مع اقتراب حلول العيد تزدهر التجارة الموسمية، فالملابس التقليدية والحلويات والعطور والبخور... مواد يكثر الاقبال عليها نهاية الشهر الفضيل استعدادا لاستقبال العيد في أبهى حلة، وتحظى الملابس التقليدية بنصيب الأسد في الرواج التجاري الذي يسبق العيد تقول فاطمة الزهراء، مسيرة محل لبيع الألبسة التقليدية الجاهزة : »يبدأ الاقبال على المحل في التزايد ابتداء من منتصف رمضان، اذ تكون الأجواء متميزة، وقد نبيع ما يقارب 20 »لبسة في اليوم« هذا دون ذكر رواج ما يسبق ليلة القدر، فتكون زبوناتنا صغيرات العمر، إلا أن نسبتهن تبقى ضئيلة مقارنة مع النساء والشابات، إذ أن معظم الأهالي يفضلون اقتناء ألبسة عصرية لبناتهن خصوصا مع تزامن العيد هذه السنة مع الدخول المدرسي فيضربون عصفورين بحجر واحد« أما فيما يخص الأثمنة تضيف فاطمة الزهراء »تتراوح الأثمنة مابين 500 و600 درهم للباس الواحد، لأن الإقبال يكون مكثفا على الجلباب و »القميص« العادي فقط، إذ أن الناس يبتعدون في هذه المناسبة عن الألبسة التي تصلح للأعراس أو «الحضور» فيتحرون الأناقة والبساطة في نفس الوقت« وغير بعيد عن محل فاطمة الزهراء، نجد محلا لبيع جميع أصناف الحلويات حيث ينتظر زبناء كثيرون دورهم للحصول على طلبهم وعن هذه الأجواء تشرح عتيقة، صاحبة المحل، »في هذا الموسم، يتكاثر الاقبال علي شراء الحلويات بكل أنواعها، سواء العادية منها أو الباهظة الثمن، ولكل نوع زبونه، ويتراوح ثمن الكيلوغرام الواحد مابين 30و100 درهم، ويبقى »كعب الغزال« أكثر الأنواع مبيعا « وتضيف »نظرا لأن الكثير من النساء أصبحت يشتغلن، فانهن أصبحن لا يقدرن على إعداد حلويات العيد في بيوتهن، نظرا لضيق الوقت، فيفضلن شراءها جاهزة عوض تكبد معاناة تحضيره« الملابس التقليدية، الحلويات وغيرها من البضائع التي تزدهر تجارتها مع اقتراب العيد، تبقى مظهرا من مظاهر الاحتفال والفرحة رغم الطابع المادي التنافسي الذي يطغى عليها. عيد بأي حال عدت يا عيد بما مضى أم بأمر فيك تجديد تتنوع مظاهر الاحتفال بعيد الفطر من بلد لآخر، بل من مدينة إلى أخرى، إلا أنه رغم هذا الاختلاف، تبقى هناك قواسم مشتركة في جميع المناطق وهي روح العيد وجوهره، ألا وهي إدخال البهجة والفرح على قلب الصغير والكبير، وصلة الأرحام وتقوية الروابط الاجتماعية بين الأقارب والجيران بل وحتى المعارف. الرباط: استعدادات العيد تحاكي مدنا أخرى. تبدأ مظاهر العيد عند الرباطيين بعد ليلة القدر مباشرة، فتقوم النساء بتجديد جميع أواني المطبخ وتنظيفها، بعد شهر من طبخ الشهيوات فيها، ويشرعن في إعداد حلويات العيد ويتفنن فيها، فتتباهى كل سيدة ب»صنعة يديها«. وكغيرها من المدن، لا يغيب الإحسان عن العيد الرباطي فتوزع، إلى جانب زكاة الفطر المفروضة أو »الفطرة« كما يصطلح عليها، ملابس وهدايا على اليتامى وأبناء الفقراء. ويستهل الرباطيون يوم عيدهم بتوزيع الزكاة بعد أن صاموا لوجه الله تعالى شهرا كاملا، ويفضل غالبية الناس توزيعها قبل صلاة العيد رغم أنها جائزة إلى ما قبل صلاة الظهر. وبعد تأدية الصلاة، يجتمع الرباطيون على مائدة الإفطار التي تزخر بما لذ وطاب من المأكولات من »رغايف« و»رزة القاضي« و»بغرير« إضافة إلى حلوى العيد. من ثمة يتبادل الجميع الزيارات والتبريكات مرتدين أحسن الملابس وأبهى الحلل، حيث تعلن النسوة »حربا تنافسية« متباهيات فيما بينهن بجمالية ملابسهن. ولا ينتهي عيد الرباطيين في يوم واحد، بل يحرصون على الإفطار الجماعي للعائلة بالتناوب طيلة أيام العيد الثلاثة، متجاوزين العائلة إلى الأصدقاء والجيران بل وحتى المعارف. سوس: جلسة الشاي والبسيس »يتميز العيد في سوس بتجمع العائلة« تشرح فاطمة 26 سنة، من منطقة آيت باها التي شرحت لنا كيف ترتدي النساء أحسن لباس لهن وهو عبارة عن »أدّار« وهو غطاء للرأس. علاوة على »تطرفت «وهي تشبه التنورة ويتزين بحليهن الفضية. أما الرجال فيستهلون اليوم بأداء صلاة العيد، ليعودوا ليفطروا كل في بيته، على خلاف العادة في المدن الأخرى، إذ أن السوسيين يتجمعون في وجبة الغذاء، حيث يحضر كل منهم »طاجينه« من بيته، ليتناولوه لدى أكبر أفراد العائلة سنا، وتعقب الغذاء جلسة الشاي و»البسيس« المعروف في المنطقة وهو »زميطة« من نوع خاص. العيد الحساني: عادات متميزة وطقوس متنوعة صبيحة العيد في طانطان، لا تختلف كثيرا عن المدن المغربية الأخرى، كما يشرح أحمد فال، فالعادات والتقاليد تبقى شبه موحدة في المغرب، من ارتداء أحسن الملابس وصلة الأرحام، إلا أن المجتمع الحساني يبقى ذا خصوصية. فالملابس التقليدية تكون عبارة عن دراعة (وألوانها زرقاء أو البيضاء) أو ملحفة (تكون متعددة الألوان، إلا أن أكثرها أناقة سوداء). وتجتمع الأسر الصحراوية يوم العيد في بيت الشخص الأكبر سنا من العائلة، وهذا الاجتماع يعطي نكهة خاصة للعيد الحساني. إذ أنه في بعض القبائل، تتجمع الأسر فيما يشبه الحفل، حيث يستدعون مطرب العائلة (فكل عائلة صحراوية لها مطرب خاص بها وغالبا ما يكون فردا من الأسرة) فيقضون أمسية كلها أنس وفرح بأجواء العيد، متسامرين حول صينية الشاي الصحراوية المعروفة.. علاوة على هذا، تنتشر عادات وتقاليد أخرى في هذه المناسبة في المناطق الصحراوية، تختلف باختلاف القبائل وأحيانا العائلات داخل القبيلة الواحدة. دكالة: أجواء تنافسية في العيد »كنعيدو بحال كاع الناس« تقول السيدة ميلودة ضاحكة ردا عن سؤالنا حول تقاليد العيد في منطقة دكالة لتسترسل بعد ذلك في شروحاتها، مبينة أن أجواء العيد تبتدأ ليلة العيد، بقيام النساء بنقش الحناء بعد تحضير كل لوازم نهار الغد، من مواد غذائية، ليبدأ النهار بتوزيع »الفطرة« على الفقراء والمحتاجين، ثم التوجه إلى المصلى لأداء صلاة العيد، لتتجمع العائلة بعد ذلك حول مائدة الإفطار المتنوعة والمتميزة بما يسمونه »حلوة الغراف« بعد ذلك تنهمك النسوة في تحضير »قصرية« الكسكس التي سيذهبون بها إلى المسجد، فيتفنن فيها، فمنهن من يزينها بالبيض، ومنهن من يزينها ب»الفانيد« أو »حلوة المكانة« كما تشرح ميلودة ضاحكة، فالكل يتباهى بطبقه، إذ أنها عادة أضحت تأخذ طابعا تنافسيا لدى الجميع من جيران وأقارب، ليتوجه الكل بعد ذلك إلى صلة أرحامه والإحسان إليهم. »كاطو الهبيلة«: أهم مكونات مائدة إفطار العيد المكناسي كغيرها من المدن، يكتسي العيد في مكناس أجواء خاصة، يعمها الفرح والسرور فيرتدي الناس الملابس الجديدة، ويتوجهون إلى المصلى في أبهى حلة متأنقين ومتعطرين، ليلتموا بعد ذلك حول مائدة الإفطار الشهية والتي لا يجب أن تخلو من »دواز أتاي« كما توضح أسماء، فالحلويات أمر ضروري خصوصا» الهبيلة« و»الفقاص« و»الكعبة« وبعد ذلك تتنوع الأنشطة، فهناك من يزور المقابر للترحم على أمواته وأموات المسلمين، وهناك من يأخذ أطفاله لزيارة المآثر التاريخية كالهديم، وباب منصور، صهريج السواني، ضريح مولاي اسماعيل... حيث يلتقي الأهل لقضاء أوقات ممتعة في انتظار موعد الغذاء الذي غالبا ما يكون عبارة عن »دجاج محمر« أو »طاجين بالبرقوق« فتجتمع العائلة في جو يعمه الفرح والسعادة محتفلين بالعيد السعيد. «تامعاشورت»: نشاط اجتماعي متميز بدمسيرة وفي ما يخص منطقة «دمسيرة» بنواحي مدينة شيشاوة، فالعيد لا يختلف كثيرا عن باقي المناطق، فتبقى العادات هي نفسها من صلاة وصلة رحم واجتماع على مائدة الافطار التي تزخر بما تجود به الأرض من زيت زيتون ولوز وكركاع إلى غير ذلك. إلا أن العادة الأكثر تميزا هي تجمع فتيات الدوار (وهن من عائلة واحدة) ليلة العيد بعد أن يكن جمعن قدرا من المال سابقا اقتنين به دجاج بلدي« يطهينه على شكل طاجين، يتناولنه في منزل إحداهن، حيث يقضين الأمسية في مرح ولهو، وتمتد سهرتهن إلى وقت جد متأخر من الليل، فيبتن ليلتهن لدى مضيفتهم. وهذه العادة أو »تامعاشورت« كما تسمى تتكرر كل سنة، وكل عام في بيت إحدى الفتيات، فتخلق نوعا من الحميمية والألفة بين بنات الدوار. عيد العاصمة العلمية: »نستهل اليوم بالصلاة كباقي المدن« تشرح لمياء، خياطة تقليدية من مدينة فاس، وبعد الصلاة تجتمع الأسرة حول مائدة الافطار المتنوعة، وأبرز الحاضرين فيها العصيدة الفاسية (سميدة بالسمن). بعد الوجبة، التي تبقى على حالها تقريبا لعدم تعود الناس على الأكل، ويبدأ تبادل الزيارات، وتلزم النساء بيوتهن لاستقبال الزوار، من أقارب أزواجهن، ليأتي دورهن بعد الزوال لزيارة أهاليهن، بعد أن يكن أعددن وجبة الغذاء التي من الضروري أن تكون »دجاج مقلّي«، ويمضون اليوم في جلسات حميمية مع الأهل والأقارب حول صينية الشاي والحلويات ومن أكثرها حضورا »غريبة البهلة« و»كعب الغزال«، أما وجبة العشاء فغالبا ما يلغيها الناس نظرا لعدم تعودهم على العودة إلى النظام الغذائي العادي لكونهم قضوا طوال اليوم في التنقل وأكل حلويات العيد! العلم