" الله يلعن اللي ما يحشم... هاذ الصلاكط خاصهم البوليس اللي يربيهم... الله يلعن اللي رباهم... ما يحشموش هاذو هما خماج نتاع أوربا...". هكذا كان أحد المواطنين يصرخ ويسب ويشتم في غضب شديد؛ بعد أن أطل من شرفة منزله بمدينة السعيدية عشية ذلك اليوم الذي مرت بجانبه سيارة مكشوفة مرقمة بأوربا على متنها أربعة شبان من أبناء المغتربين. كان الشبان الأربعة غارقين في صخب موسيقى غربية، وفي نشوة مبالغ فيها بحكم تموضعهم داخل السيارة، وهم يُغنُّون وينعقون ويصرخون ويدخنون سيجاراتهم(؟)، إلى أن وصلوا تحت شرفة المنزل، وحولقوا في اتجاهها ثم صاح أحدهم" واش كاين شي...واش كاين ما..."، قبل أن تنطلق السيارة كالسَّهم في الشارع تاركة بعض المارة المستائين يستنكرون... حل فصل الصيف، وحط معه الرحال مواطنونا القاطنون بديار المهجر من مختلف بلدان أوروبا كالعادة، واستعدت الدولة لاستقبالهم باتخاذ الإجراءات المتعددة والمتنوعة من مختلف نقط انطلاقهم لتسهيل عملية عبورهم، ووصولهم في أمن وأمان إلى الوجهات التي يقصدونها داخل التراب الوطني.. لكن بقدر ما تفرح وتسعد الأسر للقاء أبنائها وأهليها في ديار المهجر، بقدر ما أصبحت بعض هذه الأسر ومعها العديد من المواطنين تتضايق من سلوكات أغلب أبناء المغتربين الغريبة والمستفزة لمشاعرهم، وتصرفات هؤلاء التي لا تمت بصلة لا لأخلاق المغاربة، ولا حتى لأخلاق الأوربيين،" والله والله والله هاذ الشي ما يديروه في أوربا... والله حتى يقطبوهم ويربيوهم في أوربا... هاذو مكبوتين ويجيو يفجرو علينا الكبت انتاعهم... أسيدي الله يحسن عون أوربا.." يصيح أحد المواطنين التجار بسوق المدينة القديمة بوجدة بعد أن عنَّفته إحدى السيدات المغتربات لرفضه بيعها عطرا بنصف الثمن الذي طلبه(20 درهما)، وبعد أن جربت وتعطرت من مجموعة من قارورات العطر، وزاده غضبا بل اعتبره عدوانا وذماًّ عندما صرخت في وجهه "La-bas, chez nous , ça coûte moins que ça...Ah, chez vous c'est cher, vous augmentez trop les prix ..." (هناك في بلدنا ثمنها أقل...هنا عندكم ترفعون الأثمنة كثيرا...) ، فأجابها" آلالة ما نبيعش... حتى لفرانسا وشْري الريحة اللي موالفة تشريها في ليشان زيليزي...". لم تستسغ السيدة ذلك، وحاولت أن تشعل المعركة، وتدخل في ملاسنة لولا تدخل بعض الزبائن لفضها. تتأسف العائلات المستقرة بالمغرب من تغير حال هؤلاء الذين لم يعد يفهمهم أحد؛ بحيث لبسوا العجرفة" الزائفة"، وركبوا خيولا من ورق، واصطبغوا بحضارة لم يستوعبوها، بل أفسدت طباعهم، وفجروا مكبوتاتهم على مواطنيهم البسطاء والكرماء. ضاق المواطنون بمدينة وجدة، وبمدن الجهة الشرقية ذرعا بتصرفات أبنائها من المغتربين الذين فقدوا عاداتهم وتقاليدهم المغربية، وأصبحوا يشكلون مصدر معاناة للمواطنين من أسرهم، ومن التجار، ومن رجال الأمن، ورجال السلطة، والموظفين بالعديد من المؤسسات، وفي الأسواق، وفي الطرقات وبالشواطئ... لقد كان شارع الزرقطوني مساء يوم الأربعاء 20 غشت الحالي، مسرحا ما بين مقر ولاية الجهة الشرقية وعمالة وجدة/ أنجاد ومحطة القطار غير بعيد عن مقر ولاية أمن وجدة لمشهد أثار سخط وغضب المواطنين المارين والجالسين بالمقاهي؛ حيث كان أحد الشبان من المهجر يقدم عرضا خطيرا ذهابا وإيابا بدراجته ذات الأربع عجلات ورباعية الدفع" كواد" بسرعة جنونية، ومحرك فاق صوته طائرة نفاثة، محاولا في ذات الوقت حفظ التوازن على العجلتين الخلفيتين. إن أسلوب خطاب بعض هؤلاء المهاجرين ينم عن الاحتقار والدونية لمواطنيهم بالمغرب، بل هناك من لا يتوانى في تلقين الدروس في الديمقراطية والحضارة والقانون والعلم والمعرفة لكل من صادفه في واقعة ما. وهناك من تسول له نفسه أن يغضب، ويكيل للمواطنين المغاربة من السب والشتم باللغات اللاتينية ما يُكيله لهم الأوربيون العنصريون هنالك، ويصرخ داخل الإدارات العمومية كأنه فوق القانون، أو كأن القانون يخول له حق الحصول على معاملات تفضيلية في المغرب. " إن هؤلاء " المغاربة" المهاجرين يعتبرون أنفسهم مغاربة من نوع آخر، ومن طينة" أوربية" ويجب معاملتهم بطريقة استثنائية وخاصة. إن السالك لطرق مدن الجهة الشرقية خاصة تلك الرابطة بمدينة السعيدية لا شك يلاحظ السرعة التي تسير بها تلك السيارات؛ حيث تفوق ما يمكن أن يقبله العقل، ناهيك عن التجاوزات في المنعرجات التي تفوق أحيانا 160 كلم، بل أكثر، الأمر الذي يضع حياة الآخرين قبل حياتهم في خطر، مع العلم أن الإحصائيات المسجلة بخصوص حوادث السير، تشير إلى ارتفاع عددها خلال أشهر يونيو ويوليوز وغشت، أي أيام تواجد المغتربين بالبلد. والغريب في الأمر أن هؤلاء السائقين يلتزمون الهدوء، ويخفضون السرعة، ويحيون رجال الدرك عند كل حاجز. وما إن يجتازوا الحاجز حتى ينطلق اللحاق من جديد... ويستغرب المرء من سلوك هؤلاء داخل شوارع المدن؛ حيث يقفون بسياراتهم أين طاب لهم ذلك في مواقع ممنوعة، أو يتجاوزون الآخرين كلما طال عليهم الانتظار، ولو أدى بهم ذلك إلى حرق أضواء المرور دون مبالاة بما قد يسببونه. ومنهم من يطارد بنات المواطنين، ويفتح باب سيارته المرقمة بالخارج كلما اقترب من فتاة كأنهن عاهرات" غابة بولون" بباريس... ويلاحظ المصطافون بشاطئ مدينة السعيدية استعمال هؤلاء للآليات التي يجلبونها من دول أوروبا، كالدراجات رباعية الدفع" الكواد" و" الجيتسكي" ويجوبون بها الشاطئ مُراِوغين المصطافين المساكين في استعراضات بهلوانية مجانية... ومنهم من يتعاطى اللعب بالكرة على الشاطئ مضايقا بذلك الوافدين عليه بالركض وراء الكرة التي تنط على الشماسات، وعلى أجساد المواطنين الممددة ورؤوسهم؛ بالإضافة إلى الرمال التي تتقاذفها الأرجل فتصل إلى الأعين والأكل والمشروبات... لا بد من تذكير هؤلاء ألا أحد في دول المهجر يقبل أن تنتهك الأعراف، وتخترق القوانين ولو في غياب رجال الأمن. إن الإنسان الحضاري يحترم القانون أين حل وارتحل، كما يفعل الأوربيون عند زياراتهم لبلداننا في جولاتهم السياحية مهما كان تقدم تلك البلاد أو تخلفها. كما أن العديد من المغاربة الذين يفتخرون بأصولهم، وما زالوا يحافظون على عاداتهم وتقاليدهم، ولم يأخذ منهم عيش عشرات السنين بدول المهجر حرفا واحدا من هويتهم، ولا ثقافتهم، ولا تراثهم ولا حضارتهم، ولا غربيتهم. هذا، ولا يكفي أن يتكلم شخص لغة موليير المحرفة ليصبح فرنسيا، ولا لغة" شكسبير" ليصبح إنجليزيا... هناك علماء مغاربة في جميع المجالات، وعلى أعلى المستويات بمختلف دول العالم يعيشون مغاربة، ويعودون للمغرب مغاربة...