بنوع من الفخر نتذكر الماضي الجميل ،عندما كانت الأم تضع لوحة الخبز أمام باب المنزل ،وقبل أن تصل إلى المطبخ، تكون اللوحة قد وصلت إلى الفرن.مشهد لن نراه في أي بلد من بلدان العالم إلا في بلدنا الحبيب وأعتقد بأنه يقتصر فقط على الأحياء الشعبية كالمتواجدة بمدينة وجدة. أود في مقالي هذا أن أتحدث عن الفرن أو )الفران( ،كما تنطق الكلمة باللغة المغربية ، فالأمانة تقتضي منا ،نحن جيل الستينات والسبعينات وما قبلهما، أن نقوم بالتأريخ له ،لأنه لم يكن فقط مجرد مكان لطهي الخبز والحلويات في الأعياد و المواسم بل كانت له مأرب أخرى قد يجهلها شباب اليوم والجيل الذي سيليه. بنوع من الفخر نتذكر الماضي الجميل ،عندما كانت الأم تضع لوحة الخبز أمام باب المنزل ،وقبل أن تصل إلى المطبخ، تكون اللوحة قد وصلت إلى الفرن. مشهد لن نراه في أي بلد من بلدان العالم إلا في بلدنا الحبيب وأعتقد بأنه يقتصر فقط على الأحياء الشعبية كالمتواجدة بمدينة وجدة. في هذه الفترة كان من الاستحالة على أي شخص، أن يمر من أمام باب منزل وضعت به لوحة خبز، ثم يتابع طريقه غير مبال أو مكثرة ، بل الواجب والتربية يحتمان عليه بأن يحملها إلى فرن الحي . تواجد الفرن المنزلي جعل أغلب الناس يستغنون عن خدماته، إنما في الماضي كان السكن في أي منزل رهين بقربه من الفران ،الحمام والمسجد . بين حيطانه ولدت مجموعة من العلاقات الغرامية التي توجت أغلبها بالزواج، وليس غريبا أن تسمع من أفواه بعض الأزواج وهم يعترفون بأنهم تعرفوا على زوجاتهم لأول مرة بهذا الفضاء ،مما جعل علاقتهم تبقى ملتهبة ودائمة. في السابق كان تواجد أحد الشبان المستمر بالفرن ،يفسر على أنه أصيب بداء الحب ،حيت تبتدأ القصة بتبادل النظرات ، لتمر إلى تبادل الرسائل وتتوطد لتليها إلى تبادل كلمات الحب والهيام ، وتنتهي نهايتها الطبيعية بإقامة عرس تقليدي يحضره أغلب سكان الحي، إلا )الفرارني (هذا الشخص )السوبر مان( الذي لديه القدرة على تحمل لهيب النار صيفا وشتاءا ،ويمتاز بذاكرة قوية وخاصة عندما يخرج الخبز من الفرن ويلقي به إلى مساعده محددا رقم المنزل )هدا خبز العياشي الدار رقم 17 (. الفرارني مصدر معلومات موثوق به ، لديه عنوان أي عائلة تعذر على شخص غريب عن الحي الوصول إليه، وليس فقط العنوان بل قد يزوده بمعلومات إضافية عن عدد أفرادها ومن مات ومن لازال على قيد الحياة ، ومن زارهم الشهر الماضي ، من يتحكم في مصروف البيت الزوج أم الزوجة،من يشتغل ومن العاطل،من هاجر إلى الخارج ومن عاد،يكفي أن تهز ذاكرته بالسؤال لكي تتساقط عليك المعلومات رطبا جنيا. عدد كبير من الآباء يلجئون إلى خدماته للتحري عن عائلة من ساكنة الحي بغرض الارتباط بها ،فيجدون لديه الخبر اليقين الذين يبنون عليه قرار رفضهم أو قبولهم منح ابنتهم كعروس. في مثل هذه الحالات يكون جواب الفرارني دائما مقتضب ولا يتجاوز جملتين ،غالبا ما يكون إما )هدوك الناس الله يعمر ليهم الدار ( بعده يتوكل الأب على الله ويهب ابنته وهو مطمئن البال. أما جملة ) أش غدي نكول ليك ،ناس مزيانين ما بيهمش( تليها التفاتة سريعة إلى موقد النار، لقطة يستوعب السائل جيدا معناها ،فهي بمثابة دعوة للتريث و إعادة النظر في الطلب ،و يكون من الأحسن لو يتم رفض الزيجة من الأساس. و إذا كانت مكة أدرى بشعابها فان )الفرارني( أدرى الناس بسكان حيه، وجملة ) فران وقاد بحومة( لم تأتى من فراغ بل لها مدلولها المجازي التي تعني الكثير، و حتى معناها الأصلي لا يمكن نفيه ، فمهما تعددت ألواح الخبز وكثرت فإنها كلها تكون جاهزة قبل الظهر . ذ. يوسف كرمي عن رواية (النائبة البرلمانية المحترمة أمي) @@@@@@@@@@@@@@@ وتعليق مجهول إلى ذاكرتي مشاهد جميلة عن الفران والفرارني لكن لدي مشهد آخر من مشاهد الفرن لايتاح للجميع رؤيته وهو مشهد فرن السجن الذي لا يختلف عن فرن الحي إلا من حيث اختلاف العلاقات الانسانية ففرارني السجن وهم متعددون بتعدد الورديات التي تتناوب عليه لا يعرف خبز العياشي أو أحمد، ولا يعرف بنت فلان ودار علان بقدر ما يعرف خبز العسة وخبز الباترون وخبز البزناس الفلان فلاني ومايرميه في بيت النار كي ينضج هو شبيه بالدقائق المرة والساعات الملتهبة في روحه وجسده ، يرمي آلاف الخبزات ويعدها لكي لا يضطر لعد ما تبقى من أيامه. .......................................... الصورة للوزير غلاب " يطرح" الخبز في فران شعبي بمقاطعة سباتة حيث كان يخوض حملته الانتخابية