ما آلت إليه أمور السياسة في مغرب " العهد الجديد " في السنتين الأخيرتين بسبب انبثاق ما يسمى ب " حركة لكل الديمقراطيين"، التي تحولت فيما بعد إلى كيان حزبي يحمل اسم " الأصالة والمعاصرة " يُظهر بالملموس أن الأغلبية الساحقة من المغاربة التي قاطعت السياسة والمشاركة فيها منذ مدة زاد اقتناعها بمدى صواب قرارها، وان من بقي منهم يشارك سياسيا ربما أصبح يفكر بدوره بتطليق السياسة ممارسةً ومشاركة إلى غير رجعة، إن لم يكن فعلا قد قرر المقاطعة فيما يُستقبل من استحقاقات سياسية وانتخابية، نظرا للاعتباطية والانتهازية التي اتسمت بها طريقة اشتغال الكيان السياسي الجديد "حزب الأصالة والمعاصرة" المنسوب لصاحبه فؤاد عالي الهمة في الوسط السياسي المغربي ، والذي يُروَّج له بين المغاربة في القرى ومداشرها، والمدن و أحيائها بأنه حزب الملك !!!. فكيف ذلك؟ "" السيناريو الذي أُخِرجت به إلى الوجود جمعية " حركة لكل الديمقراطيين" لم يكن محبوكا بما فيه الكفاية. ففي البداية ثار التساؤل عند الطبقة السياسية المغربية خاصة، والمغاربة المتتبعين للشأن السياسي بالمغرب عامة ( لأنه هناك فئات عريضة أدارت فعلا ظهرها للسياسة وأصحابها فأصبحت لا تعنيها لا في العير ولا في النفير ) ثار التساؤل عند الطرفين عن حقيقة إقالة أواستقالة صديق الملك من منصبه في الداخلية، وما الهدف من تأسيس حركته ؟ فجاء الجواب سريعا من عند المعني بالأمر: حيث أرجع ذلك إلى الرغبة في تعبئة المواطن المغربي للانخراط في العمل السياسي عن طريق إعادة المصداقية للسياسية من خلال العمل السياسي الجاد والمُعقلن، البعيد عن كل عبثية وانتهازية في التعامل مع المواطن المغربي على أنه ورقة انتخابية لا أقل ولا أكثر يطلب وُدَّها الفاعلون السياسيون التقليديون عند كل استحقاق انتخابي. على الأقل هذا ما كان يُعلنه مهندس الحركة و صرح به أيضا الناطق الرسمي باسمها " البشير زناكي " حينها حيث قال : " إن أساس العمل بالنسبة للحركة، هو المواطن وتحقيق ربط الصِّلة بينه وبين السياسة، وإذا ما تحقّق هذا الهدف واكتملت الشروط الأساسية لتأسيس حزب، سنذهب في الاتِّجاه دون أية عُقدة تُذكر، لأن كل المواطنين يُريدون أن نؤسِّس الحزب السياسي". فهل هذا هو الذي حصل؟؟؟ هل فعلا حركة فؤاد عالى الهمة تعاملت مباشرة مع المواطن وعبَّأته سياسيا، وبالتالي استوفت الشروط لتتحول بين عشية وضحاها إلى حزب سياسي؟. كيف كان هذا التعامل؟ وكيف كانت هذه التعبئة؟ وكم من الوقت استغرق منها ذلك؟، سنة، سنتين أم عشر سنوات؟ كيف يُعقل أن تكون حركة حديثة العهد استطاعت أن تعبئ المواطنين المغاربة وتقنعهم للعودة للعمل السياسي بدل العزوف في مدة ستة أشهر؟ ( تأسست الحركة في 17 يناير 2008 لتتحول بعد ذلك إلى حزب سياسي في أواسط غشت 2008 )، هل وظفت في ذلك العصا السحرية؟، أم هل نحن أمام التكوين السريع للمواطن في الاقتناع السياسي على غرار التكوين السريع الذي تنتهجه مدراس ومعاهد اللغات(تعلم الانجليزية في خمسة أيام...) ؟؟!!!. لقد ظهر للعيان أن مجال اشتغال " حركة لكل الديمقراطيين " لم يكن هو المواطن ، بل كان هو "الأحزاب السياسية المتهرئة " و" محاربي اليسار الراديكالي القدامى" من أجل تعبئتهم وتأطيرهم للانتفاع من الحركة القديمة/ الجديدة التي اعتاد النظام المغربي القيام بها كلما أحس أن هناك خطرا يتهدده فيلجأ لخلق جبهات وحركات من مجموعة من المنتفعين والوصوليين الانتهازيين لتأثيث الواجهة السياسية للمملكة الشريفة، لكن ما هو هذا الخطر الذي يمكن أن يتهدد المملكة الشريفة هل هم إسلاميو العدالة والتنمية؟ كيف يكون هذا هو الخطر وقد سمح لهم بالمشاركة في العملية السياسية عن طيب خاطر بعد أن أعلنوا غير ما مرة تشبثهم بالمؤسسات السياسية للبلاد، واقتناعهم بالمساهمة في العمل السياسي لصالح البلاد والعباد من داخل تلك المؤسسات؟. الظاهر أننا أمام أسلوب جديد للعمل السياسي وهو الاقتيات السياسي على ظهر الكيانات السياسات المتواجدة بالساحة المغربية ( مثلما تفعل تلك الطيور التي تقتات الفطريات المتواجدة على ظهور الحيوانات في الغابات الاستوائية)، إذ لم يسلم أي حزب من الأحزاب السياسية الموجودة من اجتذاب عناصر منه لتنضم للحركة في أفق تطعيم الوافد السياسي الجديد إلا من رحم الله، بل والسطو على أحزاب بعينها نظرا لضعفها ليخلق من صلبها كيانا جديدا سمي ب " الأصالة والمعاصرة". إن أبجديات العمل السياسي الشعبي و التأطير السياسي الجماهيري كانت تقتضي من أصحاب مبادرة " حركة لكل الديمقراطيين " النزول عند المواطن لأجل التواصل معه عن قرب عبر خلق جمعيات أهلية، ومنظمات شبابية، تروم التثقيف السياسي وخلق الوعي لدى الفئات المجتمعية العازفة عن المشاركة السياسية، وإقناعها بضرورة الإسهام من أجل تنمية البلاد عبر القطع مع كل الممارسات الانتهازية وعمليات الإفساد السياسي التي تقوم بها كثير من كائنات العمل السياسي بالمغرب، عندما لا تقترب من المواطن إلا لأجل تحقيق مصلحة انتخابية عبر توزيع المال والوعود الكاذبة وتقديم رشاوى وشراء الذمم. هذا أقل ما كان يجب على " حركة لكل الديمقراطيين " أن تفعله، كي تكون منسجمة مع ما جاء في ميثاق تأسيسها وخطب مهندسها، لو فعلت ذلك، كانت ستنال وتحظى باحترام كل فئات المجتمع المغربي السياسية منها والمدنية، وستكون قد أعطت درس بليغا في انسجام وتناغم الخطاب مع الممارسة، لكن العكس هو الذي حصل. فكان درس " حركة لكل الديمقراطيين " وحزب "الأصالة والمعاصرة " المجسد السياسي لها أقوى درس في الانتهازية والوصولية عرفه المغرب المعاصر، انه نموذج للطفيلية السياسية في الواقع السياسي المغربي الحديث. لقد عمد هذا الكيان السياسي، كي يضمن المرتبة التي يتباهى أنه حصل عليها في اقتراع يوم 12 يونيو للانتخابات المحلية إلى السطو على أعضاء سابقين لأحزاب سياسية، و استعمل كل الوسائل لإغرائهم بالترشح تحت عباءته السياسية، وترك أحزابهم التي ترشحوا عن طريقها لسنوات، فكان ابرز تلك الوسائل في الإغراء قدرته على ضمان فوزهم إنهم انضموا إليهم وهو ما حصل بالفعل، لكن هل حصل ذلك بطرق ديمقراطية ونزيهة؟؟. لقد سجل كل الفاعلين السياسيين، ومعهم منظمات المجتمع المدني وباقي فئات الشعب المغربي كيف أن حزب صديق الملك استعمل كل الوسائل إلا الديمقراطية منها للظفر بالمرتبة الأولى، كان أبرز تلك الوسائل ترويجه بين الناس أن حزبه هو حزب الملك وأن التصويت على مرشحيه هو تصويت على أناس يريدهم الملك عكس باقي مرشحي الأحزاب الأخرى الذين هم من المغضوب عليهم أو هكذا على الأقل حاول مروجي حملته الانتخابية إيحاءه للمواطنين، وجيَّش لأجل ذلك كل وسيلة لها صلة بالدولة، وأنا هنا أتحدث عن طريقة الدعاية التي كان يمارسها حزب " الأصالة والمعاصرة " في المناطق القروية وشبه القروية الذي حصد فيها أغلب مقاعده. هل هذا هو النَّفَس الجديد والتعبئة من أجل قيم الديمقراطية والحداثة التي أتى يُبشِّر بها السيد عالي الهمة وكيانه السياسي الجديد؟، أم هي عودة لقيم وممارسات عفا عنها الزمن، قيم استغلال النفوذ ووسائل الدولة، و استغلال رمز هو مشتركة بين كل المغرب وهو الملكية في التنافس السياسي إن صح التعبير؟ وكي يتأكد للمغاربة النموذج الذي أتى ليُروِّج له حزب " الأصالة والمعاصرة "، أنه نموذج الاعتباطية والانتهازية السياسية بعيدا عن كل ممارسة ديمقراطية، ودفنا لأي أمل في خلق تعبئة سياسية من أجل التقليل من نسب العزوف السياسي المرتفعة، حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة في المدارات الحضرية في انتخابات 12 يونيو حاجز الثلاثين (30) بالمائة في أحسن الأحوال، فهناك بعض مكاتب التصويت في بعض المدن لم يصوت فيها إلى 16 مواطنا من أصل ما يقارب 400 مسجلا، هو ما حدث في تكوين مجالس المدن والمقاطعات في المدن التي حل فيها حزب الإسلاميين، العدالة والتنمية، متقدما مع باقي الأحزاب التقليدية الأخرى عن حزب الأصالة والمعاصرة، حيث سعى هذا الأخير بشتى الوسائل غير الديمقراطية، وغير الشريفة،و غير النزيهة، لإفشال التحالفات المعقودة مسبقا بين حزب العدالة والتنمية والأحزاب السياسية الأخرى التي رضيت بأن تدخل معه في التحالف خاصة التي كان لها تجربة التسيير المشترك معه لمنعه من التسيير أو المشاركة في تسيير تلك المدن، مثل حزب الاتحاد الدستوري في الدارالبيضاء وحزب الاتحاد الاشتراكي في اكادير( حيث خضع الأول للضغوطات بينما رفض الثاني ذلك، وهو ما يجعلنا نفرق بين حزب المصالح وحزب المبادئ ) والأمثلة كثيرة لا يمكن التفصيل في ذكرها، حيث لم يبق للمواثيق والعهود مصداقية في زمن حزب صديق الملك. إفشال تلك التحالفات بتحالفات مضادة عن طريق استعمال وسائل الإقناع السياسي المشروعة بفتح حوار ديمقراطي و مسؤول مع باقي الأطراف أمر لا يعارضه أحد، لكن اللجوء إلى الابتزاز والتهديد، بل واعتبار فض التحالف مع حزب العدالة والتنمية " رغبة ملكية سامية " كما حدث مع مرشح الاتحاد الدستوري لعمدة العاصمة الاقتصادية للمملكة المتحالف مع حزب العدالة والتنمية حسب تصريحات قياديي هذا الأخير، هذا ما لا يمكن أن يقبل به مغربي شريف يحترم نفسه ويحترم اختيارات الناخبين المغاربة، فماذا يمكن للمتبع أن يقول بشأن مثل هذه الممارسات التي تذكرنا بالسنوات الغابرة؟ هل هذه حداثة سياسية أم شيء آخر؟ إن المواطن المغربي يتساءل اليوم بِجِدِّ عن ماهية الإضافة التي بشَّر بها حزب صديق الملك للمشهد السياسي المغربي عند خرجته السياسية ؟ هل هي إضافة تروم خلق دينامكية سياسية جديدة بتعبئة المواطن العازف عن السياسية أم هي العمل على محاصرة الإسلاميين وتقويض الأحزاب التقليدية، عن طريق إفساد المشهد السياسي بشتى الوسائل الميكيافلية؟ الخوف كل الخوف أن يكون المغاربة سَيُدفَعون مرة أخرى لعيش حقبة سياسية سابقة مقبورة يتم بعثها من جديد، لأجل القضاء على ما تبقى من مصداقية سياسية للمؤسسات السياسية القائمة، وبالتالي تسير بالبقية الباقية المُشاِركة إلى ركوب موجة العزوف السياسي، و تطبيق مقولة من السياسية ترك السياسة. *باحث في العلوم السياسية