قصة جريمة : الرأس المقطوع جريمة شنعاء اهتز لها الرأي العام الوطني وبصفة خاصة ساكنة العاصمة الإسماعيلية مكناس خلال منتصف تسعينيات القرن الماضي بطلها عبد الرحمان الملقب "بمجينينة". خروج "مجينينة" من السجن ذ.إدريس العولة بعدما قضى مدة طويلة في غياهب السجن المركزي بمدينة القنيطرة فاقت عقدين من الزمن، تم نقله وترحيله نحو السجن المحلي لسيدي سعيد بحاضرة مكناس لإتمام ما تبقى من العقوبة الحبسية، بتهمة تكوين عصابة إجرامية خطيرة تمتهن السرقة باستعمال العنف، واعتراض المارة وسلب ممتلكاتهم من خلال التهديد بواسطة السلاح الأبيض والاغتصاب والضرب والجرح وغيرها من التهم الأخرى التي كانت لا تعد ولا تحصى اتخذ أفراد هذه العصابات من جنان "المصطفي" المحيط بحي "عين الشبيك" أكثر الأحياء بالمدينة شهرة في عالم الإجرام، ملاذا آمنا لهم بعيدا عن أعين رجال الأمن الذين كانوا يجدون صعوبة بالغة في اقتحام واختراق الفضاء الشاسع لهذا الجنان، المتميز بوعورة مسالكه، وكثرة الكهوف والمغارات التي حولوها أفراد هذه العصابات لبيوت تأويهم لممارسة طقوسهم الخاصة من عربدة واغتصاب لفتيات قادتهن ظروفهن بين مخالبهم،قبل أن يجهز الحديد والإسمنت على هذا الجنان ويطاله البنيان والعمران، وقد شهد جنان المصطفى وقوع العديد من الجرائم الشنعاء، وتبقى تلك التي ارتكبها عبد الرحمان الملقب "بمجينينة" من أبشعها حيث استأثرت باهتمام بالغ من طرف الرأي العام المحلي والوطني، نظرا للظروف المصاحبة لوقائعها التي لم تكن في واقع الحال بغاية السرقة أو الانتقام بل كانت بدافع الخوف الذي همين على "مجينينة" بعدما فقد الهيمنة والسيطرة على الجنان حينما دخلت عصابة قوية على الخط تحت قيادة المدعو "حنيفيزة" الذي توعد الزعيم البائد بأشر الانتقام، بعدما فقد الأخير الهيمنة والسيطرة على الجنان خصوصا بعد سقوط العديد من أفراد عصابته في شباك الأمن، ودخلت عناصر أخرى من مجموعته في صراعات ومعارك ضارية أدت إلى الإجهاز على حياة الرجل الثاني في المجموعة ويتعلق الأمر بالمدعو الديناصور على يد عنصر آخر يدعى الفأر وهو ما علق عليه أحد الظرفاء من سكان عين الشبيك" فأر يقتل ديناصورا" خروج "مجينينة" من السجن عانق "مجينينة" الحرية من جديد خلال نهاية ثمانينات القرن الماضي، وجد كل ملامح المحيط الذي ولد وترعرع فيه تغيرت، البنيان والعمارات حلت مكان الأكواخ والبيوت الطينية يحي "برج مولاي عمر" أكبر تجمع صفيحي بالعاصمة الإسماعيلية، قرر حينها أن يتخذ من عمق جنان المصطفى مأوى له ليعيش عالمه الخاص به، بعيدا عن أعين رجال الأمن الذين كانوا يشنون حربا شرسة ضد العصابات الإجرامية التي كانت تتخذ من الحيين المذكورين قاعدة خلفية لتنفيذ مخططاتها ليلا ونهارا في بعض شوارع المدينة. تخلى "مجينينة" عن باقي رفاقه القدامى في عالم الإجرام، وجند مجموعة من الشباب في صفوف عصابته، واستحوذ على جزء مهم من الجنان وبدأ يستغل خيراته لصالحه، من خلال الاستعانة بأفراد عصابته وبعض من المراهقين في جني المحاصيل من خضر وفواكه وإعادة بيعها في الأسواق، إذ لم يقو صاحب الجنان على مواجهة جنود "مجنينة" الذي كان نادرا ما يبرح مكانه خوفا من سقوطه في قبضة رجال الأمن الذين كانوا يتحينون الفرص للإطاحة برأسه، إذ كانت تجد العناصر الأمنية صعوبة بالغة في ملاحقته وتوقيفه لسببين رئيسين: أولا تغلغله داخل "الجنان" ومعرفته الجيدة بتضاريسه ذات المسالك الوعرة، إضافة إلى توفرالمكان على العديد من الكهوف والمغارات العميقة يصعب الوصول إليها، أما العامل الثاني يتمثل في شراسة أفراد العصابة التي كانت لا تتوانى في مواجهة ومجابهة العناصر الأمنية ، إذ كان "مجينينة" لا يتردد في إعطاء الدروس في التمارين الرياضية الخاصة بفنون الحرب والقتال لأفراد عصابته على شاكلة أفلام الكاراطي، والأفلام الهندية التي غالبا ما كان يشاهدها في ريعان شبابه بسينما"الأطلس" وتأثر بشكل كبير بأفلام "الشاولين" ويبدو ذلك جليا من خلال لباسه الذي عبارة عن قبعة تشبه إلى حد كبير تلك التي يرتديها الصينيون، سروال فضفاض يتدلى منه سيفا طويلا، وحذاء رياضي خفيف، أما الجزء العلوي من جسده فيظل عاريا ومكشوفا صيفا وشتاء ، إذ كان "مجينينة" يظهر عضلاته القوية والمفتولة المنمقة والمطرزة بالوشم، كما كان يفضل في بعض المرات زيا عسكريا، ولعل ما كان يميز جسد "مجينينة" عن باقي أفراد عصابته وباقي أفراد العصابات الأخرىبخصوص الوشم، ذلك اللوحة الجميلة المرسومة بدقة متناهية في الجزء العلوي من صدره، وهي عبارة عن نسر يحمل حملا بين مخالبه خطفه للتو من قطيع للغنم في غفلة من الراعي. سقوط بعض أفراد العصابة أدى إلى انهيار امبراطورية "مجينينة" بدأت الحرب التي شنتها الصالح الأمنية على العصابات الإجرامية بمحيط حي "مولاي عمر" وباقي الأحياء المجاورة لها تثمر أكلها، أفراد عديدة من عصابة "مجينينة" تهاوت وتساقطت في قبضة العدالة، بدأ التنظيم يضعف شيئا فشيئا، وخصوصا بعدما تلقى هزيمة قوية ضد عصابة "حنيفيزة" رفيقه السابق في الدرب وفي الإجرام أيضا، حيث خلفت هذه المعركة إصابات بليغة وخطيرة في صفوف بعض من أفراد عصابته وتحولوا إلى فريسة سهلة لرجال الأمن، حينها شعر "مجينينة" بالخوف وأصبح الخطر يهدد حياته من طرف عصابة "حنيفيزة" الذي أقسم بأغلظ إيمانه أن ينتقم منه شر انتقام، مجرد ما يمتثل للشفاء، بعدما فقد عينه اليسرى في معركة ضد غريمه "مجينينة" الذي ظل يتوارى عن الأنظار ولم يعد يظهر بالشكل المعهود داخل جنان "المصطفى" الأمر الذي دفع بغريمه تجنيد أحد الشباب يدعى "ولد الطبال" لمراقبته وتتبع خطواته و تحركاته داخل الجنان من أجل توقيفه وتقديمه كهدية ثمينة لعدوه "حنيفيزة" من أجل تنفيذ القصاص فيه والانتقام منه أشر الانتقام، إذ كان "مجينينة" يدرك جيدا مصيره المجهول إن وقع في شباك غريمه التقليدي. ولما فطن للعبة وعلم أن ولد الطبال تم تسخيره من طرف خصومه، قرر أن ينتقم منه بطريقته الخاصة والتي لم تكن وليدة الصدفة بل جاءت من منطلق تفكيره في ارتكاب جريمة شنعاء من شأنها أن تخلف ردود أفعال قوية وتحدث نقاشا طويلا داخل المجتمع،وبالتالي التخلص من الكابوس المزعج الذي أصبح يطارده من طرف "حنيفيزة" أرسل "مجينينة" ولد الطبال إلى "حمرية" القلب النابض للعاصمة الإسماعيلية، من أجل جلب كمية كبيرة من الخمور الحمراء التي تحمل اسم الشمس الدافئة"شود صولاي" وهو نوع الخمور التي كان يفضلها الزعيم في شربه، إضافة إلى بعض المستلزمات الأخرى الضرورية في لحظة خمرية كهذه، عاد ولد الطبال من سخرته، وهو لا يدري أن سيف "مجينينة" ينتظر فصل رأسه على جسده، نفذت قنينات الشمس الدافئة، وأوشكت شمس السماء على المغيب، لعب الخمر في رأس "مجينينة"، إذ قام حينها بربط الشاب بواسطة سلك حديدي رقيق على جدع شجرة زيتون وعلقه كما تعلق الشاة، وشرع في استنطاقه ولما أقر واعترف الضحية بهدفه المتمثل في لإطاحة برأسه لفائدة غريمه، لم يجد "مجينينة" بدا من فصل رأسه على جسده بواسطة سيفه الحاد. يضع رأسا آدميا في كيس بلاستيكي ويتجه نحو إحدى حانات المدينة وضع الرأس المقطوع ببرودة دم في كيس بلاستيكي أسود اللون، ترك الجسد معلقا في جدع الشجرة وشق طريقه نحو وسط المدينة، وصل إلى "حمرية" عرج نحو إحدى الحانات، شرع في طلب الخمر، الكيس بين رجليه، أوشكت الحانة على إغلاق أبوابها بدأت تلفظ روادها، طلب النادل منه أن يؤدي ما ذمته، حينها لم يتردد من إخراج الرأس الآدمي المقطوع من الكيس البلاستيكي، ويضعه فوق الطاولة قائلا للنادل "ها لي غادي يخلصك" حالة من الخوف والرعب حينها سادت داخل الفضاء ، صراخ وعويل وإغماءات في صفوف السكارى، من هول ما شاهدت أعينهم من منظر مقزز حقا، حافظ "مجينينة" على هدوئه غير مبال ولا مكترث لما يقع ويحدث من حوله، منهمكا في شرب خمره، ينتظر وصول رجال الأمن، الذين حلوا فورا إلى المكان مجرد توصلهم بالخبر، وجدوه في وضع عاد وهادئ لم يبد أية مقاومة سلم سلاحه، طلب من "البوليس" لحظة لتتمة ما بقي من خمر، حينها سأرافقكم أينما شئتم، لبى "اليوليس" طلبه ليتم بعد ذلك اقتياده نحو مخفر الشرطة غير بعيد عن الحانة، لتعميق البحث معه بخصوص الجريمة الشنعاء التي اقترفتها يداه، إذ لم يجد المحققون أي صعوبة في استنطاقه،بعدما اعترف ومن تلقاء نفسه بكل تفاصيل ومجريات هذه الجريمة البشعة التي استأثرت باهتمام بالغ من طرف الرأي العام المحلي والوطني وأصبحت حديث العام والخاص. حيث تم إحالته على قاضي التحقيق لتعميق البحث معه، وهو البحث الذي أفضى إلى إصدار حكم الإعدام، وهو الأجراء الذي نفذه في نفسه من خلال إقدامه على الانتحار داخل زنزانته، وبالتالي تم إسدال الستار على أخطر جريمة عرفتها مدينة مكناس خلال نهاية القرن الماضي نتيجة الظروف المحيطة بها.