زيارة الرئيس الفرنسي تثمر التوقيع على اتفاقيات مهمة في قطاعات الصناعة والتعليم والسكك الحديدية من شأن زيارة الدولة التي سيقوم بها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند للمغرب، وهي الأولى من نوعها منذ انتخابه في ماي 2012، «إعطاء نفس جديد» للتعاون بتوفير وسائل جديدة من أجل أن يظل المغرب «الشريك الصديق والضروري» لفرنسا. وأكدت مصادر بالرئاسة الفرنسية أن «كل شيء على ما يرام في العلاقات الفرنسية المغربية، فهي علاقات سلسة وممتازة ومتينة، سواء على المستوى السياسي، أو في ما يتعلق بالتعاون»، مضيفة أنه بالنسبة لباريس يتعين عدم الاكتفاء بذلك. وخلال زيارة الدولة هاته، من المقرر أن يوقع الوزراء التسعة الذين يرافقون الرئيس هولاند سلسلة من الاتفاقيات والعقود تهم قطاعات الصناعة الغذائية والتعليم العالي وتنمية المدينة وميتروالدار البيضاء والتكوين المهني (معهد لتدريس مهن السكك الحديدية بالنسبة للقطار فائق السرعة، وتشوير السكك الحديدية). وعلم لدى المصادر ذاتها، أن الرئيس هولاند سيحث المقاولات الفرنسية التي ستحضر بكثافة في منتدى رجال الأعمال المغربي الفرنسي بالرباط (حوالي 400 مقاولة)، على الاستمرار في الاستثمار في «الأوراش المستقبلية: الطاقات المتجددة والنقل والخدمات الحضرية والشباب والتعليم». وفي مجال الشراكة الخاصة، سيتم تشجيع المقاولات الفرنسية على تعزيز مفهوم التمركز المشترك، وهي صيغة «لتقاسم سلسلة القيم»، كما تطمح إلى ذلك الحكومة الفرنسية، من أجل تحقيق المشاريع التي تخلق فرص الشغل سواء بالمغرب أو فرنسا. هذا التوجه الجديد الفرنسي المغربي، الذي يصبو إلى تصحيح الجوانب السلبية لترحيل الأنشطة، بدأ العمل به في المغرب لاسيما من خلال «التجربة النموذجية» بوحدة صناعة الطيران مع مجموعة (صافران) بالدار البيضاء، وفي قطاع صناعة السيارات مع مجموعة (رونو). وبالنسبة لفرنسا، تؤكد المصادر بالإليزيه، فإن هذا التوجه «مهم جدا وينظر إليه على كونه نافذة إقليمية» بالنسبة للمقاولات الفرنسية المهتمة بتطوير مشاريع مشتركة، لاسيما في اتجاه غرب إفريقيا والمنطقة المتوسطية والمغرب العربي، وهو فضاء شاسع «للمغرب دور فيه». ومن هذا المنطلق، تولي فرنسا أهمية بالغة لمسألة إحياء الاتحاد المغاربي والشراكة الأورو متوسطية حول «متوسط يزخر بالمشاريع» ( الطريق السيار المغاربي، على سبيل المثال)، أو الرهانات المتعلقة بفتح الحدود بين الجزائر والمغرب «الذي يعتبر أمرا هاما بالنسبة للتعاون الإقليمي». وعلى المستوى الاقتصادي، يضم الوفد الرسمي المرافق للرئيس هولاند، حوالي 60 رجل أعمال ومكاتب دراسات تهتم بمختلف المجالات، لاسيما التهيئة الحضرية وسلسلة الصناعات الغذائية. ويحضر أشغال المنتدى الاقتصادي بالرباط حوالي 400 مشارك من رجال الأعمال الفرنسيين ونظرائهم المغاربة ويختتم أشغاله الرئيس فرانسوا هولاند. وأكد رئيس مجموعة الصداقة الفرنسية المغربية بمجلس الشيوخ الفرنسي، كريستيان كامبون، أن المجموعة تراهن على زيارة الدولة الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، ستمثل «مرحلة تكميلية» لتعزيز التعاون النموذجي القائم بين البلدين، خاصة في بعده الأوروبي. واعتبر أن الجهوية الموسعة تعد من المجالات التي يمكن للتجربة الفرنسية أن يكون لها إسهام كبير بالنسبة للمغرب، مضيفا أن «جميع البلدان التي قامت بأجرأة الجهوية قطعت بذلك خطوة في اتجاه التنمية» وأن فرنسا «مستعدة لدعم جهود المغرب بخصوص تنفيذ هذا الإصلاح». كما تطرق السيد كامبون إلى «المشاريع التي يعدها المغرب بعلاقة بقضية الصحراء، خاصة مقترح الحكم الذاتي الذي يبقى قويا وهاما وحظي بنقاش، وذلك في أفق إيجاد مخرج لهذا الملف الذي لا يزال يشكل عائقا أمام استكمال الاندماج المغاربي». وأشار بهذا الصدد إلى أنه «الاتحاد المغاربي يجب أن يتبلور وأن المغرب يمد يديه لهذه الغاية، وأن على زملائنا الجزائريين استغلال هذه الفرصة لأن كلا البلدين سيستفيدان من هذا الأمر»، مضيفا «إننا باعتبارنا أصدقاء لكلا البلدين نرى أن هذه التفرقة تدعو للأسى»، وأن فرنسا «مقتنعة بأن اتحاد المغرب العربي يمكن أن يفتح الباب أمام قوى حقيقية في إفريقيا». للإشارة فقد تمخضت العلاقات الطويلة الأمد التي تعتبر «استراتيجية» بين المغرب وفرنسا، عن شراكة «متميزة» تجسدت من خلال المبادلات التجارية التي ترقى إلى الطموحات والاستثمارات الفرنسية الهامة، مما يخدم بشكل جيد مصالح المغرب ويندرج في إطار رؤية استراتيجية للمملكة. ورغم تجاوزها من طرف إسبانيا كأول شريك تجاري، فإن باريس تظل أول شريك اقتصادي للمملكة، بحجم مبادلات يبلغ ثمانية ملايير أورو خلال سنة 2012. وتعد فرنسا أيضا أول مستثمر بالمغرب، بوجود سبعة آلاف و500 فرع لمقاولات فرنسية مستقرة في مختلف أنحاء المملكة، تساهم في تشغيل حوالي 120 ألف شخص. كما تخضع العديد من المقاولات المغربية أيضا لتسيير مقاولين فرنسيين أو رساميل فرنسية. وتوجد غالبية المجموعات الفرنسية الكبرى بالمغرب ( 36 مقاولة بمؤشركاك 40، من بينها طوطال، فيفاندي يونيفرسال، سويز، أو دي إف ورونو...)، غير أن المقاولات الصغرى والمتوسطة تعرف أيضا نشاطا مطردا. ففي سنة 2011، بلغ تدفق الاستثمارات الفرنسية المباشرة بالمغرب 760 مليون أورو، كما أن فرنسا تمتلك حصة 51 بالمائة من إجمالي الاستثمارات المباشرة الأجنبية بالمغرب. وسيساهم استقرار رونو- نيسان بطنجة، وبالنظر للاستثمارات المباشرة المقرر اعتمادها من طرف المقاولة ( أزيد من 600 مليون إلى مليار أورو) وتلك المرتقبة لمقاولاتها الفرعية، في تحقيق تدفق هام للاستثمارات المباشرة الأجنبية الفرنسية في غضون السنوات المقبلة. وفي سنة2011، ظلت فرنسا المزود الأول للمغرب، ب9ر13 بالمائة من حصة السوق والزبون الأول للمغرب الذي تستقبل 3ر20 بالمائة من صادراته في 2011. وتركزت الصادرات المغربية نحو فرنسا حول منتوجات النسيج والمكونات الكهربائية والإلكترونية ومنتوجات الزراعة الغذائية. كما تعد فرنسا المصدر الأول لتحويلات رساميل المغاربة المقيمين بالخارج، بملياري أورو تم تحويلها إلى المغرب في 2010، مما يمثل 41 بالمائة من إجمالي تحويلات الجالية المغربية القاطنة بالخارج. ويحتل الفرنسيون أيضا المرتبة الأولى في ما يتعلق بالسياح بالمغرب( 3ر3 مليون زائر في2011، و36 بالمائة من الوصولات السياحية في 2010) وتقدر عائدات هذا التدفق ب7ر1 مليار أورو. من جانب آخر، فإن حجم استثمارات الوكالة الفرنسية للتنمية بالمغرب برسم الفترة 2010- 2012 بلغت 3ر831 مليون أورو، فيما بلغت تراخيص تعهدات الوكالة برسم هذه الفترة مليار أورو. وترغب وكالة التنمية الفرنسية في مواكبة مجموعة «التجاري وفا بنك» في دعمها للمقاولات المستقرة بالمغرب الراغبة في الاستثمار بإفريقيا جنوب الصحراء. وكان الانخراط الفرنسي بالمغرب قويا خلال الفترة ما بين 2001 و2010، فمن أصل 247 مليار درهم التي تم استثمارها بالمغرب خلال هذه الفترة، شكل الاستثمار الفرنسي نصف هذا الحجم، أي 123 مليار درهم. وعلى سبيل المقارنة، فإن مجموع البلدان العربية لم تستثمر سوى 24 مليار بالمملكة. وعلى الرغم من هذه الإنجازات التي تكرس فرنسا كشريك اقتصادي أول للمملكة، فإن وزيرة التجارة الفرنسية نيكول بريك أشارت إلى أنه يتعين على فرنسا تحسين عرضها بالمغرب « لتكون أكثر تنافسية». وقالت الوزيرة الفرنسية خلال محادثات أجرتها مؤخرا مع وزير الاقتصاد والمالية، السيد نزار البركة «لدينا مقاولات ناجحة، غير أنه يجب أن تكون قادرة على أن تكون الأفضل في هذا المجال التنافسي (...) يجب أن نقوم بما هو أفضل، خاصة في مجال التكوين المهني (...) فالمغرب بحاجة ليد عاملة مؤهلة قادرة على الانطلاق في جميع أنحاء العالم». وتأمل فرنسا أيضا، يضيف السفير، أن تكون في المقدمة من أجل مواكبة المغرب في الأخذ بالمعايير الأوروبية، مما سيمكنه من الولوج إلى سوق هائلة تضم 500 مليون مستهلك، معبرا عن رغبة باريس في المساهمة في تنمية المغرب كأرضية للانطلاق نحو إفريقيا جنوب الصحراء أو نحو الشرق الأوسط.