يعيش المغاربة مفارقات عجيبة حد التناقض، يقرؤون ويتابعون كيف أن كثيرا من الكلمات والمصطلحات والمفاهيم بلا معنى في بلدهم، مثل العديد من المسؤولين الذين ابتلي بهم هذا الوطن. فأحسن الحالات أن تفقد هذه الكلمات والمصطلحات التي تتصدر الإعلام ويتشدق بها المتكلمون معانيها الحقيقية، وأسوأها أن تتحول إلى أضدادها. في المغرب عندما تتحدث ” إثم ” والقناة الثانية غير المغربية عن مفهوم الشفافية فاعلم أنما يقصدان الفساد، وعندما يركزان على الأموال المرصودة لترسيخ هذه الشفافية فهي بالضبط المبالغ التي ستنفق للتغطية على الفاسدين والمفسدين. وعندما يرصدون في تقاريرهما التي لا يسمعها إلا العاملون بهما والجوقة العازفة على وتر الإعلام الرسمي، الفرص الكبيرة التي ستضمنها هذه الشفافية أمام المغرب في جميع المجالات فتأكد أن المقصود هي الفرص الضائعة للوطن من استعمال الرشوة والزبونية والفساد ومشتقاتهم. في هذا الوطن عندما يعتلي وزير المنصة ليعلن في الناس عهد الحرية فإنه بالتأكيد يهددهم بالمرموز والواضح ويعدهم بالويل والثبور والسجن والخسران المبين، ومن صدق كلامه فعليه أن يطلع على الحصاد المر للصحافة سنة 2009. وحتى عندما يفصل سعادته في المساحة الشاسعة للحريات فإنه يرسم جغرافية السجن لمن وثق في كلامه. وإذا تفضل وضرب أمثلة فإنما يقصد بطبيعة الحال بلدا غير المغرب ومواطنين غير المغاربة. في هذا البلد السعيد يتمتع كثير من كبار المسؤولين بقدرة خارقة على الخداع فهم يبرعون في الحديث عن الديمقراطية بطبيعة الحال فهم يلمحون إلى المساحات المحددة بالمسطرة والقلم والمنحوتة بدقة “بالزرواطة” لمجالات الحركة والتفكير والحديث، وعندما يصدق البعض حديثهم يجدون أنفسهم مرميون في ” الثلث الخالي ” بعد أن يستضيفهم زوار الليل لإكرام ضيافتهم وجعلهم ” أناسا صالحين “. في أجمل بلد في العالم تصم آذان المغاربة من الكلام عن النزاهة، طبعا المتكلمون يقصدون ضرورة أن تكون غشاشا حتى تنسجم مع الحياة، وعليك أن تتصف بالحر بائية وتتزين بملابس الاحتيال لتصل بسرعة، وإذا قرأت مقالا عن النزاهة فاعلم أن ما وراء السطور يقصد به العكس فبضدها تتميز الأشياء. في هذا الوطن إذا سمعت أو تعلمت أو قرأت مصطلحات الجهوية، الحكامة، التنمية المستدامة والمواطنة ... فبلا شك فالمقصود هو المركزية والتحكم واستنزاف الخيرات وأن تكون قنا عند مولاك. في المغرب عندما توصي الحكومة بتشجيع استعمال اللغة العربية كلمة الدستور فانتظر في بياناتها وبلاغاتها وتوضيحاتها وكلمات وزرائها وعروضهم ومداخلاتهم أن تكون بلغة المستعمر.