لم تمكن المحادثات التي جرت بين المغرب وجبهة البوليساريو، خلال الاجتماع الثالث التحضيري للجولة الخامسة من المفاوضات غير الرسمية حول الصحراء، التي انعقدت بمدينة مانهاست الأمريكية يومي 8 و9 نونبر الحالي، من تحقيق أي اختراق في جدار نزاع استمر لما يربو عن 35 سنة. إذ بعد توقف دام أزيد من 10 أشهر، شهدت فيها قضية الصحراء تطورات عدة، لكنها لم تمس المواقف الجوهرية للأطراف، بعدما ظلت البوليساريو، ومن ورائها الجزائر، متمسكة بمطلب الاستفتاء كحل، وهو ما اعتبره الطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية والتعاون، محاولة من البوليساريو للتهرب من مسؤولياتها وإعطاء أهمية مبالغ فيها لبعض الأحداث، دخل الطرفان معا في مفاوضات جديدة. ولم تنجح الدورات الأربع السابقة التي عقدت برعاية الأممالمتحدة في مانهاست قرب نيويورك منذ يونيو 2007، واللقاءان غير الرسميين، اللذان انعقدا على التوالي في دورشتاين قرب فيينا في غشت 2009 وبآرمونك قرب نيويورك في فبراير 2010، في تقريب وجهات النظر بين الجانبين حول مستقبل الصحراء. وبالرغم من تأكيد كريستوفر روس، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، أن الاجتماعين المرتقب عقدهما في دجنبر القادم ومطلع السنة المقبلة سيعقدان «وفق مقاربة جديدة بهدف خلق مناخ ملائم لإفراز تقدم»، دون أن يكشف شيئا عن آلياتها، يرى عضو في المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، تحفظ عن ذكر اسمه، أن «المفاوضات غير الرسمية بين المغرب والبوليساريو لا يمكن أن تحقق أي اختراق، لأن ثمة عاملا مؤثرا لا يساعد على تحقيق ذلك، وهو أن البوليساريو، التي تعتبر طرفا أساسيا في المفاوضات، لا تتمتع بأي استقلالية عن القرار الجزائري، مشيرا إلى أنه «ما دامت الجزائر لا تسعى في الوقت الراهن إلى حل لقضية الصحراء، فإنه من المستبعد حصول أي تقدم في مسار المفاوضات حتى في الجولتين المقبلتين من المفاوضات في دجنبر القادم ومطلع السنة القادمة». وحسب عضو المجلس الملكي، فإن البوليساريو حاولت لعب ورقة أحداث الشغب، التي كانت مدينة العيون مسرحا لها، من أجل التأثير سلبا على أجواء المفاوضات وإفشالها قبل بدايتها، لكن دون أن تنجح في مسعاها، مشيرا إلى أن ما ستكشف عنه الأيام القادمة من «تورط للجزائر والبوليساريو في أحداث مخيم سيؤدي إلى تصاعد المواجهة سياسيا ودبلوماسيا بين المغرب والبوليساريو، ومن خلفها الجزائر، مما يهدد بفشل المفاوضات القادمة». من جهته، يعتبر سعد الركراكي، أستاذ القانون الدولي والمتخصص في العلاقات الدولية، في تصريحات ل«المساء» أنه ما دامت الجزائر متمسكة بموقفها وتستخدم البوليساريو كفزاعة ووسيلة لتحقيق مآربها السياسية، لن يحدث أي اختراق دبلوماسي في قضية الصحراء المغربية. ويوضح الركراكي أن الجولة الجديدة من المفاوضات غير الرسمية أظهرت أن أطراف النزاع ما زالت متمسكة بمواقفها الرسمية، وأنه ليست هناك إلى حد الساعة بوادر لحدوث تغيير في تلك المواقف، خاصة من طرف الجزائر، معتبرا أن اتفاق الأطراف خلال جولة المحادثات غير الرسمية الثالثة بضواحي نيويورك على الاستئناف الفوري للزيارات العائلية عن طريق الجو وكذلك عن طريق البر، الناتج عن ضغوط جمعيات ومنظمات حقوقية وإنسانية دولية، لا يمكن أن يعد اختراقا دبلوماسيا أو سياسيا. ويرى أستاذ القانون الدولي والمتخصص في العلاقات الدولية أن المغرب مطالب في ظل تشبث البوليساريو، ومن ورائها الجزائر، بمواقفها التقليدية بأن يلعب كل الأوراق التي يمتلكها، وفي مقدمتها ورقة الإرهاب وتهريب السلاح والمخدرات التي ثبت أن للبوليساريو يدا فيها. ويضيف الركراكي: «ما يثير استغرابي هو أن المغرب إلى حد الساعة لم يستغل ورقة الإرهاب وتهريب السلاح والمخدرات في صراعه مع البوليساريو لتلطيخ سمعته، على الرغم من أن منظمات كثيرة في العالم تمتلك الشرعية أكثر من الجبهة ألصقت بها تهمة الإرهاب». وفضلا عن لعب ورقة الإرهاب، يرى الركراكي ضرورة أن يولي المسؤولون أهمية كبرى للحصول على قيمة وظيفية للمغرب في المنطقة أكبر من الجزائر. من جهته، اعتبر عبد الفتاح البلعمشي، رئيس مركز الدبلوماسية الموازية، في تصريح ل «المساء» أن المرحلة الراهنة من النزاع وما عاشته الأسبوع الماضي مدينة العيون من أحداث شغب أظهرت بشكل جلي بأن النزال هو بتدبير جزائري وبتنفيذ من الانفصاليين، مشيرا إلى أنه آن الأوان لوضع شروط من أجل استمرار التفاوض مع جبهة البوليساريو. وحسب رئيس مركز الدبلوماسية الموازية، فإنه في ظل غياب أي تنازل من الطرف الآخر، يتعين أن يتعامل المغرب بأسلوب آخر بخصوص التفاوض من خلال التراجع على مستوى معين عن التنازلات التي قدمها، مشيرا إلى أن «التفاوض بدون قيد أو شرط قد يعتبر ضعفا في السياسة الخارجية، خاصة أن المغرب قدم تنازلات وعرف موقفه تطورا ملحوظا من خلال طرحه مقترح الحكم الذاتي، مقابل تمسك الطرف الآخر بجملة يكررها أينما حل وارتحل، جملة لا تكلفه حتى العناء الذهني هي «تقرير المصير»، والتي تعبر عن موقف استراتيجي أو عن كسل في التعاطي مع الحل». ويؤكد البلعمشي أن المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء لا يمتلك حاليا، بالنظر إلى تمسك الأطراف الأخرى بمواقفها، عصا سحرية تمكنه من تحقيق التقدم المطلوب في المسار التفاوضي، مما يدعو إلى استعمال مجموعة من الأوراق الرابحة التي يمتلكها المغرب وعلى رأسها الدبلوماسية الهجومية، مشيرا في هذا الصدد إلى أن بالإمكان لعب ورقة الحدود المغربية الجزائرية وقضية الصحراء الشرقية في مواجهة الجزائر التي تمسك بالكثير من خيوط الصراع في المنطقة. وفي الوقت الذي كشف المبعوث الأممي أن الاجتماعين المرتقبين بين المغرب والبوليساريو والجزائر وموريتانيا سيعقدان «وفق مقاربة جديدة» في أفق استئناف مسلسل المفاوضات التي أقرتها قرارات مجلس الأمن الدولي، يرى رئيس مركز الدبلوماسية الموازية أن فعاليات الدبلوماسية الموازية مطالبة في الوقت الراهن، الذي يتميز بمحاولة روس الاجتهاد لإخراج المفاوضات من المأزق الذي توجد فيه، بمساعدته في هذا الصدد من خلال منحه معطيات تساعده في تدبيره الملف من خلال إبراز حقيقة ما عرفته مدينة العيون من أحداث وأن التدخل الأمني كان سلميا ولم يستعمل فيه الرصاص، كما تروج لذلك أبواق الدعاية الجزائرية والإعلام الإسباني.