باحث في دينامية الاوساط الهامشية تقديم عام يشكل الساحل المتوسطي المغربي الذي يمتد على طول يزيد على 500كلم ، مكونا أساسيا ضمن حوض البحر الأبيض المتوسط بحكم موقعه الإستراتيجي وحجم المشاريع التي يعرفها في العقود الأخيرة . لكن و بالرغم من الاهتمام بالساحل المتوسطي، فإنه يبدو غير مستغل أو غير مندمج بحكم انتمائه لبلدان الضفة الجنوبية و لم يواكب مسلسل التحولات المجالية ولا صيرورة التنمية الاقتصادية لبلدان الضفة الشمالية إذا كان الساحل المتوسطي المغربي قد عرف اهتماما متزايدا في العقود الأخيرة ، فإن مجالات مهمة تنتمي إلى هذا الفضاء المتوسطي لم تستفد بعد من عمليات التهيئة، رغم تنوع مؤهلاتها الطبيعية والاقتصادية ولازالت في حاجة ماسة إلى البنيات التحية الأساسية والمرافق الاجتماعية . يظل المجال الساحلي للريف الشرقي الأوسط تزاغين-بودينار، من المجالات التي عانت من التهميش لفترات طويلة،مما كان له إنعكاسات على المستوى والإقتصادي و الإجتماعي .وفي السنوات الأخيرة بدأت تظهر بعض المؤشرات التي بإمكانها أن تساهم في تنمية هذا المجال،كمشروع الطريق الساحلية المتوسطية وبعض المشاريع التي تدخل في خانة التأهيل الإجتماعي والإقتصادي ،ومايدعم إمكانية تنمية هذا المجال هو حجم المؤهلات التي يتوفر عليها. إلى جانب العائدات المهمة للمهاجريين ،وبالتالي فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن إستثمار هذه الإمكانات في مجال التنمية المنشودة ؟ يبقى الجواب على هذا السؤال رهين بضرورة إيجاد حلول عاجلة لإشكاليات ومعوقات التنمية، بغية الحد من نتائجها السلبية المحتملة التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، نقص في البنيات التحتية الأساسية والمرافق الاجتماعية وضعف الأنشطة الإقتصادية الضرورية ...وتدعو هذه الإشكالات إلى ضرورة إستحضار المعادلة الصعبة المتمثلة في كيفية تدبير المجال الساحلي والتعاطي المتوازن معه في إطار يمكن من خلاله إستثمار الموارد الحالية، للاستجابة لحاجيات المجتمع،وتوفير عناصر الجذب الترابي،والإشكالية المتمثلة في الحفاظ على الموارد الطبيعية من التدهور . المؤهلات القطاع الفلاحي : نشاط رئيسي بالمجال الساحلي تزاغين-بودينار يحتل النشاط الفلاحي مرتبة مهمة بين القطاعات الاقتصادية الأخرى السائدة بهذا المجال، بحكم قدم الاستغلال الفلاحي واستفادة الفلاحين من عمليات التهيئة، إضافة إلى إنشاء الطريق الساحلية المتوسطية التي عملت على تسهيل عملية التسويق والبيع. إن الحديث عن الفلاحة الساحلية لا يعني بالضرورة تلك الفلاحة التي توجد في تماس مباشر مع البحر، وإنما كذلك تلك التي تمارس في السهول والهضاب أو التي توجد في المجال الخلفي. الصيد البحري نشاط مكمل للفلاحة . يشكل الصيد البحري إحدى الأنشطة التكميلية لسكان المناطق الساحلية الذين كانوا يعتمدون عليه لإمدادهم بمادة غذائية أساسية، كما أن هذا المنتوج كان يمثل عنصر توازن على المستوى السوسيو-اقتصادي وذلك بتشغيله لعدد من السكان ولتوفير جزء من دخلهم. ومع مرور الزمن استطاع هذا القطاع أن يجلب إليه عددا متزايدا من السكان الذين اتخذوا منه حرفة رئيسية لهم في كل من بني سعيد وبودينار إن واقع الصيد البحري، رغم طابعه التقليدي بالمجال الساحلي : تزاغين-بودينار، و بالرغم من تراجع عدد الصيادين بسبب الهجرة نحو الخارج في السنوات الأخيرة فإنه يعتبر من الأنشطة الأساسية داخل هذا المجال. ويشكل مورد رزق لكثير من العائلات ومن الممكن أن يتطور أكثر بفعل أعمال التهيئة التي يعرفها، سنتطرق إليها في الفصل الموالي. ميناء سيدي أحساين: رهان إقليم الدريوش في مجال الصيد البحري استفاد ميناء سيدي احساين سنة 2010 ، من مشروع تهيئة وبناء تجهيزات ومنشئات لمواكبة الصيادين، مساحة المشروع تبلغ 6000م2 باعتماد بلغ 4500.000 ألف درهم . وقد مول المشروع في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ووكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لعمالات وأقاليم الجهة الشرقية والمكتب الوطني للصيد للجهة الشرقية وتعاونية البحارة التقليديين بسيدي أحساين، ويستفيد من هذا المشروع 300 بحارا، وستستفيد معه كذلك ساكنة جماعة تزاغين وإقليم الدريوش، وسيساهم في تحسين مداخيل الصيادين ورفع مؤشرات التنمية . بغية العمل على أن يشكل هذا الميناء نموذجا للقرى المينائية. نشاط سياحي يتوفر على منتجات متنوعة. يتوفر المجال الساحلي : تزاغين-بودينار على مؤهلات سياحية متنوعة، فإضافة إلى المؤهلات الشاطئية، يتوفر كذلك على جوانب من السياحة الثقافية المتمثلة في التراث المعماري والصناعة التقليدية، والأماكن التاريخية ...، لكن بالمقابل فإن هذه المؤهلات لم تستغل بعد بالشكل الكافي، فالقطاع السياحي غير مهيكل بسبب تأخر صدور تصاميم التهيئة الخاصة بالشواطئ، ومن ثم فإن الاستثمارات السياحية تقتصر فقط على بعض المبادرات الفردية . تعتبر السياحة الشاطئية من أهم الأنواع السياحية انتشارا داخل إقليم الدريوش، وذلك بسبب أهميتها وجاذبيتها، إضافة إلى عامل المناخ المساعد على الاستجمام في هذه الشواطئ خلال فترات الصيف . إن المجال الساحلي تزاغين-بودينار يتوفر على حصة مهمة من الشواطئ بأزيد من 5 شواطئ على طول 22 كلم، وقد عملت الطريق الساحلية على التعريف بها من خلال تسهيل عملية الولوج إليها، حيث كانت في السابق تعرف توافد سكان المجالات القريبة فقط أما الآن فقد أصبحت تعرف بعض الرواج من خارج المنطقة.وهذا من شأنه أن يساهم في الإقلاع السياحي مستقبلا . الطريق الساحلية المتوسطية متنفس لمنطقة معزولة تعد الطريق الساحلية أو الطريق المتوسطية التي تربط السعيدية –طنجة عاملا حاسما في تنمية الشريط الساحلي، ويندرج الطريق المتوسطي ضمن برنامج تنمية أقاليم الشمال ويبلغ طولها 550كلم . سيسمح مشروع الطريق الساحلي في تسهيل الولوج إلى المرافق الاجتماعية والاقتصادية وتحقيق التكامل بين الساحل ومجاله الخلفي وبين المجالين القروي والحضري ،إضافة إلى تقليص المدة الزمنية نحو مدن الناظوروالحسيمة . مؤهلات تقابلها اختلالات متعددة وضعية عقارية معقدة تعرقل التنمية الفلاحية تشكل الوضعية العقارية أحد أهم العوامل التي تقف في وجه التنمية الفلاحية بسبب تداخل الأنظمة العقارية وتعقد بنيتها مما يحد من التوسع الفلاحي والحرية في الاستغلال . تهيمن المساحات الزراعية لأقل من 1 هكتار على الأراضي الزراعية لأغلب الفلاحين داخل المجال الساحلي بفعل التجزيء الذي تتعرض له بسبب التوارث مما يؤدي إلى هيمنة الملكيات المجهرية على المشهد الفلاحي خاصة في المناطق الجبلية والسفوح وفي المساحات المسقية مما ينعكس على الإنتاج الفلاحي، حيث أن نسبة مهمة من الأنشطة الفلاحية تكون ذات طابع معيشي بسبب ضعف المساحات الفلاحية على الرغم من استفادتها من السقي . تدبير المجالات السقوية يعرف إكراهات متعددة ساهم مشروع السقي الصغير والمتوسط في التخفيف من ضياع المارد المائية عبر إعادة بناء المحاصر المائية وتهيئة مجموعة من السواقي. لكن بالمقابل فإن أهم عائق سيقف أمام المشروع هو التراجع المستمر للموارد المائية. إن نجاح مشروع السقي الصغير والمتوسط داخل المجال الساحلي تزاغين-بودينار، يفرض ضرورة تكييف أساليب التدبير الفلاحي مع التحولات العامة، المتمثلة في نقص الموارد المائية، والتغيرات المناخية التي يجب اعتبارها كإكراهات بنيوية يجب مراعاتها في أساليب التدخل ،كما يجب التقرب من الفلاح وتوعيته بمدى أهمية الموارد المائية، والعمل على إشراكه في كل مراحل المشروع وفق مقاربة تشاركية أساسها الفلاح، كما أن استمرارية الدورات التكوينية، والجولات الميدانية للمهندسين الفلاحيين داخل المناطق الفلاحية من شأنها أن تعزز فرص تنمية القطاع الفلاحي بالمنطقة. إن تدبير هذه المجالات يتطلب استغلالا حسنا للرصيد المائي، والحفاظ عليه كما وكيفا، ومن هنا تأتي ضرورة القيام بالإجراءات التالية: الحفاظ على المخزون المائي ونهج تدبير معقلن للموارد المائية. تنظيم عملية السقي لتجنب تبذير المياه من طرف الفلاحيين. صيانة المورد المائي بواسطة إتباع أساليب الاقتصاد في الماء، وتخصيصه للمنتجات التي لها أعلى قيمة مضافة. قطاع الصيد البحري بحاجة إلى اهتمام أكبر يعد قطاع الصيد البحري من أهم القطاعات التي يعول عليها لتحقيق تنمية مستدامة بالمجال الساحلي: تزاغين-بودينار، خاصة وأن هذا المجال يتميز بوجود مواقع معروفة تختص في صيد الأسماك، لكنها تعاني من مشكل التأطير، كما أن المنطقة تعول كثير على ميناء سيدي أحساين باعتباره المرفق الوحيد الذي يمكن من خلاله تنمية المجال الساحلي وإقليم الدريوش بصفة خاصة . يتوفر إقليم الدريوش على سبعة مواقع للصيد التقليدي، إضافة إلى ميناء سيدي أحساين بالجماعة القروية تازاغين. موقع شملالة في الجماعة القروية دار الكبداني موقع سيدي إدريس في الجماعة القروية بودينار موقع سيدس أحساين في الجماعة القروية تازاغين لعزيب موقع أحديد داخل الجماعة القروية أولاد أمغار إن هذه المواقع الخاصة بالصيد التقليدي داخل إقليم الدريوش بإمكانها أن تزيد من الإنتاجية السمكية، إذا تمت هيكلتها في إطار تعاونيات على غرار تعاونية الصيادين التقليدين بميناء سيدي أحساين. صعوبة التنقل نحو الشريط الساحلي تعاني أغلب الدواوير المنتمية للمجال الساحلي، من صعوبة في التنقل إلى الطريق الساحلية التي تربط مدن السعيدية- الناظور- الحسيمة، كما تتفاوت هذه الصعوبة تبعا للطبيعة التضاريسية والقرب أو البعد من الشريط الساحلي، كما أن المدن الداخلية لإقليم الدريوش تجد صعوبة في التردد على الشريط الساحلي. أمام هذا الوضع فإنه من الضروري فتح وتهيئة المسالك الطرقية أمام الدواوير المكونة لهذا المجال، حتى يتم تسهيل الحركية والتنقل ومن ثم المساهمة في التنمية القروية المستدامة لهذه المجالات..