أكدت ردود فعل الأنظمة العربية، عقب اعتراف الإدارة الأمريكيةبالقدسالمحتلة عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، على أن المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية باتت صديقة حميمة للأنظمة الدكتاتورية في المنطقة، وهي صداقة تتمتع بعداء معظم الشعوب المضطهدة التي تناهض سياسات الإمبريالية الأمريكية والاستعمارية الإسرائيلية والأنظمة العربية الدكتاتورية. ومع الانقلاب على الانتفاضات الشعبية العربية، بتضامن المنظومة الثلاثية، تسارعت وتيرة إعادة تعريف الأصدقاء والأعداء، بحيث أصبح "الإرهاب" المفروض غير المفترض المحدد الأساس في توجهات أصدقاء "حرب الإرهاب"، وأصبح العدو يتمثل بالإرهابيين، وهم خليط واسع من الإسلاميين؛ يضم حركات وأحزابا وجماعات سنيّة وشيعيّة، من الجهاديين والمقاومين إلى الإخوان المسلمين، ورعاة الإرهاب المفترضين الرئيسيين من الدول الفاعلة في المنطقة، وهما إيرانوتركيا، وهي منظومة ثلاثية أخرى تناهض الإميريالية الأمريكية والمستعمرة الإسرائيلية والأنظمة الدكتاتورية؛ بطرائق شتى. في هذا السياق، أصبح "الإرهاب" بمنظوراته النيوليبرالية؛ محددا أساسيا لعلاقات الصداقة والعداء، منذ نهاية الحرب الباردة وتفكك المنظومة الاشتراكية. لكن التغير في مفهوم الخطر الإرهابوي في عصر العولمة النيوليبرالية لم يكن موضوعيا، وإنما ذاتيا؛ من خلال التحول الدلالي للعناصر المكونة والقوى الفاعلة، حيث استبدلت الإيديولوجية الشيوعية بالمذهبية الإسلامية. فقد دعمت الولاياتالمتحدة منذ تدخلها في المنطقة العربية بعد الحرب العالمية الثانية، على مدى عقود طويلة، النظم الدكتاتورية العربية المناهضة للشيوعية، تفضيلا للاستقرار على الديمقراطية، حيث أصبح الاستقرار استراتيجية أمريكية معتمدة، كما حدد معالمها المنظر السياسي الأمريكي صموئيل هنتنغتون في كتابه الكلاسيكي الشهير "النظام السياسي في مجتمعات متغيرة" الصادر عام 1968، والذي قرر فيه أهمية الاستقرار السياسي في دول العالم الثالث لتأمين المصالح الإمبريالية الأمريكية، بالاعتماد على الأنظمة الدكتاتورية التي تستند إلى قوة الجيش والأمن كركيزة أساسية في حفظ الاستقرار، وباعتبار الديموقراطية غير صالحة لشعوب المنطقة لأسباب ثقافية ودينية، وتجلب معها عدم الاستقرار. ولم تتبدل هذه الاستراتيجية، وإنما تحولت بإعادة تعريف العدو ليصبح المذهبية الإسلامية. لا تحفل الولاياتالمتحدة بمسألة الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي، فهي تتوافر على رؤية استشراقية وثقافوية لا تؤمن بإمكانية الجمع بين الإسلام والديمقراطية لا تحفل الولاياتالمتحدة بمسألة الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي، فهي تتوافر على رؤية استشراقية وثقافوية لا تؤمن بإمكانية الجمع بين الإسلام والديمقراطية، وهي تنكر وجود ديمقراطية في المنطقة عدا "إسرائيل". فعندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رسميا، في السادس من كانون الأول/ ديسمير 2017 اعتراف إدارته بالقدسالمحتلة عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، أصر على أن إسرائيل تمثل "واحة للديمقراطية في المنطقة". وكان دونالد ترامب قد أكد بعد يومين من فوزه بالانتخابات الرئاسية، في 11 تشرين ثاني/ نوفمير، على أن "إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، والمدافعة الوحيدة عن حقوق الإنسان"، بينما شدد، عقب زيارته إلى المنطقة في أول جولة خارجية له افتتحها بزيارة الرياض، خلال خطابه أمام زعماء العالم العربي والإسلامي في 21 أيار/ مايو 2017، على أن الديمقراطية وحقوق الإنسان مسألة داخلية تتعلق بالسيادة ولبست مطلبا أمريكيا. هكذا، فإن محددات تضامن السياسة الإمبريالية والاستعمارية والدكتاتورية تدين إلى منظورات الفيلسوف السياسي والقانوني الألماني كارل شميت، والذي تقوم نظريته السياسية على أساس التمييز بين الصديق والعدو، وهو التمييز الذي يعتبره العنصر الحاسم في تحديد ماهية السياسي، والمعبّر عن الدرجة القصوى في الانشقاق الذي تكون أسبابه أو رهاناته متعددة المستويات: دينية واقتصادية واجتماعية أو إيديولوجية، حيث تتعاظم لتبلغ درجة من الحدة والكثافة تؤدي، بالضرورة، إلى الفصل بين الصديق والعدو، أي حدة صراعية قوية جدا تقود إلى أفق القوة ورهانها، وتطرح الإمكانية الوحيدة، كما هي مجسدة في الحرب. بد واضحا أن المنظومة الثلاثية تعرف تركياوإيران كعدو، وهو ما أدركته تركياوإيران جيدا، حيث سارعت تركيا بعقد مؤتمر استثنائي لمنظمة التعاون الإسلامي في سياق تعريف إسرائيل كصديق من مدخل "الإرهاب"، والتي تجسدت بالاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل، بد واضحا أن المنظومة الثلاثية تعرف تركياوإيران كعدو، وهو ما أدركته تركياوإيران جيدا، حيث سارعت تركيا بعقد مؤتمر استثنائي لمنظمة التعاون الإسلامي، في مدينة إسطنبول، في 13 ديسمبر/ كانون الأول، لبحث قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل، بمشاركة رؤساء ووزراء خارجية 48 دولة إسلامية. وقد غاب عن المؤتمر معظم زعماء المنطقة، وحظي بمشاركة وتمثيل متواضع. وفي تعليق يبرز طبيعة فهم جوهر الاعتراف، وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ إسرائيل بأنها "دولة إرهابية"، واقترح إعلان القدس عاصمة فلسطين. وكان الرئيس الإيراني واضحا بأن الاعتراف هو حصيلة طبيعية لتضامن المنظومة الثلاثية. كان الصديق المفكر الفلسطيني جوزيف مسعد؛ قد لخص في مقالة مبكرة، عقب الانقلاب على "الربيع العربي"، طبيعة التحولات في تعريف الصديق والعدو، وقال: لقد أصبحت المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية صديقة كل الأنظمة المضطهِدة في المنطقة، ولكن صداقتها هذه عمّقت عداء أغلبية الشعوب التي اختارت أن تزرع نفسها في وسطهم". وبحسب مسعد، فإن النظام المصري يعتبر إسرائيل حليفته الأهم في المنطقة بعد الولاياتالمتحدة. فهو مقتنع بأنّ إسرائيل لا تحاول قلبه، وهو محقّ في ذلك، ولهذا لم تُعدّ إسرائيل عدوّاً لمصر منذ منتصف السبعينيات. فمنذ انفتاح نظام السادات الاستسلامي على إسرائيل، أصبحت إسرائيل تدعم النظام المصري دون ورع، ومنذ عهد الرئيس ريغان، أصبحت إسرائيل صديقاً حميماً للمملكة السعودية، ومن بعدها كل ممالك الدول الخليجية، فضلاً عن صداقتها المديدة مع ملوك المغرب. وكان نظام بورقيبه في تونس قد رفض منذ منتصف الستينيات اعتبار إسرائيل عدواً. حسب مسعد، نحن نعيش في عهد أبعد ما يكون عن عقد الخمسينيات، عندما كانت إيران الشاه، وتركيا، وإثيوبيا هايلي سلاسي؛ حلفاء إسرائيل والولاياتالمتحدة، وقد كان إجماع الأنظمة العربية آنذاك قائماً على أن تحالف إيرانوتركيا وإثيوبيا وإسرائيل؛ كان تحالفاً مع الإمبريالية ضد العرب. أما اليوم، فحقيقة أن إيرانوتركيا، القوتان الوحيدتان في المنطقة اللتان تصرّان على سيادة محلية وإقليمية؛ ضد الاجتياحات الإمبريالية والاحتلالات الكولونيالية، قد قلبتا الأمور رأساً على عقب. فالأنظمة العربية اليوم هي التي تدفع باتجاه سيادة إمبريالية وكولونيالية في فلسطين والعراق وإيران، بينما تقاومها إيرانوتركيا. وبما أن القوى الشعبية في البلاد العربية، وفي إيرانوتركيا، مستمرة في معارضتها للإمبريالية الأمريكية بشراسة، فإن هذا الوضع يُبقي الأنظمة العربية وحدها كالقوى المساندة للإمبريالية في المنطقة. وأخطر أعداء الأنظمة العربية اليوم؛ هي كل معارضة محلية تهدف إلى قلب النظام، وتعرض الحزمة نفسها من الخدمات على الولاياتالمتحدة التي يعرضها النظام القائم. منذ الانقلاب على الانتفاضات الشعبية في العالم العربي، عمل الثلاثي الإمبريالي والاستعماري والدكتاتوري؛ على تشديد الحصار والخناق على المعارضات الشعبية بذريعة الإرهاب منذ الانقلاب على الانتفاضات الشعبية في العالم العربي، عمل الثلاثي الإمبريالي والاستعماري والدكتاتوري؛ على تشديد الحصار والخناق على المعارضات الشعبية بذريعة الإرهاب، وبذات الذريعة تستهدف تركياوإيران، ووصل حد دعم الانقلاب الفاشل في تركيا في تموز/ يوليو 2016؛ بسبب دعم تركيا للقضية الفلسطينية وإدانتها للحروب العدوانية الإسرائيلية على غزة، ودعمها لحركة الاحتجاجات الشعبية العربية، عموما والإخوان المسلمين خصوصا. وقد رفضت الولاياتالمتحدة المطالب التركية بتسليم فتح الله غولن، المتهم الأول بالانقلاب، وهو مقيم في بنسلفانيا الأمريكية، رغم تقديم تركيالأمريكا مئات الأدلة والوثائق على تورط غولن بذلك الانقلاب، كما أصرت أمريكا على دعم الأحزاب والمليشيات السورية التابعة لحزب العمال الكردستاني وأذرعه المنضوية في قوات سوريا الديمقراطية، رغم إدراجه على لوائحها الإرهابية؛ بهدف إقامة كيان انفصالي كردي شمال سوريا، يهدد لأمن القومي التركي. في سياق إعادة تعريف الصديق والعدو، عمدت الإدارة الأمريكية في عهد دونالد ترامب إلى تبني استراتيجية جديدة للتصدي لإيران، في 13 تشرين أول/ أكتوبر 2017، تستند إلى ممارسة مزيد من الضغوطات والعقوبات، لكنها تستبعد العمل العسكري؛ نظرا لكلفته الباهظة وخشية من تداعياته. فقد استبعد وزير دفاع الولاياتالمتحدة، جيمس ماتيس، في 15 كانون الأول/ ديسمبر 2017، إمكانية إقدام بلاده على توجيه ضربة عسكرية لإيران، على خلفية الأزمة المتفاقمة بين واشنطن وطهران، مؤكدا أن الرد الأمريكي "لن يتعدى الإطار الدبلوماسي". وردا على سؤال للصحفيين عن الردود المحتملة على إيران، بعد إعلان السفيرة الأمريكية لدى الأممالمتحدة نيكي هيلي؛ أن الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون على السعودية الشهر الماضي من صنع إيراني، قال الوزير: "عسكريا: كلا، فالولاياتالمتحدة ليست لديها أي نية للرد بهذه الطريقة على إيران". الاعلان الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل؛ كشف عن ماهية الصراعات في المنطقة، وطبيعة التحالفات على أساس تعريف الصديق والعدو خلاصة القول، أن الاعلان الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل؛ كشف عن ماهية الصراعات في المنطقة، وطبيعة التحالفات على أساس تعريف الصديق والعدو. فقد بات واضحا أن العدو المشترك للدكتاتوريات المحلية والإمبريالية الأمريكية والمستعمرة الإسرائيلية؛ يتمثل في شعوب المنطقة التي تطالب بالديمقراطية والعدالة والحرية، والتي تناهض السياسات الإمبريالية الأمريكية، وتتصدى للمستعمرة الإحتلالية الإسرائيلية، وذلك من خلال منظورات حرب "الإرهاب"، والتي تتهم تركياوإيران بدعمه ورعايته. وإذا أدركنا أن الولاياتالمتحدة وإسرائيل لن تقدم على مغامرة عسكرية واسعة تجاه إيرانوتركيا؛ نظرا لكلفتها وآثارها المدمرة، وستقتصر سياساتهما على فرض عقوبات وممارسة ضغوطات، فإن الأنظمة الدكتاتورية الحليفة لأمريكا وإسرائيل أعجز من الإقدام على أي فعل تجاه تركياوإيران، لكن المؤكد أن الدكتاتوريات ستشدد من قبضتها على شعوبها تحت ذريعة خطر "الإرهاب"، وهي لعبة خاسرة توشك على النهاية مع قرب أفول رهاب "الإرهاب"، وانكشاف دور الدكتاتورية في توليد وصناعة الظاهرة الإرهابوية.