علي بعد سنتين من الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2012، تجتاز أحزاب اليسار، امتحان القطبية ما بين مكوناتها، فالاتحاد الاشتراكي يحرص في المقدمة على إعادة الغاضبين، ثم مد اليد لباقي حلفائه في اليسار وتنسيق المواقف، فيما يعمل القطب الحداثي التقدمي في الانتقال بالتنسيق بين مكوناته من البرلمان إلى باقي المحطات السياسية والانتخابية، أما تحالف اليسار الديموقراطي المعارض، ففرضية تطوير التحالف إلى وحدة اندماجية قبيل 2012 تبقى قائمة. 1-الاتحاد الاشتراكي : إعادة الغاضبين وعين على القطب وجدت قيادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المنتخبة في المؤتمر الوطني الثامن، نفسها مطوقة على مستوى التحالفات السياسية، بمسؤوليتين، الأولى الانفتاح على العائلة اليسارية ومصالحة الغاضبين، والثانية تطوير العلاقات مع باقي مكونات اليسار خاصة التقدم والاشتراكية، وجبهة القوى الديموقراطية. الانفتاح على العائلة اليسارية ومصالحة الغاضبين، لا يراها الاتحاد الاشتراكي إلا في صورة الاندماج ، لذا لم يتردد في عرض الاندماج على الحزب العمالي، والحزب الاشتراكي، وهي الأحزاب التي انشقت عن الاتحاد، إما بسبب الاختلاف في تدبير حكومة التناوب التوافقي تارة، وبسبب ما اعتبرته غياب الديموقراطية الداخلية، خاصة على مستوى تعدد الآراء في بعض القضايا السياسية إبان مرحلة التناوب التوافقي. بعد الأزمة السياسية والانتخابية والتنظيمية التي عاشها الاتحاد الاشتراكي لما بعد مرحلة الانتخابات التشريعية لسنة 2007، يحاول الاتحاد الاشتراكي تطوير عروضه السياسية تجاه أبنائه المنشقين، فهو يذهب إلى الحلفاء بحصيلة المؤتمر الوطني الثامن الذي أكد على أسلوب الانتخاب لكل أجهزة الحزب التقريرية والتنفيذية، وفي مقدمتها موقع الكاتب الأول،الذي أصبحت لحظة المؤتمر هي الفيصل فيه، وليس التوافقات التي تسبق المؤتمر، بدليل أن الترشيحات للقيادة كانت متعددة لوجهات نظر مختلفة. كما يمد الاتحاد الاشتراكي يد المصالحة إلى أبنائه الغاضبين، بضمانات أنه في حال نجاحه في اندماجهم في الاتحاد سيتم التأسيس للتيارات باعتبارها الآلية الوحيدة التي تسمح بتعدد الآراء واختلافها بل وتنظم صراع الأفكار والقيادات أحيانا. غير أن هذا الخيار تصعب منه، تجربة المندمجين من الحزب الاشتراكي الديموقراطي، الذين خسر أغلبهم مواقعه داخل الحزب بعد المؤتمر، وهو الوضع الذي وإن حاولت قيادات الاتحاد تبريره بأن سببه الديموقراطية الداخلية، ظل بعض المندمجيين ومنظريهم في مقدمتهم محمد حبيب طالب، يرى أن الأمر لا يتعلق بالديموقراطية الداخلية، بقدر ما يتعلق ب«غياب الاستشعار الوحدوي». طموح الاتحاد الاشتراكي، لا يبدو أنه يقف عند حدود إعادة الغاضبين إلى البيت الاتحادي، بل يتعداه إلى مد اليد إلى باقي الحلفاء خاصة من اليسار، فالقيادة الاتحادية دائما ترى أن اليسار وبقيادة الاتحاد يمكن أن يصل إلى بناء القطب اليساري الكبير.لا يقصد بالقطب اليساري الكبير،الوحدة التنظيمية مابين الحزب، ولكن تلك القدرة على التنسيق المشترك ما بين مكوناته في أهم القضايا السياسية. يرتبط تحقيق هذا الطموح بمدى القدرة على تطويربعض مقدماته، فإضافة إلى بحث سبل التنسيق في مطالب الإصلاحات السياسية والدستورية التي التقت فيها مكونات اليسار، يظهر أن ملامح القطب العملية تتجلى في الإعلان عن فريق نيابي مشترك لأحزاب اليسار في الدخول السياسي المقبل، فالفريق إذا ما تم الإعلان عنه سيكون عليه الدفاع عن هذه الأحزاب واختبار سرعتها التي ستتوجه بها إلى الاستحقاقات السياسية والانتخابية لسنة 2012، لأنه ابتداء من الدخول السياسي المقبل، سيشرع البرلمان في تهييء المنظومة القانونية المؤطرة للانتخابات التشريعية المقبلة ، عبر التعديلات التي يمكن إدخالها على قانون الأحزاب السياسية، ومدونة الانتخابات، إضافة إلى التفاوض على إعادة النظر في التقطيع الانتخابي. 2-القطب الحداثي التقدمي: اليسار المعارض والحكومي قبيل افتتاح الدورة الخريفية اختار الحزب العمالي والتقدم والاشتراكية، وجبهة القوى الديموقراطية، الإعلان عن تأسيس القطب الحداثي التقدمي. الفريق وإن تحكم فيه في البداية الهاجس العددي لتشكيل فريق في مجلس النواب يعطي للأحزاب الثلاثة فرصة أكثر للاستفادة من تنسيق الجهود داخل المؤسسة التشريعية، فإن المكونات التي أعلنت تأسيسه حاولت أن تطبعه بطابع سياسي مادامت مكوناته متجانسة سياسيا، فباستثناء برلماني حزب العهد الديموقراطي، باقي الأحزاب تعلن أنها أحزاب اختارت الانحياز لإيديولوجية اليسار. بدت أولى إشارات التنسيق ما بين هذه المكونات، ففي مناقشات الجهوية المتقدمة، حاولت الأحزاب الثلاثة التنسيق فيمابينها، وفي أحيان كثيرة تظهر متقاربة في مقترحات تطوير الجهوية الموسعة. وقد يساهم تكتل هذه الأحزاب بهذا الشكل، في تسهيل عملية التواصل مع الاتحاد الاشتراكي، الذي دائما يرغب لنفسه في لعب دور المبادر في كل خطوات توحيد اليسار. فإذا كان القطب يتحدد عبر التنسيق المشترك في المواقف السياسية، مابين مكونات سياسية تمتح من نفس الخيار الإيديولوجي، فإن من شأن استمرار التنسيق بين مكونات القطب الحداثي التقدمي، أن يسهل اشتغال القطب اليساري خاصة مع الاتحاد الاشتراكي، في الملفات والمواضيع ذات الاهتمام المشترك خاصة القوانين الانتخابية، وملف الإصلاحات السياسية والدستورية. 3-تحالف اليسار الديموقراطي يهيء شروط الاندماج يضم تحالف اليسار الديموقراطي كلا من الحزب الاشتراكي الموحد، والمؤتمر الوطني الاتحادي والطليعة الديموقراطي الاشتراكي، وهي أحزاب اختارت منذ البداية موقعها في الخريطة ا لسياسية، وهو موقع المعارضة، وإن كانت عدديا لا تتوفر على الوزن الانتخابي الذي يؤهلها للضغط من داخل مؤسسة البرلمان، فإنها على مستوى الرؤية السياسية تمتلك تشخيصا للوضع السياسي الراهن وما يتضمنه في نظرها من «تراجعات» عناوينها الكبرى هي نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2007 والتوجه العام نحو غلق اللعبة السياسية لفاعل حزبي وحيد، وهو التشخيص الذي يجعلها تؤسس لهويتها اليسارية، بنفحة المعارضة، وعلى أساس هذا الموقع تقيم التمايز مع باقي مكونات اليسار الأخرى، فبالنسبة لأحزاب تحالف اليسار الديموقراطي، التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي، هي أحزاب اليسار الحكومي، وهي مسؤولة بطريقة تدبيرها غداة مشاركتها في حكومة التناوب، عن الأضرار التي لحقت الرأسمال الرمزي لباقي مكونات اليسار التي رأت أن خيارات 1996 لا تستجيب لطموحاتها فقدرت أن تقول لا للدستور، لأنه في نظرها ليس فيه ما يدفع إلى قول نعم، لكن عادت بمبرر الانخراط في استراتيجية النضال الديموقراطي، إلى المشاركة «في المعارك الانتخابية» التي جاءت بعد هذا الدستور. كل هذه المعطيات، غدت لدى هذه المكونات التفكير في الانتقال بهذا التحالف من إطار الاتحاد الحزبي، إلى الاندماج قبيل 2012، والإبقاء على موقع العمل من المعارضة، انسجاما مع فكرة أن ما حققه اليسار من هذا الموقع هو أكثر بكثير مما قد يحققه من موقع المشاركة في التدبير الحكومي، الذي بالنسبة لها لم تتهيأ لها كل شروطه، خاصة مايتعلق بالإصلاحات الدستورية والسياسية لمؤسسات الحكومة والوزير الأول. مدخل تهييء الحزب الكبير لهذه المكونات، وتأثيره في المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي عموما، ليس بالضرورة أن يكون عبر البرلمان، ولكن عبر التحالف مع الحركات الاحتجاجية الاجتماعية، فإضافة إلى تنسيقيات الغلاء وتطويرها، يذهب البعض إلى ترجيح قيام تحالف موضوعي مابين تحالف اليسار الديموقراطي، والكونفدرالية الديموقراطية للشغل، التي اختارت الانسحاب من مجلس المستشارين، وتكتفى حتى الآن بالعمل في القواعد عبر الاحتجاج للضغط على الحكومة والباطرونا على حد سواء.