سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الأمراني : اليوسفي اعتبر المجزرة التي ارتكبها صدام حسين ضد أربعين شخصا مجرد خبر عادي قال إن محمد جسوس غادر اجتماع المكتب السياسي غاضبا من اليوسفي الذي رفض نشر بيان الإدانة ضد صدام
عبد الكريم الأمراني، الصحافي المثير للجدل، يحكي تفاصيل مهمة من مساره النضالي في صفوف حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، ويقف عند تفاصيل الأحداث التي عاشها على المستوى المهني. يعود إلى مراحل مهمة من تاريخ المغرب كان شاهدا عليها، ويروي كيف كبرت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» وأسباب سقوطها، كما يعرج على كواليس ميلاد جريدة «الأحداث المغربية» وأسباب تراجعها في المبيعات والتأثير. الحديث مع الأمراني لايمكنه أن يخلو من الكشف عن أسرار ومناطق ظل كان يجتمع فيها الأمراني مع بعض رجالات الدولة. إليكم اعترافات صحافي ضد التيار... -أنت تشكك في التزام عبد الرحمان السوسفي بالدفاع عن قضايا حقوق الإنسان. هل لديك دليل على ما تقول؟ نعم، وأول صدمة تلقيتها في هذا المجال، كانت في سنة 1995، ففي 10 دجنبر من نفس العام، نشرت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» مقالا تحت عنوان: «الذكرى الثانية لاختفاء منصور الكيخيا: عامان من الصمت المريب»، كتبه عبد الرحمان اليوسفي شخصيا، ونزل إلى قسم الرقن مباشرة من مكتبه في الطابق الخامس. نُشر المقال في الصفحة الأولى، معززا بصورة للمعارض الليبي الذي تم اختطافه في القاهرة من طرف المخابرات الليبية. لم يكن الخبر عاديا، على الإطلاق، فهو يتعلق أولا بشخصية ليبية معارضة، والحديث عن هؤلاء كان، وما يزال، من المحرمات في صحافة الأحزاب المغربية المسماة زورا «ديمقراطية»، (بل حتى في صحافة الأحزاب «غير الديمقراطية»)، لأسباب لها علاقة بالمال «الثوري» وغير الثوري، وبجوازات السفر الدبلوماسية وغير الدبلوماسية التي قد يأتي أوان الخوض فيها مستقبلا. والأكثر إثارة في الموضوع هو أن الخبر نُشر في الجريدة بعد استيلاء اليوسفي عليها، هو المعروف بعلاقاته «الخاصة جدا» مع النظام الليبي. كتب اليوسفي مذكرا بملابسات اختطاف المناضل الليبي في القاهرة، وبالمحاولات التي بذلتها زوجته (بهاء) من أجل الكشف عن مصيره بدون جدوى، واختتم مقاله بفقرة ألمح فيها إلى احتمال أن يكون المرتكب «بعض الجهات النافذة في ليبيا»،على الرغم من أن «المسؤولين الليبيين، وعلى رأسهم رئيس الدولة معمر القذافي، يُكنون تقديرا خاصا للكيخيا، ومع ذلك لا ندري هل قاموا خلال العامين الماضيين بأي مجهود للبحث عن مصير أحد المواطنين الليبيين، بل شخصية ليبية بارزة، رغم الوعود المقدمة لزوجة الكيخيا...». بعد ذلك بيومين، نشرت الجريدة في صدر صفحتها الأولى ملخصا لبيان صادر عن المنظمة العربية لحقوق الإنسان تحت عنوان: «قضية منصور الكيخيا لن تسقُط بالتقادم».. في اليوم التالي لصدور الملخص، فوجئنا في الجريدة بوصول سيارة دبلوماسية فاخرة إلى شارع الأمير عبد القادر.. تساءلنا عن الزائر، فقيل لنا إنه القائم بأعمال «مكتب الأخوة للجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى» (السفير) الذي جاء في زيارة «ود ومجاملة» لعبد الرحمان اليوسفي، فعلمنا، في نفس اليوم، أنها تحولت إلى جلسة «عتاب» عبر فيها الزائر عن «انزعاجه» و«انزعاج بلاده» مما نشرته الجريدة حول «اختفاء» منصور الكيخيا.. منذ ذلك اليوم لم تعد الجريدة تقترب من موضوع الكيخيا، وهو بالمناسبة صديق شخصي لعبد الرحمان اليوسفي وللعديد من قادة الاتحاد الاشتراكي، كما لم تعد تقترب من أي شيء من شأنه أن يغضب «الإخوة» في الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى، التي كان زعيمها قد اتخذ في تلك الفترة قرارا غريبا يقضي بطرد كل الفلسطينيين من ليبيا، وقام بتجميعهم على الحدود مع مصر، تمهيدا لترحيلهم... وكانت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» تواكب الحدث بكل ما يستحقه من اهتمام، إلى أن جاءت هذه الزيارة (زيارة السفير الليبي) لتضع النقط على الحروف.. وتدخل الجريدة في حال من لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم. - وبماذا تفسر هذا الموقف؟ يمكن تفسير الموقف بالضغط والتهديد والابتزاز، والنظام الليبي يتوفر على العديد من أوراق الضغط على أفراد المجموعة التي كانت تقيم في ليبيا خلال سنوات الصدام بين القصر والاتحاد، ومن ضمنهم اليوسفي. وقد سبق للمناضل آيت قدور أن تحدث عن ملايين الدولارات التي أخذها البصري من النظام الليبي. ولا ينبغي أن ننسى ال18 ألف دولار التي كان يتقاضاها اليوسفي شهريا كتعويض عن مسؤوليته كأمين عام مساعد لاتحاد المحامين العرب، الذي كان يرأسه السوداني فاروق أبو عيسى، والجميع يعلم أن تمويل هذه المنظمة «القومية» كان آنذاك ليبيا بامتياز!... - هل تجزم بأن صمت الأحزاب المغربية اليسارية عن ممارسات النظام الليبي وغيره من الأنظمة «التقدمية» العربية يرجع إلى ما قدم لهذه الأحزاب، من «دعم» خلال ما يسمى ب«سنوات الرصاص»؟ بكل تأكيد. ولذلك فإنني أتحدى أن يجد باحث مُنقب مقالا واحدا في الصحافة الناطقة باسم هذه الأحزاب، يفضح ممارسات النظام الليبي، بدءا بمنع الأحزاب تطبيقا لشعار «الكتاب الأخضر»: «منْ تَحَزّب خَانَ»، مرورا بتعليق الطلاب المعارضين على أشجار ساحات الكليات، وانتهاء بتصفية العديد من المعارضين في الداخل والخارج، وفي مقدمتهم منصور الكيخيا!... - هذا عن الصدمة الأولى.. هل هناك صدمات أخرى؟ الصدمة الثانية، التي جعلتني أنفض يدي من اليوسفي في موضوع حقوق الإنسان، جاءت في فبراير 1996، عندما أقدم صدام حسين على ارتكاب مذبحة بشعة في حق حوالي أربعين شخصا، منهم شيوخ ونساء وأطفال، ذنبهم الوحيد هو القرابة التي كانت تربطهم بحُسين وصدام كامل، وهما صهراه اللذان هربا إلى الأردن ثم عادا إلى بغداد، بعد أن صدقا بغباء «عهد الأمان» الذي منحه لهما والد زوجتيهما صدام حسين.. بعد هذه المذبحة الوحشية، أصدرت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بلاغا تاريخيا نددت فيه بالجريمة.. - لماذا اعتبرت البلاغ تاريخيا؟ هو بلاغ تاريخي بكل المقاييس، لأنه كان أول بلاغ يجرؤ فيه حقوقيون ينتمون إلى الأحزاب «الديمقراطية» المغربية على انتقاد النظام العراقي الذي كان يحظى لدى قيادات هذه الأحزاب ب«مكانة خاصة» مفهومة الأسباب.. توصلت الجريدة بنُسخة من البلاغ أحضرها رئيس المنظمة عبد العزيز بناني بنفسه، وسلمها لسكرتارية التحرير الثلاثية، التي كانت ما تزال تشرف على إدارة الجريدة، بعد استقالة محمد البريني، وسلمتها هذه الأخيرة للكاتب الأول/مدير الجريدة، الذي اتخذ قرارا بعدم نشره بدعوى أن ما حدث مجرد «un fait divers»... (هكذا نطقها بالفرنسية أمام ترويكا سكرتارية التحرير: محمد بوهلال محمد نبزر محمد مؤيد)، بل إنه انتقد الاهتمام الذي أولته الجريدة للحدث الذي لم يكن يستحق، في نظره، أكثر من لقطة تنشر في صفحة داخلية. بعد مرور يومين، عقد المكتب السياسي اجتماعه الأسبوعي في الطابق الخامس للجريدة.. وبعد بداية الاجتماع بدقائق، فوجئنا، نحن الصحافيين في قاعة التحرير في الطابق الثالث، بهرج ومرج مصحوبين بصراخ وتلاسن متعدد الأطراف.. تبين فيما بعد أنها أصوات أعضاء المكتب السياسي الذين كان بعضهم يحاول إقناع الأستاذ محمد جسوس بالعودة إلى الاجتماع، الذي كان قد انسحب منه احتجاجا على ما سمعه من الكاتب الأول بخصوص بلاغ المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، والذي كرر فيه ما قاله لسكرتارية التحرير بأن ما جرى هو مجرد « un fait divers».. مذبحة أودت بحياة أربعين من الأبرياء هل هي مجرد «un fait divers»؟! وبلاغ المنظمة المغربية لحقوق الإنسان هو مجرد تصفية حساب قديم لعبد العزيز بناني مع النظام العراقي؟! في اليوم الموالي، استدعى «المناضل الحقوقي البارز» عبد الرحمان اليوسفي الزميل جبران خليل وسلمه نص البلاغ، الذي لم يكن يتجاوز العشرين سطرا، وطلب منه تلخيصه. أنجز الزميل المذكور ما طلب منه وسلمه لليوسفي، الذي طلب منه نشر الملخص في صفحة داخلية.. وكذلك كان.. فقد نشر البلاغ ملخصا في خمسة أو ستة أسطر أسفل الصفحة الرابعة، ولكن بعد حذف سطر شطب عليه اليوسفي شخصيا بقلمه (الفوتر)، جاء فيه: ولا حل بالنسبة إلى الشعب العراقي إلا بالدمقرطة، وهو تصرف يعني أنك تستطيع أن تطلب الديمقراطية لشعب المريخ أو لشعوب السند والهند وجزر الواقواق أو لشعوب تركب الأفيال.. ولكنك لا تستطيع أن تطلب الديمقراطية لشعب العراق.. لسبب «بسيط» يرتبط بما أشرت إليه سابقا، والذي يجد تفسيره في سكوت كل الجرائد الوطنية طوال العقود الثلاثة الماضية على جرائم النظام العراقي.. وأتحدى أن يجد أحد ولو خبرا واحدا عن جريمة إبادة 5 آلاف كردي بالأسلحة الكيماوية في «حَلَبْجة» أو جريمة إبادة أكثر من 150 ألف شيعي في جنوب العراق بعد انتفاضة 1991، ناهيك عن جرائم التصفية التي طالت عشرات، بل مئات المعارضين السياسيين في الداخل والخارج (من قوميين وشيوعيين وإسلاميين وليبراليين...).