهن، سواء بالعاصمة الإسبانية أو بتطوان، لإغناء المشهد الفني ببلادنا وتشجيع العاملين في حقله، من أمثلة ذلك: حواره مع الممثلة المسرحية الكبيرة "إيريني لوبيث إيريديا"[3] Irene López de Heredia، التي شخصت رواية صديقه "بنافينطي" والفنانة "ماريا دي لوس أنخليس سانتانا" María de los Ángeles Santana بالعاصمة مدريد.
وحواره مع رئيسة البعثة الفنية الأرجنتينية "ببيطا سيرادور"[4] Pepita Serrador أثناء زيارة فرقتها لتطوان. وحواره مع "خوسيتا إرنان" Josita Hernán، نجمة المسرح والسينما بإسبانيا... وغيرها من اللقاءات الحوارية التي سجلها عبد اللطيف في صحف ومجلات تلك الفترة. / يتبع
الزبير بن الأمين/بريس تطوان [1] - جريدة العلم، بتاريخ 25 يونيو 1958، تحت عدد 3031. [2] - الأنوار، العدد 30 سنة 1952 [3] - حوار في مجلة الأنوار، العدد 23، عام 1951. [4] - الأنوار، العدد 34، عام 1953.