الحزب الحاكم في البرازيل: المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تنسيقية الصحافة الرياضية تدين التجاوزات وتلوّح بالتصعيد        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    جوائز الكاف: المغرب حاضر بقوة في الترشيحات لفئات السيدات        عجلة البطولة الاحترافية تعود للدوران بدابة من غد الجمعة بعد توقف دام لأكثر من 10 أيام    "ديربي الشمال"... مباراة المتناقضات بين طنجة الباحث عن مواصلة النتائج الإيجابية وتطوان الطامح لاستعادة التوازن    الجديدة: توقيف 18 مرشحا للهجرة السرية    السلطات المحلية تداهم أوكار "الشيشا" في أكادير    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    الذهب يواصل مكاسبه للجلسة الرابعة على التوالي    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    استئنافية ورزازات ترفع عقوبة الحبس النافذ في حق رئيس جماعة ورزازات إلى سنة ونصف    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    مقتل 22 شخصا على الأقل في غارة إسرائيلية على غزة وارتفاع حصيلة الضربات على تدمر السورية إلى 68    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    ترامب ينوي الاعتماد على "يوتيوبرز وبودكاسترز" داخل البيت الأبيض    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض        حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية        اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    الحكومة تتدارس إجراءات تفعيل قانون العقوبات البديلة للحد من الاكتظاظ بالسجون        منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    فعاليات الملتقى الإقليمي للمدن المبدعة بالدول العربية    أمزيان تختتم ورشات إلعب المسرح بالأمازيغية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    روسيا تبدأ الاختبارات السريرية لدواء مضاد لسرطان الدم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعذيب في سجون الجزائر (1/2)
نشر في الوجدية يوم 06 - 02 - 2009


أعد هذا التقرير وفق شهادات مباشرة
لعدد من الحالات الموثقة لدى اللجنة العربية لحقوق الإنسان
صدر في ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 10/12/2007
.........................................................................
مقدمة في التعذيب والقانون الدولي لحقوق الإنسان
لا شكّ أنّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعب الدّور الأكبر في وضع النقاط على الحروف ولو بصفة طوباوية. أهمّ كلمة فيه ليست الحقوق ولا حتّى الإنسان، وإنّما التركيز المتواصل الذي يفتتح كلّ فقرة: " لكلّ شخص". أي تحقيق النقلة الحقوقية من الفرد إلى الشخص. أما المعنى الأكبر له فهو الانتقال من البلد والقارة إلى البشر جميعا. وكالوصايا العشرة، ثبتت المادة الخامسة الموقف من هذه الجريمة: "لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو المحطة بالكرامة."
لم يتوقف البشر عند إعلان المبادئ هذا، بل نجحت المجتمعات المدنية على الصعيد العالمي والأمم المتحدة في التأكيد على أن عالمية التعذيب تستلزم عالمية تحريمه وتجريمه. ذلك بجعل الاعتراف بحظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة المشينة أو اللا إنسانية قاعدة في القانون الدولي العرفي. وصيرورة الاعتراف بحظر التعذيب معيار قطعي في القانون الدولي العام ملزم لجميع الدول، سواء كانت طرفاً في المعاهدات التي تتضمن الحظر أم لا.
يشكل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المعاهدة الدولية الأبرز حول الحقوق المدنية والسياسية. وهو ملزم للدول الأطراف التي فاق عددها 148 دولة، منها الجزائر. تنص المادة السابعة منه على أنه:
"لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة. وعلى وجه الخصوص، لا يجوز إجراء أية تجربة طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحر". كذلك تتضمن المواد الأخرى الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتي تتعلق بالقضاء على التعذيب، المادة الثانية الخاصة بواجب احترام حقوق الإنسان وضمانها، والمادة السادسة الخاصة بالحق في الحياة، والمادة التاسعة بشأن الحق في حرية الشخص وأمنه، والمادة العاشرة المتعلقة بحق الأشخاص المحرومين من حريتهم في أن يُعاملوا بإنسانية واحترام لكرامتهم الإنسانية، والمادة الرابعة عشرة المتعلقة بالحق في محاكمة عادلة.
إلا أن أهم ما يتعلق بجريمة التعذيب في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان نجده في اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (اتفاقية مناهضة التعذيب). فهي ملزمة للدول الأطراف وقد وقعتها الجزائر. تنص المادة الثانية في هذه الاتفاقية على ما يلي:
"1- تتخذ كل دولة طرف إجراءات تشريعية أو إدارية أو قضائية فعالة أو أية إجراءات أخرى لمنع أعمال التعذيب في أي إقليم يخضع لاختصاصها القضائي.
- لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أيا كانت، سواء كانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديدا بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب.
- لا يجوز التذرع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة أو عن سلطة عامة كمبرر للتعذيب."
هذه المادة تؤكد أن جريمة التعذيب غير قابلة للمساس أو التصرف من قبل أي حاكم أو إداري في أي زمان ومكان. وأن فعالية الإجراءات القضائية والإدارية جزء لا يتجزأ من احترام الاتفاقية.
تتعزز هذه المادة بمادة أخرى تدخل جريمة التعذيب في حيز الاختصاص القضائي العالمي Universal Jurisdiction. إنها المادة الثامنة التي تسمح لأي قضاء في دولة وقعت على اتفاقية مناهضة التعذيب بقبول دعاوى ضد من ارتكب هذه الجريمة أثناء وجوده على أراضي هذه الدولة. بتعبير آخر، يمكن لضحية تعذيب من الجزائر أن يقيم دعوى قضائية على أي مسئول جزائري شهد أو شارك أو أصدر توجيهات أو مذكرة أو شاهد في أقسام تقع تحت مسئوليته وقوع جريمة التعذيب. جاء في هذه المادة:
"1- تعتبر الجرائم المشار إليها في المادة 4 جرائم قابلة لتسليم مرتكبيها في أية معاهدة لتسليم المجرمين تكون قائمة بين الدول الأطراف. وتتعهد الدول الأطراف بإدراج هذه الجرائم كجرائم قابلة لتسليم مرتكبيها في كل معاهدة تسليم تبرم بينها.
2- إذا تسلمت دولة طرف طلبا للتسليم من دولة لا تربطها بها معاهدة لتسليم المجرمين، وكانت الدولة الأولى تجعل التسليم مشروطا بوجود معاهدة لتسليم المجرمين، يجوز لهذه الدولة اعتبار هذه الاتفاقية أساسا قانونيا للتسليم فيما يختص بمثل هذه الجرائم. ويخضع التسليم للشروط الأخرى المنصوص عليها في قانون الدولة التي يقدم إليها طلب التسليم.
3- تعترف الدول الأطراف التي لا تجعل التسليم مرهونا بوجود معاهدة بأن هذه الجرائم قابلة لتسليم مرتكبيها فيما بينها طبقا للشروط المنصوص عليها في قانون الدولة التي يقدم إليها طلب التسليم.
4- وتتم معاملة هذه الجرائم لأغراض التسليم بين الدول الأطراف، كما لو أنها اقترفت لا في المكان الذي حدثت فيه فحسب، بل أيضا في أراضي الدول المطالبة بإقامة ولايتها القضائية طبقا للفقرة أ من المادة 5".
هذه الاتفاقية، تحدد بشكل متقدم سلسلة من التدابير المتعلقة بمنع التعذيب والتحقيق فيه وتقديم المسؤولين عن ارتكابه إلى العدالة سواء محلياً أو عبر الحدود، وتقديم تعويضات إلى الضحايا. وتنطبق بعض بنودها على كل من التعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة. بينما لا تنطبق بنود أخرى، مثل تلك التي تشير إلى التجريم والمقاضاة وممارسة الاختصاص القضائي العالمي، إلا على التعذيب فقط.
إضافة إلى هذه الترسانة الحقوقية، يحظَّر التعذيب وسوء المعاملة بموجب المعاهدات الإقليمية العامة الأربع لحقوق الإنسان المعتمدة حتى اليوم : الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (المادة 5)، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان (المادة 5)، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (المادة 3)، والميثاق العربي لحقوق الإنسان (المادة 13). ومن الضروري التذكير بأن الطابع المنهجي والمنظم لارتكاب هذه الجريمة يثقل طابعها الجرمي حيث تصنف حينئذ جريمة ضد الإنسانية (إعلان روما 1998).
الحقوقيون الجزائريون وجريمة التعذيب
يمكن القول، أن المدافعين عن حقوق الإنسان في الجزائر قد قاموا بجهود ضخمة نظرية وميدانية من أجل فضح هذه الجريمة ووضعها في العراء.
فمنذ "الكتاب الأبيض"، أول كتاب حقوق إنسان يمنع في فرنسا منذ سقوط حكومة فيشي، قام المحامون والمناضلون والمناضلات من هذا البلد، بالتوثيق للجرائم التي ارتكبت منذ وقف العملية الانتخابية في البلاد. منها على سبيل المثل لا الحصر، "تحقيقات في المجازر التي ارتكبت في الجزائر" (بالانجليزية)، مجموعة تقارير ودراسات Algeria Watch ، العمل الموسوعي الذي أصدره معهد الهوغار ( تحقيق عن التعذيب في الجزائر)، والندوات التي نظمتها المنظمات الجزائرية غير الحكومية. من جهتها حاولت اللجنة العربية لحقوق الإنسان الإسهام بما تستطيع، فأصدرت وثائق من السجن حول التعذيب منها رسالة المحامي رشيد مصلي أثناء اعتقاله، كتاب الفقيد محمود الخليلي وأمينة قاضي: "الاختفاء القسري والتعذيب في الجزائر" (بالفرنسية)، وكتاب "تاريخ التعذيب وأصول تحريمه في الإسلام (لمحمد بن طارية وعباس عروة ويوسف بجاوي). واليوم تنشر هذا التقرير لتذكر بأن هذه الجريمة ما زالت حاضرة ناضرة في مراكز التحقيق والسجون الجزائرية وبأبشع صورها.
معطيات جديدة
تكشف عدة تقارير لمنظمات حقوق إنسان عن حالات تعذيب تمارس بطرق وحشية على السجناء وعن اختفاء بعض من دخلوا السجون الجزائرية. كذلك ما أضيف مؤخراً لهذه المعطيات تقرير جديد للأمم المتحدة يتناول وجود سجون سرية في أماكن عدة في البلاد. وهذا لا يعني التوقف عن استقصاء ومتابعة ورصد حالات التعذيب في الجزائر, فكل حالة تعذيب تعد جريمة جديدة. وحيث كانت قد وردتنا مؤخرا عدة معطيات من داخل السجون تلقي المزيد من الضوء على دور الحراس والأعمال الشنيعة التي ترتكب بعلم إدارة السجون وتحت رعاية المديرية العامة للسجون، رأينا تجميعها في هذا التقرير لتوجيه الأنظار لقضايا ما زالت بعيدة من مرمى الإعلام. يتناول هذا التقرير عمليات التعذيب التي تقوم بها المخابرات الجزائرية، أو ما تسمى بدائرة الاستعلامات العسكرية، باختراقها السجن، ضاربة بعرض الحائط ليس فقط صلاحيات الجسم الاداري والطبي، وإنما أيضاً القوانين والأعراف والإتفاقيات الدولية التي وقع عليها هذا البلد.
لقد استطعنا في اللجنة العربية لحقوق الإنسان أن نصل لأشخاص عذبوا بطرق وحشية، وفي هذا التقرير نتعرض لأحداث وقعت خلال عامي 2005 -2006. الأمر الذي لا يستثني ما كان يحدث من قبل ويندى له جبين البشرية. الإضافة في هذه الأوراق هو شهادات عن ولضحايا تعرضوا للتعذيب في سجون الحراش وسركاجي والبليدة. منهم من تم نقله دون أمر من النيابة الى مراكز الإستنطاق بحيدرة أو بن عكنون (الجزائر العاصمة)، وآخرون استنطقوا على يد رجال المخابرات للتحقق من وشايات وصلتهم عنهم. ذلك علاوة على حالات عملوا على ترهيبها بشتى الطرق من اجل الحصول على مزيد من المعلومات، خاصة عندما تعلق الأمر بنشاط مسلح في منطقة يتحدر منها سجين إسلامي. في هذه الحالات كانوا يقومون بتبليغ المعني باستدعاء المحامي أو العيادة له. والاستدعاء يحمل ختم الطبيب أو أمر التنقل لمقابلة المحامي. وعند حضور المستدعي كان يؤخذ لعيادة الطبيب بعدما يتم إفراغها من البشر المتواجدين فيها، سواء كانوا حراسا او مساجين مرضى. بعد ذلك تبدأ عمليات التعذيب من استعمال الكهرباء، الى "الشيفون"، الى الحقن بأدوية خطيرة تنتهك السلامة الجسدية والنفسية للسجين، وصولاً للتهديد بحقن فيروز الايدز. من الحالات التي تبلغنا بها نذكر فيما يلي:
- سعادو الياس ومرابط محمد
بتاريخ 25 فيفري/شباط 2006 حيث كان المساجين في القاعة (A bis 1) يستعدون لمغادرتها نحو الساحة، وإذ بحارس، هو بمثابة نائب رئيس الجناح يدعى العون رشيد، يحضر استدعاءا من المحامية بومرداسي حسيبة، تطلب فيه السجينين سعادو الياس ومرابط محمد المدعو كمال. هما متهمان في قضية سطو مسلح على بنك البدر ببئر خادم، حكم عليهما ب 10 سنوات سجن نافذة في الدورة الجنائية الأخيرة بالعاصمة الجزائرية. بعد اخذهما لم يعرف عنهما شيئا حتى ساعة متأخرة من الليل، أي الساعة 3 صباحا، عندما أعادهما الحراس، برفقة مساجين حق عام، محملان على بطانيات في حالة يرثى لها. وبعد يومين من مصارعة الآلام والجروح، استطاعا أن يؤكدا بأنهما أخذا إلى ثكنة واد حيدرة (الجزائر) حيث عذبا تعذيبا شديداً، وذلك للحصول على مزيد من المعلومات عن الأموال التي سلبت من البنك. جرت مواجهتهما مع المتهم شمامي مراد الذي كان في حالة فرار واعتقدت مصالح الأمن أنه قام بنقل الأموال الى معاقل الجماعة السلفية للدعوة والقتال، غير أنه قبض عليه في وهران.
لقد استعمل معهما ضباط المخابرات الكهرباء والشيفون وخراطيم المياه. وعندما تم استدعاءهما بعد حوالي أسبوعين من قبل قاضي التحقيق في الغرفة الثانية لمحكمة بئر مراد رايس، سأل سعادو الياس عن سبب الخدوش العميقة الموجودة في وجهه ورقبته. بعد جوابه على أن ذلك نتج عن التعذيب الذي تعرض له قبل اسبوعين، طلب منه القاضي اطلاعه على أسماء الحراس الذين عذبوه. مما قد يؤكد أن القاضي الذي أودعهما السجن والمسئول قانونيا عنهما لا يعلم بما قام به ضباط المخابرات. عندما ذكرا له القصة الكاملة وعدهما القاضي بأن ينظر في القضية. لكن مع مرور الأيام ذهبت وعوده أدراج الرياح، وعاد الضباط من جديد لتعذيب آخرين.
هذه المرة كان الضحية المتهم مرداسي محمد (القبة) الذي استدعي لغرفة الطبيب لأخذ حقن الأنسولين، كونه مريض بداء السكري لدرجة خطيرة للغاية. وكانت نتيجة التعذيب، أسبوعا كاملا بقي خلاله المعتقل ممدداً على فراشه لا يتكلم مع أحد. لقد خضع خلال تعذيبه لما يعرف بعملية الشيفون. يقضي هذا الأسلوب بأن يتم سد الأنف والفم بقطعة قماش، غالبا ما تكون لباسا داخليا قطنيا، يتم منه ضخ الماء عن طريق خراطيم من حنفية قوية إلى أن يخرج من دبره.
- أنور مالك
حالة أخرى وردتنا للكاتب الصحفي أنور مالك الذي تعرض في السجون الجزائرية للتعذيب الوحشي لمرتين. الأولى عام 2001 عندما القي القبض عليه على الحدود الجزائرية محاولا الفرار إلى تونس. كانت وراء ذلك مصالح المخابرات بولاية تبسة وقسنطينة، حيث تعرض للتعذيب الذي أدى لإصابته بعاهة في رجله اليسرى، جعلته معوقا بنسبة 70 بالمئة. أما الثانية ففي حزيران/ تموز 2005 من قبل مصالح الدرك الجزائري بني مسوس ومن طرف ضباط مخابرات ثكنة الشاطوناف. بدأت قضية أنور مالك مع قصة حجز مصالح الأمن لمخدرات داخل السيارة الشخصية والمصفحة للوزير بوقرة سلطاني (وزير دولة وزعيم حزب "حمس" الاسلامي) والمعروف ب: "أبوجرة سلطاني". كان على متنها شقيقه مولود وابنه أسامة.
حسب تصريحات الصحفي أنور مالك، القضية حيكت ضده لأسباب سياسية وأيضاً شخصية، بعدما تم اطلاق سراح ابن الوزير وشقيقه وداهمت مصالح الدرك بيته في سطوالي (العاصمة). كان ذلك بقيادة قائد كتيبة بني مسوس المساعد الأول ملوك فضيل، الذي عمل من قبل بالشريعة في ولاية تبسة وتربطه علاقة صداقة بعائلة الوزير وخاصة بشقيقه عفافة. حينها صودرت مقالات وروايات له لم تكن قد نشرت بعد، ثم سيق مقيدا إلى مركز الأمن حيث تعرض لأبشع أنواع التعذيب من كهرباء وشيفون وضرب واستعمال أسلاك كهربائية في جهازه التناسلي، إضافة للبصق والشتم والإعتداء على أماكن حساسة في جسده. وقد علق من رجله اليسرى المعوقة في سقف الزنزانة لساعات طويلة، كما رمي مقيدا في قاعة شديدة السخونة لساعات. وعندما كان يصاب بالغثيان والإختناق كان ينقل لغرفة أخرى شديدة البرودة، مع المنع من النوم وغيره. الأمر الذي زاد من إصابته في رجله اليسرى لتبلغ إعاقته نسبة 90 بالمئة، فضلا عن أمراض الضغط الدموي الذي أصيب به حينها.
خلال هذه الفترة وبالضبط صباح يوم 01 جويلية/تموز 2005 نقلته المخابرات الى مكان سري في الشاطوناف، حيث حضر الوزير سلطاني بوقرة شخصيا برفقة قيادات في المخابرات، وتم تعذيبه على مرأى منه. كان يريد معرفة من يقف وراء المؤامرة التي استهدفته من طرف مناوئين له من داخل حزبه وخارجه. فذكر السيناتور هباز فريد والنائب البرلماني أحمد الدان، عن حركة حمس التي يتزعمها الوزير سلطاني خلفا للراحل محفوظ نحناح، وكذلك النائب البرلماني عبدالغفور سعدي عن حركة الإصلاح الوطني، وأيضا الصحفي انيس رحماني (محمد مقدم). ثم وقع على المحاضر مكرها. إلى أن عرض على محكمة بئر مراد رايس يوم 04 تموز 2005، حيث تم الإعتداء عليه من قبل المساعد الأول ملوك فضيل وأعوانه. كما ومورست بحقه ابشع أنواع التعذيب بفعل أوامر جاءته من طرف الضابط قائد المجموعة - الذي كان يحمل رتبة نقيب ورقي حينها الى رتبة رائد- والذي بدوره تلقى تعليمات من الوزير سلطاني شخصيا. هذا الإعتداء كان نتيجته جروح عميقة في رأسه أسالت منه الدم الغزير (توجد اشارة لذلك في جريدة الخبر 05 جويلية 2005). عندما نفى كل ما نسب له، تمت متابعته بتهم تتعلق بقضايا إرهاب من خلال روايات كتبها، على اساس ان أحد أبطال رواية "دموع أمريكا"، وهو ارهابي، تحدث الكاتب على لسانه في روايته. عندما أودع سجن الحراش من طرف قاضية التحقيق بوحلوان فتيحة (الغرفة الخامسة) فحصه طبيب السجن وأفاد في شهادة طبية بأن حالته الصحية متدهورة.
بعد ذلك، وبتاريخ 03 أكتوبر/تشرين الأول 2005 نشر ملف اعتبر خطيرا، وهو يتعلق بحياة الإسلاميين في سجن الحراش، ومواقفهم من ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي أعلنت عن نتائجه النهائية وبمصادقة أغلبية مطلقة للشعب الجزائري، نشرت الملف ووقعت عليه الصحفية نائلة بن رحال في صحيفة (الجزائر نيوز) تحت عنوان: "الجزائر نيوز تخترق سجن الحراش". كان قد تم تسريب الملف عن طريق هاتف نقال، حيث أن الهواتف النقالة كانت منتشرة بكثرة بين المساجين. اثر ذلك اتخذت مصالح ادارة وزارة العدل اجراءات صارمة ضد السجن ومديره حسين بومعيزة الذي تمت اقالته ومتابعته بتهم تتعلق بالفساد. خلفه عزوز الجيلالي الذي شنّ حملة واسعة ضد القاعات لمصادرة الهواتف والشرائح. في اطار الحملة هذه استدعي مساء 12/10/2005 أنور مالك الى العيادة حيث كان يعالج من مرض الضغط. فوجد في حجرة الطبيب 5 أشخاص قدموا أنفسهم على أنهم من مصالح الإستعلامات العسكرية، وكان بحضور ضابط العيادة المسمى سيد علي. كانت العيادة خالية من المرضى وحتى الموظفين. في البداية حاولوا معرفة سر الملف الصحفي، لكنه نفى علاقته به. غير أنهم أكدوا أن الصحفية نائلة بن رحال اعترفت للنائب العام لدى مجلس قضاء العاصمة باسم الشخص المتورط. ولما نفى كل ذلك قاموا بربطه ممددا على سرير الكشف وراحوا يربطون جهازه التناسلي بأشياء تستعمل في نقل السيروم للمريض وحتى بأسلاك كهربائية. اذاقوه من الكهرباء والضرب حتى أغمي عليه، فتركوه وغادروا العيادة ليقدم له الطبيب الإسعافات. بقي في العيادة يوما كاملا.
غير أنه عاد واستدعي في 23/10/2005 من طرف ضابط الحيازة للتحقيق في قضية جديدة. فوجد سيارة من نوع كونغو، أركبوه فيها مصفد اليدين للخلف. بعد مغادرة بوابة السجن غطوا رأسه كي لا يتعرف على وجهة السيارة. وبعد حوالي عشرة دقائق وجد نفسه في مكان سري لا يبتعد كثيرا عن السجن. كانت زنازين تحت الأرض تتسرب منها أصوات أنين لأشخاص يظهر أنهم عذبوا تعذيبا بشعا. وضع أنور مالك في زنزانة مجردا من ثيابه حيث قاموا بضربه بسلك كهربائي متين فضلا عن الشتم والصفع. الهدف من ذلك التعاون معهم وارسال تقارير عن أحوال المساجين الإسلاميين، خاصة وان مصالحهم تخشى عودتهم للعمل المسلح بعد الإفراج عنهم. عندما رفض كل العروض تم ربطه مرة أخرى في سلم معلق في الجدار ورأسه للأسفل. بقي على هذه الحال ساعات عديدة. مما اضطره للموافقة على التعاون معهم واعطائهم معلومات كاملة عن قصة التعامل مع جريدة الصحفي حميدة العياشي، وعما يتعلق بالوزير سلطاني بوقرة. عندما ترك بمفرده في الزنزانة، كانت قبالته زنزانة أخرى يسمع فيها صوت شخص يناديه بصوت خافت: يا أخ... يا أخ. عندها نهض وتحدث معه من الثقب بضعة ثواني، خوفا من تسرب الصوت للحراس الذين كانوا يتناولون وجبة الغداء. مما ذكره له ذلك الشخص أنه موجود منذ سنوات عديدة في هذا المكان السري الذي يجهله، وأن اسمه معمر من ولاية قالمة (الشرق الجزائري) ولقبه اما "معوط" أو "جلوط" أو "عطوط" أو شيء من هذا القبيل لم يفهمه جيدا، كون الشخص كان يتحدث بصوت جد منخفض، وأنه يوجد الكثيرون ممن لا يعلم أهلهم عنهم شيئا.
حتى اللحظة لم يفهم بعد أنور مالك ما كان المقصود من تلك العملية وذلك التحويل الى هذا المكان الرهيب. لقد هدده ضباط المخابرات أنه في حالة عدم تعاونه الجيد معهم، سوف يختطف عندما يفرج عنه من باب السجن ويرمى في هذا المكان لسنوات لن يصل له الذباب الأزرق حسب قولهم. اخبروه بأنهم على علم بما يريده، وهو الإتصال بقناة الجزيرة القطرية من السجن للكشف عما تعرض له من طرف الوزير سلطاني بوقرة. لكن لو فعلها سوف يذبح. لقد أفرج عن أنور مالك في 04 تموز/جويلية 2006 فعاد لأهله بالشريعة ولاية تبسة (الشرق الجزائري). وقد داهم حراس الوزير - وهم من المخابرات - بيته عندما زار سلطاني أسرته في الشريعة، ولحسن حظه لم يكن موجودا.
- علالو حميدة (دلس)
أعتبر الذراع الأيمن لحسان حطاب (مؤسس تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال). قبض عليه وقضى أكثر من 4 أشهر في ثكنة وادي حيدرة بالعاصمة. تعرض لأبشع أنواع التعذيب حيث كسرت أسنانه، على يد العقيد بشير طرطاق شخصيا. بعد ذلك وضع في سجن سركاجي، ومن ثم نقل لسجن الحراش بسبب إضراب عن الطعام قام به. فعزل في زنزانة انفرادية طولها 14 شبرا وعرضها 9 أشبار وإرتفاعها 18 شبرا، وبأمر من النائب العام، منذ أكثر من 3 سنوات حيث يعيش في الزنزانة 9 بجناح المحكوم عليهم بالإعدام. لقد زاره ضباط المخابرات مرات عديدة، بل وعدوه بأنه سيستفيد من قانون المصالحة الوطنية. وقد تعرض للمعاملة القاسية والتعذيب في عدة زيارات، منها زيارة قاموا بها في 07 ماي/أيار 2006 حيث أخرج من زنزانته بعد الساعة الخامسة مساء وبعدما جرى دخول المساجين إلى القاعات والزنازين ولم يبق سوى الحراس. فأخبروه بأنه مستدعى من محاميته بومرداسي حسيبة مستعجلا، لكنه كالعادة وجد نفسه بحضرة مجموعة من ضباط المخابرات. أرادوا ان يعرفوا منه معلومات جديدة عن شبكة تهريب السلاح نحو الجزائر من طرف مجموعات تهريب بالجنوب يقودها مختار بلمختار. وحيث أعلمهم بأنه لا يعرف شيئا، عاملوه بوحشية قضى على إثرها أكثر من خمسة أيام لا يغادر زنزانته. فقد استعمل معه الضرب والكهرباء في غرفة الطبيب التي صارت غرفة للتعذيب وليس للعلاج.
المرة الثانية كانت في 24 ماي/أيار 2006 عندما استدعي على أساس إجراء تحاليل طبية ليجد أيضا مجموعة أخرى بانتظاره. فعومل بالطريقة نفسها وهدد أنه في حالة عدم اتهامه رسميا لمحامي جزائري لاجئ بسويسرا (ويتعلق الأمر برشيد مسلي، المتابع معه في قضية من قضاياه برفقة حسان حطاب أيضا)، سوف يتم أخذه إلى أماكن سرية لن تصل لها الشمس. بل أكثر من ذلك، طلبوا منه أن يجعل من المحامي المسئول والممون الأساسي لشراء الأسلحة.
المرة الثالثة، عندما راح يطالب بحقه في المصالحة الوطنية وهدد بشن إضراب عن الطعام. فاخرجه الحراس من زنزانته ليلا في 19 جوان/حزيران 2006 بالعنف بعدما رفض الخروج معهم كونه يعرف ما ينتظره. فقضى ليله مع أفراد من رجال المخابرات ذكر منهم: مجيد عضيمي الذي يعمل في مصلحة الإعلام بثكنة تابعة للإستعلامات العسكرية ببن عكنون، ونجل ضابط سامي سابق في الرئاسة وهو العميد محمد عضيمي. استعملت مع علالو حميدة كل الطرق البشعة التي يندى لها الجبين، خاصة وأنه سبق له تقديم شكوى لوفد زار السجن من الصليب الأحمر الدولي.
- لحمر عواد
يتحدر لحمر عواد من ولاية وهران، وهو من مواليد عام 1963، تقني سامي في سوناطراك بحاسي الرمل (الجنوب الجزائري). التحق بالعمل المسلح عام 1993 بجبال التلاغ (ولاية سيدي بلعباس)، بعد مضايقات ومتابعات تعرض لها من قبل مصالح الأمن. تكشف التقارير الإستخباراتية التي قدمت للقضاء بأنه قام مع قادة بن شيحة (أمير تنظيم حماة الدعوة السلفية) بعملية هجوم على ثكنة عسكرية بتلاغ (الغرب الجزائري) حيث قتل 80 عسكريا. هجوم آخر إستهدف عسكريين بغليزان عام 1999. إلى أن قبض عليه في 02 جويلية/تموز 2005 مع المصري ياسر سالم المدعو أبوجهاد والجزائري حاج نعاس، وتمت متابعتهم في قضية تجنيد جزائريين للقتال في العراق. حكم على لحمر عواد في 05/11/2007 بالمؤبد برفقة حاج نعاس و15 سنة في حق المصري ياسر سالم.
يعاني لحمر عواد من إعاقة في رجله اليمنى، وهو متواجد حاليا بالقاعة 2 bis A بسجن الحراش. ظل رجال المخابرات يترددون عليه من حين لآخر، وفي كل زيارة يتعرض لمعاملات قاسية ولتعذيب وحشي. نذكر على سبيل المثال لا الحصر بعض الزيارات، حيث في 28 أوت/آب 2005 عند العاشرة صباحا جاءه استدعاء من دائرة المحامين على أساس أن محاميه عيساني حميد يطلبه. فذهب وكله أمل أن يأتيه بجديد يغبطه، لكنه لم يعد إلى قاعته 1 bis A التي كان بها من قبل، الا حوالي الساعة 11 ليلا. كان في حالة يرثى لها، بالرغم من الساعات الطويلة التي قضاها في العيادة حيث قدمت له إسعافات. وقد قضى أسبوعا كاملا لا يغادر فراشه ولا يستطيع ان يهضم ما يأكله رغم أن وجبته تتكون من بعض الخبز المذوب في الماء.
مرة أخرى، في 17 ديسمبر/كانون الأول 2005 وصله استدعاء لإجراء أشعة لرجله حوالي الساعة الثالثة مساء، فذهب لغرفة الطبيب ليجد من ينتظره من المخابرات. أخبروه بأنهم التقوا قبل يوم مع المصري ياسر سالم في سجن سركاجي، الذي اعترف لهم - بعدما أشبعوه ضربا - أن عواد يعرف شبكة عراقية- سورية- جزائرية تقوم بمهمة تجنيد الجزائريين للعراق. عندما نفى ذلك، عذبوه بالكهرباء حتى راح يهذي بأسماء يعرفها ولا علاقة لها بما يريدون. كان احدهم يحمل حقنة فيها دم أخبره بأنها ملوثة بفيروسات الإيدز وإن لم يعطهم كل المعلومات سوف يحقن بها. والمستغرب أن طبيب السجن كان حاضرا معهم ووافق على ما يفعلون، بل ظل يشجعه على التعاون معهم.
زيارات أخرى له جرت في شهري مارس/آذار 2006 وجوان/حزيران 2006. حصلت الأولى بعدما عثرت مصالح إدارة سجن الحراش على هواتف نقالة بالقاعة التي يتواجد بها، فاستدعي على أساس أن محاميه حميد عيساني قدم لزيارته. لكنه وجد 5 ضباط مخابرات في إنتظاره كان يراهم لأول مرة. أخبروه بأنه تم ضبط مكالمات هاتفية من خلال الشرائح التي صودرت وقد اتصل صاحبها بأرقام سورية. ولما نفى ذلك نفيا قاطعا، أعلموه بان المكالمات تم تسجليها، وقد تعرف ياسر سالم على أصحابها واخبرهم بان الشخص المتصل به يعرفه لحمر عواد المدعو حمزة. لكن اصراره على موقفه جعل الضباط يلجأون للتعذيب بالكهرباء. كانوا قد احضروا معهم شخصا يبدو انه سجين أيضا وطلبوا منه ممارسة اللواط معه، بعدما جردوه من ملابسه كاملة. لكن عواد قاوم حتى خارت قواه ففعل به ما فعل. الأمر الذي جعله يصاب بصدمة عصبية قضى إثرها أكثر من شهر في الفراش لا يتكلم ولا يغادر مكانه.
- مباركي حميد
السجين مباركي حميد، حارس سجن سابق والمتهم الرئيسي والوحيد في مجزرة سركاجي الشهيرة التي حدثت بين ليلتي 21 و22 فيفري/شباط 1995 وأدت لمقتل أكثر من 95 سجينا، بينهم قيادات في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة. كان قد حكم عليه بالإعدام عام 1997، غير أنه استأنف لتعاد محاكمته ويصدر بحقه حكم بالمؤبد في 03 أفريل/نيسان 2001. للمرة الثالثة برمجت محاكمته في 07 نوفمبر/تشرين الثاني 2007، لكنها أجلت للدورة الجنائية القادمة، ولم يستفد من ميثاق السلم والمصالحة. مما طرح الكثير من نقاط الإستفهام لدى محاميه حسيبة بومرداسي وبشير مشري وعبدالحميد لعمارة، الذين أيضا اتهموا النيابة بالمماطلة في القضية وعدم إستدعاء الشهود ومنهم هداوي أحمد مدير سجن سركاجي السابق وآخرين كوزير العدل والنائب العام.
تنقل السجين مباركي بين عدة سجون من البرواقية الى تيزي وزو، والحراش، وآخرها سجن لامبيز بولاية باتنة. تعرضه للتعذيب أدى إلى فقدانه لجهازه التناسلي بصفة تامة، عندما تم تعليقه منه بحبل في السقف بطريقة بشعة. كذلك استعمل الكهرباء عبر قضيب حديدي ساخن تم ادخاله في ثقب جهازه التناسلي، إلى أن دخل في غيبوبة أوصلته الى عملية جراحية. هذا إلى جانب إصابته بثلاث رصاصات قاتلة. هذا الأمر لم يبلغ به والديه العجوزين خوفا على حياته وحياتهما.
زيارة أخرى له بتاريخ 27 جويلية/تموز 2005 تمت إثر اضراب عن الطعام قاده بعد وفاة السجين العذاوري محمد الذي تعرض لإهمال كبير من أطباء السجن، حيث رفض الضابط المداوم ليلة اشتداد المرض عليه إخراجه من القاعة إلا بعد فوات الآوان واثارة المساجين الفوضى. كان مباركي برفقة المساجين في الساحة حين إستدعائه، وإذ بضابط السجن عبيد ينادي عليه. فخرج معه ولم يعد إلا في وقت متأخر من المساء في حالة يرثى لها. مما رواه أنه وجد أربعة ضباط مخابرات تعرض على يدهم للضرب والتهديد بالتصفية. وقد هددوه إن حاول تسريب معلومات حول قضية سركاجي للصحافة أو نشر ما تعرض له خلال السنوات العشر في السجن، حيث لدى مصالح المخابرات أسرارا لم تعرف عن حقيقة الجريمة الرهيبة التي ظلت غامضة على مدار السنين التي مضت.
أما في 6 أوت 2005 أي بعد أيام معدودة فقط، فقد قضى ما يزيد على عشر ساعات لدى المخابرات وعاد منهارا نفسيا وآثار الضرب بادية على وجهه. بعد ذلك مباشرة تم تحويله إلى سجن البرواقية. وهناك زارته المخابرات بعدما تسرب لهم حصوله على هاتف نقال. وقد ادعت إدارة السجن، وعلى رأسهم المدير حكيم بن شادي، أنه في اتصال مع صحفي مقيم في الخارج. فتعرض لأبشع أنواع التعذيب جعلته يرقد بالمستشفى 15 يوما. بعد ذلك ومن دون أن يتماثل للشفاء، تم تحويله لسجن لامبيز (ولاية باتنة). كانت الأوامر بإنتظاره لدى مدير لامبيز السيد عبدالحق بتشديد الخناق عليه، وهو ما حصل بالفعل حيث ضربه رئيس الحيازة الضابط يزيد ضربا مبرحا يوم وصوله بالرغم من حالته المزرية.
- جمال الدين بوذراع وشقيقه رضا بوذراع
السجين جمال الدين بوذراع لا يزال موقوفا بسجن سيدي بلعباس (الغرب الجزائري). أما شقيقه رضا فقد أفرج عنه من سجن البرواقية في 07 ماي 2006 بعد نهاية مدة عقوبته المتمثلة في ثلاث سنوات كاملة. جمال الدين بوذراع من قدماء المقاتلين في الشيشان. كان مقيما بألمانيا، إلا انه قرر الذهاب الى الشيشان للدفاع عن شعبها ضد المحتل الروسي. فالتحق بجورجيا عام 2000، ومن ثم تم تهريبه عن طريق جماعات التهريب حيث تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة في 2001 ونجا منها بأعجوبة بعدما اخترقت رصاصات قاتلة بطنه. عام 2002 حيث كان على جسر الدويسي الرئيسي بصدد مفاوضات مع مهربين لإستعادة مقاتلين عرب معتقلين في هولندا، نصب له كمين من طرف عملاء المخابرات الأمريكية. فألقي عليه القبض وقتل صهره الذي كان يرافقه. إثر ذلك تم نقله إلى افغانستان حيث قضى أكثر من سنتين أسيرا في أحد سجون كابول الأمريكية السرية. كاد أن ينقل إلى غوانتانامو، لكن لحسن حظه أو لسوئه نقلته طائرة أمريكية عسكرية خاصة إلى العاصمة الجزائرية في 2004. بعد تحقيق مضني وتعذيب على يد ضباط مخابرات في ثكنة وادي حيدرة، أودع سجن الحراش وحكم عليه بست سنوات نافذة. خلال هذه المدة، حيث كان شقيقه رضا معه، ظلت المخابرات الجزائرية تزوره من حين لآخر، للاستعلام خاصة عن شقيقهما الثالث الفار بألمانيا والمتابع في الجزائر قضائيا أيضا.
كانت المخابرات تزور جمال الدين عدة مرات في الأسبوع أحيانا. لقد كتب البعض عما حدث له وسلمه لمحاميته بومرداسي حسيبة، علها تستعين بذلك في ما ينفعه. إلا أنهم علموا بذلك فزاروه بعد يومين وكان ذلك في 3 جويلية/تموز صباحا، عندما تسلم استدعاء بإسم المحامية. عندما ذهب وجد الضابط العمري في انتظاره حيث حوله إلى العيادة. قام الرائد سامي، أحد ضباط المخابرات، بركله على خصيتيه حتى سقط على الأرض، وهو يتلفظ بكلام قبيح مفاده أن جمال الدين يريد أن يسرب معلومات لوسائل الإعلام، منها ما يتعلق بالصفقة الجزائرية الأمريكية حوله، وحول ما جرى له لدى المخابرات الجزائرية، وقصص عن السجون السرية الأمريكية بأفغانستان. كان هذا بالفعل ما كتب بعضا منه في أوراقه التي سلمها للمحامية بومرداسي حسيبة. وقد شك بوجود أجهزة تنصت بقاعات المحامين التي يستقبلون فيها موكليهم. ضرب جمال الدين ضربا مبرحا لمعرفة محتوى تلك الأوراق التي سلمها للمحامية. حتى أنه بعدما استعملوا معه أساليب مختلفة أجلسوه على كرسي ووضعوا أمامه رزمة من الأوراق. وبصيغة الأمر التي لو خالفها لتعرض لما لا يحمد عقباه، طلبوا منه إعادة تحرير كل ما كتب في تلك الأوراق. لكنه ظل ينفي كل ما نسب إليه. فأعادوه ليلا إلى القاعة 1 bis A وهو ينزف دما من جروح غائرة في كل جسده. وبسبب الشيفون وخراطيم المياه التي كادت تفجر بطنه، صار الماء يخرج من دبره، وبقي أكثر من أسبوع لا يأكل بحيث توقف الأمر على الماء وشيئا من الحليب. الزيارة الثانية له كانت في 6 أوت/آب 2005 حيث تم استدعاؤه مع شقيقه رضا. عُلم عنهما أن المخابرات جردتهما من لباسهما كاملا وهددتهما بأكراههما على ممارسة اللواط معا ان لم يتم تعاونهما جيدا وبالصيغة التي يريدونها. وقبل أن تحدث الواقعة أجبر كل واحد منهما أن يشد عضو شقيقه بيده. الأمر الذي اضطرهما للتصريح بأشياء مختلفة وملفقة للنجاة مما هو أكبر. تم تحويل جمال إلى سجن الشلف ومن ثم إلى سجن سيدي بلعباس، ولم يستفد من قانون المصالحة بالرغم من إستيفائه جميع الشروط.
رضا بوذراع تعرض للتعذيب مرات عديدة وفي كل مرة يزوره ضباط المخابرات كانوا يلجأون للعنف معه. قضى عدة مرات الليالي خارج السجن بثكناتهم، ليعود إلى زنزانته في حالة يرثى لها. واحدة من هذه الزيارات جرت في 9 جويلية/تموز 2005 حيث كالعادة تسلم ورقة لإجراء تحاليل طبية. كان قد طلب بالفعل من الطبيب إجراء تلك التحاليل المشار اليها، مما جعل المساجين يشكون في وجود علاقة بين عيادة السجن والمخابرات. غير أن حضور ضابطها المدعو سيد علي في عدة حالات تعذيب أكدت وكشفت كل الأمور. كانت الساعة في حدود العاشرة والنصف صباحا أي قبل وقت دخول المساجين الى القاعات بنصف ساعة، لكنه لم يعد إلا في منتصف الليل. لقد استعملت معه طريقة الشيفون المعروفة، إلى أن أغمي عليه. الأمر الذي استوجب ابقاؤه في العيادة إلى أن استعاد قواه. الزيارة الثانية جرت في 6 اوت/آب 2005 حيث حدث له نفس السناريو. كانت المخابرات تريد الحصول على معلومات عن شقيقه من مثل عنوانه وأرقام تلفونه وكل ما يتعلق به. نذكر أن رضا مقاتل شيشاني سابق ومتزوج من شيشانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.