منذ مدة وأنا أتابع ما تكتبه الصحف، وما تقدمه ربورتاجات وسائل الإعلام مرئيها ومسموعها وخاصة بعد نتائج الباكالوريا، حيث استقبلت التلفزة المحسوبة على الوطن السيد وزير التربية الوطنية الذي لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب. الذي أثارني في تدخل السيد الوزير مكاييل المديح والثناء على نساء ورجال التعليم الذين بذلوا جهودا كبيرة جدا كان لها أثرها في نجاح نسبة 47% من تلاميذ مغربنا الحبيب، وكررها مرات كثيرة دفعتني إلى التساؤل: هل هذا هو نفسه السيد الوزير الذي كان قبل أيام يحرض السادة النواب والمستشارين وجمعيات آباء وأولياء التلاميذ تحت قبة البرلمان على التصدي لرجال التعليم بسبب إضراباتهم واحتجاجاتهم؟ أليس هذا السيد الوزير نفسه الذي علق رجال ونساء التعليم حين سقط المخطط الاستعجالي؟ أليس هذا هو نفسه السيد الوزير الذي ما فوت فرصة إلا ولمز وغمز في هذه الهيئة التي هي قوام كل المجتمعات. صراحة تعجبت من هذه المزاجية التي يتمتع بها السيد الوزير، وعجبي أكثر من قدرته الكبيرة على الخفض والرفع، فطيلة حياتي لم أر مثل هذه القدرة في وزير من وزرائنا المحترمين. ليس هذا في الحقيقة قصدي من هذا المقال، إنما القصد مني إثارة الانتباه إلى كم الكره الذي تغرسه وسائل الإعلام في نفس المتلقي المغربي تجاه هيئة التعليم بمختلف مكوناتها واصنافها، فهذا حوار تلفزي أو لقاء ما بين مختصين ومهتمين لا يتورع بعضهم عن اتهام رجال التعليم، وهذه تغطية لإضراب ما في جهة ما تقدم خلالها شهادة أولياء أمور أو تلاميذ من طريقة حديثهم وكلامهم يتبين أن ما قالوه كأنما حشي في أفواههم حشوا ولقنوه تلقينا، وخاصة أن القائمين بهذه التغطية يختارون وجوها تثبت مقولة: " يكاد المريب أن يقول خذوني ". هذا الكره الذي صار في صدور الناس تجاه نساء ورجال التعليم يظهر في سلوكات الناس وتصرفاتهم ومواقفهم، وأحاديثهم في البيوت والمقاهي والمجالس، وهو في الحقيقة موقف له أسبابه الموضوعية التي لا يقدر عاقل ينكره، ولكن نسبة الموضوعية فيها تتلاشى وتضمحل أمام مواقف القيمة الناتجة عن بعض المواقف الشخصية التي تعود إلى خلفيات ذاتية ترتبط بالفشل في التحصيل واعتبار الأستاذ مسؤولا عنه، أو إلى حسد يكمن في النفوس لا يعرف الكثيرون أنه حسد على الحقيقة، فيلبسونه لبوسا غير لبوس الحسد، ونحن لسنا بصدد الحديث عن هذا الأمر وإن كان وجيها . تأملت ما يقوله الناس، فوجدته ينحصر في نقطتين: 1- تهاون رجال التعليم في القيام بالواجب: فهم إما مضربون، وإما لا يفعلون شيئا في فصولهم، وحتى إذا فعلوا فليس بالقدر الذي يتحقق به الواجب، وهذا سبب وجيه في الحقيقة، لكن أيكفي سببا لهذا الموقف السلبي جدا من رجل التعليم؟ فإذا كان الأستاذ مهملا، أفلا يشاركه ولي الأمر هذه الجريمة النكراء؟ بلى، هو شريك فيها، خاصة أولياء أمور التلاميذ الذين يدرسون بالقطاع العمومي، هذه الفئة الغالب عليها مبدأ أصيل وهو مبدأ : " ولديه وخليه للزنقة تربيه"، فكم من الأبناء ليست لهم مواعيد مضبوطة للخروج إلى الشارع، بل أقول: ليست لهم مواعيد محددة للدخول إلى البيت، وكم من الآباء والأمهات يتهم بما يفعله أبناؤهم في الشارع؟ هذا المبدأ يسري كذلك على تعامل الآباء مع المدرسة، فعدد كبير جدا من الآباء لا يعلمون حتى المستوى الدراسي الذي يدرس فيه أبناؤهم، ولا يهتمون إذا كان أبناؤهم يقومون بواجباتهم المدرسي، ولا يهتمون بالتأكد إن كان أبناؤهم يذهبون إلى المدرسة فعلا، وإذا حدث هذا فإن الاهتمام بمواعيد الخروج والدخول، وما بين هذا وذاك فلا يلقون له بالا، بل إن اليوم الأسود عند بعض الآباء هو يوم الأحد أو أيام الأعياد والمناسبات والعطل. ما هو عدد الآباء الذي يهتم بالسؤال عن ابنه وابنته لدى الإدارة التربوية؟ كثير منهم يصدم بأن ابنه ليس فقط كثير الغياب عن الفصل، بل هو شبه منعدم الحضور. إذن، من سمح لرجال التعليم بالتهاون في القيام بالواجب؟ أليس هم الآباء أنفسهم؟ أيستطيع هؤلاء أن يبرروا لماذا لا يتابعون أبناءهم في مؤسساتهم، إذ لا يخضر بعضهم وهذا واقع إلا لتسول الأساتذة أن يمنحوا ابنهم أو ابنتهم فوق ما يستحقه، وبعضهم لا يحضر إلا إذا تم استدعاؤه لمشكل يتسبب فيه ابنه أو على الأقل يكون طرفا فيه ظالما أو مظلوما، قد يقول قائل: هذه مسؤولية رؤساء المؤسسات أن يتتبعوا عمل الأساتذة، وهذا طبعا صحيح بكل تأكيد، لكن ما يفعل رئيس المؤسسة والآباء غائبون، وجمعيات الآباء التي تمثلهم في أغلبها لا تظهر ولا تحضر إلا لجمع الأموال المحصلة في عملية التسجيل بداية كل موسم أو في المناسبات التي يركبون عليها للتظاهر بأنهم يشتغلون، فيبقى السؤال إذن: ما دور الأب والأم؟ فالواقع يفرض أن نضيف إلى مقولة : ولديه وطلقيه للزنقة تربيه عبارة تترجم الواقع، فنقول: ولديه وطلقيه للزنقة تربيه وفي المدرسة لا تديها فيه. أفليس الصواب قبل إلقاء اللوم على رجال التعليم ونسائه أن يلوم هؤلاء الآباء أنفسهم أن قصروا في واجبهم الأول؟ وليس هذا عفوا عن رجال التعليم ونسائه، بل إن البعض منهم لا يستحق شرف المهنة التي يمتهنها لانعدام الضمير عنده، ولكن ما نسبة هؤلاء؟ والقارئ الكريم يعرف قصة الحوتة والشواري. 2 اتهام رجال التعليم بالسعي وراء الكسب المادي: هذا اتهام فيه صدق كبير، فكثير من رجال التعليم أصبح همهم الدرهم قبل كل شيء، بل بعضهم يخرج الساعة السابعة صباحا ومحفظته تحت إبطه، ولا يعود إلى بيته إلا الساعة الحادية عشرة ليلا، يطوف من بيت إلى بيت ومؤسسة إلى مؤسس، وهذا في أصله ليس حراما، لكن ما يحيله حراما أن يبذل هذا الأستاذ قصارى جهده في الساعات الخصوصية والمدارس الخاصة ، لكن حين يتعلق الأمر بجدول حصصه فالجميع يعرف بقية القصة. إن الكسب المادي الذي يسعى إليه رجل التعليم حتى وإن كان له ما يبرره، فإنه النقطة الحساسة لدى الكثيرين من الآباء الذين يدرس أبناؤهم في المدارس العمومية، والغريب أن هؤلاء الآباء مسؤولون عن هذه القضية بالذات، إذ ما الذي يبرر لجوءهم إلى دفع أموال باهظة في ساعات إضافية ترهق كاهلهم وكاهل أبنائهم، إنهم بكل صراحة مستعدون للعب دور الضخية، ضحية رجل التعليم الجشع، ضحية فقدان أبنائهم لحس الواجب والمسؤولية، ضحية لابتزاز أبنائهم الذين يضعون الساعات الإضافية مقابل النجاح، وقليل ما هم الذين ينجحون. دعونا لا نتحدث عن مسؤولية رجل التعليم، ولنلتفت إلى هذه النقطة، فالعاطفة لها دورها الفاعل، ولكن عدم الشعور بها واستمراء ولي الأمر لدور الضحية يجعلانه لا يلوم نفسه، ولا يعد نفسه مسهما في الواقع الذي أصبحنا نعيشه، تجد ولي الأمر يقدم تبريرات لا توزن بميزان ولا توضع في قبان، تجد الأب يقول: الأستاذ يبتز ابني بالنقطة لذلك أدفع، ابني يرفض الدراسة إلا بموازاة الساعات الإضافية لذلك أدفع، أستاذ مادة كذا ضعيف المستوى لذلك أدفع، والسلسلة طويلة جدا. ألا يسأل هذا الأب أو الولي قبل أن يدفع عن طرق رفع هذا الضرر الواقع، فإذا كان الأستاذ يبتز التلميذ فما أسهل الإثبات واللجوء إلى الطرق القانونيةالتي توقف هذا الأستاذ عند حده، وإذا كان الإبن يرفض الدراسة إلا بموازاة مع الساعات الإضافية فإن الواجب البحث عن الأسباب الوجيهة وليبحث في مسار نشأة ابنه وليراقب علاقاته، وغذا كان الأستاذ ضعيف المستوى فالمسالك التربوية واضحة ومعروفة. إن الآباء والأولياء يختارون أسهل الطرق لدفع التهمة عن أنفسهم، فما دام الأستاذ يتحمل جزءا من المسؤولية فلم لا يتحملها كاملة؟ لو حاسب كل ولي أمر نفسه قبل محاسبة رجل التعليم، لما وجدنا أستاذا متهاونا ولا أستاذا جشعا، ولما وجدنا إعلاما همه الوقيعة بين هيئة التعليم وأولياء الأمور، ولما وجدنا مسؤولين يلقون تبعات أخطائهم وفشل برامجهم المستهجنة على غيرهم، فالأمر لا يحتاج أكثر من ولي أمر مواطن، وتلميذ مواطن، واستاذ مواطن، وإعلام مواطن، ومنهج تعليمي مواطن، ووزير مواطن، فالقضية أولا وأخيرا قضية مواطنة.