قال الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة–إيسيسكو- إذا كان السلام يبنى في العقول، فإن المدرسة هي مصنع العقول، لأن التعليم هو الأساس في بناء الفهم وترشيد السلوك وتنمية المهارات وتوجيه النشء للتعامل مع الحياة بما فيها ومن فيها، بروح إنسانية تقبل الاختلاف وتحترم التنوع، مؤكدًا أن هذا هو السبيل إلى استتباب السلام في الأرض الذي ينطلق من التعايش بين الأمم والشعوب، وموضحًا أن التعايش هو العيش المشترك، فكما تلقن العلومُ والمعارفُ في المدرسة، فإن (فن العيش معًا) يتلقى الأطفال مبادئه في المدرسة، بما يعني أن التعايش يبدأ من المدرسة وليس من خارجها. جاء ذلك في كلمة له ألقاها في المؤتمر الدولي للجان الوطنية لليونسكو افتتح أعماله اليوم في فيينا، في إطار جلسة عمل خصصت لموضوع (تعلم العيش معًا : داخل المدرسة وخارجها)، قال فيها: " إن (العيش معًا) هو تربية وثقافة وسلوكٌ في الحياة والقبول بالاختلاف من أجل التشارك في العيش على أساس من (الاحترام المتبادل) ومن (التسامح) ومن (التعاون الإنساني) على مستوى يشمل الساحات العالمية جميعًا". وقال أيضًا: " إذا كانت المدرسة هي المنطلق الأول للعيش معًا، فإن التعليم بصورة عامة، هو المجال الأرحب لنشر القيم الإنسانية المشتركة النابعة أساسًا من المبادئ الدينية، ومن الموروث الحضاري الإنساني المشترك من قيم الخير والعدل والفضيلة. ولذلك فإننا نعوّل على تعلّم فن العيش معًا في المدرسة، لنبني أجيالا ً تؤمن بالسلام وتتضامن وتشارك في صنع السلام وتجديد البناء الحضاري الإنساني". وذكر أن المدرسة هي البداية، وعنها تصدر ثقافة العيش معًا، وتتشرّب الناشئة تربية التعايش والتسامح، لتنتقل إلى خارج المدرسة، لتصبح ثقافة إنسانية، ولتعمّ أرجاء العالم حين تسود قيم الاحترام المتبادل والتعايش والتسامح، مبرزًا الأهمية القصوى للعمل الذي تقوم به اليونسكو والإيسيسكو والألكسو في مجالات التربية والعلوم والثقافة على الصعيدين الإقليمي والدولي. وأشار إلى أن العالم اليوم يعيش في مرحلة صعبة تكاثرت فيها التحديات الحضارية والمشكلات الخطيرة التي تهدد السلم والأمن الدوليين، وهو في حاجة ماسة إلى تعزيز ثقافة التعايش من أجل توطيد العلاقات السلمية بين الأمم والشعوب والعمل على نزع فتيل الصراعات والمواجهات التي تواجهه في أكثر من مكان. وقال: " إن الإرادة الدولية الجماعية اتجهت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، إلى تأسيس منظمة الأممالمتحدة، التي تعلقت عليها الآمال لبناء نظام عالمي جديد على أساس من القانون الدولي واحترام حقوق الإنسان، ولإقامة العلاقات الدولية على قاعدة الاعتماد المتبادل الذي هو في جوهره، الاحترام المتبادل بين الحكومات وبين الشعوب معًا". واستطرد قائلا ً: " إن العالم لم يعرف استقرارًا في العلاقات الدولية بعد إنشاء الأممالمتحدة، لأن ثقافة التعايش لم تتبلور ولم تنضج بعد، ولأن الأمم والشعوب لم تتخلص من الرواسب التي تمنعها من أن تعيش معًا، فقد اندلعت منذ قيام الأممالمتحدة، عشرات الحروب الإقليمية، ونشبت أزمات متفاقمة في شتى المناطق، ونشأت من جراء ذلك كله، صراعات سياسية وعرقية وثقافية ومذهبية لاتزال تتفاقم حتى اليوم على أكثر من صعيد. كل ذلك كان نتيجة لعدم احترام القواعد القانونية في علاقات الدول بعضها مع بعض، وفي العلاقات المتبادلة بين الشعوب، على جميع المستويات، وبسبب من غلبة النزعات المتطرفة، وهيمنة السياسات العنصرية غير المنصفة التي انتهكت القوانين الدولية، وتسببت في نشوء الأزمات الدولية". وقال إن الأممالمتحدة فشلت في أن تحقق جميع الأهداف التي أنشئت من أجلها، والتي يمكن اختصارها في عبارة (العيش معًا) فوق هذا الكوكب، فتراجع الالتزام بميثاقها في عديد من المناسبات، لحلّ الأزمات وللحيلولة دون استفحالها، وقد ترتب على هذا الإخلال بالتزامات الدول تجاه ميثاق الأممالمتحدة، تدهورٌ في العلاقات بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب، مما دعا طائفة من الحكماء على تعدد انتماءاتهم، إلى تفعيل الحوار الإنساني على أكثر من صعيد، باعتباره سبيلا ً إلى تحسين أوضاع العالم وبناء علاقات جديدة بين الحكومات والشعوب. واستدرك قائلا ً: " إن هذا الحوار لم يتفاعل مع المتغيرات ولم يستجب لمتطلبات التغيير بشكل يتلاءم مع مطالب الشعوب، فلم تكن له نتائج ذات فعالية في تقوية العلاقات الدولية، على الرغم من أن الظروف كانت تتطلب مواصلة السير في هذا الاتجاه لتحقيق المصالح المشتركة وهي كثيرة، وكما أنه لم يكن في المستوى اللائق من حيث الرؤية والتخطيط والآليات والوسائل والأهداف". وقال المدير العام للإيسيسكو في المؤتمر الذي عقد تحت عنوان (الحوار الأوروبي-العربي: مساهمة من أجل خلق نزعة إنسانية جديدة): " إذا كان الحوار الأوروبي-العربي على الصعيد السياسي المؤسساتي قد دخل المنطقة الضبابية نتيبجة ً للأسباب والعوامل المشار إليها، فإن آفاقًا واسعة قد انفتحت في وجه الحوار الإنساني الشامل على المستويات الثقافية والتربوية والإعلامية، من أجل إيجاد وسائل مشتركة للتبادل المعرفي بمفهومه الواسع الذي يخدم الأهداف النبيلة، ويحقق الغاية المثلى وهي (العيش معًا) في المدرسة وفي جميع ميادين الحياة". وذكر أن هذا الأمر هو الذي دعا إلى التفكير في تطوير مفاهيم الحوار ومضامينه، وفي تحديث الرؤية إلى الأهداف وآليات تحقيقها، بعد مراجعة تقييمية للتجربة السابقة، سواء على مستوى الحوار الأوروبي-العربي بشكل عام، أو على مستوى الحوار في إطار اليونسكو بين اللجان الوطنية للتربية والعلوم والثقافة العربية والأوروبية، أو على مستوى التعاون بين اليونسكو ومجلس اوروبا والإيسيسكو والألكسو ومكتب التربية العربي لدول الخليج، أو على مستوى الانفتاح على منظمات المجتمع المدني وتشجيع القطاع الخاص بقصد إشراكهما في هذا الحوار متعدد الأطراف، وصولا ً إلى تعزيز التعاون في المجالات كافة الذي هو الهدف الرئيس من الحوار. وأعلن أن التطوير الضروري لتصحيح مسار الحوار، ولتعميق التعايش ونشر ثقافة التسامح، هو السبيل نحو ابتكار سبل جديدة واتخاذ مبادرات عملية، حتى يكون الحوار مثمرًا وفاعلا ً ومعززًا للتعاون الدولي في إطار النزعة الإنسانية الجديدة الطامحة إلى إعادة ترتيب العلاقات الدولية على أساس سليم وبما يعزز السلام العالمي، والراغبة في تقويم الخلل الذي يعرفه عالمنا اليوم، من خلال رؤية مستقبلية شفافة ومنفتحة تقوم على أساس متين من القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية وقواعد القانون الدولي، ومن الموروث الإنساني المشترك. وقال بهذا الخصوص: " إن إيماننا بأن الحوار هو منهج الحكماء وسبيل العقلاء إلى ترشيد التعاون الدولي، وإقامة نظام عالمي إنساني جديد، على أساس متين من التربية البانية لقيم التعايش في النفس الإنسانية، هو الذي دعانا إلى الانخراط في الجهود الدولية الرامية إلى تعزيز الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات، والمساهمة في نشر ثقافة العدل والسلام وقيم التعايش والتسامح والاحترام المتبادل". وأضاف قائلا ً: " من خلال هذا المنظور الشمولي الذي ننطلق فيه من المدرسة إلى أبعد الآفاق، واستنادًا إلى اقتناعنا بضرورة الحوار وجدواه وأهميته، وبما للتعليم من دور رئيس في إصلاح المجتمعات وفي إعادة بناء النظام العالمي على قواعد من القيم الأخلاقية، نرى أن الحوار الأوروبي-العربي على جميع الأصعدة، والذي هو العنوان الرئيس لهذا المؤتمر، لن يكون له مردودٌ عمليٌّ على الأرض، وتأثيرٌ إيجابيٌّ في الواقع المعيش، ما لم يقم على قواعد راسخة، ويستند إلى إرادة جماعية حازمة وصادقة، ويتحرر من الضغوط التي يمارسها المعادون للسلام، والكارهون للتعايش، والساعون إلى تفجير الصراعات بين الثقافات والحضارات". وأكد الدكتور عبد العزيز التويجري في المؤتمر الدولي الذي يعقد بالتعاون بين اليونسكو ومؤسسة الشيخ محمد بن عيسى الجابر MBI، على ضرورة تصفية الأجواء، وتعزيز الثقة فيما بيننا، وتأكيد التزامنا بالمواثيق التي تحكم عملنا في كل من اليونسكو والإيسيسكو والألكسو ومكتب التربية العربي لدول الخليج ومجلس أوروبا، حتى نرتفع إلى مستوى الطموح الذي يحدونا ويحفزنا للمزيد من العمل على طريق التعاون والشراكة، من أجل أن نبني معًا القواعد الراسخة لمستقبلنا المشترك. وفي هذا الإطار يدخل مؤتمرنا هذا الذي نريده أن يكون منطلقًا لمرحلة جديدة من الحوار القائم على الأسس القوية، والسائر في الاتجاه الصحيح، والهادف إلى تحسين العلاقات بين المنظمات الخمس وتقويتها وتعزيزها وتطويرها في إطار المبادئ الانسانية ومن أجل تحقيق الأهداف المشتركة.