(سلسلة مقالات حول أبرز أوجه الأزمة في قبيلة تمسمان) بقلم: محمد اليوسفي يلعب الأمازيغيون شبه العارفين بالكلمات، حينما يتعلق الأمر بهذه القبيلة. فهم يقولون: واين ما تمس أمان ( أينما لمست – الأرض – تجد الماء ). و للحصول على التلاعب الجناسي بالكلمات، يجب الربط بين الكلمة العربية تمس و الكلمة الأمازيغية أمان (الماء) . (1) و تمسمان أولاً وقبل كل شيء هي قبيلة المقاومة والتحرير والجهاد و موطن المجاهدين، هكذا يُعَرِفُها التاريخ شئنا أم أبينا، شأنها في ذلك شأنَ باقي مناطق الريف، حيث " ذاكرة تاريخية حبلى بالنضال و المقاومة و الاعتزاز بالذات و الاسترخاص بالنفس و النفيس من أجل الحفاظ على الأنفة و الكرامة و الإباء".(2) وتمسمان مُحتوية لمعركتي (أنوال و ادهار ابران )، الأمر الذي يمنحها ولساكنتها حقَ الاعتزاز و الافتخار بهذا الإرث التاريخي الهام الذي غاب عن الأرشيف وأصبح تاريخا دفينا في صندوق الأحداث التاريخية القوية والدفينة التي لم نعهد لها وجوداً في برامج التدريس الوطنية، اللهم بعض الإشارات التي لا تسمن و لا تغني من جوع، ولولا بعض الكتابات التاريخية التي كانت منصفة إلى حد ما في الحديث عن حرب الريف و عن زعيمها - محمد بن عبد الكريم الخطابي، رحمه الله - مدمجة منطقة تمسمان ضمن كتاباتها للضرورة المكانية - باعتبار المنطقة يقع بها المثلث الرهيب: اغريبن، أنوال، ادهار أبران - لكُنا نُكَذِب كل من يقول أن تمسمان فعلاً كانت شاهدة لأشهر وأكبر المعارك التاريخية ضد الغطرسة الامبريالية، و تمسمان تعتبر من بين المناطق التي تلقت أكبر نصيب من الضربات بالغازات السامة إضافة إلى بني ورياغل، من طرف المستعمر الاسباني. أما إدارياً فالقبيلة تابعة لإقليم "الدريوش" ، حسب التقسيم الذي تم مؤخرا بعدما كانت المنطقة تابعة لإقليم الناظور، وجهوياً تابعة للجهة الشرقية التي يوجد مقرها بمدينة وجدة، و تتكون تمسمان من عشرات المداشر و القرى، قسمت (بضم القاف) حسب الجماعات التالية: جماعة تمسمان – جماعة بني مرغنين – جماعة بودينار – جماعة أولاد أمغار- جماعة تروكوت. لكن الأمر الذي يحز في القلب و يبقى موضوعا للبحث و النقاش - كلٌ حسب رأيه و تحليله و تفسيره ووجهة نظره - هو ما تعيشه هذه القبيلة من أزمات حقيقية حلها عويص - بل و مستحيل - إن بقي الوضع على ما هو عليه، حيث يسجل الواقع و يشهد على وجود فساد في التسيير و صبيانية في التدبير. ولما كانت "إزالة الستار" الذي يغطي حقيقة الواقع دائما أسلوب مزعج، يزعج السياسي، ويزعج أرباب العمل والشركات، و يزعج الإدارات بشتى أنواعها، ويزعج أصحاب المسؤوليات..بل وأكثر من ذلك، في بعض الأحيان يزعج حتى الباحث السوسيولوجي – أنا لست سوسيولوجيا - نفسه عندما يكتشف أمورا غريبة و مزعجة كالتي نجدها في تمسمان. ارتأينا أن نزيل هذا الستار، ونقسم حديثنا عن هذه الأزمات على شكل سلسلة من المقالات، موزعة حسب المجالات التالية: الأزمة الاجتماعية – الأزمة الاقتصادية – أزمة الجماعات القروية: جماعة تمسمان و جماعة أولاد أمغار نموذجاً – الأزمة السياسية – الأزمة الثقافية – أزمة التربية والتعليم – أزمة المجتمع المدني . أولاً: الأزمة الاجتماعية. لم تحظ تمسمان بدراسة ميدانية لمعاينة المشاكل الاجتماعية التي تعاني منها المنطقة، اللهم بعض التجارب البسيطة التي لا ترقى إلى مستوى الاعتماد عليها كمصدر موثق. في حين تم تناول بعض الدارسين الحديث عن تمسمان، لكن بطريقة وصفية، دون التخصص أو التعمق في جانب معين للمنطقة. ضمن محاور و فصول في كتب معينة، الأمر الذي يجعل الحديث جد صعب لجمع شتات المعلومات في قالب مبسط و مختصر. فسكان تمسمان هم في الغالب أناس مسالمون، معروفون بالجود و الكرم وحسن الضيافة، يمجدون الحق، ولكن لا يجهرون به بسبب رواسب تاريخية عاشتها المنطقة إلى جانب باقي مناطق الريف بصفة عامة، حيث نالت القهر و الظلم، و أصبحت عبارة " ماخصني اصداع "هي في الغالب العبارة التي تردد أثناء نزول نوازل تستدعي النهوض و هجرة العجز و الكسل. وأبناء تمسمان يعيش الكثير منهم في بلاد المهجر، الأمر الذي يجعل منها (تمسمان) محطة التقاء الطابع المحافظ للمنطقة في مقابل منقولات الثقافات الأجنبية الأخرى، خاصة في فصل الصيف و أيام العطل، وتعرف تمسمان نزيفاً من الهجرة بسبب قلة فرص الشغل و غياب المشاريع المستقطبة لليد العاملة: البطالة مرض المواطن المغربي عامة و المواطن التمسماني على الخصوص، الأمر الذي جعل أبناء المنطقة يُعبِّرون عن معاناتهم بالملل و السخط على الواقع المرير بسبب الروتين الذي أصاب النفوس و أمات القلوب، إذ لم ينج احد من ويلات الواقع الكارثي بتمسمان، وأصبح الحل الوحيد الذي يفكر فيه ابن المنطقة - الذي من حقه أن يعيش معززا مكرماً، كحق إنساني قبل أن يضمنه القانون الوضعي – هو أن يرمي بنفسه في قوارب الموت كحل بديل، أو البحث عن وسيلة أخرى مهما كان الثمن غاليا ، لأن الغاية و الهدف هما في مجملهما تحقيق حياة أفضل تليق بابن المنطق كإنسان، و من جهة أخرى، انضم أبناء المنطقة كفريق آخر إلى مجموعة المعطلين نهائيا عن السير والعمل، فاستكانوا في المقاهي ومحطات الإدمان على مختلف أنواع المخدرات و المصائب التي لا تبشر بالخير و لا بغد مفرح، فمسلسل التنمية الاجتماعية الذي رفعت شعاره الدولة منذ الاستقلال في سبيل تطوير و تنمية العالم القروي، لم تستفد منه قبيلة تمسمان، مما يؤشر على أن المشكل عويص لا يقتصر حلّه على المستوى الجماعي فقط. ليزيد الطين بلة مشكل الجهل و الأمية في صفوف العديد من الشباب والكبار ذكورا و إناثاً، وإن غابت المؤشرات الرقمية فإن درجة الوعي و طبيعة التصرف تؤكد انعدام أدنى مستوى تعليمي عند هؤلاء، فرغم وجود بعض المداشر التي أُطلق فيها مشروع محو الأمية، إلا أنها لم تفلح في بلوغ مبتغاها، حيث تنعدم الاستمرارية بسبب عدم توفر الجو الملائم و المناسب من قاعات و مؤطرين. أما التعليم في صفوف التربية النظامية فإننا سنخصص لها مقالاً خاصا بها. أما مشكل الفقر فحدِّث و لا حرج، كيف لا و قبيلة تمسمان بأكملها لا يوجد بها مشروع واحد يأوي العامل الذي يعيل أسرة عددها إن كان قليلاُ فخمسة أفراد، و لو لا المساعدة التي تتلقاها هذه العائلات من طرف أفرادها المتواجدين في الخارج بين الفينة و الأخرى، خاصة في بعض المناسبات كالعيدين...إضافة إلى الاستئناس ببعض الأعمال المدرة للدخل، لكان سكان تمسمان قد قضى عليهم الفقر و أصبحوا في خبر كان، و المهن التي يزاولها العامل بتمسمان أجرتها لا تكفيه لإعالة أسرته. والغريب في الأمر، أنه هناك قرىً و مداشر بلغ فيها الفقر حد التشرد و انعدام الإيواء السكني، خاصة في فصل الشتاء حيث الأمطار تتساقط و الفقير الكادح يصلح مسكنه الهش بسبب القِدم ورداءة البناء، لكن يبقى احتمال أن ينهار عليه يوماً ما احتمال وارد لا قدّر الله. فمشكل السكن هو الآخر ينضاف إلى معاناة ابن المنطقة، في صمت رهيب لا إعلام يوصل معاناته، و لا مسئولين يوصلون همومه. و يبقى مشكل الصحة، وما أدراك ما الصحة، فإذا كان المجال الحضري المغربي في مدنه الكبرى كالرباط و الدارالبيضاء ..مجالاُ تدهور فيه قطاع الصحة لدرجة كبيرة، فكيف نتخيل قطاع الصحة في تمسمان، لا مستشفيات و لا أطباء...فإذا مرض المواطن و وجد (بضم الواو) في حالة خطيرة يتم نقله مئة كيلومتر أو أكثر لتلقي العلاج،. خاصة الأمراض المزمنة و العويصة. مما يدل على أن تمسمان فعلاً تستغيث، فهل من مغيث؟ -------------------------- 1- أوجست مولييراس، المغرب المجهول، الجزء الأول، اكتشاف الريف، ترجمة و تقديم: د. عز الدين الخطابي، 2007، منشورات تيفراز ن اء ريف، دار النجاح الجديدة.ص: 109. 2- د. جميل حمداوي، الريف بين العدوان و التهميش و البحث عن الذات، سلسلة الشروق، العدد الثاني، يونيو 2009، طوب بريس – الرباط. ص: 65.