الحل الوسط التاريخي مكن البلاد من تحقيق مكتسبات وإصلاحات أساسية في سياق مواكبتها للتحضيرات الجارية لعقد المؤتمر الوطني الثامن لحزب التقدم والاشتراكية، وتعزيزا لاستراتيجية التواصل الخارجي والداخلي للحزب، نظمت جريدة بيان اليوم. يوم الخميس 10 ماي 2010 بالمكتبة الوطنية بالرباط، لقاء تواصليا مع الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية الأستاذ اسماعيل العلوي على شكل جلسة حوارية أدارها رئيس التحرير الزميل الحسين الشعبي، وساهم في تنشيطها كل من الزميلة نرجس الرغاي من جريدة ليبيراسيون، والزميل طلحة جبريل من يومية الشرق الأوسط، والزميل محمد ياسين عضو هيئة تحرير بيان اليوم. وفيما يلي ننشر أطوار ومضامين هذا اللقاء التواصلي: الحسين الشعبي: أشكركم باسم جريدة بيان اليوم لحضوركم هذا اللقاء التواصلي مع إسماعيل العلوي الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، الذي تنظمه جريدة بيان اليوم عشية المؤتمر الوطني الثامن للحزب. هذا اللقاء ارتأينا أن نعقده مباشرة مع الأمين العام على أساس أن نستثمر هذه اللحظات الجميلة من أجل تناول بعض القضايا الأساسية التي ستطرح للمداولة والنقاش داخل فعاليات مؤتمرنا الثامن. ارتأينا أيضا تنظيم هذا اللقاء بهذه الطريقة الحوارية بين قيادة حزب التقدم والاشتراكية في شخص الأمين العام مع زملاء وزميلات في الصحافة الوطنية والدولية، ولعل هذه الطريقة الحوارية ستتيح إمكانية التواصل المباشر الذي ينطوي على كثير من الجرأة الصحفية وعلى كثير من الصراحة والأسئلة الحقيقية والشائكة المطروحة في مغرب اليوم وفي رهانات اليوم. مولاي إسماعيل العلوي الذي قاد حزبنا لمدة طويلة وبكفاءة عالية، والذي جرب بحنكة وعن قرب الممارسة السياسية اليومية والقيادة السياسية إلى جانب فريق من المناضلين سواء في القيادة الحزبية أو في القواعد، نريد اليوم أن نستغله لنثير لسانه ونجلب منه الأخبار التي تهمنا نحن كصحافيين، ولا نريد لهذا اللقاء أن يتحول إلى منتدى حزبي أو نقابي أو فكري، بل اخترنا هذا الاختيار على أساس أن يكون لقاؤنا مع الأمين العام مهنيا تواصليا نتوخى من خلاله إرسال خطابات إلى الرأي العام وإلى الجمهور الواسع وأيضا إلى الحياة الداخلية لحزب التقدم والاشتراكية. في هذا الإطار دعونا الزميلة نرجس الرغاي من جريدة ليبيراسيون، الزميل طلحة جبريل من الشرق الأوسط والزميل محمد ياسين من بيان اليوم لمحاورة ومناقشة ضيف اللقاء. وجهنا الدعوة أيضا إلى عدد من الصحافيين وبعض الشخصيات السياسية والثقافية وبعض أطر الحزب بالرباط والدار البيضاء لتتبع أطوار هذا اللقاء، والذين لبوا دعوتنا مشكورين. إذن كما تتبعتم جميعا، فحزب التقدم والاشتراكية يعيش هذه الأيام على إيقاع العد العكسي لعقد مؤتمره الوطني الثامن، هذا المؤتمر ستثار فيه عدة قضايا، أساسا قضايا سياسية مرتبطة بأطروحات الحزب، وقضايا تتعلق ببرنامجه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وأسئلة حول الهوية الاشتراكية للحزب وسؤال الهيكلة والتنظيم من قبيل أي حزب نريده اليوم؟ وجدوى العمل السياسي، وعلاقة المواطنين بالحياة السياسية، هذه القضايا كلها ستطرح في المؤتمر بالإضافة إلى الهاجس التنظيمي الكبير المرتبط بإعادة هيكلة الحزب من جديد، من مكتب سياسي ولجنة مركزية وقيادة الحزب بصفة عامة، اليوم نكاد نكون على وشك الانتهاء من جزء كبير من التحضيرات التنظيمية : المؤتمرات الإقليمية والمنتديات الحزبية والنقاشات العمومية لوثائق المؤتمر، كل ذلك بطريقة متوازية يدخل ضمنها هذا اللقاء التواصلي مع إسماعيل العلوي الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية. لا أريد أن أطيل، وأكتفي بهذه الفرشة التقديمية لهذا اللقاء، وأريد كذلك في البداية أن أطلب من إسماعيل العلوي أن يقدم لنا بدوره لمحة عن الإعداد للمؤتمر، خاصة وهو يعيش هذا المؤتمر جسديا وروحيا وفكريا، وتقديم عرض تمهيدي موجز يبرز من خلاله أراء ومواقف الحزب من الوضع السياسي العام، كمدخل لأسئلة الصحفيين في وقت لاحق. إسماعيل العلوي: حري بي بهذه المناسبة، أن أعيد التأكيد على نقطتين أو ثلاث؛ أولا، فيما يخص الوضع السياسي العام، فقد سبق لي أن وصفته في أحد اللقاءات الصحفية، بالوضع السريالي، وإني أعيد التأكيد على ذلك التوصيف، فبلادنا تمر من مرحلة غريبة في الواقع، ومن دون شك، فإن الملاحظين والمتتبعين في الداخل أو الخارج، يؤكدون على هذا الجانب، فلا وجود لمعارضة بكل ما للكلمة من معنى، كما ليس هنالك من أغلبية ملتزمة، وبالتالي، فإن المرء يجد نفسه في نوع من الحيرة في ضبط المعطيات السياسية التي تهم الوطن، ونتيجة لهذا الأمر، يمكن القول بأننا نمر من منعرج خطير وبالتالي، فهذه الخطورة تفرض على كل الفاعلين السياسيين بدون استثناء، سواء أكانوا من هذا الطرف أو ذاك، أن يتقنوا تدبير تجاوز هذا المنعرج حتى لا تجد بلادنا نفسها في أزمة من الأزمات الممكنة على جميع المستويات؛ أزمة سياسية، اقتصادية، اجتماعية وثقافية. وهذا ما دفعنا منذ الإعلان عن نتائج انتخابات 2007، وانتخابات 2009، إلى ضرورة بسط تصورنا أمام الفاعلين السياسيين والرأي العام، بكل تواضع، عسى أن يكون هنالك حوار جاد ومعمق يصل بنا إلى تصور عام وكامل يضمن لبلادنا الاستمرار في الاستقرار والتطور على جميع المستويات، لأننا أخذنا نلاحظ الآن، أن الكساء الذي نراه في جميع المستويات، لم يعد ملائما مائة في المائة للجسد المغربي، وهذا ليس مستنتجا فقط مما نراه من ظاهرة العزوف التي طبعت الانتخابات التشريعية والجماعية، وإنما من أشياء كثيرة أخرى ستأتي من دون شك في سياق الحديث، وبالتالي علينا أن ننكب على هذا الكساء من أجل توسيع حجمه حتى يتلاءم مع طموحات شعبنا، ومقتضيات عصرنا. أظن أنه بعد مرور عقد من الزمن، يجب علينا التساؤل ووضع المكتسبات في الميزان، لأن وضعها في الميزان سيؤدي بنا إلى خلاصات تختلف من فئة إلى أخرى، ومن شخص إلى آخر، ولكن من المجمل، لابد أن نعترف بأن وطننا بفضل كفاح شعبنا بالأساس، استطاع أن يحقق تقدما ملحوظا في مستويات مختلفة، ولكن هذه الوتيرة التي شهدناها خلال العقد الأخير، لم تعد كافية لمسايرة الطموحات لا على المستوى السياسي العام المتعلق بالمؤسسات، ولا على مستوى الحريات ولا على مستوى الاقتصاد، فيما يخص الأوراش الكبرى التي أخذت طريقها، وكذلك على المستوى الاجتماعي رغم كل ما حققته الشغيلة في بلادنا، إذ لم تبق هذه المكتسبات كافية، ولابد أن نجد طرقا أخرى للاستجابة لهذه الاحتياجات سيما أن ذلك يقع في فترة دقيقة على المستوى العالمي، إذ لا بد أن نضع نصب أعيننا، الأزمة العالمية التي ستزداد تفاقما في الشهور المقبلة، وهذا يفرض علينا في نفس الوقت، إيجاد حلول تلائم احتياجات المواطنين العاملين في إنتاج الثروة، علما، وأريد أن أؤكد على ذلك، أن جزء ممن ينتج الثروة لا يوجد ضمن إطار النقابات. أما في الجانب الثقافي، فقد اطلعتم من دون شك على نداء أخينا، عبد اللطيف اللعبي، الذي ينادي بضرورة الانكباب على تنظيم اجتماعات واسعة للثقافة، وإعداد ميثاق وطني ثقافي بعد ذلك، ونحن معه نسعى إلى ذلك، وقد راسلته ووقعنا على ندائه لأن مثل هذا الجانب، لا يجب نسيانه. وبخصوص هوية الحزب، فإني أعتقد أن ذلك معروف لدى الجميع، هوية اشتراكية، هوية منفتحة على الواقع المعيش، وليس على الدوغمائية أو بعض النظريات المتجاوزة، فنحن اشتراكيون بالمفهوم الملائم بالنسبة لمجتمعنا وبالنسبة للفترة التي نمر منها، طبعا ما زلنا، بعيدين للأسف، عن إمكانية إنشاء مجتمع اشتراكي بالمفهوم الصحيح. ولا أظن أنه في العالم، هنالك مجتمع وصل إلى هذا المستوى لا في الصين ولا في كوبا، وبالأحرى في دول أخرى. ولكن لا بد أن يبقى هذا الهدف نصب أعيننا حتى نجتهد بطرق مختلفة وبأساليب متعددة حتى نصل إلى تشييد هذا الصرح، لبنة لبنة، لا على المستوى الاقتصادي ولا على المستوى السياسي، الاجتماعي والثقافي. بالإضافة إلى هذا، أريد أن أقول بأن حزبنا بعد كل ما حصل في 2007، بادر إلى جمع ندوة وطنية نتج عنها نداء أو وثيقة سميناها بالتعاقد السياسي الجديد، وهنا أريد أن أرفع لبسا، إذ عندما نتحدث عن التعاقد السياسي الجديد، فهذا لا يعني أبدا أننا نطالب كل الفاعلين والفرقاء الذين ينشطون في الحقل السياسي أن يوقعوا على وثيقة ما، أبدا، نحن نتصور هذا الأمر كما تصوره روسو في العقد الاجتماعي، فهذا العقد يطرح هذه القضايا التي أشرت إليها سابقا، وبذلك، نناشد كل القوى الحية في البلاد لتجتمع وتنظر في هذا الأمر، وليس بالضرورة حول مائدة مستديرة، رغم أن ذلك سيكون محبذا بالنسبة لليسار، ولكن على الأقل، عليها أن تفكر في هذه المواضيع وأن نتقدم بطروحات قابلة للتفعيل في كل المستويات التي أشرت إليها. الحسين الشعبي: شكرا الأستاذ اسماعيل العلوي على هذا التقديم المختصر، الذي سيشكل الأرضية التي سينطلق منها الزملاء الصحفيون في أسئلتهم، وأود إذا سمحتم أن نبدأ بالمحور السياسي، وخصوصا بمضامين وأطروحات حزب التقدم والاشتراكية الواردة في الوثيقة السياسية المعدة للمؤتمر، ويمكنكم إثارة أسئلة مباشرة في هذا الموضوع. طلحة جبريل: السيد الأمين العام، بالتأكيد سوف تناقشون خلال مؤتمركم الثامن، إلى أي مدى كانت مشاركتكم في الحكومة، قد أدت إلى نتائج أو لم تؤد إلى نتائج، فإذا كان التقييم سلبيا حول هذه المشاركة، هل تتوقعون انسحاب حزبكم من هذه الحكومة؟ إسماعيل العلوي: هذا السؤال يطرح كلما تحملت هيئة سياسية مسؤولية المساهمة في تدبير الشأن العمومي، إذ لا بد أن تسائل نفسها بشكل منتظم بشأن جدوى هذا القرار. لكن بالنسبة لنا، ولا شك أنكم اطلعتم على الوثيقة التي ستعرض على المؤتمر، نحن نعتبر مساهمة حزبنا في هذه الحكومات المتعاقبة منذ حكومة التناوب لسنة 1998، أنها كانت إيجابية، ليس فيما يخص القطاعات التي دبرنا شأنها فحسب، ولكن بالنسبة إلى الاختيار العام الرامي إلى تكريس ما نظرنا له قبل حدوثه، وهو التوافق الذي نسميه نحن بالحل الوسط التاريخي. طبعا هذا لم يكن ابتكارا خالصا للحزب، لكن تفعيله بالمغرب وقع بطريقة لم تحدث حتى في إيطاليا على سبيل المثال. وبالتالي نعتبر أن الحل الوسط التاريخي يجب أن يستمر لأننا نعيش في ظروف عصيبة وخطيرة جدا سواء على المستوى العالمي أو على المستوى الإقليمي، فنحن ما زلنا مهددين برفض حكام الجزائر قبول الواقع وقبول فكرة أن الشعب المغربي الذي احتلت أراضيه على مراحل، يستطيع تحريرها على مراحل أيضا. ومن دون شك، فإن لديهم أسباب داخلية لفعل ذلك، أسباب مبنية على الخوف من ضم المغرب للأجزاء التي ضمتها فرنسا إلى الجزائر، لكن يجب عليهم تجاوز هذا الخوف في نظري، لأنه ليس من الوارد دخولنا في شجار ولا في معركة حربية معهم، وذلك، من أجل الوصول إلى ما كانت تنادي به الفعاليات السياسية في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات. إذن حتى أكون موجزا، فمشاركتنا لها فائدتها الكبرى، بالنسبة إلى مصير أمتنا ووطننا، غير أننا مع ذلك، نعتبر مساهمتنا مقيدة بقيود لا زالت واردة، لكن مع ذلك كانت إيجابية بل وإيجابية جدا. نرجس الرغاي: أريد أن أعود السيد اسماعيل العلوي إلى قضية التوافق لقد كان حزب التقدم والاشتراكية دائما وأبدا أحد المدافعين الأشداء عن التوافق الذي ساهم التناوب ممكنا، إلا أن العديد من الملاحظين يرون اليوم أن التوافق استنفذ اليوم. هل تعتقدون اليوم أن التوافق يمكن أن يكون صالحا كنمط للحكم في الوقت الراهن؟ اسماعيل العلوي: أولا أنا لم أتحدث عن التوافق وإنما عن الحل الوسط التاريخي. وهما مصطلحان يختلفان تماما عن بعضهما البعض. وقد أعلنت في الأيام القليلة الماضية أن الحل الوسط التاريخي مكن من تحقيق مكتسبات وإصلاحات أساسية، ولنا في ذلك العديد من الأمثلة. نرجس الرغاي: بالرغم من أن بعض القوانين يتم المصادقة عليها بالتوافق اسماعيل العلوي: إذا كنت تتحدثين عن البرلمان، فهذا أمر طبيعي، أن تسود روح التوافق داخل مكونات الأغلبية الحكومية في المصادقة على القوانين المعروضة أمام البرلمان بحكم تواجد أحزاب تتفق على برنامج الحكومة، وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال التشكيك في ذلك. ولكن عندما يصادق البرلمان بكل مكوناته على نص قانوني فهذا يدخل في باب التوافق الكلي ولا يمكن أن ينطبق دائما على كل القوانين التي يصادق عليها البرلمان. وعودة إلى القضية السابقة فأنا قلت أن لنا أمثلة في الإصلاحات التي تحققت بفضل الحل الوسط التاريخي، وخير مثال على هذه الإصلاحات مدونة الأسرة باعتبارها مكتسبا يجب تعميقه وتحصينه. ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل هناك العديد من الإصلاحات التي لازلنا نتشبث بها، سواء على المستوى الاقتصادي أوالاجتماعي أوالثقافي أوالسياسي بما فيها المطالبة بالإصلاحات الدستورية، والمكاسب المحققة على صعيد الحريات الفردية والجماعية. محمد ياسين: أود أن أتسائل معكم، السيد الأمين العام، إلى متى سيستمر المغرب في الانتقال الديمقراطي، ألم يحن الوقت بعد لكي نصل إلى التجربة الديمقراطية؟ إسماعيل العلوي: طيب، أنا أولا لم أتحدث عن الانتقال الديمقراطي، بل عن الحل الوسط التاريخي. طبعا، نحن الآن، في مرحلة انتقالية، أما بخصوص سؤالكم المتعلق بالمدى الذي يمكن أن تستمر فيه هذه المرحلة الانتقالية، فإني طالما أكدت بشكل متكرر، بأنني لست بنفاثات العقد، ولذلك، لا يمكنني أن أضرب تاريخا محددا لنهاية الانتقال الديمقراطي، وأمثلة شبيهة بذلك موجودة في العالم، هل تظنون أن إسبانيا طوت لحد اليوم، صفحة الانتقال، وهي لم تستطع بعد تصفية ميراث الفرنكفاوية، وهل تعتقدون أن الشيلي تجاوزت هذه المرحلة أيضا وهم عاجزون عن تجاوز دستور وضعه الدكتاتور بينوشي. ما ألح عليه هو أن الانتقال الديمقراطي يشكل نوعا من المسير المستمر، لأن الدول الأكثر دمقرطة، وليس ديمقراطية، تجد نفسها في مسار متراجع، ولنأخد الولاياتالمتحدةالأمريكية على سبيل المثال، بخصوص ملابسات صدور القانون الوطني الأول والثاني. إننا في مدرسة حزب التقدم والاشتراكية، لا نحصر الديمقراطية في الجانب التمثيلي الصرف أو الحريات الفردية أو الجماعية، فقط، بل نعني بالديمقراطية كل ما هو متصل بالحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومثل أي ديمقراطية، فإن دمقرطة المجال الاقتصادي مثلا، لن يتحقق سوى بإشراك الشغيلة في تدبير مقاولاتهم، ورغم أن هذا يبدو للبعض نظرية طوباوية، لكننا لا نرى دمقرطة لهذا المجال سوى بهذه الطريقة. كيف يمكننا أن نتحدث عن انتهاء مرحلة الانتقال الديمقراطي وكثير من مواطنينا يئنون تحت وطأة الفقر بكل ما للكلمة من معنى، سواء بالفقر النسبي أو المجرد بالمقارنة مع فئات تغتني بشكل متزايد. أما إذا تحدثنا عن المجال الثقافي، فإننا مادمنا لم نتمكن من القضاء على الأمية بمفهومها البسيط، فلا يمكننا أن نتكلم عن انتهاء هذه المرحلة التي سميتموها بالانتقال الديمقراطي، إذن، إننا أمام مسير مستمر، وهذا قدر الشعوب كلها. نرجس الرغاي: بارتباط مع الانتقال الديمقراطي والوصول إلى الدمقرطة، تقولون إن الطريق لازال طويلا، هل تعتقدون أن المغرب في طريق التحول إلى دولة المؤسسات، وهل وصلنا، بالرغم من الوضع السياسي الذي وصفتموه بالسريالي، إلى مرحلة تطبيع الحياة السياسية، أو بطريقة أخرى هل نتوفر على فاعلين سياسيين أسياد قرارهم؟ اسماعيل العلوي: لا أعتقد وبكل صراحة، أن كل الفاعلين السياسيين يتوفرون على حرية اتخاذ القرار أو الموقف، بالإضافة إلى أنني أعتقد أن الانتقال الديمقراطي يمكن أن يعرف بعض التراجع. وفي هذه النقطة بالذات يبدو جليا أن بعض القوى السياسية لا تتفق كليا حول منظور موحد يجمع الكثير منها، وهو ما يحد من فعالية عملها ويحد من ضغطها نحو تطوير المجال السياسي. طلحة جبريل: تقولون إن المغرب لا يزال يعيش مرحلة انتقال ديمقراطي، وفي الوقت نفسه، تصفون الوضع السياسي الحالي بالسريالي، هل تعتقدون أنه من الضروري أن تكون البلاد في مرحلة انتقال ديمقراطي وأن تشارك جميع الأحزاب في الحكومة؟ إسماعيل العلوي: ليس بالضرورة، طبعا هذا مشكل أصوات في البرلمان، ومشكل موازين قوى وبالتالي لا أخفي عليكم أنه في قراري الشخصي، اعتبر أن هنالك أحزابا لا تساهم في التقدم السريع لمسار الانتقال الديمقراطي، رغم كونها تساهم في تدبير الشأن العمومي، لكن هذا الأمر يبقى نظريا، لأن الواقع عنيد ويجب أن نأخذه دائما في الحسبان، ومع ذلك، لا يجب أن نضرب بأكفنا بسبب هذه الأوضاع، بتصريف الإحساس بأنه لم يعد هنالك أمل في تطور الأمور. طلحة جبريل: إذا وجدتم أداء وزراء حكومتكم، لم يكن إيجابيا خلال المؤتمر، هل تجدون من مبرر إذن، في الاستمرار داخل حكومة، من أجل الاستمرار فقط. ++ إسماعيل العلوي: لا، هذا بشرط أن أكون متفقا معك في تلك الفرضية الأولى، لكنني كما بينت سابقا، لست معك في اتفاق. الحسين الشعبي: انطلاقا مما قاله السيد الأمين العام في كلمته المدخلية لهذا النقاش، حين اعتبر بأن البلاد تعيش منعرجا خطيرا، ودعا إلى حسن تدبير هذا المنعرج، أنتقل بكم إلى الشعار المركزي للمؤتمر، الموسوم ب "جيل جديد من الإصلاحات، لترسيخ مغرب الديمقراطية"، وأدعوكم الآن، لمناقشة مضامين هذه الإصلاحات، تفضلوا. نرجس الرغاي: أريد أن أتطرق لشعار مؤتمركم الثامن الذي اخترتموه، وهو "جيل جديد من الإصلاحات لمغرب الديمقراطية" وهو شعار يكاد يصبح، وقد تتفقون معي في ذلك، مشتركا بين كل الأحزاب السياسية، فلا نكاد نجد اليوم في المغرب من يقول إننا أنجزنا كل الإصلاحات ولم نعد في حاجة إلى أخرى. ما هي إذن القيمة المضافة لحزبكم في هذا الصدد، وما هو الجديد الذي تحملونه؟ وأنتم ممثلون في الحكومة بحقيبتين وزاريتين ما هو وزنكم فيما يتعلق بتنفيذ الإصلاحات، وهل تعتقدون أنكم مؤثرون في الحكومة؟ اسماعيل العلوي: أولا هناك بعض الأحزاب السياسية لم تتوفر لها الشجاعة الكاملة لإعلان ذلك بشكل ثابت، وتصفنا أننا تجاوزنا حدودنا في بعض الأحيان، وأحيلكم على سبيل المثال على موقف أحد الأحزاب السياسية عند إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة، والذي لم يستسغ موقفنا بالكشف عن ملفات الماضي، والتي كان فيها مسؤولا عن فترة من التاريخ. ولا أعتقد أن الدعوة إلى جيل جديد من الإصلاحات يمكن أن يوصف بالوصف الذي تصفينه به، بل هو اقتراحنا مثله مثل الاقتراحات التي سبق لحزبنا أن كان السباق إليها والتي تبنتها أحزاب أخرى صديقة، وتبعتنا إلى ذلك. ونحن لا ندعي أننا نتوفر على حقوق التأليف لهذا المقترح وهذا غير موجود في السياسة، فكل حزب له الحق أن يختار الشعار الذي يريده. طلحة جبريل: قلتم السيد الأمين العام، إنكم اشتراكيون، أود أن أسألكم ما هو فهمكم اليوم للاشتراكية، هل هي رأسمالية الدولة، دور أكبر للقطاع العام، اشتراكية اجتماعية، مشاركة أكبر للمواطنين في السلطة... إسماعيل العلوي: أولا سوف أكون مغرورا إذا ما تقدمت بتعريف للاشتراكية، لكن ما قلتموه هو مضمون الاشتراكية، هنالك جوانب متصلة بتنظيم الاقتصاد والآلة الإنتاجية. كما هو أيضا مساهمة فعلية للمواطنين والمواطنات في تدبير شؤونهم بأنفسهم، وهي مساهمة الشغيلة في تدبير المقاولات التي يشتغلون فيها ويكونون هم سببا في تطويرها وفي إثراء أصحابها، كل هذا يلخص الاشتراكية. الاشتراكية تبقى فكرة لم تستطع البشرية تحقيقها بشكل شامل، بل سجلت انتكاسة كما يعلم الجميع في فترة من الفترات، لكني أظن أن الفكرة ما زالت ورادة ولها قيمتها، ولاسيما في هذه الفترة بالضبط التي يحيا فيها العالم أزمة اقتصادية خانقة يمكن أن تؤدي إلى تقلبات عميقة للأوضاع، ولربما تقولون إن عكس ما أقول هو ما سيحدث، سيما بالنظر إلى بريطانيا على سبيل المثال، إذ نجح اليمين في الصعود إلى الحكم، ولكن ذلك يبقى من زبد الأشياء أما الكنه فيبقى هو هو. لدينا اليوم اختمار في المجتمعات المتقدمة وغير المتقدمة من أجل تجاوز هذا النمط الرأسمالي الذي أدى بالبشرية إلى مآسي لا تحصى ولا تعدى. بالطبع نتكلم عن الستالينية وعن تجاوزاتها، كما نتحدث عن تجاوزات الماوية، لكن لا أحد يقوم برصد الجرائم التي ارتكبتها الرأسمالية في العالم وما زالت ترتكبها لحد اليوم. ولنأخذ على سبيل المثال، مجال الصحة العمومية على المستوى العالمي، والشركات التي تهيمن على هذا القطاع وما تحدثه من أثر. لقد حان الوقت لرصد موضوعي وحقيقي لكل التجاوزات والجرائم المرتكبة من طرف النظام الرأسمالي، وأن تسعى الشعوب إلى تجاوز هذا النمط الإنتاجي الذي ساد العالم لأزيد من ثلاث قرون. الحسين الشعبي: أريد قبل أن أعطي الكلمة لزميل آخر، أن أرجع إلى شعار المؤتمر. مولاي إسماعيل العلوي، لما تقولون بجيل جديد من الإصلاحات لمغرب الديمقراطية، يُفهم من ذلك أنها صيغة أخرى لتدقيق مفهوم التعاقد السياسي الجديد الذي دعا إليه الحزب في ندوته الوطنية قبل سنتين، وبالتالي، لا يمكن صياغة تعاقد سياسي جديد إلا على قاعدة إصلاحات سياسية ودستورية؛ مولاي إسماعيل العلوي، ما هي أهم البؤر التي يجب أن تملأها هذه الإصلاحات؟ محمد ياسين: أود أن أطرح سؤالا في نفس السياق، بشأن شعار الحزب. إذ إن الأمين العام يرسم صورة قاتمة عن الوضع السياسي بالبلاد حين وصفه بالسريالي، وهو في الوقت نفسه، يطالب بإطلاق إصلاحات جديدة، كيف يمكن سيدي الأمين العام، التوفيق بين الأمرين، وأيضا مع من سيتوافق الحزب من أجل إطلاق هذا الجيل الجديد من الإصلاحات؟ إسماعيل العلوي: أولا، السريالية ليست دائما قاتمة، بل أحيانا تكون مضحكة، وبالتالي لا بد أن نأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، عندما ننظر مثلا، إلى لوحة لأحد رسامي المدرسة السريالية، فبالتأكيد لا نجدها قاتمة بل نجدها جذابة أحيانا. السريالية يمكن أن تنتج أشياء تتجاوز الواقع، وهذا هو التعريف الدقيق لمصطلح السريالية في نهاية المطاف، وليس بالضرورة معناها وجود وضع قاتم، بل إن السريالية قد تكون في حد ذاتها، محفزا لتجاوز بعض الأوضاع، وحينما نقول السريالية فإننا نعني بشكل أوتوماتيكي أنها تفرض على نفسها ضرورة تجاوزها، وإلا فإننا سنسقط في نوع من التقهقر والتراجع، لا يمكن أن يخدم بأي حال، هذا الوطن. وأعود في هذا الصدد، إلى السؤال المتعلق بوزننا كحزب ومكانتنا، وأقول ومعي اليوم إلى جانبي، الرفيقة نزهة الصقلي، وزيرة التنمية والاجتماعية والأسرة والتضامن، التي تقوم بدور أساسي وبعمل جدي رغم تواضع الإمكانات المخصصة للوزارة، بل واستطاعت هي كشخص الدفاع عن تمثيلية النساء في الانتخابات وارتقت بعددهن من عدد بسيط إلى ما يزيد عن ثلاثة آلاف منتخبة. هذه قفزة مهمة، لكننا نرى أنها هزيلة بالمقارنة مع احتياجات وتطور المرأة في بلادنا. أما فيما يخص البؤر التي يريدني الحسين الشعبي أن أتحدث عنها، فإني أقول بداية، إن كلمة البؤر في حد ذاتها، كلمة صعبة، وسأقول إن العمل الإصلاحي الذي ننادي به يتجه نحو الباب المتعلق بالسياسة، وفي هذا الباب شطران؛ الشطر الأول يهم المؤسسات، أي بعبارة أدق نطالب بالقيام بمراجعة الدستور والقيام بإصلاح دستوري يتناسب مع هذه الفترة التي نعيشها، أما الشطر الثاني، فهو المتعلق بالحريات، وفي هذا الباب لا بد أن لا ننسى بأن المغرب بعد كل تلك الخطوات التي قطعها منذ 1998، لغاية 2003، حدث تراجع على مستوى النصوص وأحيانا أيضا على مستوى الممارسة؛ هذا التراجع يعكس أزمة، أزمة مر منها العالم في تلك الأوقات مرتبطة بالأعمال الإرهابية. وهنا أريد أن أجدد التعبير عن موقف طالما قلته بشأن قانون الإرهاب، رغم أنه موقفي الشخصي وليس موقف الحزب. لقد قلت بأن قانون الإرهاب قانون قاتل للحريات، لماذا؟ لأن هذا القانون يفتح الباب لوقوع تجاوزات، وقد وقعت بالفعل تجاوزات، رغم أنها لم تكن بشكل مطلق ولله الحمد. وأظن أن هذا الأمر يفرض علينا أن نبقى دائما يقظين حتى لا نطلق العنان لكل ما تتضمنه تلك النصوص من احتمالات خطيرة. حبذا لو كان لدينا ما يحدث في بريطانيا على سبيل المثال، حيث تباشر تقييمات ثم تعديلات على قانون الإرهاب داخل البرلمان، بشكل سنوي، ولكن للأسف، فإن ذلك، لا يحدث عندنا في المغرب. لأن مثل هذه التقييمات الدورية قد تؤدي إلى مراجعات وتعديلات تصب في نظرنا، نحو تقوية مساحة الحريات وليس إلى فرض مزيد من الضوابط والقيود. إذن هذا ما يخص الجانب السياسي. أما في ما يخص الجانب الاقتصادي، فقد كنا سباقين إلى المناداة إلى تفعيل النظرية الكنزية، لكننا كنا نرمى بأننا ثوريون ماركسيون، وها نحن اليوم، نسجل خوض المغرب في الأوراش الكبرى أي بالضبط ما كنا نسعى إليه، وأمثلة ذلك نراها في الميناء المتوسطي والطرق السيارة والسكك الحديدية والطاقة، ونحن مستمرون على هذا النهج لأنه أمر مهم، لكننا نضيف شيئا آخر إليه، لأن الظروف العالمية تفرض ذلك، ألا وهو ما نسميه بالأشغال الجماعاتية الكبرى، وكان مقترحنا هذا مبنيا على سعي الحزب إلى إنصاف نصف سكان المغرب الذين لا يتمتعون بما يكفي من ثروات وطننا، رغم كونهم يساهمون في إنتاجها، وأظن أن هذه السياسة في حال تفعيلها، ونحن نرى بوادر نحو ذلك، ستحقق توزيعا "أكثر عدالة" وأكثر إنصافا للثروة الوطنية، ويستفيد منها على الأخص سكان الأرياف الذين بقوا مهمشين. وفي هذا السياق أيضا، نعتبر أن الإصلاح الاقتصادي، لا بد له أن يكون معنيا باحترام القوانين وقواعد التنافسية بين جميع الفاعلين الاقتصاديين في البلاد، أضف إلى ذلك، رفض كل مواقع الريع التي كثرت في بعض الميادين. أما في الميدان الاجتماعي، فلا بد من القول بأننا حققنا الكثير، مثل الرفع من الأجور، وحل مشاكل استعصت في السابق، سيما تلك المتعلقة بالتقاعد، حيث تمكنت الدولة خلال مرحلة التناوب، من تسديد الديون والمتأخرات لفائدة صناديق التقاعد والصناديق الاجتماعية، بعدما كانت الدولة قد تخلت قبل ذلك، عن تسديد تلك الواجبات. ومع ذلك، فإن ذلك، لا يمنع من القول بأن هذه المكتسبات قليلة بالمقارنة مع الاحتياجات المعبر عنها، ونحن اليوم، نلاحظ الهوة بين الفئة الأكثر غنى والفئة الأكثر فقرا، التي لا تنفك عن التوسع، رغم أن ذلك لا يعني أن الفقراء ازدادوا فقرا، لأن هذا المعطى يبقى نسبيا، وهو ما يهمنا كفاعلين سياسيين، وسنعرض مواقفنا بشأن ذلك، على المؤتمر كما ستتابعون ذلك. وفيما يخص هذا الجانب أيضا، لدينا رأي فيما يتعلق بتدبير المقاولات، فنحن ننادي بضرورة مساهمة اليد العاملة في تدبير مقاولاتهم، وهذا بالطبع لن يعجب أصحاب المقاولات، لكن هذا هو مسعانا، لأن ذلك من شأنه أن يضمن الاستقرار الاجتماعي وبالتالي الاستقرار السياسي. أما في المجال الثقافي، فقد كان لدينا شرف طرح قضية الأمازيغية منذ نهاية السبعينيات، وما نلاحظه اليوم، أن الأمازيغية أصبحت تجد لنفسها موقعا على مستويات مختلفة، رغم أننا ما زلنا بعيدين عن الديمقراطية الثقافية التي ننشدها، ونحن نصر على الاستمرار في هذا المسار، حتى تصبح الأمازيغية ليس فقط لغة وطنية كما نأمل ذلك، في وقت قريب، بل نريدها لغة رسمية، وأن تعلم لكل أبناء هذا الوطن. هذا بشكل سريع ما يمكنني استعراضه بشأن تلك البؤر التي طرحها الحسين الشعبي والإصلاحات الممكنة بشأنها. الحسين الشعبي: إذن، بعد أن قدم مولاي إسماعيل العلوي مسحا عاما للنقط الأساسية للإصلاحات الكبرى، هل هناك من تعقيب؟ نرجس الرغاي: أود أن أعود بكم إلى قضية الإصلاحات السياسية ولكن قبل ذلك أود أن أسألكم فيما يتعلق بالأوراش الكبرى، فأنتم أدرى أكثر من غيركم، أن هذه الأوراش يعهد بتنفيذها وإنجازها إلى وكالات لا تخضع لأي قانون ولا إلى أي نوع من الرقابة اللهم رقابة ملك البلاد، ألا تتضايقون، باعتباركم قائدا يساريا، من انعدام الرقابة؟ سؤالي الثاني يرتبط بالإصلاح الدستوري الذي تدعون إليه، ما هي المسطرة التي تعتزمون سلكها وما هي أجندتكم في هذا الاتجاه؟ تحدثتم قبل قليل عن تراجع في مجال الحريات، ووصفتم الأمر بإبادة الحريات، في نفس الوقت أحد وزرائكم في الحكومة السيد خالد الناصري صرح أن المغرب يعتبر نموذجا يقتدى به في مجال الحريات هل هذا يعني أنكما لا تعيشان في نفس البلد؟ اسماعيل العلوي: إذا قارنا أنفسنا ببعض الدول العربية أو الإسلامية أو الأفريقية أرى أننا متقدمين كثيرا في هذا المجال، ولكن المقارنة لا يجب أن تكون مع ما يجري لدى أشقائنا سواء في العالم العربي أو الإسلامي أوأفريقيا، لأننا نريد أن تكون المقارنة مع دول أخرى حققت تطورا كبيرا في هذا الصدد. لهذا فإننا، السيد خالد الناصري وأنا، نعيش في نفس البلد ونعيش في نفس العصر. فيما يتعلق بقضية الأوراش الكبرى فإننا نلاحظ فعلا أن الأشغال الكبرى التي يتم إنجازها الآن تتم في إطار مقاولات ومؤسسات تابعة للدولة، ونلاحظ كذلك أنها لا تخضع لأي نوع من المراقبة من طرف المؤسسة التشريعية. مع العلم أن بعض الأوراش التي يعهد بإنجازها للمؤسسات العمومية، في إطار الاستثمارات العمومية تخضع لمراقبة البرلمان في كل مراحل تنفيذها على أرض الواقع. وبالتالي فإننا نقول بأن جميع الإصلاحات والأوراش المفتوحة يجب أن تكون خاضعة للمراقبة من طرف الهيئات المخول لها ذلك من أجل تعميق المسلسل الديمقراطي والدفع به إلى الأمام. أما بخصوص الإصلاح الدستوري فمن الأكيد أن السبيل الوحيد لتحقيق ذلك هو تكتل كل القوى الحية التي ترغب في إحراز تقدم في مجال الإصلاح الدستوري. ومع الأسف، بعد الاتفاق على أجل لتقديم وثيقة الإصلاحات السياسية والدستورية في إطار الكتلة، هذا المجهود تم إقباره، ونتأسف كثيرا على التأخر الحاصل. نرجس الرغاي: إذا اقترح عليكم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المشاركة في صياغة وثيقة للإصلاح الدستوري هل ستقبلون؟++ اسماعيل العلوي: أعتقد أن هذا ليس مجالا للقبول أو الرفض، فالأكيد أننا كحزب واعون بأن قضية الإصلاح الدستوري شأن يهم كل الديمقراطيين والتقدميين في البلاد، ولا يمكن أن يدعي أيا كان أن الأمر يهمه وحده، ولا نقبل أن يقتصر الأمر على حزبين فقط دون الأحزاب الأخرى. فهذا أمر يهم كل أحزاب اليسار وحتى الأحزاب الأخرى، وكل القوى التي تسعى إلى التقدم. طلحة جبريل: لما تقولون سيدي الأمين العام، إن حزبكم مع الأوراش الكبرى، فإننا نرى أن جلالة الملك هو من يقود ويشرف على هذه الأوراش الكبرى فيما لا دور للحكومة في ذلك، هل أنتم مع هذا التوجه؟ إسماعيل العلوي: السيد جبريل، هناك أمر تتناساه؛ من هو رئيس الحكومة؟ جلالة الملك طبعا، بحسب الدستور. إذن من الطبيعي أن يكون هو المنشط والمحرك والواضع للخطط الكبرى، فيما الحكومة بطبيعة الحال، تسعى إلى التنفيذ، وهذا ليس بأمر فريد في العالم، وانظروا على سبيل المثال، النموذج الفرنسي، ما دام دستورنا يشبه إلى حد ما دستورهم؛ إذ إن الرئيس الفرنسي هو من يضع الخطط، فيما يتكلف وزيره الأول بالتنفيذ. فهذا شيء طبيعي ولا يجب أن نسقط في صورة مبسطة للأمور. لكن هذا لا يعني بأن القول بأن الملك يقوم بكل شيء أمر محمود، لأن اليد الواحدة في نهاية المطاف، لاتصفق، كما أنه لا يمكن أيضا أن تطلب من الوزير الأول القيام بأشياء تتعدى صلاحياته المنصوص عليها في الدستور. ثم إن هذه المشاريع كانت موجودة في برنامج الحكومة أول مرة، وقد قبله الملك، وزكاه البرلمان، وبالتالي، فإن كل ما يحدث اليوم، موجود في ذلك البرنامج الحكومي. الحسين الشعبي: ألا يمكن إذن، أن تمس الإصلاحات المطلوبة، اختصاصات الوزير الأول والحكومة والبرلمان وصلاحيات الملك؟ إسماعيل العلوي: طبعا، هذا شيء ممكن، لكنه رهين بموازين القوى، مثل ما وقع في بريطانيا مثلا، حيث تطورت الأوضاع على مراحل تاريخية، وكما كان الحال عليه في بريطانيا، فإن للمغرب تطورا تاريخيا خاصا به، وبالتالي، لا يسعنا سوى أن نتمنى أن يصل المغرب إلى ما وصلته بريطانيا في وقت قريب. لكن على بلادنا أن تحقق أولا، عددا من الضروريات، إذ كيف يمكن أن نصل إلى مستواهم و40 في المائة من شعبنا لا يكتب ولا يقرأ ولا يعرف الحساب، هذا أمر مستحيل. أضف إلى ذلك أن مستوى التسييس في بلادنا ما يزال متخلفا، أي أن إدراك القضايا العامة والمساهمة فيها، لا يزال في مستوى متدن. الحسين الشعبي: إذا سمحتم، نمر الآن إلى المحور الخاص بالحزب، وأود أن نتطارح مع الأستاذ اسماعيل العلوي تصور حزب التقدم والاشتراكية لمعنى الحزب الذي يحتاجه مغرب اليوم، بالنظر إلى ما تراكم من تجارب على الصعيد الوطني والعالمي، وبالنظر أيضا إلى ظاهرة العزوف عن الممارسة السياسية، فهلا تحدثنا عن جدوى الحزب وجدوى الانتماء الحزبي وجدوى العمل السياسي؟ ثم نريد أيضا إثارة موضوع حزب التقدم والاشتراكية وهو يعد لمؤتمره الوطني الثامن، هل ثمة تجديد على مستوى هياكل الحزب وآليات اشتغاله؟ ولا بأس أن نتحدث أيضا عن إمكانية تجاوز الحزب السياسي بالمغرب لبعض التقاليد التنظيمية التي باتت تأسره وتجعله حبيس الدوغمائية السياسية، فإلى أي حد يستطيع حزب التقدم والاشتراكية كحزب ينتصر للحداثة أن يتخلص من بقايا ورواسب الماضي على مستوى التنظيم؟ إليكم الكلمة.. نرجس الرغاي: قبل أن أسألكم عن العمل الحزبي والعمل السياسي على العموم، أريد أن أعود إلى المؤتمر الثامن لحزبكم، فقد سمعنا وقرأنا أنكم لن تترشحوا لمنصب الأمين العام وأعلنتم ذلك في أكثر من مناسبة، الآن إذا طلب منكم في إطار وحدة الحزب الترشح لخلافة نفسكم هل تقبلون بذلك؟ اسماعيل العلوي: أولا أريد التأكيد هنا أن قضية وحدة الحزب عير مطروحة الآن وليست على المحك. فقد أنهينا إعداد كل الوثائق والقوانين التي ستعرض على المؤتمر الوطني الثامن وحصل إجماع حولها، وأي رفيق سينتخبه المؤتمر لمنصب الأمين العام، سواء أكان اسماعيل العلوي أو فلان أو علان يمكنه تطبيق مقررات المؤتمر، وبالتالي فإن وحدة الحزب ليست على المحك إطلاقا. ثانيا أنا لن أترشح مرة أخرى لقيادة الحزب، لأسباب شخصية وعائلية، فالبرغم من أني في صحة جيدة والحمد لله، إلا أنني مع ذلك أشكو من بعض الوهن المرتبط بسني المتقدم، فأنا على مشارف السنة الثانية بعد السبعين، وفي مثل هذا السن قد أبدو عاجزا عن ممارسة بعض المهام. بالإضافة إلى هذا فإن ابني يعاني من وضع صحي متدهور يتهدده الموت في كل لحظة وحين، وقد يترك لي مسؤولية طفليه الصغيرين، وعلي أن أرعاهما، حتى لا أفرط في تربيتهما. ولا أريد أن أعيد ما لم أقم به اتجاه أبنائي. لهذا أقول مجددا أنه لا مجال لإعادة خلافة نفسي في نفس المنصب، حتى ولو بحجة وحدة الحزب، لأن وحدة الحزب ليست محل شك، وسنسعى للحفاظ على هذه الوحدة. طلحة جبريل: في علاقة بموضوع الحزب، بصراحة ليس هناك فقط عزوف عن الانخراط في الأحزاب ولكن أيضا شبيبة الأحزاب لم تعد تستقطب شبابا جديدا في صفوفها، الذين يمكن أن يطعموا الكوادر الحزبية، في نظركم ما هي أسباب هذه الظاهرة ؟ اسماعيل العلوي: طبعا نحن في واقع يتغير، ومن لم يتغير مع الواقع محكوم عليه بالزوال، ففي المدرسة التي ننتمي إليها نقول بالجدلية وبالحركية، وبالتالي علينا أن نتفاعل مع هذا التطور، صحيح أن ما نلاحظه هو نوع من النفور لدى الشباب إزاء الأحزاب عموما، ولكن علينا أن لا نعمم هذه الملاحظة على جميع الشباب، ونقول بأنه يرفض الانخراط في الأحزاب السياسية، أبدا، لأن الشباب أيضا يعبر عن استعداده للانخراط في الحياة السياسية، وتحكمه الرغبة في أن يساهم في تطوير الهيئة السياسية التي يختارها لنفسه، ففي الاستجواب الأخير في إحدى الجرائد الوطنية، قلت بأن المرحوم علي يعته، عندما تحمل مسؤولية الأمانة العامة للحزب، كان عمره آنذاك لا يتجاوز 25 سنة، حبذا لو وجدنا أنفسنا في وضعية مماثلة، لكن مع كل الأسف ليس الأمر كذلك.... طلحة جبريل: ما السبب؟ اسماعيل العلوي: السبب معقد جدا، أولا علينا أن لا ننسى أننا مررنا من فترة كان فيها قمع قوي للحريات، وبالتالي العديد من الشباب في الجامعات كان يتخوف رغم اندفاع عدد كبير منهم، من العمل السياسي، لأنه مع الأسف كان هناك تصور ولازال لحد الآن، يقوم على الخوف من الانخراط في الحياة السياسية، بالنظر إلى المخاطر التي كانت مرتبطة بها. نتمنى أن لا يبقى هذا التصور سائدا، لكن دعوني أقول لكم أن بعض الفتيات عبرن مؤخرا عن رغبتهن في الالتحاق بحزبنا، فاستشرن مع أسرهن، لكن عوض تشجيعهن قامت هذه الأسر بتحذيرهن من الدخول في أية هيئة سياسية، بمعنى أن 40 سنة من القمع والكبت، لازالت أثارها قائمة، وهذا ما جعل المتوسط لدى الشباب ينكمش على نفسه، طبعا هناك من اندفع والتحق بالعمل السياسي بالشكل الذي اعتبره صحيحا، ونحن نصفق لهذا الأمر حتى وإن كانت هناك أخطاء وتجاوزات، مع ذلك نحن ندعو الشباب للاندراج في العمل السياسي. إذن الآن تحدثت عن الشبيبات التي قلت أنها لم تعد قادرة على استقطاب الشباب، أظن أن على الشبيبة بتنسيق مع الحزب، أن تعمل على تخفيض السن الأقصى الذي وضعته لنفسها قبل أربع سنوات، الآن الشخص الذي يتجاوز عمره 35 سنة يجب أن يغادر الشبيبة، أنا أقول يجب أن نصل إلى تحديد السن الأقصى في 25 سنة، ومن تجاوز هذا السن عليه أن يلتحق بالهيئة السياسية التي يرغب فيها، فلا إكراه في الدين، لكن القول بأن الأحزاب السياسية لم تعد تستقبل وجوها جديدة، هذا في نظري تصريح فيه نوع من المبالغة، لأن هناك عددا من المواطنين الذين يلتحقون بالحزب إما لأسباب اجتماعية أو لأسباب إنسانية أو حتى لأسباب اقتصادية وهذا أمر صحيح بالنسبة لنا وصحيح كذلك حتى بالنسبة لهيئات سياسية أخرى. التصورات الجديدة، في الجانب المتعلق بالحزب السياسي في مفهومه وفي جانبه المتعلق بالتنظيم ، هذا ما نسعى إليه، وهذا ما هو مضمن في المقترحات الجديدة في مشروع الوثيقة السياسية وفي البرنامج الاقتصادي والاجتماعي الذي سنعرضه على المؤتمر، فقد حاولنا عن طريق مشروع القانون الأساسي أن نعيد النظر في الثغرات التي لاحظناها من خلال الممارسة والتي عطلت عمل الحزب. هذا لا يعني أننا برأنا ذمتنا من كل الأخطاء وأننا لن نكررها أو لن نرتكب أخطاء أخرى في المستقبل، المهم هو أننا نمارس ونصحح من خلال الممارسة في المحطات التي يضعها الحزب لنفسه ما بين المؤتمرين. الرفيق الحسين الشعبي تكلم عن العزوف السياسي، أنا أعزي هذا العزوف إلى ضعف التسييس، أنا أندهش كثيرا لكون المواطنين والمواطنات لا يتحملون مسؤولياتهم في هذه الأحزاب، وأن هؤلاء المواطنين والمواطنات لا يقدرون السلطة التي هي بين أيديهم عند حدوث الانتخابات، فالمواطن يصبح هو صاحب الأمر مرتين: المرة الأولى خلال الانتخابات التشريعية، والمرة الثانية خلال الانتخابات المحلية، فهم، مع الأسف، لا يدركون أهمية هذا الأمر وتكون لهم ردود فعل متشنجة ويقولون أن هذا المجال مليء بالفساد، حيث نجد لسان حال هذا النوع من المواطنين يعتبر نفسه بأنه تقي وبالتالي لا يريد الدخول في هذه المعمعة، والنتيجة تكون بالضرورة هي أن المفسدين هم الذين يبقون مسيطرين على زمام الأمور وتزداد الأوضاع استفحالا بالنسبة للمستقبل. ثم أن قضية الدغمائية التي أشار إليها الرفيق الحسين، فالعديد من الناس ينعتون الأحزاب مثل حزبنا بانسياقهم وراء الدغمائيين، والحال أننا نرفض الدغمائية، ونبرهن عن هذا بالملموس مع الوفاء، طبعا، للمبادئ الأساسية التي نعمل في إطارها، ولكن لا نسقط أبدا في الدغمائية بل نرفضها، ونريد أن يتقوى حزبنا عن طريق هذا الباب الرافض لكل أنواع الدغمائية مع احترام قوي للمبادئ التي أسس من أجلها الحزب أي خدمة الكادحين والمستضعفين لتغيير أو ضاع هذا الشعب نحو الأحسن. محمد ياسين: أعود إلى مسألة العزوف السياسي الذي يمكن أن يلاحظ في أوساط الشباب أكثر من فئات أخرى، سؤالي هو ماذا أعده حزب التقدم والاشتراكية لإغراء الشباب من أجل التعاطي للشأن السياسي؟ مولاي اسماعيل: كلمة إغراء فيها نوع من المبالغة، فنحن ضد إغراء الشباب، ثمة نداءات متكررة لقياديين في الحزب من أجل الاهتمام بالمجتمع المدني والانخراط فيه، لأن العمل داخل المجتمع المدني، خاصة الذي يهتم بالحياة اليومية للمواطنين على مستوى الصحة وعلى مستوى فك العزلة عن عالم الأرياف، وعلى مستوى تغيير أنماط العيش بتحسين ظروف الإنتاج الزراعي أو الرعوي، كل هذه الأشياء ستمكن شبابنا من الاندراج في العمل السياسي آتيا من طرق غير معتادة، لأن في الماضي كان الاستعمار ومن بعد الاستقلال كان القمع، لكن اليوم الظروف تغيرت ويجب أن نجد طرقا وأساليب أخرى ستأتي في اعتقادي من العمل في المجتمع المدني، طبعا جميعات المجتمع المدني هي موجهة للجميع وليس بالضرورة أن يتواجد فيها فقط أناس ملتزمون في حزب ما. فهي مفتوحة للجميع، ولا شك أن البعض منهم سيلتحق بحزبنا، والبعض الآخر سيبقى فقط يعمل في هذه الجمعيات. نرجس الرغاي: بالعودة إلى الفعل الحزبي داخل التقدم والاشتراكية، ومستقبل هذا الفعل، ألا ترون أنه بات من الضروري اليوم أن يطبع هذا الفعل نوع من الحرفية، وأن الأحزاب السياسية عليها أن تشتغل بأسلوب المقاولات؟ ثم في نفس الإطار هل لكم أن تقدموا لنا العدد المحدد للمناضلين المنخرطين في حزبكم؟ اسماعيل العلوي: إذا كنت تقصدين بسؤالك أن يتحول الحزب إلى مقاولة بالمعنى العام للكلمة فلا أعتقد ذلك، لأن الحزب السياسي بحكم طبيعته والخصوصيات التي يتميز بها يجب أن يبقى كذلك. وإذا كان الأمر يتعلق بالتدبير المعقلن والتدبير الجماعي للحزب فإن الكثير من الأحزاب بدأت تنهج مثل هذا الأسلوب، ومنها حزبنا. صحيح أننا نعاني من ضعف الإمكانيات المادية، إلا أننا نسعى إلى إعادة تنظيم بنيتنا الداخلية. فيما يتعلق بعدد مناضلي الحزب، أستطيع أن أقول بأن العدد التقريبي، إلى حدود يوم الأحد الماضي، يتراوح ما بين 36 و40 ألف منخرط. وكنا قد قررنا في وقت سابق وقف الانخراطات لتحديد العدد المحدد للمؤتمرين، إلا أننا تراجعنا وتركنا باب الانخراط مفتوحا. وهذا يعني أن هذا الرقم قد يكون مرشحا للارتفاع عشية المؤتمر. الحسين الشعبي: أعتقد أن الأستاذ اسماعيل العلوي أحسن صنعا بالإدلاء بهذا الرقم ليكون خير خاتمة لهذا اللقاء التواصلي. وقبل أن أرفع الجلسة، أود باسم جريدة بيان اليوم أن أتوجه بالشكر الجزيل للرفيق اسماعيل العلوي الذي تفضل بقبول دعوتنا ليكون ضيف هذا اللقاء والذي أبى إلا أن يجيب على أسئلة الزملاء بصراحته المعهودة.. كما أتوجه بجزيل الشكر للزميلة نرجس الرغاي والزميلين طلحة جبريل ومحمد ياسين على مشاركتهم جميعا في تنشيط وتأطير هذا اللقاء التواصلي، والشكر كل الشكر للسيد مدير المكتبة الوطنية للمملكة المغربية الذي سمح لنا بعقد هذا اللقاء في فضاء هذه المعلمة التي يحق للمغرب والمغاربة الافتخار والاعتزاز بها، وتحية التقدير والمحبة للزملاء الصحافيين والرفاق والضيوف الذين تتبعوا معنا أطوار هذا اللقاء الذي سيصبح تقليدا تكرسه بيان اليوم فيما يأتي من الأيام. شكرا للجميع..