شكل تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، الصيف الماضي، نقطة تحول في المشهد السياسي المغربي، حيث أدى ذلك إلى إعادة رسم خريطة التحالفات والتجاذبات بين الفرقاء السياسيين، وكان من نتائجه الأولى عودة الدفء إلى قوى اليسار من مختلف مواقعها سواء المشاركة في الحكومة ممثلة في حزب الاتحاد الاشتراكي، والتقدم والاشتراكية، أو المعارضة لها ممثلة في الاشتراكي الموحد، والطليعة الديمقراطي الاشتراكي، والمؤتمر الوطني الاتحادي، وجبهة القوى الديمقراطية، والحزب العمالي، والحزب الاشتراكي. واتضح ذلك من خلال عقد ندوات فكرية ولقاءات سياسية مشتركة، توجت بخوض انتخابات محلية بلوائح مشتركة في بعض الدوائر الانتخابية، أو مساندة لوائح اليسار. وفي المرحلة الثانية توسع التنسيق إلى توحيد المواقف في بعض القضايا مع حزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية، الذي شكل العدو رقم واحد لحزب الاتحاد الاشتراكي، أثناء الصراع حول القيم التي يجب أن تسود المجتمع المغربي، خاصة عقب التفجيرات الإرهابية ل16 ماي بمدينة الدارالبيضاء سنة 2003، التي حمل فيها حزب الاتحاد الاشتراكي المسؤولية المعنوية لزعماء حزب العدالة والتنمية، خاصة المحسوبين على تيار جماعة التوحيد والإصلاح الدعوية، والمشرفين على يومية التجديد آنذاك. ولم يكن المراقبون يتوقعون أن يساهم حزب الأصالة والمعاصرة، في رص صفوف الاشتراكيين والإسلاميين، لكونه ضم إلى صفوفه أشخاصا كانوا محسوبين على اليسار الراديكالي واعتقلوا لأفكارهم الثورية، التي كانت منساقة مع أفكار الراحل المهدي بن بركة، المغتال في فرنسا عام 1965، إذ ظل رفاقه يتظاهرون كل يوم 29 أكتوبر للمطالبة بالكشف عن الحقيقة، ما جعل البعض يعتقد أن الرفاق في الأصالة والمعاصرة، سيذوبون الجليد بين قيادة الحزب اليمينية ممثلة في النائب فؤاد عالي الهمة، الوزير المنتدب السابق في الداخلية، وبين قادة الاتحاد الاشتراكي لدفاعهم عما يسمونه «المشروع الحداثي الديمقراطي» الذي أغنى القاموس المغربي في جميع الخطابات الرسمية، وذلك بالاستناد إلى روح التعاون التي سادت بين قيادة الاتحاد الاشتراكي، والوزير السابق الهمة، أثناء إعداد مدونة الانتخابات، وقانون الأحزاب، قبل حكومة إدريس جطو، عام 2002. لكن مقولة تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، انطبقت على هذا الثالوث السياسي الجديد، إذ لام الاشتراكيون جمعية « الحركة من أجل كل الديمقراطيين»، التي حاولت بسط سيطرتها على المشهد السياسي، من خلال تبخيس العمل الحزبي، ومن خلاله السياسي، واستمر النقد تجاه مؤسسي الجمعية، والذي لم يصل إلى حد القطيعة، لكون قواسم مشتركة ظلت قائمة دفاعا عن شيء اسمه «المشروع الديمقراطي الحداثي»، الذي اختفى فجأة من قاموس الخطابات الرسمية، فيما تجاهل الإسلاميون تلك الجمعية، لكون ردات فعلهم لم تكن بنفس الحدة التي كان ينتظرها المراقبون للوضع السياسي بالمغرب، إلى حين تهجم فؤاد عالي الهمة، عليهم في القناة الثانية، واصفا إياهم «بالظلاميين»، مستعيرا قاموس الاشتراكيين، الذين استعملوا هذا المصطلح في حق أعضاء الشبيبة الإسلامية المنحلة، عقب اغتيال عمر بن جلون، عام 1975، إلى أن توترت العلاقات عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والإكترونية، بين الطرفين، ما جعل البعض ينعت جمعية الهمة، بالحدث الإعلامي المحض. وقبل انعقاد المؤتمر الوطني الأول لحزب الأصالة والمعاصرة، شكلت مشاركة أعضائه، في الانتخابات الجزئية لملء سبعة مقاعد شاغرة، حدثا سياسيا، حيث احتجت الأحزاب السياسية، على ما أسمته استغلال النفوذ، ووسائل الدولة، أثناء خوض الحملة الانتخابية، ما جعل حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي لم يشف بعد من جراح تعثر الشوط الأول من مؤتمره العام، الثامن، يصدر بلاغا شديد اللهجة، كان من بين ثمراته استعمال مصطلح «الوافد الجديد»، الذي يجب عليه الالتزام بقواعد اللعبة الديمقراطية، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، ونسيان مهمته السابقة في وزارة الداخلية. وبينما كان الاتحاد الاشتراكي يحاول لملمة صفوفه، بعد نكسة الانتخابات التشريعية ليوم 7 شتنبر 2007، وتشكيل حكومة عباس الفاسي، بسيطرة التقنوقراط، وتصحيح مسار مؤتمره الثامن في الجولة الثانية، هيمن حزب الأصالة والمعاصرة على البرلمان، من خلال تشكيل فريق كبير في مجلس النواب مكون من 7 أحزاب، وفريق ثان في مجلس المستشارين، إلى درجة أن البعض اعتقد ساخرا أن البرلمان برمته سيصبح بيد الحزب الجديد، وبذلك تحول إلى ظاهرة سياسية بعدما كان فقط ظاهرة إعلامية، ما فرض على بعض قادة حزب الاتحاد الاشتراكي، خاصة إدريس لشكر، الخبير في مجال التكتيك السياسي، إعلان حرب مدروسة على الوافد الجديد، فمد يده إلى الإسلاميين، الذين افتقدوا تدخلاته القوية في البرلمان، رغم حدتها وطابعها العنيف، فهم من قالوا عنه بعدما لم يحالفه الحظ في الانتخابات التشريعية لسنة 2007 «لقد افتقدنا رجلا مشاكسا نجري معه حوارا قويا في جلسات البرلمان العلنية، ولجانه، لذلك كانت مقترحاتنا تجد على الأقل صدى لها». وإذا كان لشكر عبر في تصريحات إعلامية على ضرورة التنسيق مع حزب العدالة والتنمية، دونما إجراء تحالف يهدف إلى تأسيس ما يسمى «الكتلة التاريخية» التي حلم بها المفكر المغربي محمد عابد الجابري، فإن قادة آخرين من ذات الحزب، ظلوا حذرين، وأبعدوا كل تنسيق محتمل لوجود اختلافات في المرجعيات، إلى حين التحضير للانتخابات الجماعية ليوم 12 يونيو، هكذا غنى الرفاق والإخوان أناشيدهم بشكل مشترك، أضفى عليها منتسبو حزب الاستقلال، الطابع التاريخي، أثناء انتخاب فتح الله ولعلو، عمدة الرباط، وهو الحزب الذي امتعض بشدة خلال سحب الأصالة والمعاصرة مساندته للحكومة قبل يوم واحد عن انطلاق الحملة الانتخابية، فكان تصريح عباس الفاسي، الوزير الأول قويا، ونظر إليه على انه طلاق أبدي بين من روج لفكرة دعم المشروع الديمقراطي الحداثي، وفي نفس الوقت سحق الأحزاب القائمة بجرة قلم، ترى هل سيستمر الزواج الكاثوليكي بين الاشتراكيين والإسلاميين؟ هل سيتوسع بتنسيق مع باقي أحزاب الكتلة، وباقي قوى اليسار، ولم لا أحزاب الوسط؟، سؤال ستجيب عنه تشكيلة مجلس المستشارين المقبلة، وقبلها رئاسة مجالس العمالات والأقاليم والجهات، والمقاطعات والبلديات.