تجف البحار وتبقى الرمال، يموت الإنسان وتندثر الأوصال على إيقاع تواتر الأجيال، كان هذا مثنا بليغا يجول بخلدي وأنا أقتني بين زقاق ذاكرتي الغائرة، أثناء لحظات حفل تكريم مصطفى الطاهري، اللاعب الدولي السابق في كرة القدم، أقتني ذكريات لاعب وصديق، ظل على مدى ما ينيف ثلاثون سنة منسيا من طرف فريقه المولودية الوجدية الذي أعطاه كل شيء، ومنحه صحبة مجموعة من اللاعبين النجوم أول وآخر بطولة وطنية في تاريخ هذا الفريق العريق موسم 74-75. نجح الزميل صلاح علالي في ربط الماضي بتداعيات الحاضر، وبكل تلقائية وعفوية، من خلال تخصيص ساعتين كاملتين من البث المباشر على أمواج إذاعة وجدة الجهوية يوم السبت 16 يوليوز، لتكريم مصطفى الطاهري، أحد رموز الكرة الوجدية، التي فتح لها المجال المرحوم مصطفى بلهاشمي للتألق… نجح إذن الزميل صلاح علالي في رصد شهادات حية مباشرة لمسيرين ولاعبين ومهتمين، رمزوا خلالها للحقب الرياضية التي عاشها مصطفى الطاهري، من خلال حفل تكريم بهيج، أعطى خلالها الحضور صورة فيها فيض من الإنسانية، وفيها ما لا يوصف من تقدير لإنسان كرس شبابه للدفاع عن ألوان المولودية الوجدية، وعن قميص المنتخب الوطني المغربي، تكريم أزاح من صفحة القلب هم وغم ووجع السنوات التي ظن فيها مصطفى الطاهري أنها انصرمت من حياته، دونما عرفان، وليتأكد مرة أخرى بأن لإذاعة وجدة عيونا تترصد، وعقولا تتابع… لنلامس إذن نزرا من المصنفات التاريخية المتعلقة بهذا اللاعب، الذي تمكن بصدق طويته، ونبل شهامته، أن يتبوأ مكانة اعتبارية داخل الركح الكروي المغربي، إسم يستحق أكثر من أن تسجل أحرفه بمداد الاعتزاز ضمن كشوفات الماضي الكروي، إسم داعب الكرة إلى جانب أقرانه في حداثة سنة بحي كودان، بالقرب من الملعب البلدي، ثم تدرج عقب ذلك عبر جميع الفئات الصغرى لفريق المولودية الوجدية، إلى أن استطاع بجديته وغيرته وشهامته أن يقتنص موطأ بين صفوف الكبار، وفي أواخر الستينات ومع بداية السبعينات، وقع مصطفى الطاهري على شهادة ميلاد جديدة مكنته من التربع على عرش قلوب الجماهير الوجدية، ليستمر في البحث عن الذات، رحلة تكللت بمجاورة الفريق الوطني المغربي، إذ خاض رفقته العديد من المباريات الدولية، ودافع بكل ضراوة عن قميصه، وقميص المولودية الوجدية، وأكل جلده من أجلهما، ورقم 5 يشهد له على ذلك. مصطفى الطاهري، إبن مدينة وجدة وحيها الشعبي كودان، إنسان مرهف الأحاسيس، ينتمي إلى أسرة شعبية لا تملك من الدنيا سوى حب الحياة والكرم والتأصل وكبرياء البسطاء، رسم حكاية التحدي، عندما استطاع أن يفرض وجوده في المنتخب الوطني المغربي، ويحمل شارة عمادته… لعب بعد اعتزاله في عدة فرق بالمجان، ودرب أخرى بدون مقابل… إذا كان الجحود هو نصيب هذا الرجل، والذي لم ينعم بحياة النجوم، من طرف فريقه المولودية الوجدية، حين تنكر له المكتب المسير للفريق الوجدي، بعدما أعطاه وعودا للتكريم في العديد من المناسبات والجموع العامة السابقة، فإن إذاعة وجدة لفتت الأنظار من خلال تكريمها لمصطفى الطاهري، وقبله حسين الغسلي ومصطفى بلكايد وسليمان البرهمي ومحمد السدار. ذ.حسن الزحاف