لا ينكر أي أحد أن حزب الأصالة والمعاصرة قيمة مضافة رمزية في المشهد السياسي المغربي جديرة بالاهتمام والتتبع والدراسة، لكونه أظهر للشعب المغربي حقيقة العمل السياسي الحزبي المغربي من جهة، وأيد موقف المقاطعين عن المشاركة والتصويت من جهة ثانية. فهو خلق مفهوما سياسيا جديدا في القاموس المغربي، وهو – ترحال الأحزاب، بحل خمسة أحزاب مختلفة التوجهات والمرجعيات جملة واحدة، وتجميعها في حزب واحد.. فقيادات هذه الأحزاب تنكرت لوعودها، وأسقطت برامجها، وألغت مواثيقها، وحلت أحزابها، وقررت مرافقة الهمة بدون أن تلزم نفسها عناء عقد مؤتمرات استثنائية لمشاورات مناضليها من مختلف مناطق المغرب في اتخاذ قرار حل أحزابها، فمصلحتها الخاصة أهم من أخد رأي، أو مشورة بضعة مناضلين هنا وهناك ; فقيادات هذه الأحزاب طبقت حرفيا مقولة ‹مارجريت تاتشر› (..عندما نتكلم في السياسة ،نتكلم أين توجد مصالحنا يا عزيزي..). وهو درس رائع ومعبر للأحزاب الأخرى،وخاصة التي فتحت أبوابها لتوزيع وبيع التزكيات على الانتهازيين والنفعيين، حيث بمجرد ما دخل الهمة مجلس النواب، حتى استنجد به أكثر من مائة وعشرين نائبا ،مستعدين لترك أحزابهم، والالتحاق به.. فهم لا يرون في الهمة إلا مطية إدارية لتحقيق مصالحهم ومآربهم.. فهل هذا هو المناضل الحزبي المؤمن بمرجعية ومبادئ وخيارات حزبه؟ بمجرد ما رأى مصلحته هرول إليها ،وترك، وخان حزبه.. والذي يخون حزبه يخون شعبه، ويخون وطنه. وحزب الأصالة والمعاصرة، كشف عن نظرية جديدة للباحثين والمهتمين بالشأن السياسي المغربي، أن المغرب لم يكن يعرف تعددية سياسية، بل كان أمام تعددية حزبية فقط. لا يعني التنوع والاختلاف في مرجعياتها ،وتوجهاتها، وبرامجها التي تجعل من المشاركة السياسية ذات جدوى ونتيجة وقيمة، وإنما كانت ليس فقط مجرد ثكنات سياسية على حد تعبير محمد ظريف، ولكن مجرد( فنادق سياسية ) تارة مصنفة، وتارة غير مصنفة . فحزب الأصالة والمعاصرة كان لديه من المقومات المادية والمعنوية التي ستؤثر على المشهد السياسي المغربي، واستقطاب أغلب الجماهير التي لم تصوت في الانتخابات السابقة ،وخاصة الشباب والمثقفين، والنخب الفاقدة للثقة،ل و اتبع البناء المؤسساتي والسياسي السليم، وبناء الحزب من القاعدة الشعبية. فكل النظريات والاستراتيجيات تتفق أن مسألة البناء والتأسيس، تبتدئ من الأساس ،وأساس الحزب السياسي هي القاعدة الشعبية، وهذا هو البناء السليم الذي كان يجدر بالهمة تفعيله ونهجه، بدون ترحال الأحزاب والنواب، وبعيدا عن الحسابات الفارغة مع حزب الفكر النضالي، حزب الاتحاد الاشتراكي، وتفادي التحدي الوهمي مع حزب المجد الشعبي، حزب العدالة والتنمية . أما إن كان الهدف هو نظرية هدم الأحزاب(حلها)،أي حكامة المشهد السياسي المتسم بالبلقنة، والتي – نعلم – أنها أدت بالمواطن إلى أن يقع في ضياع بين 33 حزبا، بما يطرحه كل واحد من برامج، أو يرفعه من شعارات، أو مطالب، أو أهداف، تبقى في مجملها مكررة ومستنسخة ، معها أفقد العديد منها مقومات الإقناع والتحفيز على المشاركة والاستقطاب، كما جاء على لسان حسن بنعدي( أن الحزب ابتدأ بإدماج أحزاب، وسيتوجه إلى دمج أحزاب أخرى ..)، فإننا نرى حتى إن أدمجت كل الأحزاب في حزب الأصالة والمعاصرة، فلن تحل المشكلة الحقيقية التي أصبحت ظاهرة اجتماعية، تتكرر، وتنمو، وتتفاقم، كناقوس خطر ينذر بفراغ سياسي خطير على المستوى، ومستقبل النظام الاجتماعي المغربي برمته، وهي ظاهرة العزوف، لا عن الفعل الانتخابي فحسب، وإنما عن العمل السياسي عامة . وفي الختام ،بما أن حزب الأصالة والمعاصرة، رفع شعار مؤتمره الأول( المغرب غدا، بكل ثقة.)، فإننا نتفق تماما مع شعاره، لكون الشعب المغربي اليوم له ثقة في الأوراش الملكية، والعمل الجمعوي فقط، و فاقد الثقة في الحياة السياسية؛ لكونه يؤمن بأنه لا يمكن تجديد الحياة السياسية من دون تجديد النخب الانتهازية، وبذلك يرفع شعاره: المغرب اليوم، فاقد الثقة. * مختص في الإدارة ومهتم بالشأن السياسي mahfoud.guitouni_(at)_gmail.com