حرية الإعلام والوصول إلى المعلومة الأمنية لا ريب في أن حق الأفراد في الاطلاع على المعطيات العامة التي تحتكرها السلطات العمومية في الغالب، أضحى يمثل أحد أهم ركائز الحق في حرية الإعلام والإتصال، ذلك أنه لا يمكن لوسائل الإعلام أن تؤدي دور الموازن للسلطة والمراقب لها و دور المناقش والمنتقد لمخرجات السلطة السياسية والإدارية خدمة للصالح العام، دون أن تتوفر على كافة الإمكانيات والشروط القانونية والعملية التي تخول لها الحصول على الخبر و المعلومة والوصول إلى مصادرها الرسمية بيد أن المعلومة العامة ذات العلاقة بأمن الدولة ، وبسبب ما تتسم به من خصوصية وحساسية، تثير عديدا من التساؤلات في هذا الإطار لا سيما وأن جانبا هاما من تلك المعطيات الرسمية تخضع لعملية التصنيف ، بمعنى إنها تتخذ طابعا سريا ، فكيف تنتظم العلاقة بين ممارسة حرية الإعلام والحق في الإطلاع من جهة وبين ضرورة حماية مصالح الدولة الأمنية ومستوياتها السرية ، وما المعايير الديموقراطية الخاصة بتنظيم تلك العلاقة؟ خصوصية المجال الأمني وتصنيف المعلومات تنجم خصوصية المجال الأمني بالأساس عن منطق الدولة الذي يستتبع إيجاد مجال ما يعرف بالأسرار الرسمية ، وهو المجال الذي عرف تنظيمه القانوني خلال العقود الأخيرة من خلال مفاهيم عدة كمفهوم سر الدفاع و أسرار الدولة وتصنيف المعلومات، ونتج عن ذلك بالتالي خلق مستويات سرية في أنشطة الحكومات والإدارات والمقاولات العامة، مشكلة قيودا أو استثناءات على ممارسة حرية الإعلام، وقد أوجب هذا الحال القيام بعملية تصنيف للمعلومات، وهي عملية فنية دقيقةترمي إلى حماية المعلومات السرية وتأمينها من الإختراق والعبث بمحتواها أو تسريبها لغير المخولين قانونا الإطلاع عليها. كما ترمي العملية إلى تسهيل الاستفادة من المعلومات المصنفة وتداولها بين الأشخاص والمؤسسات وحتى الدول التي تخولها عملية التصنيف هذه الإمكانية. وتنصب عملية التصنيف في العادة على أنواع المعلومات الأمنيةالمختلفة المتعلقة بالأمن العسكري والأمن الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي والعلمي والتكنولوجي، وأمن القيم والأديان والأجناس ، وقواعد البيانات والمحتويات الرقمية المصنفة ذات العلاقة . وبارتباط ذلك مع ممارسة حرية الإعلام، فإن البعض يرى بوجوب أن يعرف المواطن الحقيقة عما يجري في دواليب السياسة الرسمية لئلا يفتح الباب واسعا أمام أجهزة الدولة لتفعل ما تريد خلف ستار السرية الذي تدعي حقها في العمل وراءه دون رقيب أو حسيب. بيد أن الواقع يبرز أن مبدأ مراقبة الحكومة لا يجب أن يعني أن للعموم الحق في معرفة كافة التفاصيل حول أنشطة الدولة ومستوياتها السرية، و إن كان ذلك في أكثر الدول ليبرالية، ذلك أن توجها كهذا من شأنه إلحاق الضرر الجسيم بمصالح الدولة وأمنها الوطني ونظامها العام، وبالتالي فإن الوضع الأنسب بهذا الشأن يقضي بإيجاد حدود واضحة المعالم بين حرية الإعلام والحق في الإطلاع وبين ضرورة التأمين على مجالات معينة خدمة للصالح العام وذلك بإجاد حقل للأسراروفقا لأحكام القانون. حول مظاهر العلاقة بين حرية الإعلام والمعلومات العامة الأمنية.. لا جدال في أن القوانين ذات العلاقة ، والجاري بها العمل في المغرب تمثل أهم المحددات المؤثرة على ممارسة حق الإطلاع على المعلومات ذات الصبغة الأمنية. ولعل عدم تماشي تلك المقتضيات القانونية مع المعايير الديموقراطية للحق في الإطلاع على المعلومات العامة عموما ، يرجع إلى مخلفات وتراكمات أدت إلى ارتفاع إحساس السلطات العامة بالهواجس الأمنية وأدت بالتالي إلى خلق ذهنية سلبية متبادلة بين المنظومة الإعلامية والدوائر الرسمية ولا سيما تلك المتعلق نشاطها بالقضايا الأمنية. فمن الناحية القانونية يمكن رصد استمرار العمل لحد الان بالمادة 18 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية التي تتحدث عن واجب الموظف العمومي في المحافظة على السر المهني، ولا تحدد هذه المادة أي فئات من المعلومات أو الأخبار التي تعد سرا مهنيا مما يفتح المجال للإعتقاد بأن كافة المعلومات التي يتداولها الموظف بمناسبة ممارسة مهنته هي من قبيل الأسرار المصنفة التي لا يجوز كشفها للغير. إن من شأن هذا الوضع أن يقيد بشكل كبير أي حق للإطلاع على المعلومات العام بما في ذلك حق وسائل الإعلام في الوصول إلى مصادر الخبر الذي ينص عليه قانون الصحافة والنشر، ويشمل ذلك بطبيعة الحال المعلومات والمعطيات ذات العلاقة بالمجال الأمني. إلى جانب ذلك تغفل القوانين بيان تعريفات واضحة للمعلومات السرية المصنفة والتي يفترض أن تشكل الاستثناء على الحق في الإطلاع، حتى أن المادة 187 من القانون الجنائي، وهي النص الوحيد الذي يعطي تعريفا لما يسمى بسر الدفاع، لم تحدد أي مضامين واضحة المعالم لمجموعة المعلومات العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية والصناعية السرية التي تشير إليها وتعاقب على كشفها،الشئ الذي فتح الباب واسعا للتقديرات والتأويلات. إن هذه الوضعية القانونية التي تجعل من الحق في الوصول إلى المعلومات العامة استثناءا يرد على قاعدة السر المهني وليس العكس، قد تكون نتيجة لأسباب مختلفة، لكن النظرة السلبية المتبادلة بين الإعلاميين والرسميين بما فيهم الأمنيون، قد تكون أحد أهم تلك الأسباب، فوفقا لبعض الدراسات ، يعتقد الإعلاميون بأن العاملين في المجال الأمني متعالون ونرجسيون ويعتقدون بأن الكثير من قضايا الصالح العام هي مسائل أمنية بحتة ، لذلك فهم يمتنعون عن إمداد رجال الإعلام بالمعطيات ، وهم حذرون بشكل مبالغ فيه في التعامل مع الإعلام والإعلاميين، وفي المقابل، يعتقد الأمنيون أن الإعلامين تدخليون أكثر مما يلزم، وهم كثيرا ما يعرقلون السير العادي للمرافق الأمنية ويميلون غالبا إلى كشف الأخطاء أكثر مما يتحدثون عن الإنجازات ، إنهم فضائحيون يهتمون بتحقيق الإثارة والسبق الصحفي أكثر مما تهمهم المصلحة العامة وهم بالتالي لا يتحلون بروح المسؤولية خلال ممارستهم لمهنتهم. إن وضعية العلاقة بين المجال الأمني والمعلومات الأمنية وبين ممارسة حرية الإعلام تستدعي ، والحالة هذه، إستدراكات عدة ، وخصوصا على المستوى القانوني، لجعل وضعية المغرب الحديث بهذا الخصوص أكثر مسايرة للخصائص والمعايير الديموقراطية. من أجل دمقرطة الحق في الإطلاع على المعلومة الأمنية.. تبدأ عملية دمقرطة الحق في الأطلاع على المعلومات ذات الطبيعة الأمنية، بإيجاد شروط موضوعيةو منطلقات قانونية ملائمة من شأنها تحييد الذهنية السلبية المتبادلة بين وسائل الإعلام والأوساط االرسمية ولا سيما تلك التي تتعاطى مع المجال الأمني والمعلومة الأمنية ويتم ذلك بضرورة أن تتحلى وسائل الإعلام بمزيد من روح المسؤولية وأخلاقيات المهنة وأن تقتنع بدورها التربوي والاجتماعي وتعمل له. ويمكن لذلك بدوره أن يتم من خلال انفتاح رجال الإعلام بشكل أكبر على المحيط الأكاديمي والتقني المتخصص بشكل قد يجعلها أكثر قابلية وكفاءة في تناول المواضيع الأمنية داخل إطار من الوعي بالصالح العام، وليس فقط القيام بالدور الإخباري وتغليب الجوانب الإثارية والدعائية. وفي المقابل يتطلب الحال تغييرا في نظرة الدوائر الأمنية إلى وسائل الإعلام و تنحية الكثير من الهواجس غير المبررة أو غير الضرورية،. من جانب آخر ، يقتضي الحال في المغرب إعادة النظر في قاعدة السر المهني والمادة 18 المبالغ فيها والتي سلفت الإشارة لها حيث أنها لم تعد تناسب المغرب وراهنية القضايا التي تطرح فيه، يتم ذلك من خلال إعتماد الحق في الإطلاع على المعلومات العامة كقاعدة من شأنها أن تسمح للمنظومة الإعلامية بمناقشة وتقييم القضايا العامة وبالمشاركة بفاعلية أكبر في خدمة الصالح العام. وفيما يرتبط بالمعلومات الأمنية، لا مناص من العمل على التحديد القانوني الدقيق والمفصل لفئات المعلومات المصنفة والتي تمثل استثناءات على الحق في الإطلاع بشكل يقيم حدودا واضحة بين ممارسة حرية الإعلام وبين ضرورات التكتم التي تحتمها مصلحة الدولة ونظامها العام . ويمكن بهذا الشأن إنشاء جهاز وسيط مهمته التحكيم في هذا المجال و في كافة ما يخص الحق في الإطلاع وتشكل مبادئ إعلان جوهانزبرغ مرجعية دولية تحظى بالإعتراف والإنتشار الواسع، وهي توصي بإن تكون التحديدات القانونية وأصناف وفئات المعلومات الأمنية المفصلة ضرورية في مجتمع ديموقراطي. إلى ذلك يتوجب حماية الصحفي والحد من العقوبات السالبة للحرية، كما ينبغي لإعمال المعايير الديموقراطية الحفاظ على حق الصحفي في حماية سرية مصادره إلى أقصى الحدود وترك إي إستثناء بموجب ذلك بين يدي السلطة القضائية دون غيرها و على ألا تتعسف هذة الأخيرة في هذا وتجعله في أضيق الحدود إعمالا للمصلحة العامة.