يوم واحد أو يومان يفصلاننا عن توديع حبيب يُحزننا فراقه ، فبحكمة الله تعالى و مشيئته التي اقتضت أن لكل بداية نهاية ها هو ذا شهرنا الفضيل " رمضان الأبرك" يوشك على الرحيل، لنستقبل عيد الفطر. و يحرص كل المغاربة فور حلول عيد الفطر أو كما يسمونه " العيد الصغير " على ممارسة طقوس و عادات اجتماعية و تقاليدَ خاصة بهذا اليوم الذي يُعد استثنائياً و ينتظره الصغير قبل الكبير بفرحة عارمة. العيد..فرحة و حبور فرغم طريقة الاحتفال به التي تختلف من بلد إلى بلد آخر بل حتى من مدينة إلى أخرى، إلا أن هناك قواسم يشتركها الجميع ألا و هي بعث روح العيد، و التضامن و التآزر، في وقت أو يرمم آفة كبيرة تعانيها المجتمعات بأكملها، و التي ضعُفت فيها العلاقة بين أفراد العائلات و قَلة صلة الرحم التي أوصى بها الله خصوصا بعدما تفككت أواصر الأقارب حيث غاب الشعور بحميمية العائلة الواحدة، يأتي هذا اليوم السعيد ليُعيد لم الشمل . و كما سبق أن أشرنا فطرق استقبال هذا اليوم تشترك فيها المغاربة قاطبة و لا تختلف فيه ساكنة مدينة تطوان عن باقي ساكنة المدن المغربية حيث يستعدون تقريباً بنفس الطقوس و نفس الممارسات .. فابتداء من الأسبوع الأخير من شهر رمضان الأبرك تشرع ربات البيوت في عملية التنظيف الواسعة و الشاملة لبيوتهن و محاولة تجديد أواني المطبخ و تلميعها لتنشغل بعد ذلك كل منهن بإعانةٍ من بنات المنزل في تحضير الحِلويات المتنوعة و التفنن فيها ، لتُظهِر بذلك كل واحدة منهن ما صنعت يداها أو كما نقول بالدرجة المغربية " حنة يديها " لتزيين طاولتها يوم العيد، فلا يمكن للتطوانيات الاستغناء عن تحضير ما لذ و طاب من الحلوى معروف لدى جميع المغاربة يُقدم في الأعياد الدينية و لا يمكن زيارة بيتٍ يوم العيد دون أن تجد فيه طبق هذه الحلوى الشهيرة التي يطلق عليها اسم " كيكيس وطني ". لا يخفى علينا أن هناك عدد كبير من ربات البيوت تعجزن عن صنع حلوى العيد بأنفسهن إما لدافع المرض أو عدم وجود فتاة بالمنزل لمد يد العون أو في حالة العمل الذي يمحي عامل الوقت لديهن فتستبدل الأمهات هنا صناعة المنزل بصناعة المحلات حتى و إن كن يفضلن الأولى، هنا يبدأ التوافد على المخبزات و محلات الحلويات التي تتلقى طلبات كثيرة من مختلف الأنواع منها الباهظة الثمن و منها العادية. و كما هو معلوم و نسمعه في كل بيت مغربي أن يوم العيد هذا يخص فرحة الأطفال أيضاً فغير صلة الرحم بين الأقارب و المعارف لابد أن يكون للصغار حقهم الموسمي في العيد ، حيث تذهب الأم رفقة أولادها لاقتناء ملابس المناسبة في أسواق تطوان و التي تشمل مثلاً " سوق باب النوادر – سوق السعيدية – الطرافين و باب التوت ) و غيرها من الأماكن التي تزدهر تجارتها في هذه الأيام لتشهد إقبالاً واسعاً على كل المواد اللازمة لاستقبال العيد في حلته البهية. العيد..التجارة المربحة و تعرف تجارة الملابس التقليدية بالمدينة خلال هذه المناسبة رواجا خاصة ما يسميها التطوانيين ب " لبسة العيد " إذ تحرص كل ربة بيت على أن يظهر أولادها صباح العيد في أبهى حلتهم لتسعدهم من جهة و لتتباهى أمام جيرانها و أقربائها بجمالية مظهر أولادها من جهة أخرى. العيد..تقاليد و طقوس و لا تهمل النساء أنفسهن حيث تشترين ما يرتدينه صباح اليوم لاستقبال الضيوف التي غالباً ما تكون عبارة عن عباءة خفيفة ، و تحضرن أيضاً – ربات البيوت – للباس التقليدي الشهير في أقطاب المملكة المغربية و هو " الجلباب " ليكون اللباس الرسمي لهن في زيارة الأهل و الأقارب إلى جانب اللباس التقليدي الذي يرتديه الرجل أيضاً،عنوانا للاحتفاء بهذه المناسبة الدينية. كل هذه التحضيرات من ملابس و حلويات و أواني و غير ذلك من المواد التي تروج تجارتها خلال الأيام القبلية للعيد ليست إلا مظهراً موسمياً من مظاهر الاحتفال التي تخصص لها كل أسرة ميزانية خاصة كلٌ حسب طاقته في حضور قوي للتنافس المادي . و كما سبقنا الإشارة فحركية الأسواق الرئيسية تنتعش خلال هذه الأيام التي يؤمها فيها المئات من المواطنين يومياً لاقتناء حاجيات هذا اليوم المعهود ، كما و يلاحظ أيضاً تغيير وجهة بعض الباعة من بيع الخضر و الفواكه أو غيرها إلى بيع الملابس و الأحذية و لعل ما يعكس هذه الوضعية هو الحديث المشترك - للباعة - فيما بينهم حول ملابس العيد و كثافة الإقبال عليها . و تتحول أيضاً الساحات الكبرى للمدينة و أرصفتها من ( شارع محمد الخامس – باب التوت على امتداد شارع الجزائر – الفدان و الطرافين و غيرهم ) إلى مساحات لعرض ملابس العيد للأطفال و النساء و الرجال و لمختلف الأعمار و الأجناس ، حيث يُلاحظ إثر التجول بهذه الأسواق الإقبال الواسع على السلع المعروضة رغم غلاءها و ارتفاع ثمنها في كثير من الأحيان. تحضيرات على قدم و ساق تتكاثف التحضيرات ليوم العيد من كل جانب و من كل فرد في المنزل في محاولة استيفاء الحاجيات الضرورية لهذا اليوم إلا أن لليوم الأخير لرمضان طعم خاص ، فتكتشف الأم أو ربة البيت نسيانها لأمر عندها بالضروري من اقتناء غرض خاص بالملبس أو مأكل العيد أو غيره فيبدأ التوافد على الأسواق أو ما يسميه التطوانيين ب " المدينة " و هو المكان الذي يشهد ضجة و اكتظاظ واسعين بسبب الحركة الكثيفة للمواطنين و أيضاً لسبب آخر و هو البسطات العشوائية و العربات المفروشة على أرصفة و شوارع المدينة و التي تكثر في هذه الأثناء . و بما أن الهم الأكبر يقع على عاتق الأم أو المرأة عموماً في التحضير لأيام العيد من صنع للحلويات و تنظيف المنزل و تأمين حاجاته و الذهاب إلى السوق لاختيار الملابس المناسبة ، تجدها بذلك تنتظر يوم العيد بفارغ الصبر لترتاح من التعب قليلاً و لتروح عن نفسها في لقاء العائلة و الأقارب و الأصحاب ... فكل هذا إذن هي عبارة عن أجواء استثنائية يصنعها مجيء عيد الفطر بالعائلات و الأسر التي تكد و تسعى جاهدة لاستقباله في أبهى و أحسن حلة. تقرير: زينب الزكري تصوير : محمد شقور