الصحراء المغربية.. هنغاريا تجدد تأكيد دعمها لمخطط الحكم الذاتي    بوريطة يلتقي وزير الخارجية الإسباني في مدريد لتكريس متانة الشراكة المغربية الإسبانية    تعديل استثنائي في توقيت بث برنامج "ديرها غا زوينة" مساء اليوم الخميس    مندوبية التخطيط: التضخم يرتفع إلى 2.2% في الربع الأول من 2025    مغربيات يتظاهرن في سلا تضامنا مع المرأة الفلسطينية ورفضا للعدوان على غزة    وفاة عامل بسوق الجملة بالدار البيضاء تثير غضب التجار وتفتح باب المساءلة    تعليمنا المغربي والعنف المدرسي.. عَارُنَا الكبير أمام شرفة أحلامنا الوطنية    سعد لمجرد ينفي مشاركته في مهرجان موازين 2025    تقرير: المغرب في المرتبة 81 عالميا من حيث زخم التحول الرقمي    قبل 17 سنة الاستخبارات الأمريكية توقعت عالم 2025.. نضوب المياه العذبة يُهدد المغرب    أمريكا تستثني المغرب من رسوم جمركية على السكر    إحاطة ديميستورا: خطاب متوازن أم تثبيت للجمود؟    هيومن رايتس ووتش: السلطات التونسية حولت الاحتجاز التعسفي إلى ركيزة أساسية في "سياستها القمعية"    أمريكا.. إلغاء الامتيازات الصحفية لوكالات الأنباء الكبرى    الاتحاد الأوروبي يدرج المغرب ضمن قائمة "الدول الآمنة"    رئيس برلمان أمريكا الوسطى في زيارة للعيون    بنك المغرب بالجديدة يستقبل في لقاء تربوي    توقيف جانحين استعرضا أسلحة بيضاء أمام مقر دائرة للشرطة بالبيضاء    المغرب يتقدم الدول العربية على صعيد القارة الإفريقية في تعميم التغطية الصحية    من قلب إفريقيا إلى صفوف التميز .. المغرب ينافس الكبار في حماية الملكية الفكرية    تأهل المنتخب الوطني لكرة القدم لأقل من 17 سنة إلى نهائي كأس إفريقيا..نادي موناكو يشيد بأداء موهبته إلياس بلمختار    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس بمختلف مناطق المملكة    مقدم شرطة رئيس يطلق النار لمنع فرار سجين كان رهن المراقبة الطبية بالمستشفى الجامعي بمراكش    رئيس جماعة بني ملال يتجاوب مع مطالب النقابيين في قطاع الجماعات    أديس أبابا- اللجنة الاقتصادية لإفريقيا: اجتماع لفريق الخبراء تحت الرئاسة المغربية لدراسة واعتماد التقرير الإفريقي حول التنمية المستدامة    واكي: الرقمنة تدعم تنمية المغرب .. و"جيتيكس إفريقيا" يخدم الشراكات    البندقية تنفتح على السينما المغربية    دوائر أمنية بالجديدة في وضع مقلق... مطلب استعجالي لإعادة الإعتبار لهذا المرفق الحيوي    نقابة تدين تهجم شخص على مدير مؤسسة تعليمية بالحسيمة    ميناء العرائش يسجل تراجعًا في مفرغات الصيد البحري بنسبة 20% خلال الفصل الأول من 2025    الركراكي: أسود الأطلس عازمون على الفوز بكأس إفريقيا 2025 على أرضنا    "كاف" يغير توقيت نهائي "كان U17"    "تمغرابيت" تزين معرض الكتاب في باريس .. إبداع وذاكرة وشراكة متجددة    الجيش الإسرائيلي يعلن تحويل 30% من أراضي قطاع غزة إلى منطقة عازلة    دوري أبطال أوروبا.. إنتر ميلان يُقصي بايرن ميونخ ويتأهل لمواجهة برشلونة في النصف النهائي    تسجيل ثالث حالة إصابة بداء الكلب في مليلية خلال أقل من أسبوعين    هل هي عزلة أم إقامة إجبارية دولية: هكذا تخلت القوى الكبرى ‮ والدول الصغرى أيضا عن دولة العسكر في الجزائر!    كلمة : البرلمان.. القضايا الحارقة    جامعة عبد المالك السعدي تُثري فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب ببرنامج ثقافي متنوع في دورته ال30    ملاحظات عامة عن المهرجانات السينمائية المستفيدة من دعم الدورة الأولى لسنة 2025    أنشطة سينمائية بعدد من المدن المغربية خلال ما تبقى من شهر أبريل    «أجساد في ملكوت الفن».. عبد العزيز عبدوس يفتح نوافذ الذاكرة والحلم بطنجة    بلقشور: إصلاحات "دونور" غير مسبوقة والمركب في أفضل حالاته    هل ما زال للقصائد صوت بيننا؟    المغرب يتسلح ب600 صاروخ أمريكي لمواجهة التحديات الجوية    حكيمي: "الحقيقة أننا لا نهتم بهوية منافسنا.. لأنه للفوز بدوري أبطال أوروبا عليك أن تواجه الأفضل"    إسرائيل: "لن تدخل غزة أي مساعدات"    بيلينغهام : واثقون من تحقيق ريمونتادا تاريخية أمام أرسنال    كلب مسعور على حدود المغرب .. والسلطات الإسبانية تدق ناقوس الخطر    بطولة إسبانيا: توقيف مبابي لمباراة واحدة    وفاة أكثر من ثلاثة ملايين طفل في 2022 بسبب مقاومة الميكروبات للأدوية    دراسة أمريكية: مواسم الحساسية تطول بسبب تغير المناخ    فايزر توقف تطوير دواء "دانوغلبرون" لعلاج السمنة بعد مضاعفات سلبية    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل أخطأ الأنبياء ؟
نشر في وجدة نيوز يوم 24 - 05 - 2013

د. عبد القادر بطار / ... لا يليق بأستاذ باحث في علم مقارنة الأديان، أن يخالف البديهيات في العقائد الإيمانية...
من أساسيات العقيدة الإسلامية الإيمان بالأنبياء، وقد بحث علماء العقيدة هذا الركن العظيم، ونبهوا على دقيقه وجليله، وبينوا جميع جوانبه، من حيث ما يجب في حق الأنبياء من صفات، وما يجوز، وما يستحيل. ومن العناوين الطريفة التي نخشى أن تصدق على بعض الباحثين في جامعاتنا، كتاب: "تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حُثالة الأغبياء" لابن خمير السبتي. الذي كشف فيه عن بعض الشبهات والدسائس والأوهام، التي يروج لها بعض الجاهلين بحقيقة النبوة ومكانتها عند المسلمين.
لقد شذ فعلا بعض الباحثين فذهب على سبيل التطرف العقدي والفكري إلى إنكار عصمة الأنبياء كمقوم من مقومات النبوة، في خلط واضح بين ما يعتقده أهل الحق، وما يقوله أهل الباطل. متوسلا في استنتاجاته الواهية بمقدمات خطابية، لا ترقى إلى مستوى البرهان المبني على مقدمات يقينية.
لا يليق بأستاذ باحث في علم مقارنة الأديان، أن يخالف البديهيات في العقائد الإيمانية، وهو يعلم أكثر من غيره أن الدين في وضعه العرفي كما اشتهر عند المسلمين: "وضع إلهي سائق لذوي العقول السليمة باختيارهم إلى الصلاح في الحال والفلاح في المآل"، أو هو " وضع إلهي يرشد إلى الحق في الاعتقادات، وإلى الخير في السلوك والمعاملات".([1])
من البديهي عند المسلمين أيضا أن الدين الحق يهدي العقول السليمة إلى ما فيه الخير والصلاح، معاشا ومعادا، ولا يخفى على اللبيب كذلك أن العقل شرط أساس، لإدراك مزايا الدين، وأسرار التشريع، أما ضعاف العقول فخليق بهم أن ينكروا البديهيات في العقائد والعادات.
لقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون الأنبياء بشرا من جنس المرسل إليهم، حتى يكونوا أكثر صلة بالناس، وأعرف بمشاعرهم وأحاسيسهم، ليقتدوا بهم فيما يبلغونه عن الله عز وجل، واختيار مَلَكٍ يبلغ رسالةَ الله إلى الرسول ليبلغها هو إلى الناس شيء طبيعي، ما دام عالم الملائكة مختلفا عن عالم الإنسان:" قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَّسُولاً [الإسراء: 95].([2])
لقد أسس أهل الحق مذهبهم العقدي في هذا الموضع الخطير، على مقدمات يقينية تستمد مضمونها من القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية المطهرة وإجماع الأمة. فأجمعوا على عصمة الأنبياء عن الكفر والبدعة، وخالفهم في ذلك بعض الخوارج، الذين جوزوا صدور الذنب منهم، وقالوا: كل ذنب كفر. ([3])
ومن الأدلة التي يعتمد عليها علماء الإسلام في إقرار مبدأ العصمة أن الأنبياء لا يعصون الله تعالى لا بكبيرة ولا صغيرة على سبيل العمد، لأنهم معصومون، والناس مأمورون بالاقتداء بهم، ولا يجوز الأمر بالاقتداء بمن يعصي.([4])
ومن الصفات الضرورية التي لا تنفك عن جميع الأنبياء التي دل الشرع والعقل على ثبوتها ووجوب الإيمان بها: الأمانة والتبليغ والصدق والفطانة.


أولا: الأمانة:
ومعناها حفظ الله تعالى لظواهر الأنبياء وبواطنهم من المعاصي والمكروهات. ويعبر علماء العقيدة عن الأمانة بالعصمة أيضا، وهي ملكة نفسانية تمنع صاحبها الفجور.
وعلى هذا الأساس يعتقد المسلمون أن الله تعالى حفظ أنبياءه ظاهرا من ارتكاب المنهيات، كما حفظهم من منهيات الباطن كالحسد والكبر والرياء...
وبهذا التفسير يكون معنى العصمة: هو حفظ الله تعالى لظواهر أنبيائه وبواطنهم من كل عمل منهي عنه، في الصغر والكبر، قبل النبوة وبعدها. فلا يصدر عنهم ذنب ولا يرتكبون معصية. ([5])
ويتفرع عن صفة الأمانة الكلام في عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من خلال العناصر الآتية:
أ - مفهوم العصمة:
العصمة لغة تعني المنع والوقاية والحفظ، تقول: عَصَمَهُ الله من المكروه، أي حفظه ووقاه، وفي اصطلاح علماء العقيدة تعني: حفظ الله تعالى لأنبيائه عليهم الصلاة والسلام من الذنب مع استحالة وقوعه. ويعرفها بعض العلماء بأنها: تهيئة العبد للموافقة مطلقا، بمعنى أن الله تعالى خلق القدرة على كل طاعة أمروا بها. كما عدها بعضهم ضربا من التوفيق، فقال: إن التوفيق خلق القدرة على الطاعة المعينة، والعصمة إذن عام.([6])
ب- العصمة قبل النبوة:
ذهب بعض أصحابنا من الأشاعرة إلى عدم امتناع صدور ذنب من النبي قبل نبوته ... ([7])
والذي نرتضيه معتقدا في هذا الموضع، سدا للذريعة، أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا معصومين قبل البعثة، فلا يصدر عنهم ذنب. وهذا الامتناع إنما استفدناه من الشرع الحكيم، دون العقل، لأن ما يسمى معصية في العرف إنما يكون بعد تقرير الشرع الحكيم نفسه أنه معصية.
ج- العصمة بعد النبوة:
وهذا الأمر مما أجمع عليه أهل الحق قاطبة، وهو من العقائد العامة عند سائر المسلمين، إلا ما شذ منهم. وهذا المعتقد -عصمة الأنبياء بعد النبوة- هو الأليق بخير من اصطفاهم الله تعالى لهداية الناس إلى الطريق المستقيم.
ثانيا: الصدق:
وهو ضد الكذب، ومعناه مطابقة الخبر للواقع، أو موافقة الخبر لما في نفس الأمر، إي لما عند الله تعالى، سواء وافق اعتقاد المخبر أم لا.([8])
وإذا كان الصدق واجبا في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في كل ما يبلغونه ويخبرون عن رب العالمين فإن اتصافهم بالكذب محال. والدليل على ذلك أنهم لو لم يكونوا صادقين للزم الكذب في خبره تعالى لتصديقه لهم بالمعجزة النازلة منزلة قوله تعالى: صدق عبدي في كل ما يبلغ عني ...([9])
ثالثا: الفطانة:
ومعناها الحذق وسرعة الفهم والتيقظ لإلزام الخصوم وإبطال دعاويهم ودحض حججهم، بحيث يستطيعون إقامة الدليل على صدق ما يدعون إليه، ويبطلون شبه المخالفين لهم.([10])
وهذا واقع جميع الأنبياء قال تعالى: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [الأنعام : 83] وقال أيضا :" قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [هود : 32] وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم :" وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل : 125].
رابعا: التبليغ:
ومعناه لغة الإيصال، والمقصود بهذا اللفظ في هذا الموضع أنهم عليهم الصلاة والسلام يبلغون جميع ما أمرهم الله تعالى بتبليغه، ولا يتصور كتمانهم لشيء من ذلك، لقوله تعالى :" يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [المائدة : 67].
فهذه الصفات الأربعة الواجبة التي لا ينفك عنها الأنبياء، مما يجب على كل مكلف اعتقاده، واعتقاد استحالة اتصافهم بأضدادها، وهي كما سلف: الصدق، وضده الكذب، والأمانة، وضدها الخيانة، والتبليغ، وضده الكتمان. والفطانة وضدها الغفلة.
وللإفادة فإن هذه الصفات الأربعة هي المتداولة فى مبحث النبوات، وهي من الشروط العقلية للنبوة. أما الشروط الشرعية العادية فهي البشرية، والحرية، والذكورة، وكمال العقل، والذكاء، وقوة الرأي، والسلامة من كل ما ينفر من الإتباع حال النبوة.
ومنها أيضا كونه أعلم من جميع من بعث إليهم بأحكام الشريعة المبعوث بها أصلية كانت أو فرعية.([11])
هل أخطأ الأنبياء ؟
من الأمور التي يتمسك بعض الباحثين في جامعاتنا للتدليل على إنكار عصمة الأنبياء ما صدر عن بعض الأنبياء كمعصية آدم وطلب نوح المغفرة لابنه واستغفار إبراهيم لأبيه...
وهي أمور أجاب عنها علماء العقيدة إجابات وافية لا تخرج عما يعتتقده عامة المسلمين في وجوب اعتقاد عصمة الأنبياء والتماس تأويلات مقبولة شرعا وعقلا، وحسبنا أن نشير إلي بعض منها.
قصة آدم عليه السلام:
يدرك الناظر في القرآن الكريم أن الله تعالى لم ينص صراحة على معصية نبي إلا معصية آدم عليه السلام. قال تعالى" فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى [طه: 121] "
وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى القول بأن نهي آدم عن الأكل من الشجرة كان نهي إرشاد وإعلام، وليس نهيا على جهة التكليف، ثم أنساه الله تعالى بعد ذلك إرشاده إياه ووصيته له فأكل من الشجرة غافلا عن الوصية والوسوسة...([12])
كما يذهب علماء آخرون إلى القول بأن آدم عليه السلام إنما عصى وارتكب الذنب قبل النبوة، وليس بعدها، يدل عليه قوله تعالى: "... وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طه : 122-121] فدل على أن الاجتباء إنما كان بعد المعصية.([13])
قصة نوح عليه السلام:
من الحجج الواهية التي يتمسك به بعض الغافلين من أجل إبطال مبدأ عصمة الأنبياء قوله تعالى" قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [هود : 46] فاستنتج هذا الجاهل أن الله تعالى كذب نوحا في قوله" إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي" [هود : 45] وهذا تأويل لا يصح البتة لأن الكذب مستحيل في حق الأنبياء مطلقا، لا عن طريق العمد ولا السهو ولا التأويل.
وقد فسر بعض العلماء المعتبرين الآية السابقة بأن الله تعالى نفى أن يكون ابن نوح من أهله الذين وعد الله بنجاتهم.([14])
من الواضح إذن أن قوله تعالى " إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ " إنما ينصرف إلى الدين والإيمان، أي أنه ليس من أهلك في العقيدة والدين وليس في النسب.
وخلاصة القول فإن عصمة الأنبياء محسوم فيها عند علماء العقيدة، ولا يصح الإيمان بالأنبياء إلا بالإيمان بعصمتهم.
الجائز في حق الأنبياء:
لقد تحدث علماء العقيدة عن الصفات الجائزة في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقرروا في هذا الصدد أصلا مهما وهو القول بجواز اتصاف الأنبياء بسائر الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى نقص في مراتبهم أو الإخلال بمقاماتهم العلية كالمرض والعمى والبرص وغير ذلك من الأمور المنفرة ...([15])
ومن النصوص القطعية الدالة على بشرية الأنبياء :
قوله تعالى " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف: 110].
وقال أيضا:" قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ [فصلت : 6].
وقال أيضا :" قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف : 188].
وقال أيضا:" قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ [يونس : 49].
وقال أيضا:" وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144].
أما دليل جواز وقوع الأعراض البشرية على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والتي لا تؤدي إلى نقص كما سلف القول، فمشاهدة وواقعة فعلا. وهذا كما يقول بعض العلماء "إما لتعظيم أجورهم أو للتسلي عن الدنيا أو للتنبيه لخسة قدرها عند الله تعالى وعدم رضاه بها دار جزاء لأنبيائه وأوليائه باعتبار أحوالهم فيها عليهم الصلاة والسلام ..." ([16])
وصفوة الكلام، فإن أهل الحق، انطلاقا من أصول الأدلة المتمثلة في القرآن وصحيح السنة والإجماع يعتقدون اعتقادا جازما بجملة من الصفات التي لا تنفك عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، هي بمثابة مسلمات عقدية، والشك فيها أو تأويلها على وجه غير صحيح مدخل لهدم الدين من أساسه. ومن القواعد المقررة في هذا المبحث الشريف – مبحث النبوة - أن ما ثبت من الكمال لنبي من الأنبياء ثبت لغيره.
* أستاذ العقيدة والمذاهب الكلامية بجامعة محمد الأول بوجدة.
هوامش:
([1]) الدين بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان، د. محمد عبد الله دراز، الصفحة 63 طبعة دار القلم الطبعة الخامسة 2003
(2) مقارنة الأديان أحمد شلبي 3 / 119
(3) شرح معالم أصول الدين، لابن التلمساني الصفحة 598 تحقيق الدكتور محمود عواد سالم المكتبة الازهرية للتراث الطبعة الأولى 2001
(4) الدرة فيما يجب اعتقاده، لابن حزم الأندلسي، الصفحة 332، تحقيق عبد الله التركماني، دار ابن حزم بيروت الطبعة الأولى 2009
(5) شرح جوهرة التوحيد الباجوري الصفحة200 تحقيق الدكتور لي جمعة محمد الشافعي، دار السلام، مصدر الطبعة الرابعة 2008.
(6) شرح معالم أصول الدين، لابن التلمساني، الصفحة 598.
(7) أبكار الأفكار في أصول الدي، للآمدي 4/ 143 تحقيق الدكتور أحمد محمد مهدي، مطبعة دار الكتب والوثائق القومية القاهرة، 2004
(8) شرح أم البراهين للملالي، ص:77.
(9) شرح جوهرة التوحيد للباجوري، ص:278
(10)شرح جوهرة التوحيد الباجوري ص 278.
(1[1]) شرح جوهرة التوحيد للباجوري، ص:280.
(12[1]) تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء، لابن خمير السبتي، الصفحة 82 تحقيق الدكتور محمد رضوان لداية، دار الفكر بدمشق، الطبعة الثانية 1990
(13)أبكار الأفكار في أصول الدين للآمدي 4/150
(4[1]) أبكار الأفكار في أصول الدين، للآمدي 4/161
(5[1]) شرح جوهرة التوحيد، للباجوري، ص: 282.
(6[1]) أم البراهين، للسنوسي، مع حاشية الدسوقي، ص:245.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.