تمخضت العلاقات الطويلة الأمد التي تعتبر» استراتيجية» بين المغرب وفرنسا، عن شراكة «متميزة» تجسدت من خلال المبادلات التجارية التي ترقى إلى الطموحات والاستثمارات الفرنسية الهامة، مما يخدم بشكل جيد مصالح المغرب ويندرج في إطار رؤية استراتيجية للمملكة. ورغم تجاوزها من طرف إسبانيا كأول شريك تجاري، فإن باريس تظل أول شريك اقتصادي للمملكة، بحجم مبادلات يبلغ ثمانية ملايير أورو خلال سنة 2012. وتعد فرنسا أيضا أول مستثمر بالمغرب، بوجود سبعة آلاف و500 فرع لمقاولات فرنسية مستقرة في مختلف أنحاء المملكة، تساهم في تشغيل حوالي 120 ألف شخص. كما تخضع العديد من المقاولات المغربية أيضا لتسيير مقاولين فرنسيين أورساميل فرنسية. وتوجد غالبية المجموعات الفرنسية الكبرى بالمغرب (36 مقاولة بمؤشر كاك 40من بينها طوطال، فيفاندي يونيفرسال، سويز، أو دي إف ورونو...)، غير أن المقاولات الصغرى والمتوسطة تعرف أيضا نشاطا مطردا. ففي سنة 2011 بلغ تدفق الاستثمارات الفرنسية المباشرة بالمغرب 760 مليون أورو، كما أن فرنسا تمتلك حصة 51 بالمائة من إجمالي الاستثمارات المباشرة الأجنبية بالمغرب. وسيساهم استقرار رونو- نيسان بطنجة، وبالنظر للاستثمارات المباشرة المقرر اعتمادها من طرف المقاولة ( أزيد من 600 مليون إلى مليار أورو) وتلك المرتقبة لمقاولاتها الفرعية، في تحقيق تدفق هام للاستثمارات المباشرة الأجنبية الفرنسية في غضون السنوات المقبلة. وفي سنة2011 ظلت فرنسا المزود الأول للمغرب، ب9،13 بالمائة من حصة السوق والزبون الأول للمغرب الذي تستقبل 3،20 بالمائة من صادراته في 2011. وتركزت الصادرات المغربية نحو فرنسا حول منتوجات النسيج والمكونات الكهربائية والإلكترونية ومنتوجات الزراعة الغذائية.كما تعد فرنسا المصدر الأول لتحويلات رساميل المغاربة المقيمين بالخارج، بملياري أورو تم تحويلها إلى المغرب في 2010 مما يمثل 41 بالمائة من إجمالي تحويلات الجالية المغربية القاطنة بالخارج. ويحتل الفرنسيون أيضا المرتبة الأولى في ما يتعلق بالسياح بالمغرب (3،3 مليون زائر في 2011 و36 بالمائة من الوصولات السياحية في 2010) وتقدرعائدات هذا التدفق ب7،1 مليار أورو. من جانب آخر، فإن حجم استثمارات الوكالة الفرنسية للتنمية بالمغرب برسم الفترة 2010- 2012 بلغت 3،831 مليون أورو، فيما بلغت تراخيص تعهدات الوكالة برسم هذه الفترة مليار أورو. وترغب وكالة التنمية الفرنسية في مواكبة مجموعة «التجاري وفا بنك» في دعمها للمقاولات المستقرة بالمغرب الراغبة في الاستثمار بإفريقيا جنوب الصحراء. وكان الانخراط الفرنسي بالمغرب قويا خلال الفترة ما بين 2001 و2010 فمن أصل 247 مليار درهم التي تم استثمارها بالمغرب خلال هذه الفترة، شكل الاستثمار الفرنسي نصف هذا الحجم، أي 123 مليار درهم. وعلى سبيل المقارنة، فإن مجموع البلدان العربية لم تستثمر سوى 24 مليار بالمملكة. وعلى الرغم من هذه الإنجازات التي تكرس فرنسا كشريك اقتصادي أول للمملكة، فإن وزيرة التجارة الفرنسية نيكول بريك أشارت إلى أنه يتعين على فرنسا تحسين عرضها بالمغرب « لتكون أكثر تنافسية». وقالت الوزيرة الفرنسية خلال محادثات أجرتها مؤخرا مع وزير الاقتصاد والمالية، نزار البركة « لدينا مقاولات ناجحة، غير أنه يجب أن تكون قادرة على أن تكون الأفضل في هذا المجال التنافسي (...) يجب أن نقوم بما هو أفضل، خاصة في مجال التكوين المهني (...) فالمغرب بحاجة ليد عاملة مؤهلة قادرة على الانطلاق في جميع أنحاء العالم». ويعبر سفير فرنسا بالرباط عن التوجه ذاته، إذ اعتبر، خلال لقاء صحافي سابق، أن باريس تعتزم تعزيز الشراكة مع المغرب، الحليف الاستراتيجي، والارتقاء بأبعادها، بغية الحفاظ على مواقعها أو تطويرها من خلال المشاركة في كافة المشاريع القطاعية التي أطلقها المغرب. فالقطار الفائق السرعة، الترامواي، مصنع رونو بطنجة، الطاقة الريحية والشمسية... تعد مشاريع يستشهد بها في المجال، ويرتقب أن تمكن من التطلع إلى المستقبل بثقة وصداقة، كما يوضح السيد شارل فريز. وتأمل فرنسا أيضا، يضيف السفير، أن تكون في المقدمة من أجل مواكبة المغرب في الأخذ بالمعايير الأوروبية، مما سيمكنه من الولوج إلى سوق هائلة تضم 500 مليون مستهلك، معبرا عن رغبة باريس في المساهمة في تنمية المغرب كأرضية للانطلاق نحو إفريقيا جنوب الصحراء أو نحو الشرق الأوسط.