لا شك أننا جميعا ، بغضِّ النظر عن المستوى التعليمي أو المهني أو الوظيفي ، في أمسِّ الحاجة إلى اكتساب مهارات نتواصل بها مع بعضنا البعض ، تحقيقا للرغبة الملحَّة في تحديد موقع لأنفسنا داخل النسيج الاجتماعي ، ثم إرساء لثقافة التعايش بعد استيعابنا لتلك المهارات وتوظيفها توظيفا رصينا محكما . وإنك لتعجب لمن ينفق أكثر من ثلث عمره في تحصيل المؤهلات العلمية ، بينما لا يكاد ينفق شيئا على صعيد تطوير مهارات الاتصال والعلاقات الإنسانية ، علما أن من أهم عوامل ارتقاء الإنتاجية ، إضافة إلى ما ذُكر ، الصداقاتُ الناجحة والعلاقات الحميمية والمشاركة الوجدانية بين زملاء العمل بمختلف مستوياتهم ومراتبهم . في هذا السياق ، سياق العلاقات الإنسانية ، ينبغي أن نستحضر أن ثمَّة مراحل لبناء صرحها مع شخص ما ، وكلُّ مرحلة هي نتيجة لما سبقها ، وحجرُ الأساس للتي تليها إلى أن تتوطَّد العلاقة وتتمتَّن الآصرة بشكل يرضي الطرفين . ففي المرحلة الأولى مثلا ، مرحلة اللقاء العابر ، يُنصح بعدم الخوض في كل ما من شأنه أن يقودكما إلى اختلاف وجهات النظر وتباينها ، ليُستبدَل ذلك كله بالحديث الودِّي الخاطف عن أمور عامة مثل أحوال الطقس أو أحداث يومية مثيرة ، لتجسَّ نبض محدِّثك في مدى توافق شخصيته مع شخصيتك . ولإثراء المحادثة وجب أن تكون متابعا متابعة مستمرة لمجريات الأحداث اليومية ، مع الحرص على تنويع روافدها ووسائلها لتكون الفائدة أكبر والنقاش أعمق . تأتي بعد مرحلة اللقاء العابر مرحلةُ الكشف عن الذات ، حيث يصرِّح كل منكما للآخر عما كان شبه محظور في المرحلة السابقة ، مثل الحديث عن بعض المعلومات الشخصية والخصوصيات الأسرية ، عن الميولات والمشاعر والتجارب والطموحات ، تتجاذبان أطراف الحديث عسى تلتقيان حول المشترك من الاهتمامات التي تشغل بالكما . وفي المرحلة الموالية ، مرحلة اختبار مدى الاستعداد النفسي لكل واحد منكما على التواصل والحوار ، ومدى القدرة واللباقة والحكمة وسَعة الصدر لعرض الرأي والرأي الآخر، في أجواء مفعمة بالحب والألفة والود والاحترام المتبادل . فإن كان التوفيق حليفَكما ، فذاك مؤشر على التفاعل الوجداني والتوافق النفسي .يتوِّج ذلك ويثمِّنه ويدعِّمه زيارتُك له بين الفينة والأخرى والسؤال عنه لتفقُّد أحواله . تشاركه أفراحه وأتراحه ، خاصة في زمن تراجعت فيه قيم التعايش واشتغل فيه كل امرئ بنفسه فزادت حدَّة انطوائه على ذاته . أما إذا باعدت الظروف بينكما فالهاتفُ متوفر والإنترنيت متيسِّر . تلكم النعمة الجليلة التي رفعت مشقة الذهاب وعناء الإياب حضرا وسفرا ، فلبَّت المطلوب بأقصر وقت وجهد ومال ، فلله الحمد والمِنَّة . سلامٌ عليكم والدِّيارُ بعيدة وإني إلى المسعى إليكم لعاجزُ هذا كتابي نائبا عن زيارتي وعند فقد الماء فالتَّيمُّم جائزُ .