بعد أربعة أيام فقط من أحداث العيون الأليمة، التي وقعت في الثامن من نونبر الجاري، انطلقت الدورة 14 للمفاوضات، التي ترعاها اللجنة الأممية الخاصة بالإرهاب. ومن المقرر أن تمتد هذه المفاوضات، من 12 نونبر إلى 16 أبريل المقبل. وعندما نقف على ما حدث في العيون، سنجد أنه يتطابق مع ما تنهى عنه المعاهدتان اللتان هيأتهما اللجنة الأممية الخاصة بالإرهاب، بالإضافة إلى قراري مجلس الأمن رقم 1373 لسنة 2001، ورقم 1624 لسنة 2005. ما ورد في مقال أحد الإعلاميين والدبلوماسيين السابقين، المغربي سعيد الوافي، المنشور في موقع "هيسبريس"، تحت عنوان "المحكمة الدولية للتحقيق في جرائم العيون"، هو عين العقل، لأنه إذا ما تأكدت الأخبار المتداولة حاليا في وسائل الإعلام، التي تقول بتورط أربعة عناصر من الاستخبارات الجزائرية، بالإضافة إلى عنصرين من التشاد، في الأحداث التي وقعت يوم الثامن من نونبر بمدينة العيون، فإن ملف الصحراء، الذي بت فيه مجلس الأمن الثلاثاء 17 نونبر الجاري، يجب النظر فيه من خلال تطبيق المعاهدات، التي أشرفت اللجنة الأممية الخاصة بالإرهاب على تهييئها وتقديمها للجمعية العامة، التي صادقت عليها. فكرة تهييء معاهدة عامة حول الإرهاب انطلقت، يوم 17 دجنبر من سنة 1996، وانبثقت عنها ثلاث معاهدات دولية، الأولى تخص العمليات الإرهابية بالمتفجرات، أما الثانية فتخص تمويل الإرهاب، في حين تتعلق الثالثة بالأعمال الإرهابية النووية. وبالإضافة إلى هذه المعاهدات الثلاث، أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1373 لسنة 2001، والقرار 1624 لسنة 2005. قرار مجلس الأمن رقم 1373 لسنة 2001، يؤكد أنه "من واجب كل دولة عضو أن تمتنع عن تنظيم أي أعمال إرهابية في دولة أخرى، أو التحريض عليها، أو المساعدة، أو المشاركة فيها، أو قبول أنشطة منظمة في أراضيها تهدف ارتكاب تلك الأعمال". القرار 1373 لسنة 2001 يتصرف، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، ويقرر أن "على جميع الدول منع وقف تمويل الأعمال الإرهابية". وفي حال إثبات تورط استخبارات الجيش الجزائري ومليشيات جبهة البوليساريو في الأعمال الإرهابية، التي مست الأرواح البشرية والمنشآت العمومية بمدينة العيون، وفي حال تفعيل القرار 1373 لسنة 2001، الصادر عن مجلس الأمن، سيترتب عنه تطبيق الفقرة (ج) من القرار، التي تؤكد "القيام دون تأخير بتجميد الأموال أي أصول مالية أو موارد اقتصادية لأشخاص يرتكبون أعمالا إرهابية، أو يحاولون ارتكابها أو يشاركون في ارتكابها، أو يسهلون ارتكابها، أو لكيانات يمتلكها أو يتحكم فيها بصورة مباشرة أو غير مباشرة هؤلاء الأشخاص وكيانات تعمل لحساب هؤلاء الأشخاص، والكيانات أو بتوجيه منهم، بما في ذلك الأموال المستمدة من الممتلكات التي يمتلكها هؤلاء الإرهابيون ومن يرتبط بهم من أشخاص، وكيانات أو الأموال التي تدرها هذه الممتلكات". ويعود آخر بيان صدر لرئيس مجلس الأمن يخص الإرهاب، إلى يوم 27 شتنبر 2010، إذ ورد فيه "يؤكد مجلس الأمن من جديد مسؤوليته الرئيسية عن صون السلام والأمن الدوليين، وفقا لميثاق الأممالمتحدة. ويلاحظ مجلس الأمن، مع القلق، أن الإرهاب ما زال يشكل تهديدا خطيرا للسلام والأمن الدوليين، والتمتع بحقوق الإنسان، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية لجميع الدول الأعضاء، ويقوض الاستقرار، والازدهار العالميين، وأن هذا التهديد أصبح أكثر انتشارا، حيث ازدادت الأعمال الإرهابية في مختلف مناطق العالم، بما فيها الأعمال التي ترتكب بدافع من التعصب أو التطرف، ويعرب عن تصميمه على التصدي لهذا التهديد". رغم هذا التأكيد الموضوعي والصريح، الذي يخص انتشار الأعمال الإرهابية، ورغم عزم مجلس الأمن صون السلام والأمن الدوليين، فإن بعض الدول مازالت ترعى وتدعم العمل الإرهابي، كما حدث، يوم الثامن من نونبر، على إثر ذبح وقتل ما لا يقل عن اثني عشر رجل أمن وإطفائيين، حاولوا حفظ السلام والأمن المحليين. مدينة العيون، التي هي أهم حاضرة بالصحراء المغربية، هي امتداد جغرافي وطبيعي لكل الشريط الإفريقي الساحلي، وما يجتاح هذا الشريط من قلاقل يمس مدينة العيون كذلك. فالعصابات الإجرامية المشتغلة في التهريب، والهجرة السرية، وتجارة المخدرات، تتوفر على أموال طائلة وإمكانات لوجيستيكية هائلة تستطيع بواسطتها توفير فرص شغل ملوثة للعاطلين والمنحرفين. وإذا استطاعت هذه العصابات إيجاد سند من الدول المجاورة، بما فيها حتى بعض الحركات السياسية المستغلة لبعض المطالب الهوياتية المحلية، كما هو الشأن لجبهة البوليساريو، فإن هذه العصابات تحدث اضطرابات سياسية، تهدد الأنظمة السياسية القائمة، وتفسح المجال لتنظيم القاعدة، حتى يحقق في منطقة الشريط الساحلي الغربي لإفريقيا ما حققه في بلاد أفغانستان. يشار إلى أنه بموجب القرار 1535 (2004) أنشأ مجلس الأمن المديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب، لمساعدة لجنة مكافحة الإرهاب في عملها، وتنسيق عملية رصد تنفيذ القرار 1373 (2001). وتضم المديرية التنفيذية حوالي 40 موظفا، نصفهم تقريبا من الخبراء القانونيين، الذين يحللون التقارير، التي تقدمها الدول في مجالات مثل صياغة التشريعات، وتمويل الإرهاب، ومراقبة الحدود والجمارك، والشرطة وإنفاذ القانون، وقوانين اللاجئين والهجرة، وتهريب الأسلحة والأمن البحري وأمن النقل. كما تضم المديرية، أيضا، موظفا رفيع المستوي مختصا بحقوق الإنسان. إن هذه المديرية إذا ما انكبت على تقييم أحداث العيون الأليمة ليوم الثامن من نونبر، فإنها ستستخلص لا محالة وجود قرائن سلوكية، وأعمال إجرامية، تشبه بشكل كبير تلك التي تحدثها بعض الفصائل الإرهابية الموجودة في الصومال والجزائر. تنقسم المديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب إلى قسمين: مكتب التقييم والمساعدة التقنية، الذي ينقسم بدوره إلى ثلاث مجموعات جغرافية، لتمكين الخبراء من التخصص في مناطق معينة من العالم، ومكتب الشؤون الإدارية والإعلامية. بالإضافة إلى هذا، هناك خمسة فرق تقنية تعمل أفقيا من خلال مكتب التقييم والمساعدة التقنية، لتحديد القضايا والمعايير اللازمة لإجراء التقييمات في مجالات خبرتها التقنية المحددة، ثم نشرها من خلال المجموعات الثلاث. ويتناول كل فريق من هذه الفرق أحد المجالات التالية: المساعدة التقنية، وتمويل الإرهاب، ومراقبة الحدود، وتهريب الأسلحة، وإنفاذ القانون، والمسائل القانونية العامة، بما في ذلك التشريعات، وتسليم المطلوبين والمساعدة القانونية المتبادلة، فضلا عن جوانب حقوق الإنسان المتعلقة بمكافحة الإرهاب في سياق القرار 1373 لسنة 2001. المفاوضات، التي انطلقت يوم الجمعة 12 نونبر 2010 بهيئة الأممالمتحدة، والتي ستدوم إلى يوم 16 أبريل المقبل، تخص عملية تهييء معاهدة عامة حول الإرهاب، في هذه المفاوضات كل دولة تدلي بدلوها في ما يخص قضية التعريف بالإرهاب ومحاربته. يوم 12 نونبر تدخل ممثل الدولة الإسبانية باسم الاتحاد الأوروبي، وأكد ضرورة تقارب وجهات النظر، وبعده تدخل ممثل الدولة الجزائرية وألح على ضرورة "تجفيف ينابيع تمويل الجماعات الإرهابية"، كما تدخل ممثلو مجموعة من الدول، منهم من ألح على عدم ربط الإرهاب بديانة ما، وهناك من تدخل وألح على ضرورة عدم تناقض المعاهدة العامة الدولية حول الإرهاب المرتقبة مع القانون الدولي. بعد هذه التدخلات، جرى وضع مقترح يخص عقد ندوة دولية من أعلى مستوى حول الإرهاب. وكل الدول صادقت على هذا المقترح باستثناء إسبانيا، واليابان وغانا.