"لولا داسيلفا" لخدماته الجليلة تجاهها وسط أجواء من الابتهاج والسروروالفرح أقام الاتحاد الإسلامي بالبرازيل حفلة عشاء على شرف الرئيس البرازيلي السابق "لولاداسيلفا" الذي غادر سدة الحكم قبل أشهرقليلة ، وقد حضرهذا الحفل البهيج جم غفيرمن أبناء الجاليات الإسلامية والعربية بمدينة ساوبالو ، بالإضافة إلى السلك الدبلوماسي العربي المعتمد في البرازيل، يتقدمهم السفيرالإماراتي والفلسطيني والسوداني ، أما السفارة المغربية فقد مثلها الأستاذ عبد السلام مالح نيابة عن السفيرالدكتورمحمد الوفا...ناهيك عن الشخصيات السياسية البرازيلية منهم عمدة مدينة ساوباولو " جيلبرتو كساب "... ورجال الدين من مسيحيين ومسلمين نذكرمنهم على سبيل المثال ،ممثل مفتي لبنان الشيخ محمد المغربي، وأمين عام المجلس الإسلامي الأعلى للأئمة والدعاة الشيخ خالد تقي الدين، والشيخ الصادق العثماني مستشارفي الجلس الإسلامي الأعلى للأئمة ورئيس مؤسة الإمام مالك للشؤون الإسلامية في البرازيل ... وجاء هذا التكريم لفخامة الرئيس تقديرا لجهوده المبذولة أثناء فترة ولايته لخدمة شعب البرازيل ، ومواقفه الإيجابية من قضية فلسطين ومن قضايا العرب والمسلمين عموما ، مما جعل البرازيل تحتل القوة الثامنة إقتصاديا على مستوى العالم وهناك دراسات حديثة تتوقع أن تصل إلى المرتبة الخامسة خلال السنوات القادمة . فمنذ أن دخل "لولا" العمل السياسي وترشيحه لرئاسة الجمهورية سنة 2002 وضع في برنامجه الانتخابي العمل على تمتين العلاقة والصداقة مع البلدان العربية رادا جميل الجاليات العربية والإسلامية من موقفها الإيجابي من ترشيحه ...ولايتعلق الأمر بأسباب ثقافية وودية فحسب؛ إنما أيضا بأهداف اقتصادية وتجارية، وعليه أوفى بعهده بزيارة تاريخية إلى بعض الدول العربية ( 12/4/2004 )التقى خلالها بعض رؤساء الدول العربية ومن بينهم:مبارك، القذافي، بشارالأسد، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.. هذه الزيارة أعطت ثمارا طيبا بعقد القمة العربية – اللاتينية وهي أول قمة تجمع الدول العربية ودول أمريكا اللاتينية للبحث في توثيق العلاقات بينهما، وخاصة السياسية و الاقتصادية ،كما زادت الزيارة التي قام بها صاحب الجلالة محمد السادس ملك المغرب إلى البرازيل بتاريخ ( 26/11/2004 ) في إطار الجولة التي قام بها جلالته لعدد من دول أمريكا اللاتينية في توثيق العلاقة بين الشعبين البرازيلي والمغربي الضاربة صداقتهما أعماق التاريخ ؛ علما بأن المملكة المغربية في عهد السلطان مولاي إسماعيل كان أول بلد يعترف باستقلال البرازيل ، وأول بلد كذلك تقيم علاقات دبلوماسية معها منذ سنة 1881 ، فتحسنت صادرات البرازيل إلى المغرب والدول العربية في عهد لولا بحيث بلغت5,35ملياردولار،مسجلة ارتفاعا بنسبة43% وهذا التحسن كما فسره بعض خبراء الاقتصاد في البرازيل يعود إلى العلاقة الطيبة التي تربط لولا بالعرب ..كذا لم يخلف وعوده الذي وعد بها العرب والمسلمين، وعلى رأسهم تعهده بأنه سيكون من أوائل ما يقوم به في حال نجاحه في الانتخابات وتسلمه السلطة إصدار قرار فوري فيما يخص المرأة المسلمة وحجابها وخاصة فيما يتعلق بالوثائق الرسمية كجوازات السفر بالحجاب لمن ترغبن في ذلك، وإلغاء جميع القرارات المنافية له. فأصبحت المرأة المسلمة في البرازيل تتمتع بحرية كاملة في اختيار نوعية لباسها دون حرج ، في الوقت التي تمنع منه الكثيرات في بلاد الغرب "المتحضر" . وبمجرد وصول الرئيس "لولا" وحرمه إلى قاعة التكريم بنادي السوري اللبناني تعالت الأصوات و الهتافات داخل القاعة مشيدة به وبمنجزاته وتواضعه الجم مع مواطنيه... إنه عرس حقيقي مثل مشاعر وأحاسيس أبناء الجالية العربية والإسلامية في هذا البلد، في الوقت الذي يشاهدون أهلهم وأقاربهم وذويهم في البلاد العربية يسومون سوء العذاب ويقتلون ويذبحون بسبب التصرفات الحمقى لبعض حكامهم الفاسدين، الذين طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد، وتجبروا على شعوبهم المقهورة المغلوبة على أمرها . وبالمناسبة فقد ألقى رئيس الاتحاد الإسلامي بالبرازيل الدكتور محمد حسين الزغبي كلمة تحدث من خلالها عن أهمية تكريم الرئيس " لولا "، وعن تاريخ اتحاد المؤسسات الإسلامية، وأهدافه النبيلة المتجلية في تعريف الإسلام وحضارته ونشرقيمه الأخلاقية بين الشعب البرازيلي بطرق الحكمة والموعظة الحسنة ..معلنا في الوقت نفسه عن إقامة مؤتمر دولي لحوار الأديان والحضارات خلال الأشهرالقادمة . وبعد كلمته تقدم الرئيس "لولأ" بإلقاء خطابه على الجماهيرالعربية المسلمة الحاضرة في تكريمه استهله بشكر المنظمين للحفل ممثلا في الدكتور محمد الزغبي المدير التنفيذي للاتحاد وقال أنه يشعر بالسعادة والفرح لوجوده وسط هذا الجمع الكريم ، مضيفا أن العرب والمسلمين ليسوا غرباء على البرازيل، فالعبيد المسلمون هم من قاموا بوضع اللبنات الأساسية لقيام الكيان البرازيلي، والمنحدرين من أصول عربية والذين يبلغون 10 ملايين هم من ساهموا في بناء البرازيل في كافة المياديين . موضحا في كلمته قوة عزيمته في شعبه وأمته كانت السبيل لنهضة اقتصادية متميزة، وقال: أنه حينما تسلم الحكم كان يسعى لفتح الأسواق لبيع السلع البرازيلية، وعدم الاعتماد على السوق الأوروبي والأمريكي فقط، وأضاف أنه عمل كبائع متجول لمصلحة شعبه ولإنعاش اقتصادها، وذكر أنه حينما أقام معرضا في دبي للمنتجات البرازيلية تكلف 500 ألف دولارا، قامت ضده عاصفة من الانتقادات من قبل الصحافة والمعارضين لتوجهه للسوق العربية ، ولكن بعد ثمانية أعوام تبين صدق التوجهه للسوق العربية وأصبح حجم التعامل التجاري 18 مليار دولارا أمريكا مع تلك الدول ...وأضاف قائلا: أنه كان حريصا للدعوة لعقد مؤتمر يشمل الدول العربية مع دول أمريكا اللاتنية، ولكنه أيضا قوبل بعاصفة من الانتقادات التي اعتبرت هذا المؤتمر موجها ضد " اسرائيل" ولكن الإصرار كان وراء عقد هذا اللقاء ثم كان اللقاء الثاني في دولة قطر عام 2006م، والذي نجح في زيادة الترابط والتعاون المثمر بين الدول العربية ودول أمريكا اللاتينية ، مضيفا في كلمته أن البرازيل تضرب المثل في التعايش السلمي بين الأعراق والأديان المختلفة، وقال لايستطيع أحد ان يقول أن البرازيل مسيحية أو مسلمة، ولكنها تستوعب الجميع بكل احترام وتقدير، والجميع يعمل لصالح هذا الوطن، وقال أن الجالية العربية والمسلمة لايمكن ان تعامل في يوم من الأيام معاملة غير لائقة. ...وفي سياق تحدثه عن احترام القانون وتداول السلطة، قال أنه كان بإمكانه أن يكسب فترة رئاسية ثالثة ويتحايل على القوانين، ولكن لاأحد يستطيع خداع الشعب، ولاأحد يسطيع اللعب مع الديمقراطية، بل أنه تباهى بأن البرازيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تنعم بديمقراطية كاملة ، هذه الديمقراطية التي جعلتني وبكل فخر أسلم أمور البلاد لإمرأة تدير شؤونها وكلي ثقة بأن لديها الكثير لكي تعطيه للبرازيل . وفي ختام كلمته تحدث الرئيس "لولا" عن المعاناة التي عاناها ملايين المسلمين من خلال مايسمى بالحرب على "الإرهاب " ، وقال أن الشعب الفلسطيني هو الضحية الحقيقية للإرهاب الذي يمارس ضده ، معقبا على الزيارة الأخيرة ل " باراك أوباما " قائلا أنه فيما سبق كانت أمريكا تنظر إلينا نظرة دونية، ولكن اليوم اختلف الوضع بعد سنوات من العمل والتضحية للارتقاء بالمستوى الاقتصادي للبرازيل وليصل فائض الميزانية لمستويات عالية جدا، جاء أوباما ليتحدث عن التواصل بين الدول وعن عظمة البرازيل وضرورة التبادل الاقتصادي والتجاري، هكذا حينما نكون أقوياء يسعى العالم إلينا . وجديربالذكر يعتبر (لولا) ظاهرة فريدة من نوعها في التاريخ السياسي والنقابي للبرازيل، وأمريكا اللاتينية لأنها المرة الأولى ينتخب الشعب رئيسا ديمقراطيا يساريا، وللمرة الأولى يصبح عامل بسيط رئيس جمهورية ،ودون أن يتنكرلكونه ابن فلاح وأمه آكلة القديد.. بدأ حياته كبائع خضار، ومن ثم ماسح أحذية، وبعده حاجب في مكتب، ومن ثم عامل متخصص في التعدين، من مواليد سنة 1945في قرية صغيرة تدعى"فارجيم كومبريدا"والمعروفة حاليا كايتس وهي أحدى المقاطعات بولاية "برانبوكو" التي تبعد عن مدية الرسيف عاصمة الولاية في الشمال الشرقي بحوالي 252كيلو مترا. نجا من بؤس هذه المنطقة المعروفة آنذاك بفقرها وجفافها ..هاجر العديد من سكانها إلى المدن الساحلية الكبرى مشكلين حولها أحزمة البؤس والفقر والحرمان، التى تسمى في البرازيل "الفافيلا"..في هذه المنطقة المنكوبة ولد طفل اسمه"لويس ايناسيو لولا داسيلفا"، وهو الإبن السابع لعائلة تتألف من خمسة ذكور وثلاث إناث. ضاقت على هذه الأسرة الأرض بما رحبت..شعر والده بضيق العيش والحياة، وتقطعت في وجهه الأسباب وتاه في صحراء الخيال والوهم المحيطة بقليل من الأمل والحب والتفاؤل..من خلال هذه الومضات قررسنة1945الهجرة إلى مدينة ساوباولوالقوة الاقتصادية في البلاد محاولا رفع شر البؤس ونحره إلى الأبد، تاركا وراءه في الشمال الشرقي زوجته الحامل برئيس جمهورية البرازيل "لولا" دون أن يتشرف بحضور ولادته. وعند وصوله إلى ساوباولو عمل حمالا ينقل أكياس البن..يقول لولا في هذا الصدد:(أنا لاأذكر صورة أبي في بلدتنا لأنه عندما ولدت لم يكن موجودا، وحينما عاد إلى"برانبوكو" كان عمري يناهز الخمس سنوات) وفي سنة1952هاجرلولامع أمه وأسرته إلى ساوباولو مقر عمل والده، وتمت الرحلة على متن شاحنة أشبه بالعربة التقليدية واستغرقت الرحلة13يوما قطعوا خلالها حوالي 2900كلم ،هذه الرحلة الشاقة والمتعبة تركت أثرها في نفوس الأسرة وخاصة لولا ابن السنوات السبع. يقول لولا في وصف هذه الرحلة : "حين وصلنا إلى ساوباولو استأجرنا سيارة أنا وأمي وسبعة أولاد ، وعمي وزوجته وولدهما، وقصدنا مدينة "سانتوس" حيث يعمل والدي ..وكانت المرة الأولى التي أتنقل فيها بسيارة!. انطلقت العائلة في ساوباولو تتسابق مع مورد رزقها كمثيلاتها من الأسر الهاربة من الموت جوعا، حتى الطفل الصغير (لولا) انطلق في البحث عن الشغل في هذه المدينة..فعمل بائعا لليمون والفستق..وفي الوقت نفسه التحق بمدرسة ابتدائية حيث أنهى فيها دراسته الابتدائية ..يقول (لولا) في مذكراته:(الشيء الأول الذي أتذكره عندما يسألني أحد عن طفولتي، هو أنه لم يكن لدي طفولة، فمن الصعب أن يتذكر ولد فقيرلا بل شديد الفقر طفولته قد نتذكر الأشياء الجميلة في حياتنا، أما تلك القبيحة فننساها، وهو أمر لا ينطبق على فقراء الشمال الشرقي من البرازيل فحسب، بل على أبناء العالم قاطبة..وما أذكره هو تناولي الأرز للمرة الأولى لأنني مرضت والأرز في بيتنا من السبع المستحيلات والنوادر..)كما يضيف لولا قائلا:(من الذكريات الجاثمة على مخيلتي يوم قررت والدتي الانتقال إلى ساوباولو فبعت كل ما نملك الأرض والحمار والساعة حتى تماثيل القديسين وصور العائلة كل هذا تسديدا لنفقا ت الهجرة..) ومرت عائلة لولا بظروف صعبة وخاصة عندما انفصلت أمه عن أبيه وهذه المعاناة يجملها لولا في بضع جمل تقشعر منها الجلود ويقف شعر الرأس منتصبا وهي(أتذكر أنني كنت أذهب إلى المدرسة بسروال كل فردة منه بلون، أشده بحبال على كتفي لافتقارنا إلى قماش من لون واحد..ولم نذق في ساوباولو طعم اللحم أبدا، ومعظم الوجبات كانت من الفاصوليا..). تخطى الشاب لولا هذه المصاعب، واشتغل في أكثر من مهنة ومن مجال عمل وتدرجت طموحاته مع مستويات عمره, وعندما بلغ سن الرابعة عشرة من عمره أعجبه منظر عمال المصانع أمام منزل عائلته فسعى إلى أن يكون عاملا في أحد المعامل فتحققت له هذه الأمنية..ومن خلال عمله هذا حصل على منحة لدراسة الميكانيك . وهنا يقول لولا:(هذه الفترة نعتبرها أفضل فترة في حياتي لأنها أمنت لي الغذاء..وأفسحت لي المجال لمتابعة دراسة الميكانيك وغيرها من المواد..)، وتابع لولا ولمدة ثلاث سنوات تخصصه ودراسته في التعدين تعرض لحادث مروع أثناء عمله أدى إلى بتر خنصره الأيسر، بعد أن انتظر لساعت طوال لينقله رب العمل إلى المستشفى,ولكن لاحياة لمن تنادى، وحين رآه الطبيب أمره مباشرة ببتر ما تبقى من أصبعه نظرا لخطورة الحادث. هذه الحادثة المؤلمة دفعت لولا إلى تغيير فكره ونظرته للحياة؛ بحيث كان سنة 1968عاملا عاديا لا يهتم بالسياسة أو بالعمل النقابي أو غيره، همه الوحيد إشباع بطنه ودعم فريقه الرياضي المحبوب"كورينتياس باوليستا" لكن بعد الحادث ومشاكل عمالية أخرى..اتجه شطر النضال والكفاح ضد الفكر الرأسمالي والإمبريالي، وساهم مع أخيه في توزيع المنشورات ضد الحكم العسكري. وقاد عدة تظاهرات في مدينة ساوباولو وغيرها من المدن، وأدخل السجن مرات ومرات، وفي سنة1973أصبح السكرتير الأول للتنظيم النقابي، ثم بعد ذلك أمينا عاما لاتحاد نقابات العمال في البرازيل، وبعدها ترشح عدة مرات لرئاسة الدولة، لكنه لم يوفق ، نظرا لضغوطات أمريكا عليه ؛ لأنها كانت تعتبره الإبن العاق الخارج عن أهل التقوى وأهل المغفرة..فتابع مشواره النضالي بحزم وجد، موقنا بأن البقاء للأصلح والأقوى والأنقى ، وفي سنة 2002 أصبح هذا الولد الفقير المشرد البائس الخارج عن طاعة بوش "الإبن" رئيسا لأكبر جمهورية في أمريكا اللاتينية في انتخابات نزيهة وديمقراطية شهد بها العدو قبل الصديق . الداعية/الصادق العثماني رئيس مؤسسة الإمام مالك للشؤون الإسلامية بالبرازيل