تكليف مكتب للدراسات لإعداد تصور شامل حول تنظيم موسم مولاي عبد الله أمغار    قاصرون يعترضون سبيل مهاجرين من دول جنوب افريقيا بالقليعة    ماذا قال المدرب البرتغالي بعد الإقصاء … ؟    تفاصيل الجمع العام العادي للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم    التحديات المالية للجمعيات الرياضية بطنجة: بين ارتفاع التكاليف والتسعير غير العادل    العاصفة كونراد تشلّ حركة الملاحة بين سبتة المحتلة والجزيرة الخضراء    تحقيقات مكثفة حول النفق المكتشف بين سبتة المحتلة والمغرب: احتمالات لوجود مخارج متعددة    قفة رمضان تسيل لعاب تجار الانتخابات في طنجة    التفوق المغربي على الجزائر .. واقع ملموس في مختلف المجالات    مستجدات مشروع قانون المسطرة الجنائية    تعيين الدكتور المقتدر أحمد العلالي عميدا لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة    الذهب يبلغ مستوى قياسيا ويتجه نحو 3 آلاف دولار للأوقية    تحقيق أممي: السلطات الإسرائيلية دمّرت جزئيا القدرة الإنجابية للفلسطينيين في غزة    الولايات المتحدة تعتزم إعادة التفاوض بشأن اتفاقية التبادل الحر مع المغرب    خبراء: تحديات تواجه استخدام الأحزاب للذكاء الاصطناعي في الانتخابات    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم يتعلق بإحداث منطقة التصدير الحرة طنجة طيك    عقار جديد يوقف الخصوبة لدى الرجال ويعيدها بعد التوقف عن تناوله    أدوية مهرّبة تطيح بثلاثة أشخاص    "بيجيدي" يندد بتدهور "حد بوموسى"    "ألف يوم ويوم".. سيمون بيتون تحكي الحاج إدمون عمران المليح    طنجة.. ندوة حول ريادة الأعمال النسائية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة    سلا: الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تعقد جمعها العام العادي    سباق التسلح في مجال الطائرات المسيّرة.. المغرب ضمن تحالفات جديدة وتنافس دولي متصاعد    السلطات تمنعُ جماهير الوداد من السفر لمباراة اتحاد طنجة في الجولة 25    منع تنقل جماهير الوداد إلى طنجة    "الويفا" يوضح سبب إلغاء هدف ألفاريز ويبحث مراجعة القوانين    تعيين ابنة الحسيمة ليلى مزيان عميدة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بن مسيك    مستشار الرئيس الفلسطيني يشيد بالدعم الموصول للملك محمد السادس للقضية الفلسطينية    ارتفاع نسبة ملء السدود في المغرب    التجسس الجزائري في فرنسا: سر مكشوف وتغيرات إقليمية تقلب الموازين    بايتاس يرفض التوضيح بخصوص "استغلال" شاحنة جماعاتية لأغراض انتخابية ويكشف حجم تصدير زيت الزيتون    ظاهرة فلكية نادرة مرتقبة فجر يوم غدٍ الجمعة    التكنولوجيات الحديثة والممارسات السلطوية الرقمية    "المحكمة الدستورية تُقر قانون الإضراب وتُبدي تحفظات على ثلاث مواد    قناع الغرب.. البروتوكولات المضللة 12- الأكاذيب الآمنة في يد السلطة    قالها ملك البلاد‮: ‬أحزاب‮ ‬تستعجل القيامة‮..!‬    مجلس الحكومة يطلع على اتفاقين دوليين موقعين بين حكومة المغرب وحكومتي بنين وأنغولا    مكاسب في تداولات بورصة البيضاء    الحسيمة.. أمطار الخير تنعش منطقة أيت أخلال وتعزز الآمال في موسم زراعي ناجح    جديد دراسات تاريخ الأقاصي المغربية: التراث النوازلي بالقصر الكبير    الهواري غباري يؤدي "صلاة الخائب"    لمجرّد يكشف تفاصيل عمليته الجراحية ويطمئن جمهوره    أخبار الساحة    صحيفة إسبانية: المغرب فاعل رئيسي في قطاعي السيارات والطاقة المتجددة    فضل الصدقة وقيام الليل في رمضان    المغرب يحتل المركز السادس عربيًا وإفريقيًا في الحرية الاقتصادية لسنة 2025    أزيد من 25 مليون مصل في المسجد الحرام خلال العشرة الأولى من رمضان    يسار يعرض "لمهيب" في مركب محمد الخامس    عدوى الحصبة تتراجع في المغرب    ماذا يحدث للجسم إذا لم يتناول الصائم وجبة السحور؟ أخصائية توضح    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    "حماس" ترحب بتراجع ترامب عن دعوة "تهجير سكان غزة"    أداء الشعائر الدينيّة فرض.. لكن بأية نيّة؟    دراسة: الوجبات السريعة تؤدي إلى تسريع الشيخوخة البيولوجية    بوحموش: "الدم المشروك" يعكس واقع المجتمع ببصمة مغربية خالصة    أوراق من برلين .. قصة امرأة كردية تعيش حياة مليئة بالتناقضات    أطعمة يفضل الابتعاد عنها في السحور لصيام صحي    بنكيران .. القرار الملكي لا يدخل ضمن الأمور الدينية وإنما رفع للحرج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أَخْلاَقِيَّاتُ مهْنَةِ الصِّحَافَةِ
نشر في بريس تطوان يوم 12 - 05 - 2014


سَرْدٌ لِتَارِيخِهَا الدَّوْلِيِّ وَالْوَطَنِيِّ
أخلاقيات أو آداب مهنة الصحافة، مفهوم ارتبط بحقل الإعلام لاسيما الصحافة، باعتبارها وسيلة قديمة اتخذها الناس لمعرفة الأخبار والإلمام بكل ما هو جديد.
ولعل مفهوم الإتصال الجماهيري الذي يرتبط بعموم الناس ووسائل الإعلام، يفرض بشكل ملح تبني بعض الأخلاق والآداب من طرف المهنيين، فيما يسمى ب 'أخلاقيات مهنة الصحافة'.
ويمكننا تعريف آداب مهنة الصحافة بتلك المجموعة من القواعد والمعايير والسلوكات التي ينضبط لها الصحافي في أداء مهامه، غرضها التزام الممارس حدوده بالشق الموضوعي، دون الإنتقال إلى التجريح أو التشويه أو الإنتقاص من حقوق الأفراد.
كما أن المفهوم عرف عبر التاريخ عدة مخاضات شكلت تراكمات جمة في عصرنا الحديث، فمنذ سنة 1910 شكل المهنيون الأمريكيون بولاية 'تكساس' أولى مبادئ أخلاقيات المهنة، عن طريق إصدار ميثاق شرف يحكم عمل الصحافي انطلاقا من حرية التعبير والرأي، التي يجب أن يتوخى فيها عدم المساس بالحرية الشخصية للأفراد وعدم الخوض فيما يشينهم.
ثم تبع هذا الميثاق ميثاق الشرف السويدي (1916)، ثم الفرنسي (1918)، وبعدها تم محاولة الربط بين هذه المبادئ التي تضمنها كل ميثاق على حدة، من خلال بلورتها في مواثيق ذات طابع دولي والإتفاقيات الجماعية.
مما سبق ذكره، نستطيع أن نقر بأن أهمية الحديث عن هذه الآداب في الوقت الراهن يفرضه التطور التكنولوجي وتنوع وسائل الإعلام، إذ أصبحت تحتاج لقراءة مخالفة، وتسليط الضوء عليها بالتركيز على المهني دون إغفال عنصر المتلقي، الذي يعد فاعلا أساسيا في الإعلام الجديد.
رجوعا إلى تاريخ البشرية، نجد أن الإنسان كرس مفهوم التواصل بشكل يتناسب مع عصره وفكره وإمكانياته، ليكون الإتصال شفهيا، ثم ليصبح مع المدة هذا التواصل ورقيا في القرن 156 قبل الميلاد، وبالضبط خلال العهد الإغريقي مع 'طاليس' و'أرسطو' و'أفلاطون'. ثم انتقل الإتصال إلى شكل إلكتروني بعد اختراع التلغراف والفاكس، ثم ما تلاه من اختراع للراديو والتلفاز، وصولا إلى الآلة الحاسبة والشبكة العنكبوتية.
كل هذا الزخم في ثورات الإتصال، ألزم على العالم إيجاد طرق تجنبه التأثير السلبي لوسائل الإعلام، خصوصا الصحافة المكتوبة، لذلك وضع ما يسمى اليوم بأخلاقيات أو آداب المهنة.
إلا أننا نؤكد على أن هذا المفهوم كان يُعمل به حتى قبل سنة 1910 (سنة تأسيس أول ميثاق شرف عالمي)، حيث كان يشكل منطقا راسخا لدى الصحافيين، باعتباره رقابة ذاتية على عمل المهني، ملزمة له بشكلها الأخلاقي، ولا تتعدى هذا المعطى لتصبح رقابة قانونية، يشكل خرقها عقابا بنص القانون.
أعتقد أن هذا الإنتقال من فكرة إلزامية الأخلاق إلى فكرة إلزامية القانون بخصوص 'آداب المهنة'، هو سبب اختلال التعامل مع المهنية الصحفية، ومن دون شك، هو السبب المباشر في اعتناق غير المتمرسين لباب الكتابة والنشر، بشكل ينافي هذه الأخلاقيات المتفق عليها، بدعوى حرية التعبير والنشر، خصوصا بعد ما وفرته التكنولوجيا الحديثة من فرص لهم، ليلجوا هذا المجال دون رقيب ولا حسيب.
كما لا يفوتنا أن نعرج على إعلان 'ميونخ'، الذي صدر سنة 1971 باتفاق مجموعة من النقابات الصحفية الأوروبية الكبرى، حيث يعد مرجعا وإطارا جامعا لكل مواثيق الشرف المعتمدة في الدول الديموقراطية، إذ نص هذا الميثاق على أخلاقيات المهنة من خلال واجبات الصحافي وحقوقه.
حيث تمثلت واجباته في نشر الخبر الصحيح والصادق والجديد، دون الحذف منه أو التزييد عليه أو تزويره كلا أو بعضا، كما يجب أن لا تمس كتاباتهم الحريات الشخصية للأفراد المعنويين أو الطبيعيين، أو يتم التمييز على أساس العرق أو اللون او الجنس أو الدين أو مكان الولادة...
أما فيما يخص حقوق الصحافي، فتتجلى أبرزها وفقا للإعلان، في حقه التحفظ عن ذكر أو الفصح عن مصادر معلوماته إلا في حالة يحددها القانون الوطني لكل دولة، وذلك حفاظا على الأمن العام، كما يحق للصحافي أن يعيش وفق ظروف اجتماعية ومادية مريحة...
ومما لا شك فيه، أن إعلان 'ميونخ' استقى مختلف بنوده من الخط العريض الذي وضعته المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948، والتي فسرتها بعد ذلك بشكل دقيق في إشارة قوية لأخلاقيات مهنة الصحافة، المادة 19 أيضا من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر سنة 1966.
هذا على المستوى الدولي، أما وطنيا، فقد عرفت دساتير المغرب منذ سنة 1908 (مشروع أول دستور) إلى دستور 2011، موادا تتضمن إشارات تهم حرية الصحافة مع ربطها بالمسؤولية، إذ أن هذه الأخيرة تشكل بشكل كبير نطاق أخلاقيات المهنة والممارسة الإحترافية.
إن نظرية السلطوية التي يتبناها المغرب، كانت نتاجا لوعي الدولة بخطورة وسائل الإعلام، وتأثيرها الكبير على الرأي العام المغربي، مما كان يستدعي وضع أخلاقيات تنظم المهنة بشكل قانوني، مبتعدين بذلك عن قدسية هذه الآداب، التي هي في الأصل تنبع من ذات الصحافي لتتمظهر على صحيفة أو قناة أو إذاعة أو أي وسيلة إعلامية أخرى.
نجد في المغرب ميثاق الشرف الذي يعد مجرد تقليد للدول الرائدة، هامش الإلزام فيها منعدم تقريبا، إذ تبقى الرقابة بيد القضاء. ومن ثَم، نجد على الساحة المغربية العديد من الصحف والمجلات، سواء كانت يومية أو أسبوعية أو شهرية أو ما يسمى بصحافة الرصيف (تلك الصحافة التي تظهر مرة كل مدة معينة لتقتات على الإشاعات والأخبار المزيفة بنية الربح التجاري لا غير) تخرق بشكل أو بآخر أخلاقيات مهنة الصحافة، التي وضعها المشرع المغربي سيان في القانون الجنائي، أو في قانون الصحافة، تحت غطاء مشروع، سماه بالمسؤولية أحيانا، أو بالأفعال المجرمة حينا آخر.
وبذلك يحظر على الصحافي الخوض في الثوابت الوطنية، وكذا كل ما يخل بالنظام العام، والأمن القومي، والصحة العامة، باعتبار أن تناولها في غير محلها الصحيح ضرب من خروقات أخلاقيات المهنة، وبالتالي يستوجب هذا الخرق زجرا وعقابا من طرف القانون.
أما فيما يخص النقابة الوطنية للصحافة، ومع أنها الأكثر تمثيلية، لا تعدو مهامها أن تكون عبارة عن توصيات وتنبيهات وتحذيرات، ورفع للتقارير وشجب للخروقات، دون ان تكون لها سلطة القرار أو الإلزام.
علاوة على هذا، وما زاد الطين بلة، هو فتح المجال الإلكتروني في المغرب على مصراعيه دون تقنين أو تقييد، ليتفشى في الجرائد الإلكترونية خرق سافر لأبسط الأخلاقيات التي يجب أن يتمتع بها الممارس، وهي عدم السب والقذف واستعمال لغة راقية مهذبة.
على ضوء هذه المعطيات، فإننا بأمس الحاجة إلى إعادة تقنين مجال الصحافة والإعلام، عن طريق قوانين تكسب هذه الآداب عنصر الإلزام والجبر، ولعل مدونة الصحافة القادمة ببطء ستعمل بشكل أو بآخر على تنظيم المجال، وبالأخص الصحافة الإلكترونية.
ونظرا لأن التحلي بأخلاقيات المهنة لم يعد رهانا متوقفا على ذات الممارس، فإن مجرد هذه التسمية لم يصبح لها في اعتقادي أي أساس من الصحة. ومنه، يجب إعادة التفكير في اسم آخر تنضبط له الممارسة انطلاقا من القانون لا انطلاقا من الذات.
بقلم: نور أوعلي
طالب باحث بماستر القانون ووسائل الإعلام بتطوان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.