في سابقة هي الأولى من نوعها في المشهد السياسي المغربي، يتحدث قادة الأحزاب السياسية عن انتخابات تشريعية على بعد 3 سنوات عن موعدها، لكونها ستكون حاسمة في إفراز تكتلات واضحة، لإنهاء مرحلة «الانتقال الديمقراطي» المبنية على توافق بين أحزاب اليمين والوسط واليسار، والدخول في مرحلة عادية، تجعل الحزب الفائز يشكل أغلبيته من تحالفاته الطبيعية، إما اليمين، أو اليسار. واتضحت معالم هذا الخيار السياسي الجديد، قبل موعد الافتتاح الرسمي للبرلمان، من قبل الملك محمد السادس، حيث شهد حزب التجمع الوطني للأحرار رجة قوية وسط صفوفه إذ ناقش المتصارعون فكرة أساسية خلافية، تهم فقط تدبير الانتخابات الجماعية، وما تلاها من تحالفات لتشكيل مكاتب مجالس الجماعات، والغرف المهنية، والجهات، بين مصطفى المنصوري، رئيس الحزب، ومن يسانده، وفريق صلاح الدين مزوار، وزير الاقتصاد والمالية، حيث ركزت الحركة التصحيحية على ذلك، وأكدت على أهمية استدعاء الأجهزة المسيرة للحزب للانعقاد، لتحديد المسار الجديد للحزب، وهو ما يعني أيضا التحول في اتجاه التحالف مع أحزاب اليمين فقط. وأكد مراقبون للمشهد السياسي المغربي أن التجمع الوطني للأحرار خرج من الصراع بأقل ثمن، حيث حافظ على تماسك الحزب، رغم ما راج من أخبار، تفيد بأن برلمانيي الحزب سيتم ابتلاعهم من قبل حزب الأصالة والمعاصرة، الوافد الجديد، الذي حرك البرك الآسنة للمشهد السياسي، مهما اختلف معه الفاعلون، أو الصحافيون، أو المراقبون في الطرق التي استعملها أثناء إحداثه، وخوضه غمار الانتخابات، بالاعتماد على شخص النائب فؤاد عالي الهمة، الوزير المنتدب السابق في الداخلية، مما دفع أغلب البرلمانيين وأعضاء الأحزاب السياسية إلى التقدم بطلبات الانضمام إليه، حيث وصلت في مجلس المستشارين إلى نحو 74 طلبا، وهو ما يضر بالعمل التشريعي، لكون التقدم بطلبات الانضمام ليس من أجل إغناء العمل البرلماني، كما يطمح إلى ذلك قادة الأصالة والمعاصرة، ولكن من أجل تحقيق منافع شخصية، بالتقرب إلى جهات نافذة في الدولة، بحكم علاقات الهمة، المتنوعة في دواليب الإدارة والاقتصاد والمال، وسبق أن حصل نفس الأمر بمجلس النواب. وإذا كان حزب الأصالة والمعاصرة استفاق على وجود مشتبه في تورطهم في قضايا أخلاقية، أو الاتجار في الممنوعات، بعد الفوز بمقاعد انتخابية في الجماعات، والغرف المهنية، والجهات، وكانت له الشجاعة لوحده في الكشف عن ذلك، حيث طلب منهم بود وأدب، مغادرة الحزب، وعدم الترشح باسمه في مجلس المستشارين، حتى لا يشار إليه في المؤسسة التشريعية، فإن التساؤل يظل قائما حيال براءة ذمة البعض من الذين فازوا في الجماعات والغرف المهنية، والجهات، لأن تلك المؤسسات المحلية تعد أحد أسس الديمقراطية الجهوية، وأداة لخدمة المواطنين، والرفع من منسوب معدلات النمو الاقتصادي، ومحاربة الفقر والأمية، والجهل. وبغض النظر عن حسن نية قيادة الوافد الجديد في لعب دور القاطرة لجر أحزاب اليمين إلى صفه، بينهم الاتحاد الدستوري، وجمع شتات بعض الأحزاب الصغيرة، المحسوبة على يمين الدولة، فإن تماسك أغلبية حكومة الفاسي، بقيادة الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، الإخوة الأعداء، المتوفرين على الدهاء السياسي اللازم، لن يعجل بترتيب اليمين البرلماني لبيته، ولن يسمح لأي أحد بزعزعة الأغلبية البرلمانية، لكون التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية يعدان رقمين هامين في معادلة استمرار الحكومة إلى غاية انتهاء مدة ولايتها، كما أنهما سيشكلان دعامة لإعادة تشكيل خريطة اليمين، الطامح إلى قيادة حكومة الهمة سنة 2012 . وعلى هامش تحركات أحزاب اليمين في إعادة ترتيب البيت، بإخراج البعض من نافذة الحزب، خاصة القادة الشيوخ، أو الذين تعطلت حواسهم في فهم مجرى تاريخ جديد، فإن تحركات أحزاب اليسار، تسير ببطء شديد، أشبه بحركة السلحفاة، إذ قبل موعد الافتتاح الرسمي للبرلمان، أعلنت ثلاثة أحزاب، هي التقدم والاشتراكية وجبهة القوى الديمقراطية والحزب العمالي، عن إحداث تحالف برلماني وسياسي يرمي إلى الدفاع عما سمته الأحزاب الثلاثة المشروع المجتمعي الحداثي، في أفق الاندماج في حزب جديد، وهو ما تسعى إليه باقي مكونات أحزاب اليسار البالغ عددها ثمانية، وإذا ما نجحت الأحزاب الثلاثة في مسعاها، خاصة في تفعيل أشغال المؤسسة البرلمانية، التي تعد محكا حقيقيا لأي اندماج بعدي، فإن عدد أحزاب اليسار سيتقلص إلى خمسة، في انتظار تحرك الاتحاد الاشتراكي الذي يطمح إلى أن يقود عملية الاندماج بنجاح كما فعل سابقا مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إذ أطلق قادة الاتحاد الاشتراكي في أكثر من مناسبة نداءهم لتوحيد قوى اليسار، آملين في عودة جميع الاتحاديين إلى صف الاتحاد الاشتراكي، خاصة الذين خرجوا من رحمه في السنوات الأخيرة، من قبيل المؤتمر الوطني الاتحادي، والحزب المنشق عنه مؤخرا، الحزب الاشتراكي، مؤكدين أن استيعاب عناصر جديدة- قديمة، سيقوي لحمة الاتحاديين، دون مشاكل، مستندين في ذلك على تجربة صغيرة في مجلس المستشارين أثمرت التحاق بعض النقابيين من الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، التي أعلنت الانسحاب من مجلس المستشارين، بفريق نقابة الفيدرالية الديمقراطية للشغل، الموالية للاتحاد الاشتراكي، إذ كان بعض أولئك الملتحقين أكثر شراسة في معارضة الحكومة. وسيزداد طموح الاتحاديين في تحقيق مسعاهم من أجل دمج بعض من أحزاب اليسار، من خلال رفع مطلب الإصلاح الدستوري الشامل، وهو اللغة التي يتقنها يساريو المغرب. وبين بطء اليسار وسرعة اليمين في إعادة ترتيب الحقل السياسي، سواء في البرلمان أو خارجه، فإن لحزب الاستقلال، الذي يقود الائتلاف الحكومي الحالي، وحزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية، دورا لا يستهان به، إذ يمكن أن يشكلا وسطا ميالا الى الصف اليساري أكثر من اليميني، وهو ما ستوضحه بجلاء نتائج انتخابات 2012 .