إن المغرب يتطور ويتحرك وسيكون من السذاجة السياسية التمسك بأوهام الماضي، إن مغربا جديدا في الأفق، وهو مغرب لا يمكن بناؤه إلا على سواعد كل الذين يحركهم حب الوطن ، وهذا المغرب الجديد في حاجة إلى تكتل سياسي، يتسع لكل القوى الحداثية والديمقراطية، بدون حسابات ضيقة إلا الحساب الذي يدعم التطور الديمقراطي وبناء الدولة العصرية الحديثة. إن تعدد التعبيرات الحزبية الديمقراطية ليس خسارة أو خطأ في ذاته، إنما الخطأ والخسارة التي لا تغتفر أن تكون هناك شروط ناضجة للتقاطب، فتتم معاكستها ومعاندة ضروراتها لأسباب ذاتية ضيقة، أو لقصر نظر لا بد وان تؤدي حركة التقدم، إن عاجلا أو آجلا، ثمنه الغالي. هناك حركية عامة لإعادة هيكلة الفضاء السياسي، وفي المستقبل القريب سوف تتم إعادة هيكلة هذا الفضاء، فلا معنى لاستمرار هذه البلقنة والتشتت في العمل السياسي، لهذا علينا أن نسير في اتجاه بناء تكتلات كبرى مبنية على التقارب من حيث التوجهات والأهداف، وهذه المسالة هي واحدة من العمليات الكبرى التي نحتاج إليها إذا ما رغبنا في أن تؤدي الانتخابات المقبلة بالفعل إلى تجديد تمثيلية الشعب المغربي وإبراز أغلبية واضحة باختيارات يدعمها الشعب المغربي. إن التقاطب الديمقراطي بات يتشكل اليوم من كل القوى النابعة من المجتمع، والتي تحمل مشروعا ديمقراطيا، وتناضل بالوسائل الديمقراطية لبلوغه ولأن الأشياء تعرف بضدها، فإن التقاطب المعاكس يتشكل من القوى التي تقاوم إقامة النظام الديمقراطي، أو أنها تستعمل لتحقيق أهدافها وسائل غير ديمقراطية. إننا نضع هذا التصنيف، ونحن نفكر في طبيعة المرحلة الانتقالية، باعتبار إن الأهداف الممكنة في مرحلة تاريخية معينة، هي البوصلة التي نحدد بها مواقع اصطفاف كل القوى السياسية والمجتمعية. والغاية المحددة لطبيعة المرحلة الانتقالية، هي في رأينا، التمكن من الوصول إلى تثبيت نظام مؤسساتي ديمقراطي، بكل الخصائص " المتعارف عليها دوليا ". إن هذه الغاية التي يتوقف عليها تقدمنا التاريخي في مجموعه، تتقاسمها مجموعة من القوى السياسية تتفاوت وتختلف في منشئها ومصالحها وثقافتها ومواقعها الاجتماعية الرئيسية، تتقاسمها قوتان أساسيتان هما حزب الاتحاد الاشتراكي والأصالة والمعاصرة . هناك طبعا من يستبعد إمكانية التحالف بين الاتحاد والبام، بل ويعتبر هذا التحالف مستحيلا، بدعوى أن الاتحاد حزب اشتراكي ويساري في حين أن البام حزب ليبرالي ويميني. اعتبر هذا الطرح طرحا أصوليا ما دام انه لا يأخذ بعين الاعتبار التغيرات التي مست مفهومي الاشتراكية واليسار، وما دام أنه لم يستوعب، أو لا يريد أن يستوعب، التحولات التي يعرفها المشهد السياسي بالمغرب. إن المعايير التي على أساسها كانت تصنف الأحزاب طرأت عليها تغيرات نوعية: أولها، أن المعيار الايدولوجيي لم تعد له نفس المكانة المتميزة التي كانت له، إذ كيفما كان موقفنا من الايدولوجيا أو تأويلنا لها، فإن الايدولوجيا الاشتراكية التي كانت العامل الأكبر في تصنيف اليسار عن غيره بما كانت تتمتع به من انسجام داخلي وتماسك نظري، هي اليوم مجرد مواقف اعتراضية على مبالغات ليبرالية، وأسئلة أكثر منها أجوبة لمشروع مجتمعي واضح الفروقات والمعالم، يمكنه أن يشكل أرضية لهوية يسارية اشتراكية ناضجة... إن المعاودة الجديدة للاشتراكية كمنظومة ايدولوجية طرحت في نهاية القرن الماضي الانتماء، الى الحركة التاريخية الاشتراكية لا الى رمز من رموزها او نموذج من نماذجها، وهذا استلزم ادماج الثقافة الليبرالية والديمقراطية السياسية ضمن المنظومة الاشتراكية، والاعتراف بالسوق في اطار تحقيق العدالة الاجتماعية، القبول بالعولمة مع الوعي بان اشتراكية قائمة على المحاسبة وعلى المعرفة بالمعطيات الجديدة لعصرنا بامكانها ان نخفف من الاثار السلبية للعولمة (التفقير، تهديد الديمقراطية، سيادة سلطة المال والثقافة البرصوية..). لقد حدثت اذن تحولات في البنية الايديولوجية للاحزاب الاشتراكية، تخلصت من قيد الحليف الشيوعي وراهنت على دمقرطة المجتمع المدني وتبنت على المستوى الاقتصادي براغماتية نفعية وحسا تاكتيكيا على المستوى السياسي. هذا البعد البرغماتي هو الذي بتفاعله مع محيطه ومع تطور البنى المؤسساتية الوطنية والظرفية الاقتصادية الدولية اعطى شخصيات جديدة تتسم بالدينامية والذكاء السياسي وحس العلاقات الاجتماعية وفلاحة الشخصية الفاتنة اعلاميا ( جوسيان وبلير وشرودر وزبتيرو... ). شخصيات عملت على تطبيق اصلاحات ذات خلفية راسمالية ليبرالية اعطت الثقة للمستثمرين والمنتجين والعاطلين، وتشجيع اصحاب رؤؤس الاموال على المبادرة، وعيا منها ان الرأي العام يحلم برؤية اشتراكية اكثر اخلاصا للفكرة الليبرالية المستنيرة. من هنا تجرع الاشتراكيين الكأس الليبرالية، من هنا دفاعهم المستميت عن اقتصاد السوق، وليس سوق الاقتصاد، كما كان يقول جوسبان وبلير... قد يقول قائل ماذا تبقى من الفكرة الاشتراكية؟ اقول تبقى فكرة الديمقراطية في بعدها الاجتماعي الحمائي، يبقى التشبت بفكرة اقتصاد السوق اداة اغناء المجتمع لا وسيلة احتكار، يتعلق الامر بالنسبة للاشتراكية بإرث حضاري ومجموعة قيم ذات طابع سياسي مؤسساتي تربوي وأخلاقي، وهذا الإرث لا يجب اليوم أن يكون إرثا ثقيلا ولا انجازا للاستعراض، ولكن إلهاما لمواجهة مشاكل ذات طابع جديد كل الجد، وهذا ما لم يستوعبه محمد اليازغي حين يقول: " الأصالة والمعاصرة تسعى الى تنظيم قطب ليبرالي، اما الاتحاد فهو حزب اشتراكي، وبالتالي، لا يمكن أن يكون طرفا في القطب الليبرالي، يمكن أن يتحقق نوع من التعاون مع الليبراليين، في اطار الأغلبية. لكن لا يمكن أن يكون مندمجا في القطب اليبرالي، تحالف الاتحاد الاشتراكي هو داخل الكتلة، وانتم تتابعون اليوم محاولات تأسيس القطب الليبرالي، هل سيكون في اطار وحدوي، أم في اطار تعددية، هذا ما ستبديه الايام.. ( حوار صحفي مع ذ محمد اليازغي – الصباح 05/02/2010 العدد 3055 ) يستبعد محمد اليازغي، إذن، تحالف الاتحاد الاشتراكي مع ألبام لأن الاتحاد حزب اشتراكي وحزب الأصالة والمعاصرة حزب ليبرالي. ويظهر أن اليازغي ما زال حبيس التصنيفات المتجاوزة ايدولوجيا، كما أنه لم يستوعب التحولات الفكرية والسياسية والاقتصادية التي مست الايديولوجيا الاشتراكية.. ان الذي يضع حزبا معينا تحت المجهر ليكتشف الى أي حد هو اشتراكي يرتكب خطأ منهجيا فادحا. فالذي يحدد طبيعة اشتراكية أي حزب ليست المبادئ الاشتراكية النازلة من علياء سمائها، بل الوقوف ضد القوى المحافظة المتشبتة بامتيازاتها واحتكاراتها. الاستنكار العنيف لكل ما يمس كرامة الفرد، الدفاع المستميت عن دولة المؤسسات الضامنة للعدالة والمواطنة... يقول صلاح الوديع " ... في جزب الاصالة والمعاصرة لم نقل يوما في أي وثيقة من وثائقنا او تصريحاتنا اننا نوجد في القطب الليبرالي. بكل تأكيد نحن من دعاة الديمقراطية والحداثة، ولن نناقض أبدا الاقتصاد الليبيرالي في حد ذاته، بل نرفض الاختيارات المتوحشة فيه، لكن نولي اهتماما خاصا للهم الاجتماعي ولحق الفئات المحرومة في التنمية. نحن مع رأسمال وطني نشيط ومقدام، لكن أيضا مسؤول اجتماعيا، بالتالي هناك احتمالات متعددة لتتقارب مع الاحزاب التي تشاركنا هذا الاختيار (...). ليس لنا اليقينيات نفسها في تصنيفات اصبحت هي نفسها موضوع مراجعة في الفكر السياسي العالمي. المهم أننا نولي عناية خاصة للدمقرطة والمؤسسات وقيم المواطنة، ونهتم في الوقت نفسه بالمسألة الاجتماعية، الانصات للمواطنين واستحضار الهم الاجتماعي يجعلنا أقرب الى حساسية اشتراكية ديموقراطية..( الجريدة الاولى الاربعاء 17/02/2010 العدد 537). يظهران صلاح الوديع استوعب صيرورة الفكر الاشتراكي في حين ما زال محمد اليازغي مستسلما لشعارات افقدها التطور التاريخي الكثير من بريقها. ومن هنا يمكن القول انه آن الأوان ليستريح سي محمد اليازغي بيولوجيا وسياسيا. ثانيها: إن المعيار السياسي قد تعرض هو الاخر لتحول نوعي، فما كان يعرف " بالخط الثوري " خلال الستينات وبداية السبعينات، وبالنهج الديمقراطي – الراديكالي من منتصف السبعينات الى بداية الثمانينات كلاهما اصبحا من الماضي، بعد ما حل محلها نهج تراكمي – ديمقراطي – اصلاحي توافقي، تمثل حكومة التناوب نموذجا عنه. وقد شارك محمد اليازغي في هذه الحكومة بحقيبة ثقيلة لينتهي به الامر في الحكومة الحالية وزيرا بحقيبة فارغة، انه اشتراكي! من هنا فالطرح الذي يصادر تحالف الاتحاد الاشتراكي مع الاصالة والمعاصرة بدعوى ان هذا الاخير تكرار لتجربة الفديك او ذراع المخزن او استنساخ للاحزاب الادارية طرح متهافت، لا علمي ولا تاريخي، لأن ما يميز الظاهرة الانسانية هو أنها ظاهرة متغيرة ونسبية، ظاهرة لا تتكرر في الزمان والمكان، والظاهرة الحزبية/ السياسية باعتبارها ظاهرة انسانية لا يمكن أن تتكرر، فالتاريخ لا يعيد نفسه. من هنا لا يمكن أن نقارن بين تجربة الفديك وحزب الاصالة والمعاصرة، وذلك لاختلاف السياقات والفاعلين وطنيا ودوليا، فلفيدك جاءت في مرحلة صراع بين المؤسسة الملكية واحزاب الحركة الوطنية انذاك، وجاءت لتلعب دورا في مباشرة قواعد اللعبة السياسية التي رفضتها المعارضة، بمعنى فتح النظام السياسي وتجسير مؤسساته وتجنيبه كل الانحصارات الممكنة، خلقت في مناخ كان بطبعه صراع الوجود بين المؤسسة الملكية والقوى المعارضة( القوة الاتحادية اساسا)، بحيث كان كل طرف يروم تدمير الآخر بالخطاب والفعل، وتجدر الإشارة هنا الى أن قوى المعارضة في الستينات والسبعينات والتمانيناث كانت قوية من حيث مشروعية الخطاب، ومن حيث التجذر في المجتمع ومن حيث الهيمنة على مختلف المؤسسات الجماهيرية... اما حزب الاصالة والمعاصرة فهو يولد في سياق مغاير، في سياق اضحت فيه معارضة الامس اغلبية اليوم، واصبح التطبيع السياسي بين النظام ومعارضيه السابقين يكاد يكون تاما. لقد اصبح شعار المرحلة، منذ اواخر التسعينات هو التوافق مع المؤسسة الملكية، بل أن الأحزاب ما فتئت تردد أنها " أحزاب الملك". لقد انشء حزب الاصالة والمعاصرة في لحظة تاريخية انتهت فيها احزاب الحركة الوطنية واصبح المشهد السياسي يعرف تصنيفات حزبية اخرى، وبالتالي فإن حزب الاصالة والمعاصرة هو حزب سياسي كبير تلتقي داخله بعض المكونات الحزبية والمدنية لمواجهة " أخطار" حقل سياسي، إما أنه غير مسيس، أو مسيس بذاكرة قديمة، تجاوزته الطلبات الاجتماعية والاقتصادية في مفهومها الجديد للسياسة، وبدأ ينتج ظواهر فردانية أو جماعية سلبية جديدة. وبعيدا عن احكام القيمة، فحزب الأصالة والمعاصرة لا يمكن اعتباره نسخة مكررة من " التجمع الوطني للأحرار" سنة 1978، و " الاتحاد الدستوري" سنة 1983. فمن حيث الشكل تمكن الاشارة الى نقطتي اختلاف اساسين: تتعلق النقطة الأولى بكون حزب الأصالة والمعاصرة حصل على مشروعيته الانتخابية من موقعه كحزب معارض للأغلبية الحكومية. - ترتبط النقطة الثانية بكون هذا الحزب لا يجعل من نفسه تابعا للإدارة الترابية بقدر ما يعتبر نفسه مواجها لها. في هذا الاطار نفهم جواب ادريس لشكر على سؤال المساء: " أين وجه التقارب مع الأصالة والمعاصرة؟ ألا تعتقد أنه يمثل ذراع المخزن كما كان يقول بعض الاتحاديين" لنتأمل جيدا جواب لشكر(هل بأدبيات الستينيات والسبعينيات أم أدبيات الاتحاد التي تتطور؟. الاتحاد لا يتحدث عن المخزن بالمفهوم السابق ونحن منخرطون معه في بناء المغرب الجديد" – جريدة المساء. العدد 1047 التلاثاء 02/02/2010. - ثالثها: تغير المعيار الاجتماعي من حيث ان اليسار لم يعد يؤسس هويته على نقاوة طبقية يزعم انه يمثلها، خاصة انفراده بتمثيل الطبقة العاملة...فلاسباب عديدة صاحبت تحولات العصر، ومنها التحديات التي باتت تواجه الوطن بكل مكوناته الاجتماعية في مخاض العولمة الزاحفة، أصبحت الأولوية لتمثيل المصلحة الوطنية العليا في إطار نهج يسعى الى التوافق والعدالة الاجتماعية. هذه التغيرات تجعل يسار الأمس ليس هو يسار اليوم، وتستدعي بالنتيجة التفكير في تحديد مرجعية أو معياره الراهن. ان مفهوم اليسار، كغيره من المفاهيم، مشروط بنسبيته وبتغير الظروف المولدة له والمتفاعلة معه، وما يجعلني شديد التحفظ من الاستعمالات الجارية لهذا المفهوم، أنه ما زال مثقلا برواسب الماضي، حيث كانت المفاهيم دلالة قيمة ايدولوجية مضخمة، تبطل دورها كأداة تحليلية للاقتراب من صورة الواقع المعقد... إذ يكفي أن ينعت حزب أو تيار معين نفسه باليسار، لكي يمنح لنفسه وبنرجسية ايدولوجية متعالية كل الامتياز في امتلاك الحقيقة المطلقة. ولعل في ذلك ما يفسر تلك الراحة الايدولوجية والوثوقية السياسية التين طبعتا تجربة اليسار الجديد في تلك الرحلة، وعلى غير ما نراه في تجربتنا السياسية المغربية، لم يعد لهذا المفهوم في التجارب الغربية أي مدلول قيمي سحري... فلا اليمين يشعر بالنقص وهو يحمل هذا الاسم صراحة وعلانية... ولا اليسار يكسب لنفسه أفضلية مسبقة من تموقعه ذاك، هنا، إذن، الأسماء هي مجرد اسماء... لا يمكن أن تكون لها دلالة إيجابية مسبقة، سوى ما قد حصلت أو تحصل عليه في الممارسة العملية. واستيعابا لهذه التغيرات الفكرية والسياسية، وبذكاء سياسي تشكل حزب الأصالة والمعاصرة الذي بدأ كحركة داخل المجتمع المدني، مستقطبا أطرا من اليسار ومن اليمين، فحطم الجدار الذي كان يفصل بين فاعلين سياسيين كان الجمع بينهما بالأمس مستحيلا. وبفضل اجتهاداته على مستوى التنظيم وإبداعاته على مستوى أساليب الأشتغال، برز حزب " البام" في الاستحقاقات الأخيرة كقوة أولى في المغرب. أما بالنسبة للاتحاد الاشتراكي أكبر أحزاب اليسار المغربي، فرغم الكبوة التي مسته في الانتخابات الأخيرة، فإن من الخطأ الاعتقاد بأن أضعافه يخدم الديمقراطية والحداثة، وهذه إحدى الخلاصات التي لن تبرح فصائل اليسار المشتت ان تقر بها على اعتبار ان خيارات التحديث والديمقراطية لا يمكن ان تتحقق بدون حزب من وزنه. وهذه قناعة وعاها حزب الأصالة والمعاصرة، يقول صلاح الوديع" ... اذا عدتم الى وثائقنا فستجدونها منحازة في ما يخص التحالفات،للصف الديمقراطي دون إقصاء او استثناء، اعتبرنا منذ البداية الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية جزءا من هذا الصف..." إن حصيلة تطور الحقل السياسي المغربي، من وجهة تشكل التحالفات السياسية، تفضي الى تأكيد حقيقة مفادها أن الاتحاد الاشتراكي هو ملك لكل الديمقراطيين وليس ملك نفسه، وهو بذلك معني، من وجهة نظر التاريخ، ليس بمصيره الخاص فقط، بل بمصير العائلة الديمقراطية كلها، والعائلة التحديثية بشكل عام، وعلى هذا الاساس ينظر اليه كرقم اساسي في اجندة البلاد وعلى هذا الاساس مطلوب منه ان يتصرف. وحتى النتائج السلبية التي حصدها والتي لابد من معالجة اسبابها، يمكن ان تقرا رمزيا باعتبارها نوعا من القسوة على من ننتظر منهم افضل مما انجزوا... وربما يكون على الحزب، والحالة هذه، أن يستحضر حين الاقدام على المراجعات واتخاذ القرارات، أن يستحضر كل الخلخلة التي يتطلبها الحقل السياسي من اجل تعزيز قوى الحداثة، والطريق الذي لا زال ينتظر المغرب في مجال التحديث. ويتعين على الحزب في هذا الاطار ان يعيد النظر في تحالفاته التقليدية التي املتها ضرورة تاريخية اصبحت الآن متجاوزة. من جهة اخرى ، هناك سؤال لابد أن يجيب عنه رجال السياسة الاتحاديون المنسحبون أو المنشقون عن الاتحاد الاشتراكي: على ضوء نتائج الانتخابات، أي قيمة اضافية في اعادة تشكيل الخريطة السياسية، جاءت بها مبادرتهم! وإلى أي حد ساهم اختيارهم في اضعاف الاتحاد الاشتراكي دون أن ينجحوا في المقابل إنشاء أحزاب بديلة ذات شأن أو تقوية اليسار السبعيني، والارقام المسجلة دليل على ذلك ولا ضرورة للتذكير بها... وهناك مثال ساطع عن الارتباك الحاصل في اليسار وهو ما جرى في دائرة " المحيط" بالرباط حيث ترشح ممثلان قياديان لحزبين يساريين متحالفين، مما أربك حسابات المناضلين قبل المواطنين، فالمناضلون أنفسهم لم يفهموا المغزى السياسي للواقعة، فما بالك بالمواطن العادي الذي لم يجد خير من إثارة الظهر لكل هذا اللامنطق... والأرقام أوجع من أن يتم التذكير بها. إن هذا الارتباك قد شكل عنصر هشاشة وتصدع وفقدان مصداقية مهما كانت اخلاقيات المنطق، وأكد انحسار التأثير الحزبي المحنط في الرضا عن الذات المسربلة بالامجاد النضالية التاريخية. لحسن حظنا، لم يعد هناك ذو عقل يمكن، بعد كل هذا أن يعلو كرسي الاستاذية ليفتي الفتاوى ( هذا اشتراكي وذاك ليبرالي) ويوزع النقط والميداليات، ويقرر في لائحة الفائزين والراسبين في مسار بناء الديمقراطية، ان السياسة هي فن المراكمة الصبورة وتحضير الطفرات النوعية بالعمل الطويل النفس الخاضع للتقييم الدوري لا الاستاذية المتعالية على واقع السياسة المعطى تاريخيا، هنا والآن، وعبرة السياسة الحقيقية هي بنتائجها وليس بالنيات. ان الأصالة والمعاصرة حزب جديد والاتحاد الاشتراكي حزب تاريخي، وتاريخيته تشكل إلهاما لمواجهة اشكاليات ذات طابع جديد كل الجدة، والتحالف مع البام احدى هذه الاشكاليات. ولكي يكسب الاتحاد الاشتراكي الرهان عليه ان يقطع مع الزعامة التقليدية لانه في حاجة الى زعامة وظيفية، وهذا ما يميز لشكر عن اليازغي والاخرين... ذ.عبد السلام المساوي"الجهة الشرقية"