على بعد بضعة أمتار من ساحة جامع الفنا، القلب النابض لمراكش، تقع الأسواق العتيقة للمدينة الحمراء، التي تشهد خلال شهر رمضان وعند اقتراب عيد الفطر، إقبالا تجاريا كبيرا، يكثر فيه الطلب على كل ما يحمل بصمة تقليدية. وما إن تطأ قدماك هذه الأسواق، التي تعتبر معارض فنية لما تزخر به الصناعة التقليدية المغربية، كالسمارين والنجارين والعطارين والحرارين والقصابين وغيرها، حتى تصلك روائح زكية وعطرة زادتها لغة الباعة لترويج بضاعتهم نكهة،, حيث تسمع عبارة «اللي ما اشْرا يتْنزّه» (إذا لم تشتر، فتنزه بين المعروضات) التي تردد بمختلف لغات العالم. وبالرغم من تفاعلات الزمن، ما زالت هذه الأسواق تعمل جاهدة للحفاظ على صورتها العتيقة، التي تحدث وقعا كبيرا في نفوس كل من يزورها، إما للشراء أو للاستمتاع بالتجوال عبرها، خاصة وأن هذا شهر رمضان الفضيل يشكل مناسبة للمراكشيين وزوار المدينة من سياح مغاربة وأجانب للتردد على المحلات المختصة في بيع الملابس التقليدية ك «الجلابية» و«القفطان» و«التكشيطة «و»البلغة» و«الفرجية» و»السروال قندريسي» و«الجابدور». ويصر المغاربة على المحافظة على اللباس التقليدي في شهر رمضان الذي يحتل مكانة متميزة في نفوس أهل مدينة الرجالات السبعة، إذ يكثر الطلب على هذه الملابس، خاصة عند اقتراب موعد عيد الفطر، حيث يعمل المغاربة وبإصرار على المحافظة عليها من خلال ارتدائها في الأعياد الدينية والمناسبات العائلية. وقد أبدع الصانع التقليدي في السنوات الأخيرة في أشكال وتصاميم هذه الملابس التقليدية، التي باتت محط اهتمام على المستوى العالمي من خلال تنظيم عروض للأزياء التقليدية بالمغرب وخارجه . ويشكل شهر رمضان الكريم خاصية متميزة بالنسبة لأصحاب المحلات التجارية المتخصصة في بيع هذا النوع من اللباس والموجودة بأسواق «السمارين» و»النجارين» و«دفا وربع»، حيث يعمل التجار خاصة في الأسبوع الأخير من الشهر الفضيل نظرا لاقتراب الاحتفال بعيد الفطر وتضاعف عدد المتسوقين، على توفير هذه الأزياء، وعرض كل ما يمتلكونه منها كل حسب ذوقه وقدرته الشرائية. وأوضح أصحاب عدد من هذه المحلات أن أسعار هذه الملابس تتوزع حسب نوعية الأقمشة المستخدمة والتطريزات، أو التي يتم استقدامها من مدينة فاس التي تتميز سلعتها بجودة عالية، موضحين أن أثمان هذه الأزياء تتناسب مع كل الشرائح الاجتماعية، مضيفين أن شهر رمضان الأبرك يتميز عن باقي الشهور ببركته ،حيث يتضاعف إقبال المراكشيين وزوار المدينة على هذه الملابس التي تشكل بالنسبة لهم إرثا حضاريا يجب المحافظة عليه من الاندثار، مشيرين في هذا الصدد إلى أن جل السلع التي يستقدمونها وبكميات كبيرة لمحلاتهم والمتكونة من أزياء الرجال والنساء والأطفال، يتم بيعها خلال هذه الفترة. كما اعتبروا أن حياة العائلة المغربية مرتبطة أشد الارتباط بالملابس التقليدية، حيث أنها تشكل رمزا حضاريا وثقافيا بالنسبة لها، مبرزين في هذا السياق حرصهم على تحصين هذا التراث وصيانته من الاندثار باعتباره سفيرا للثقافة المغربية عبر العالم. وطوال الشهر الفضيل، تشكل الأسواق العتيقة التي تفيض محلاتها بمعروضات اللباس التقليدي، وتلقى إقبالا كبيرا من طرف المراكشيين من مختلف الأعمار، فهرسا عريضا لمختلف أنواع الصناعة التقليدية التي يزخر بها المغرب، حيث تجعل زائرها يستمتع بجو خاص، تمتزج فيه شتى الألوان والأشكال من زرابي، وحلي، وأثاث للديكور وجلد ونحاس وبخور وثمر وحناء وعطور وفواكه جافة... وبالرغم من مرور الزمن وتعاقب الأجيال، مازالت الأسواق العتيقة بالمدينة الحمراء تتميز في مظهرها الجميل بكون كل سوق له وحدة مستقلة بذاتها لها خصائصها ومميزاتها ودلالاتها العميقة اجتماعيا واقتصاديا. والواقع أن التجول بين أزقة الأسواق العتيقة، يعد متعة عين بامتياز، ذلك أنها أماكن تختزل بماضيها وحاضرها معطيات تاريخية وجب البحث فيها والحفاظ عليها. (و.م.ع)