السلوك العدواني، المتأصل لدى حكام الشعب الجزائري الشقيق تجاه المغرب، يثير الشفقة حول ما آلت إليه درجة اللامسؤولية والاستهتار بقيم الإسلام والعقل والقومية والتاريخ والمستقبل، ومشاعر شعوب الغرب الإسلامي المتطلعة إلى العيش في فضاء واسع ومريح، يرقى بساكنته في سلم التقدم والسِّلم والتبادل العقلاني للمنافع، والتصدي المشترك للتهديدات التي يموج بها العالم اليوم. فحكام الجزائر، المهووسون باستنزاف المغرب على امتداد أربعة عقود من مدخل قضية الصحراء المغربية، لم يدخروا وسعا لجعل هذه القضية مبتدأ وخبر سياستهم الدولية. ولذلك لا تكاد تجد للجزائر ذكرا أو بيانا أو بلاغا أو كيدا معلنا أو خفيا في المحافل العالمية إلا في ارتباط بهذا الملف. أنفق حكام الجزائر زهرة مال البترول، الذي يعد قوت الشعب الجزائري المغلوب على أمره، ليس في بناء حياة كريمة لشعب مجاهد كافح من أجل الكرامة والعيش الآمن مع إخوانه من شعوب المنطقة.. بل صنعها في مكر بالليل والنهار قصد فصل الصحراء المغربية عن امتدادها الأصيل، وإقامة كيان مصطنع ضدا على الإرادة الوحدوية التي تموج بها أفئدة الشعوب المغاربية. لو أغدق عسكر الجزائر جهدا وإخلاصا مماثلين لقضية فلسطين العادلة، لحققوا وحدة المواقف العربية والإسلامية والإفريقية والعالمثالثية ودول عدم الانحياز واشتراكيو العالم..و..و.. ولقامت للفلسطينيين دولة منذ سنوات! لو استثمر حكام الجزائر ذكاءهم ونفطهم وشجاعتهم لصالح جحافل الشباب الجزائري، الذي باتت أسرابه تهاجر وتزحف نحو الشمال، لكانت الجزائر دولة تموج بالعلم والعلماء، ولتحقق لها رفاه مقدر تباهي به أمام العالمين. لم يحقق حكام الجزائر من ذلك شيئا على الإطلاق.. إنهم منشغلون بقضيتهم المقدسة: فصل الصحراء عن المغرب!! إن الجزائر خسرت بسبب هذه الطينة الغريبة من حكامها خسارة مطلقة، يؤكدها ما يلي: خسرت الجزائر معركة الديمقراطية منذ انقلاب حكامها على اختيار الشعب سنة 1991، ودوس الجزمة العسكرية على الصندوق الزجاجي.. خسرت الجزائر أمنها واستقرارها في حرب داخلية طاحنة خلفت وطنا كسيرا وشعبا جريحا، وأفقا مفتوحا على كل احتمالات الكراهية المجتمعية والتمزق المشاعري لأبناء الوطن الواحد.. خسرت الجزائر ثروتها في معارك وهمية، وحروب استنزاف، ذهب ريع ثمنها من تجارة السلاح وموارد النفط إلى جيوب الماسكين بالقرار، انتفخت به حساباتهم البنكية وعقاراتهم في الزوايا الأربع للأرض. خسرت الجزائر تنميتها وعيشها الكريم، فهي لا تجد شغلا لأبنائها "الحيطيين" الذين ركبوا بالآلاف زوارق الموت طلبا لعيش أفضل.. خسرت الجزائر جوارها، وقد فرخت سياساتها الرعناء كراهية لحكامها، ومقتا شديدا لصورتهم الكئيبة وهم ينتصبون رموزا للفشل في إعطاء السياسة معنى إنسانيا نبيلا: عنوانه الحوار والتواصل والوحدة ولغة المصالح المشتركة، كما يفعل عقلاء الشمال.. خسرت الجزائر أمنها، وقد أنتجت حربها الداخلية مناخا ملائما لانتشار حرب عصابات عنيفة في جنوب الصحراء يهدد اتساعها أمنها الخاص وأمن واستقرار المحيط المغاربي بأكمله.. خسرت الجزائر نعمة الانفتاح.. فحدودها مغلقة على أكبر شعب يعيش بجوارها، حتى ولو لم تكن تربطه بها إلا مصالح العيش الدنيوي الفاني.. خسرت الجزائر صورتها "الثورية" فصارت، بعد عجز الفيالق المسلحة للبوليساريو عن تحقيق المطلوب، تراهن على امرأة فاقدة للبوصلة، أو جماعة من الشباب المغرر بهم مخابراتيا.. تدبر بهم معركة من معاركها الكثيرة الخاسرة.. خسرت الجزائر معاني انتمائها الإسلامي بجماليته المنغرسة في تربة التوحيد.. وعقيدة "ولا تنازعوا".. وهدي من قال "المسلم أخو المسلم لا.. ولا.. ولا..".. خسرت الجزائر حقوقيا، وهي تحتجز لعقود طوال آلاف البائسين المطوقين والمحروسين بعصابات مأجورة في فضاء مفتوح على كل الانتهاكات.. خسرت لأنها توفر بهم فرصة للارتزاق بالغوث الدولي الذي يتدفق لجيوب قيادة وديعة تسكن في فنادق الجزائر العاصمة وشققها المكيفة.. خسرت لأنها ترفض إحصاءهم كما يفرضه المنطق الحقوقي الإنساني وكذا القانون الدولي.. خسرت الجزائر نفسها لأنها صورة شاحبة لما يمكن أن يكون عليه "لا شيء"..! خسرت الجزائر نفسها لأنها لا تبصر.. وأنى لها أن تبصر بمن لا يبصرون! خسرت الجزائر تاريخها لأنها لا تعرف كيف تنظر إلى المستقبل.. وكيف تنظر إلى المستقبل بمن عيونهم في القفا! خسرت الجزائر جمالها الثوري.. وهل يكون جمال ثوري مع قبح السياسة..؟! خسرت الجزائر المغرب.. والمغرب لم يفكر يوما في أن يخسر الجزائر، رغم موبقات حكامها وكبائرهم التي يخجل الشيطان من تفاصيلها..! إن خسارة الجزائر خسارة مطلقة.. والخسارة المطلقة لا تنصلح إلا بتوبة نصوح! ذ.الحبيب الشوباني